رؤية تركية
دورية محكّمة في
الشؤون التركية والدولية
ISSN 2458-8458
E-ISSN 2458-8466

| المقالات والدراسات < رؤية تركية

إستراتيجيات منظمة هاشومير الصهيونية الأمنية في فلسطين 1909-1918م

رغم جهود الدولة العثمانية للحفاظ على فلسطين إلا أن الصهاينة استطاعوا تدشين بنية تحتية قوية لهم في مختلف المجالات، وكان مجال الأمن والحراسة وحماية ممتلكات الاستيطان الصهيوني من أهم البنى التحتية التي اعتنى بها الصهاينة، وتُعَدّ منظمة هاشومير التي أُنشئَت في فلسطين سنة 1909م أهم وأكبر منظمة حراسة صهيونية في هذا السياق. تتناول الدراسة هذه المنظمة وتتبّع طبيعة إستراتيجياتها منذ إنشائها حتى انتهاء الحرب العالمية الأولى، وتهتمّ بالوقوف على أهدافها غير المُعلنة من إنشائها المرتبطة بسعي اليهود إلى امتلاك قوة صهيونية خاصة؛ من أجل أداء أدوار تخدم فكرة إنشاء دولة قومية لهم في فلسطين.

إستراتيجيات منظمة هاشومير الصهيونية الأمنية في فلسطين 1909-1918م

تنامى الفكر الصهيوني في أوساط التجمعات اليهودية في أوروبا منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، حيث ظهر مفكرون صهاينة أمثال: يهودا القلعي (1798-1878)، وموسى حيس (1812-1875)، وآحاد هعام (1856-1927)؛ يدعون إلى التحرر الذاتي وإقامة دولة خاصة باليهود. وقد استفاد دعاة الصهيونية وروادها أمثال: تيودور هرتزل (1860-1904)، و زئيف جابوتينسكي (1880-1940) من ذلك الفكر، ومن الظروف الصعبة وحالة التمييز العرقي التي كان يتعرض لها يهود أوروبا، وعُرفت تلك الفترة باسم "المشكلة اليهودية". فجرى المُضيّ في مساعي عملية البحث عن أرض يجمعون فيها اليهود من مختلف دول العالم من أجل إقامة الدولة التي يحلمون بها.

كانت أرض فلسطين من أهم الخيارات التي سعى عدد من الصهاينة من أجل جعلها مقصدًا ليهود العالم، حيث تحظى فلسطين بأهمية دينية وتاريخية، إلى جانب ميزات موقعها الجغرافي ومكانتها السياسية. كما أن الصهاينة كانوا يعتقدون أنّ بإمكانهم الحصول على موافقة للاستحواذ على فلسطين من السلطات العثمانية التي كانت تعيش في حالة من الضعف والفوضى. استفاد الصهاينة من تغيير قناعات القوى الاستعمارية تجاه مصير الدولة العثمانية عقب تنامي حالة الضعف والفوضى التي عُرِفت في تلك الفترة باسم "المسألة الشرقية".

عمل الصهاينة على تطوير علاقاتهم بالقوى الاستعمارية، وعلى رأسها بريطانيا التي طمحت للاستحواذ على مزيد من الممتلكات العثمانية عقب احتلالها مصر سنة 1882. قام الصهاينة بحشد طاقاتهم في مؤتمر الصهيونية الأول سنة 1897 من أجل تقديم رؤية لحل "المشكلة اليهودية" وفقًا لصيغة تقبل بها الدول الاستعمارية، وتضمن لهم إقامة دولة يهودية في فلسطين. نتج عن المؤتمر الإعلان عن تأسيس المنظمة الصهيونية، والتحرك بشكل علني من أجل دعم هجرة اليهود إلى فلسطين واستيطانهم فيها، إلى جانب العمل على تجهيز البنى التحتية اللازمة لإقامة الدولة اليهودية عندما تكون الظروف الدولية سانحة.

تلاقت المصالح الصهيونية مع مصالح الدول الاستعمارية التي كانت تتطلع إلى فلسطين وعموم الأراضي العثمانية. ومن أجل ذلك سخّرت الدول الغربية جميع الإمكانات اللازمة لدعم الأنشطة اليهودية والصهيونية المختلفة في فلسطين. وهذا جعل قناصل الدول الأوروبية في فلسطين يتدخلون في الشؤون المحلية لمصلحة اليهود؛ بحجة حماية مصالح رعاياهم. كما جرى منح يهود فلسطين امتيازات خاصة وفقًا للاتفاقيات التي كانت تفرضها الدول الاستعمارية على الدولة العثمانية. وجاء الدعم الأوروبي الأكبر للمشروع الصهيوني عبر دعم عمليات الهجرة والاستيطان التي نظمها الصهاينة. إلى جانب ذلك جرى دعم الاستيطان اليهودي من خلال المساعدة في توفير مقومات الاستيطان، مثل شراء الأراضي بطرق ملتوية، وإقامة المدارس الخاصة، وتوفير الحماية القانونية اللازمة.

وعمليًّا تمكّن الصهاينة من تنفيذ عمليات الهجرة، وبناء العديد من المستوطنات في فلسطين خلال الفترة ما بين عامي 1882-1918م. بل إنهم ابتدعوا أساليب مختلفة من أجل الاستيلاء على الأراضي في فلسطين، كان من أبرزها: الشراء غير المباشر بواسطة السماسرة، استغلال فساد القوانين والقضاء في الضغط على ملّاك الأراضي للاضطرار لبيعها، ووضع اليد على الأراضي الغائب أصحابها باستخدام القوة. وشُكِّلت إدارة مركزية لمتابعة الشؤون العامة للتجمعات اليهودية الاستيطانية في فلسطين عُرفت باسم الـ Yishuv (يشوف).

بالرغم من اعتناء قسم من يهود كل مستوطنة بالأعمال الأمنية إلا أنه لم تتشكل خلال فترة قدوم المهاجرين اليهود في الموجة الأولى ما بين سنوات 1882-1903 أيّ منظمات حراسة أو أمن يهودية خاصة، بل اقتصر الأمر على اكتفاء مجموعات صغيرة داخل كل مستوطنة بالاهتمام بالمشكلات الأمنية. وكان المستوطنون مضطرين للجوء إلى الحرّاس العرب والشركس من أجل الحراسة الليلية. ومع ذلك كانت قد جرت أكثر من محاولة لتأسيس تشكيلات تختص بالأمن أو الحراسة خلال بدايات الهجرة اليهودية، إلا أنها لم تستمر.

دفع تطوّر منظومة البنى التحتية اليهودية في فلسطين إلى جانب توافد أفراد موجة الهجرة اليهودية الثانية ما بين سنوات 1904-1914؛ منظمة مثل بيلو الصهيونية إلى التوجه نحو العمل الأمني وأنشطة الحماية منذ سنة 1904. لم تتمكن بيلو من تشكيل جسم أمني مستقل، كما أنها لم تنشط بوصفها منظمة في إطار إقليمي يتعدى حدود المستوطنات التي يعمل فيها أعضاء المنظمة. فيما انتزعت مجموعة من القادة الصهاينة قرارًا سياسيًّا من المؤتمر الصهيوني الثامن سنة 1907 من أجل تأسيس منظمة سرية تختصّ بالعمل الأمني في فلسطين. عُرِفت المنظمة باسم بار جيورا (Bar Giora) ومثَّلت أولّ تجمّع مسلّح للحرّاس والعمّال الصهاينة في فلسطين من دون أن تأخذ أيّ شرعية من الإدارة العثمانية. وبالرغم مما أنجزته بار جيورا في تأسيس نواة للعمل الأمني والعسكري اليهودي إلا أن عددًا من المشكلات التي ظهرت في مجال الحراسة بالذات أدت إلى توجه قيادة المنظمة لإنشاء منظمة مسلحة متخصصة في مجال الحراس. مهدت تلك الظروف الطريق لتأسيس منظمة هاشومير لتمثل نقابة عامة للحراسة اليهودية في فلسطين، ولكي يتمكن الصهاينة من (مأسسة) عمل الحراسة بشكل مُعلن، فيتمكنوا من تنفيذ مختلف الأنشطة السرية والمسلحة تحت هذا العمل من دون إثارة المشكلات.


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...