تمهيـــــــــــــد:
شكّلت منطقة آسيا الوسطى منذ العقد الماضي محور الاهتمام العالمي، إذ مثّلت مصالح إستراتيجية للقوى الإقليمية والدولية في بحر قزوين بهدف تأمين الطاقة، حيث يقرّ العديد من المراقبين بأهمية المنطقة، واحتياطياتها الجيوبولتيكية الضخمة من مقومات القوة، حتى إن البعض يضع ثروة الطاقة في بحر قزوين على قدم المساواة مع الخليج الفارسي، ومن منطلق أن النفط والغاز متغيران حاسمان وموجهان للاقتصاد العالمي فقد سعى كل من الاتحاد الأوروبي وتركيا إلى تعزيز أمنهما الطاقوي، وبخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتراجع النفوذ الروسي في الجمهوريات السوفيتية السابقة، والذي أدى بدوره إلى فراغ في المنطقة الشاسعة التي كانت تسيطر عليها موسكو في السابق.
ومن هنا برزت الأهمية الجيوستراتيجة لآسيا الوسطى ومنطقة القوقاز، وأصبح الاندفاع نحو الطاقة في بحر قزوين مجالًا تتنافس فيه مختلف الفواعل على تحسين مواقفها في النضال من أجل توازن القوى الجديد في أوراسيا، جوهره المنافسة والبراغماتية على خطوط أنابيب النفط والغاز في المنطقة، التي تربط بين المصالح الاقتصادية والسياسية، إذ تعدّ إستراتيجية أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي عاملًا حاسمًا للبلدان المنتجة وبلدان العبور على مدى السنوات العشر الماضية، بهدف التقليل من الأزمات الروسية الأوكرانية لعامي 2006 و2009، إضافة إلى الدور الجيوستراتيجي الذي تؤدّيه تركيا في المنطقة بأكملها.
لذلك سنتناول في هذه الورقة البحثية إبراز الأهمية الجيوسياسية لبحر قزوين بالنسبة إلى تركيا والاتحاد الأوروبي، من خلال فحص السياسات والإستراتيجيات الطاقوية المتبعة لكل منهما، وبناء عليه قُسمت القضية محلّ الدراسة إلى ستة مستويات، يبتدئ المستوى الأول بالتعريف أكثر بمفهوم أمن الطاقة، ويناقش المستوى الثاني الأهمية الجيوسياسية لبحر قزوين، في حين يذهب المستوى الثالث بعمق ليناقش الوضع الجيوسياسي لدول المنطقة المنتجة، مرورًا بالمستوى الرابع الذي سيتناول الحديث أكثر عن قضايا أمن الطاقة لدول الاتحاد الأوروبي، وصولًا إلى المستوى الخامس الذي تطرقنا فيه إلى فحص الجغرافيا السياسية للطاقة في تركيا نحو استقطاب تحالفاتها، وختامًا سندرس مصالح الطاقة المشتركة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في بحر قزوين.