في أيّار (مايو) 2023، شهدت تركيا انتخابات هي الأهم في العالم، تبعًا لتصريح عدد كبير من الخبراء والمؤسسات الدولية. وعند النظر من هذه الزاوية، نجد أن الانتخابات التركية تحمل أهمية حيوية من منظور الآليات الإقليمية والعالمية. فالتغيير المحتمل في السلطة تبعًا لنتائج الانتخابات، يحمل معنى من قبيل إمكانية تغير كبير في سياسات تركيا الإقليمية والدولية. واستمرار الحزب الحاكم في إدارة البلاد برئاسة أردوغان كان مهمًّا جدًّا من أجل استمرارية التوقعات والخطوات الإيجابية التي جرى الشروع بها في بعض العلاقات الثنائية والإقليمية، ولاسيما في العالم العربي. وهكذا تتجلى الانتخابات التركية عند دراستها من زاوياها المتعددة عن انتخاباتٍ يراقبها العالم باهتمامٍ كبير.
وعند تقييم الانتخابات من منظور تركيا الداخلي وآلياتها الداخلية، يجب أولًا مراعاة بعض الخصائص الفريدة التي تمتلكها تركيا، فتركيا تشهد الانتخابات الديمقراطية، على اختلاف ماهيتها، بشكل منتظم منذ عام 1950، والانتخابات بنتائجها التي تتمخض عنها شكلت في هذا السياق آلية لحل الأزمات السياسية التي تشهدها تركيا باستمرار، وتحولت على أيدي السياسيين المدنيين إلى وسيلة في هذا الاتجاه. والانتخابات ومن هنا تحمل طابعًا مؤسسيًّا في عمل الديمقراطية للتخلص من عهد الانقلابات، ومكافحة آليات الوصاية، ومنع النخب التي تسعى وراء تحقيق مصالحها من التدخل في السياسة بصورة غير ديمقراطية، ورفع المظالم غير القانونية عن ممثلي الشعب؛ لهذا السبب، وُصِفَت معظم الانتخابات التي أجريت منذ عام 1950 بأنها "تاريخية" و"حرجة" و"ميلاد جديد".
في هذا السياق، كانت جميع الانتخابات التي أُجريِت في القرن الحادي والعشرين، ومنها انتخابات عام 2002، حيث وصل حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم ذات أهمية حيوية، بشكل عضوي أو غير عضوي. وفي الانتخابات العامة عام 2002، أخفقت جميع الأحزاب السياسية التي كانت في البرلمان في الفترة التشريعية السابقة، ولم تتمكن من دخول البرلمان، وتنحى جميع الأحزاب والجهات الفاعلة على وجه التقريب من المعادلة السياسية. بالمقابل، نجح حزب العدالة والتنمية في الوصول إلى سدة الحكم بمفرده، ولم يكن قد مرّ على تأسيسه سوى 15 شهرًا، وكان زعيمه محظورًا سياسيًّا، وأصبح حزب الشعب الجمهوري بمفرده الحزب المعارض، وهو الحزب المؤسس للجمهورية، وأكثر الأحزاب قدمًا في عهد الجمهورية، لكن تأثيره السياسي وإنجازاته السياسية بقيت محدودة جدًّا على تعاقب السنين. لذلك، شكلت نتائج انتخابات عام 2002، محوًا للحزب المركزي الذي اتخذ الطابع المؤسسي سنوات طويلة، وتعطيلًا لأدواتها الفاعلة في المشهد السياسي، وميلادًا للعملية التي أطلقت حكم حزب العدالة والتنمية على مدار عشرين عامًا. وُصِفت انتخابات 2007 بأنها الانتخابات التي تحدت الوصاية الكمالية التي تجلت في أحداث انتخاب رئيس جديد للجمهورية وأزمة تحقيق 367 صوتًا لانتخاب الرئيس من الجولة الأولى، ووُصفِت انتخابات 2011 بأنها انتخابات "تركيا الجديدة"، والانتخابات العامة التي جرت عام 2015 وُصِفت بالانتخابات التي غلب عليها قضايا عديدة، مثل عملية الحل، ومكافحة تنظيم غولن، والأمن والاستقرار. وعُرِفت انتخابات 2018 بأنها ميلاد جديد، وطيّ صفحة أحداث ما بعد 15 تموز والانتقال إلى نظام الحكومة الرئاسية. وباختصار، كانت انتخابات ما قبل حزب العدالة والتنمية وما بعده في تركيا تحمل معنى أبعد من أن يكون مجرد انتخاب للرئيس أو النواب.