رؤية تركية
دورية محكّمة في
الشؤون التركية والدولية
ISSN 2458-8458
E-ISSN 2458-8466

| المقالات والدراسات < رؤية تركية

مرجعيّة النجف ومسألة العروبة والمواطنة

مرجعيّة النجف ومسألة العروبة والمواطنة

مرجعيّة النجف ومسألة العروبة والمواطنة

 ملخّص: يناقش هذا البحث العلاقة بين المرجعية الدينية في النجف ومسائل اقترنت بالدولة الحديثة، وفي مقدّمتها قضية المواطنة. ويجادل الباحث أنّ العلاقات الدينية عابرة للحدود، ويرى أن أطروحة وجود صراع عربي-فارسي بين حوزتَي النجف وقم فيها نظر، وأن الدراسات التي تقدّم ذلك في قالب قومي عروبي مقابل القومية الفارسية التي تمثّلها مرجعية قم في إيران لا تستند إلى حجج قوية. كما يخلص الباحث إلى أن الفرس سيطروا لعقود طويلة على المرجعية في النجف، على العكس من حوزة قم التي لم يقف على مرجعيّتها العليا علماء عرب، ورغم وجود مراجع عرب في حوزة قم غير أنّ نسبتهم قليلة جدًّا تصل إلى حدّ النّدرة.

تقديم

أفرز ظهور الدولة الوطنية في المجال الإسلامي العديد من المفاهيم التي تباينت مواقف العلماء منها في مختلف التيارات. وتفاعلُ الشيعة مع هذه التطورات تجلّى في الكثير من الأحداث، مثل الانقسام الذي حصل بين علماء الشيعة المشروطة والمستبدة. وقد أدّى انهيار الخلافة العثمانية واستقلال العراق إلى بروز إشكالات جديدة واجهت الشيعة، تمحورت أساسًا حول الموقف من الدولة الوطنية. وفي محاولة الشيعة تأكيد انتمائهم لأوطانهم وعروبتهم، ودورهم في النهضة القومية العربية في العراق([1])- ظهر في الأوساط الشيعية بعض المقولات التي تأكّد الدور المحوري للمرجعيّة الدينية، لا في الحركة التحررية فحسب، بل في ترسيخ البعد الوطني والعروبي للعراق تحديدًا؛ خصوصًا في ظلّ التنافس الإقليميّ مع إيران، وبروز الخصوصيات القومية في الدولتين، حيث استُحدِث تقسيم جديد للتشيّع على أساس قومي، بتصنيفه إلى تشيّع فارسي وتشيّع عربي، وفي هذا السياق سُوِّقت حوزة النجف على أنّها تعبير عن التشيع العربي مقابل التشيع الفارسي الذي تمثّله حوزة قم. وانطلاقًا من هذا التقسيم سعى الكثير من الدراسات لتأكيد هذا التمايز في مختلف مظاهره، ومن ذلك الصراع بين المرجعيات العربية والمرجعيات الفارسية الذي تعبّر عنه الظاهرة الصدرية.

العلاقة بين قم والنجف:

يُطلَق على أماكن الدراسة عند الشيعة اسم (الحوزة)، وقد عرف الشيعة عبر تاريخهم العديد من الحوزات التي شكّلت مركز ثقل دينيًّا وعلميًّا عندهم، وشهدت الكثير منها نموًّا وازدهارًا، ثم تراجعا تبعًا للظروف السياسية، مثل ما حلّ بحوزة الحِلّة([2]). وهناك حوزات علمية في مختلف الدول التي بها شيعة، كلبنان وسوريا ودول الخليج، وأكثر الحوزات في العراق وإيران، وأهمّ حوزتين هما: حوزة النجف وحوزة قم؛ اللتان تُعَدّان مركز ثقل الشيعة خلال التاريخ. وبينما كانت حوزة قم أسبق في نشأتها إلا أن تأثيرها كان أقل من حوزة النجف التي يُؤرَّخ لها من هجرة الطوسي إليها. إذ نشأت مدينة النجف حول مرقد علي رضي الله عنه في ظهر الكوفة أواخر القرن الثاني الهجري، حيث ورثت الكوفة مكانًا وسكانًا، وكانت بذرتها الأولى بنزول الشيخ محمد بن الحسن الطوسي بها، الذي جعلها عاصمة للتشيّع، وذلك عام 448ه([3]). وقد نشأت قبل هجرة الطوسي إلى النجف بعض البيوتات العلمية، إلا أنّها لم ترتقِ إلى ظاهرة تأسيس حوزة علمية([4]). لكن منذ أن نزل الطوسي هناك هاجر إليها العلماء، فكانت منذ ذلك العهد إلى العهد الحاضر معقل رجال التشريع وزعماء الدين ومراجع التقليد عند الشيعة([5]). وكان الوافدون إليها زيارة وتحصيلًا يستوطنونها هم وذرياتهم وأعقابهم، وهذا أدّى إلى تشكيل حوزة دينية لنشر التشيّع في العالم الإسلامي وغيره([6]).

أما حوزة قم فكانت أول مركز علميّ شيعيّ، وجاءت أهميتها من ضمّها قبر "المعصومة" فاطمة بنت موسى بن جعفر (الإمام السابع من أئمة الشيعة الجعفرية الاثني عشر)، التي يقولون إنها قدِمت إليها سنة 201ﻫ في طريقها لزيارة أخيها الإمام الرضا (الإمام الثامن من أئمة الشيعة الجعفرية)، وتوفيت فيها بعد أيام قليلة من مقدمها، ثم كثر البناء حول ضريحها الذي بُنِيَت عليه قُبّة، وأصبح يُدعَى "الحرم"، الذي صار مدفنًا لكبار علماء الشيعة وملوكهم ووزرائهم. ومنذ العصر الصفوي تزايدت المكانة العلمية والدينية لـ"حوزة قم"، فأصبحت مركزًا للمرجعيّات العلمية الشيعية التي توجّه أتباع المذهب الجعفري وتقودهم عبر العالم([7]). لكن هذه الحوزة لم تبق على ازدهارها وعظمتها، بل توزّع الثقل العلمي على مراكز أخرى في العالم، في شرق العالم الإسلامي، وما وراء النهر، وشرق خراسان؛ إذ أسّس الشيخ المفيد حوزة بغداد، ثم حوزة النجف. شهدت حوزة قم نهضة جديدة مع عبد الكريم الحائري اليزدي سنة 1340ه، وأسهمت عوامل أخرى في ازدهارها، كهجرة المراجع الكبار من النجف إليها، كمهدي الخالصي، وأبي الحسن الأصفهاني، والنائيني، والشهرستاني، واستمرّ تطورها، ولاسيّما بعد نجاح الثورة الإيرانية سنة 1979م، وتأسيس آية الله الخميني الجمهورية الإسلامية([8]).

 آية الله العظمى الحائري مؤسس حوزة قم

عرفت حوزتا النجف وقم حركة مستمرة وتفاعلًا لم ينقطع، وهما تُعَدّان مناطق لجوء أو منفى اختياري للمراجع الشيعية، فكلما ضُيِّق سياسيًّا على أحد المراجع في العراق نتيجة أزمات سياسية ما يلجأ إلى قم، ومثل ذلك في إيران، إذ كلما ضُيِّق على المراجع الإيرانيين فإنّهم ينتقلون إلى النجف. وقد نجم عن هذا تأثير متبادل؛ إذ كان للعلاقات المستمرة بين مراكز الفكر الشيعي في إيران والعراق أثر في ترسيخ الأثر الفارسي في العراق والأثر العراقي في إيران([9]). لكنّ ذلك لم يحُل دون وجود فوارق بينهما([10]).

حوزة النجف بين العرب والفرس:

نجم عن التفاعل بين الحوزتين حضور إيرانيّ قويّ في النجف، سواء من جهة مراجع الدين أم من جهة الطلبة، وهذا راجع أساسًا إلى عوامل سياسية؛ فنتيجةً للاستيلاء الأفغاني–السُّني على أصفهان في 1722م، ومحاولات نادر شاه لتشجيع التقارب السُّنّي- الشيعيّ، ومصادرة الكثير من الأوقاف التي تدعم رجال الدّين الشيعة في إيران، تشرّدت المئات من عوائل علماء الشيعة الذين هرب كثير منهم إلى العراق، خلال الفترة الممتدة من 1722 إلى 1763م. وانتقل مركز الدراسات الشيعية من إيران إلى العراق، أوَلًا إلى كربلاء، ثم النجف، وانتشرت اللغة الفارسية حينذاك انتشارًا واسعًا في كربلاء والنجف وبغداد والبصرة([11]).

واستغلّ العلماء الفرس الذين هاجروا إلى العراق انعدام الاستقرار في البلاد بسبب صعود المماليك في عام 1747، وما تلا ذلك من دخول العراق تحت الحكم العثمانيّ بشكل غير مباشر دام حتى 1831م. ففي كربلاء والنجف تمكنت الأُسَر الدينية الفارسية من أن تطغى على العلماء العرب، ونجحت في السيطرة على الدوائر الدينية. وانتهى الصراع بين العلماء "الأخباريين" التقليديين والعلماء "الأصوليين" العقلانيين حول منهجية الفقه الشيعي- بانتصار "الأصوليين" الذين كانوا  فُرسًا، واحتلّوا مواقعهم المرموقة داخل المؤسسة الدينية الشيعية في العراق بعد انتصارهم. وبحلول منتصف القرن التاسع عشر أصبحوا يسيطرون على القسم الأعظم من الأموال الخيرية والمدارس الشيعية، مكتسبين بذلك سطوة عظيمة في تعاملهم مع الحكومات العثمانية والقاجارية على السواء، وكذلك مع السكان المحليين. وكان الفرس في العراق -وتحديدًا في النجف وكربلاء حيث قارب عددهم ثمانين ألفًا- خلال أواخر الحكم العثماني خاضعين بشكل كامل لسلطة القناصل الإيرانيين هناك([12]). كلّ هذا جعل من الصعب على العثمانيين أن يمارسوا سيطرة فعّالة على النجف وكربلاء اللتين ظهرتا بوصفهما معقلي الإسلام الشيعي في العراق([13]). وبشكل عام كانت حوزة النجف في المرحلة القاجارية هي الأهمّ، وكان جُلّ المراجع الكبار فيها من أصول إيرانية، ثم بدأت في التراجع، وانتقل مركز الحوزة العلمية مرة أخرى إلى قم، على يد آية الله الحائري، ثم آية الله البروجردي، ولا تزال قم مركز الحوزة العلمية إلى يومنا هذا([14]).

أسفر هذا التفاعل الشيعي الفكري بين البلدين عن نشوء حالة فكرية دينية في العراق، أخذ الزعامة فيها العلماء الإيرانيون، أو من أصل إيراني، فكانوا القادة الدينيين والوعاظ في العراق، وأصبحت لهم الكلمة النافذة فيه. وأكثر طلاب العلم في مدارس النجف الدينية هم من الإيرانيين. ويؤثِر عدد كبير منهم الإقامة في كربلاء والنجف بعد إنهاء دراستهم، وإقامتهم  هذه تعمّق الأثر الفارسي في الحياة الاجتماعية؛ لذا كانت المشكلات الإيرانية في المجتمع العراقي تنعكس على وجود هذا العدد من الإيرانيين المقيمين في كربلاء والنجف([15]). وإذا عُدنا إلى أهمّ مراجع الشيعة في القرن العشرين فإنّه ليس من الصعب اكتشاف مدى سيطرة الإيرانيين عليها، فحوزة قم لم يتصدّرها أيّ عربي، بعد وفاة آية الله العظمى عبد الكريم الحائري مؤسّس حوزة قم، وبعد تولّي المراجع المعروفين العظام: آية الله محمد تقي الخونساري، وآية الله حجت، وآية الله صدر الدين الصدر، آلت المرجعية الدينية وزعامة الحوزة إلى آية الله العظمى حسين البروجردي([16]). أما حوزة النجف فمراجعها الكبار ينحدرون من أصول إيرانية، مثل الآخوند الخراساني، ومحمد كاظم اليزدي، ومحمد تقي الشيرازي، وفتح الله الأصفهاني، وأبي الحسن الأصفهاني، ومحمد حسين النائيني، والشاهرودي، مع بعض الاستثناءات، كمحمد حسين كاشف الغطاء، ومحسن الحكيم، الذي خلفه الخوئي ثم السيستاني.

وتجدر الإشارة إلى أنه عقب وفاة آية الله أبي حسن الأصفهاني انحسرت المكانة المطلقة لمرجعية العراق، وبدأت مرجعيات أخرى بالظهور في بعض الأماكن، مثل قم التي شهدت سطوع نجم آية الله البروجردي، ومعه شدّت المرجعية رحالها إلى إيران، حيث انعكس مسار التأثير، وإن كان محدودًا، وبخاصة من الناحية السياسية، فبينما كان لمرجعية النجف تأثير جاد في التحوّلات السياسية والاجتماعية الإيرانية، إلا أن العكس لم يحصل في المراحل التاريخية التي تحولت المرجعية الأصلية فيها إلى الجانب الإيراني([17]). ويرجع هذا التحوّل إلى قيام الدولة الحديثة التي وجّهت ضربة إلى موقع المجتهدين الشيعة في العراق، وتجلّى ذلك في انتقال القيادة الدينية (المرجعية) من النجف إلى قم بعد وفاة أبي الحسن الأصفهاني في عام 1946م، وظهور حسين بروجردي فيما بعد، بوصفه المجتهد الأكبر (مرجع التقليد). وكان هذا التطور يجسّد تراجع الإسلام الشيعي في العراق، وصعوده في إيران خلال القرن العشرين([18]). ومن جهة أخرى تسبّب نشوء الدولة الحديثة في إضعاف الموقع السياسي والاقتصادي-الاجتماعي لمدينتي النجف وكربلاء إزاء بغداد، فمع ظهور العاصمة بوصفها مركز السلطة أخذت النجف وكربلاء تجدان صعوبة متزايدة في قيادة محور هوية الشيعة في الدولة الجديدة([19]).

الدولة الوطنية والتعريب:

بعد تأسيس الدولة الوطنية جرت مساعي حثيثة لتعريب حوزة النجف، واتّسمت عملية التغيّر في هوية النجف من أعجمية إلى عربية بالتدريج والبطء للغاية، إذ كانت معظم الدروس الحوزوية تُلقَى في حلقات تحكمها اللغة الفارسية، حتى إن كثيرًا من الطلبة العرب كانوا مضطرين إلى تعلم الفارسية لكي يتاح لهم الاشتراك في تلك الحلقات. ومن هنا فإن النفَس الإيراني ظلّ قائمًا بقوة حتى في زمن مرجعية آية الله الحكيم الذي كان شخصية عربية([20]).

وكان بعض المجتهدين الشيعة ينتسبون في الأصل إلى قبائل عربية في العراق، أبرزهم علي كاشف الغطاء وابنه أحمد اللذان ينحدران من اتحاد المنتفق. وقد حاول هؤلاء المجتهدون استخدام صلتهم العشائرية لتقوية موقعهم بين السكان وداخل المؤسسة الهرمية الدينية الشيعية. واتّهمت عشائر الفرات الأوسط المجتهدين الفرس بالتعيّش من ثروات العراق، وقيادة الناس في طريق الضلال خلال الثورة. وأطلقت تلميحًا بأنه لربما كان من المناسب أن يعودوا إلى إيران، ويتركوا توجيه الشيعة العرب للمجتهدين العرب. وإزاء هذا المزاج لدى رجال العشائر ربما لم يكن من المستغرب تمامًا أنه حتى سيد علي اليزدي نجل المجتهد الأكبر كاظم اليزدي الذي لم تكن مرتبته عالية بالمقارنة مع المجتهدين الفرس الثلاثة الآخرين- تمكّن من استثمار الاحترام الذي تمتّع به والده فيما مضى؛ لزيادة نفوذه بين العشائر. وقد تعزّز موقعه بإعلانه في أحيان كثيرة أنه على الرغم من أصوله الفارسية فإنّه يَعُدّ نفسه عربيًّا وعراقيًّا. وتولّى فيما بعد منصب مجتهد أول في تقدير عشائر الحلّة والشامية([21]). وفي ديسمبر 1925 لوحظ نشوب صراع داخل المؤسسة الدينية الشيعية، شقّها إلى معسكرين: المعسكر الفارسي بقيادة الأصفهاني والنائيني، والمعسكر العربي بقيادة أحمد كاشف الغطاء. وعاد الصراع العربي الفارسي إلى الظهور في عام 1932 مع الخطيب صالح الحلّي الذي شنّ حملة ضدّ مراجع الفرس، وكان يطالب بحصّةٍ من ريع الخُمس، وسانده في حملته اثنان من كبار المجتهدين العرب، هما: محمد حسين كاشف الغطاء، ومحمد علي بحر العلوم([22]).

وتجلّى صعود المجتهدين العرب إلى موقع متقدّم نسبيًّا في المؤسسات الهرمية الدينية الشيعية في العراق خلال العهد الملكي وبعده. ونظرًا لمحورية المرجعية العليا عند الشيعة فإن محاولات تعريبها دليل على هذا الاتجاه الذي ساد في العراق، كحرص بعض وجهاء النجف على ترشيح آية الله الحكيم للمرجعية بعد وفاة آية الله النائيني، فإن لم تكن الحوزة تخلو قبل ذلك من العلماء أو المراجع العرب، لكن كان وجود الإيرانيين يغطّي عليهم([23]).

 وكان الشيعة العراقيون أحيانًا يتجاهلون المرتبة الدنيا للمجتهدين العرب في المؤسسة الهرمية الشيعية العامة، فيقلّدون مجتهدين منهم، مثل محمد باقر الصدر (توفّي 1980)، وكانوا يشعرون أنهم منهم وأنّهم قادرون على تلبية الحاجات المحددة للمجتمع الشيعي العراقي. لكن الحكومة تمكّنت في الوقت نفسه من ممارسة قدر من النفوذ على بعض المجتهدين العرب، واستخدمتهم لإضعاف موقع المجتهدين الفرس، والحيلولة دون ظهور قيادة دينية شيعية قوية في العراق. وأدّى عجز المؤسسة الدينية الشيعية إلى عرقلة الاتصالات بين المجتهدين والمواطنين العاديين في العراق الحديث([24]).

وكان لحزب الدعوة أيضًا دور فعال في إضفاء الطابع العربي على الحوزة، فالكثير من الطلاب انخرطوا في صفوف الحوزة بتشجيع من هذا الحزب، والواقع أن موجة دخول الطلبة العرب والعراقيين إلى الحوزة وإن كان يتمّ برعاية آية الله الحكيم وإشراف مباشر منه إلا أنّ الجهد الميداني المبذول في هذا السياق كان يقع على عاتق حزب الدعوة([25]).

 

وقد أدّت سنوات الحرب العراقية الإيرانية إلى تزعزع مركز شيعة العراق الديني، فبعد أن ازدهرت المراكز العلمية في النجف والبصرة وكربلاء وسامراء، وبعدما كانت مراكز الشيعة التاريخية، مثل مدافن أهل البيت والأئمة تجذب خمسة ملايين زائر كل سنة- توقف النشاط، وانتقل الثقل الديني مؤقتًا إلى إيران([26]).

وهذه الأطروحة تعاني اختلالات عديدة، نناقشها في المحور الآتية:

أوّلًا: المرجعية بين الأُممية والقطرية... مواجهة الاحتلال نموذجًا:

تُعَدّ "المرجعية الدينية" المركز القيادي الأعلى للشيعة في إدارة شؤون الأمة، وإدارة أحوالها الدينية، ويكون المشرف عليها المرجع([27]). وتأتي أهمية المرجعية عند الشيعة؛ لكونها الركيزة الثانية في عقائدهم بعد الإمامة، وهي متصلة بها، فالدور القيادي المؤثّر للمجتهد والمؤسسة الدينية في الحياة الدينية والسياسية والثقافية للشيعة يستند إلى المكانة المهمّة التي وفّرتها عقائد الإمامية للمجتهدين باعتبارهم نوّابَ الإمام المعصوم ووكلاءه في زمن الغيبة، بحسب ما جاء في روايات متعدّدة مذكورة في الكتب المعنية بهذا الشأن([28]). فالمرجعية بمفهومها الواسع تعني قيام المجتهد الجامع للشرائط مقام الإمام في مهمّاته الأساسية الثلاث: الولاية والفُتيا والقضاء([29]). وهناك من يعرّفها بأنها ذلك المنصب أو الموقع الذي يرجع الناس إليه لمعرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بحقوقهم، أو بالأموال الشرعية المترتبة على المكلفين منهم، أو تلك المتعلقة بشؤون الأوقاف والقاصرين، والتي تندرج تحت عنوان الولاية الخاصة، أو تلك المتعلقة بما هو أشمل لمن يعتقد أو يقول بالولاية العامّة على أساس نظرية ولاية الفقيه. والمرجع هو الذي يتولى الأمور الدينية المتصلة بحياة الناس على صعيد الفتوى والحركة التي قد تضيق تارة وتتسع تارة أخرى([30]).

والمرجعية أو المرجع ليس منصبًا يتمّ تعيينه أو اختياره عن طريق الاستفتاء الشعبي أو العِلْمي، كما لا يوجد وقت محدد لاختياره، فبعد أن يقتنع ذوو الخبرة –وهم العلماء في الحوزة العلمية- بأعلميّة الفقيه، وحسن سلوكه وإدارته، وتجتمع فيه صفات المرجع- يَرجع إليه ويستجيب لفتواه مَن تَوثّق مِن توفُّرِ هذه المقوّمات فيه([31]). وكان تشخيص (الأعلم) في المراحل السابقة يتم بواسطة كبار الفقهاء، إذ كان المجتهد الأعلم والمرجع في كل زمن هو الذي يحدّد الأعلم من بعده؛ لمعرفته به أكثر من غيره، ثم يعرِّف الناس به([32]). ولم تكن هناك أيّ صيغة تنظيمية للعمل المرجعي أو أيّ تطلعات لتطوير شخصية المرجع، أو حركته العملية؛ لأن الواقع الشيعي كان بعيدًا عن نطاق الواقع السياسي، باعتبار أن الفكرة السائدة هي الابتعاد عن السلطة المنحرفة عن الخطّ الصحيح وعن السياسة بشكل عام، وهذا جعل من المرجعية في صيغتها المألوفة موقعًا محدودًا ينسجم مع الحاجات العامة التي يحتاجها الواقع الشيعي آنذاك([33]). وغالبًا ما يبقى المرجع الأعلى لفترة طويلة نسبيًّا في هذا المنصب؛ لذلك يحدث تداخل عند انتقال المرجعية.

هذه الخلفية التي هي محل إجماع عند الشيعة تؤكّد مبدئيًّا شمولية المرجعية، وتجاوزها للحدود الوطنية، سواء من حيث التقليد إذ يوجد في كل بلد مقلدون لمراجع متعدّدة من داخل الوطن وخارجه، وتربطهم علاقات مباشرة بهم بواسطة وكلائهم- أم من حيث التأثير، فالمرجع يسهم في التطورات التي تحدث في بلده وخارج بلده بشكل مباشر. وهذا ما يثبته نشاط المرجعية عبر التاريخ. وفي حدود الدراسة نشير إلى أهم أحداث القرن العشرين التي تؤرّخ لظاهرة القومية والوطنية.

إذن؛ يُؤرَّخ للحركة الوطنية في العراق بثورة العشرين؛ التي أدّى فيها مراجع الشيعة دورًا مهمًّا في مواجهة الموجة الاستعمارية، وبشكل خاص الاحتلال البريطاني للعراق وإيران، وبكلّ تأكيد لا يمكن نفي هذا الدور، غير أن النقاش يتمحور حول الخلفيات التي كانت تحرّك هؤلاء المراجع، فالبعض يفسرّها على أساس روح المواطنة عندهم، من دون تقديم أيّ براهين على هذا التفسير، بل على العكس تمامًا، إذ تُظهر المعطيات والمواقف أن تحرّكهم انطلق أولًا وأخيرًا من خلفيتهم الدينية التي تقضي بمواجهة العدو الخارجي، ومن علاقتهم مع السلطة السياسية التي ظهرت لاحقًا أنها كانت تتوقف على مدى اقترابها من الأطروحة الشيعية، وأنه نُظِر إليها في النهاية بوصفها سلطة غير شرعية، تناسقًا مع عقائدهم التي لا تعترف بأي سلطة تأخذ مكان الإمام الغائب، ولاسيّما عندما تكون سُنّية -بغضّ النظر عن مدى التزامها الديني- كما كان الحال مع السلطة الملكية والجمهورية في العراق خلال القرن العشرين.

ومن جهة أخرى، من المعلوم أن المراجع البارزة في تلك المرحلة كانوا من أصول فارسية، وإذا فسّرت موقفها على أساس المواطنة فإن السؤال الذي يطرح هو: هل كانت مواطنتهم إيرانية أم عراقية؟! علمًا أن المراجع تفاعلوا مع الأزمات في البلدين بشكل متزامن، وأهمها الجدل حول مسألة (المشروطة والمستبدة) فهي أحد أهم القضايا الجدلية في التاريخ الشيعي الحديث، والتي ترافقت مع بدايات انتقال مفاهيم الدولة الحديثة ومؤسساتها إلى المنطقة، وبالعودة إلى الانقسامات حولها التي سادت بين العلماء الشيعة في إيران والعراق يظهر جليًّا وجود التيارين في حوزة النجف؛ بحكم الصلة الدينية، والاجتماعية، والجوار بين العراق وبلاد فارس، والتأثير الكبير لعلماء الدين في النجف في الرأي العام الفارسي. امتدّ الصراع حول قضية (المشروطة والمستبدة) إلى العراق عمومًا، وإلى النجف بشكل خاص([34]). انقسم رجال الدين في النجف تجاه هذه المسألة إلى اتجاهين: الاتجاه الأول: أيّد تأسيس مجلس نيابي، وسنّ دستور، وتوجّهات المشروطة، وتزعمه الشيخ محمد كاظم الخراساني. والاتجاه الثاني: وهو الاتجاه الفردي في ممارسة السلطة السياسية الذي يدعى بـ(المستبدة)، الذي يرى أن السلطان ظلّ الله في الأرض، ولا يجوز تقييده بدستور، وتزعّمه محمد كاظم الطباطبائي اليزدي([35]).

وفي أكتوبر 1908 وجّه ثلاثة من مجتهدي النجف الأربعة الكبار: محمد كاظم الخراساني، وعبد الله المازندراني، وحسين مرزا خليل- رسائل إلى القنصل البريطاني والروسي والفرنسي والألماني في بغداد، أكّدوا فيها أن التنازلات الإيرانية للأجانب تنازلات لاغية، وأنّ ما يُمنَح في المستقبل من قروض إلى إيران لن يُسدّد. وفي مناسبات متعددة في 1909-1910 دعوا إلى استحداث "صندوق التسليف الوطني الإيراني" لتسديد ديون إيران الخارجية، وتفادي الحاجة إلى طلب المزيد من القروض من أوروبا([36]).

وقائد ثورة العشرين التي تؤرّخ للحركة الوطنية العراقية هو المرجع آية الله الشيرازي، ومن المعلوم أنه إيراني، وسبق له أن هدّد بالهجرة إلى إيران وإعلان الجهاد ضد الإنكليز هناك. ومن المراجع الذين أدّوا دورًا في ثورة العشرين أيضًا آية الله اليزيدي، وفي المرحلة اللاحقة بعد الشيرازي تسلّم قيادة الثورة الشيخ فتح الله الأصفهاني، ولم يقتصر دور الشيرازي وغيره من مراجع الدين في تلك المرحلة على الجغرافيا العراقية، بل أدّوا الدور نفسه في إيران، حيث راسلوا رئيس وزرائها يحذّرون من مغبّة عقد معاهدة مع الإنكليز تذهب استقلال البلاد([37]). وكان هدفهم من الدعوة إلى الثورة تأسيس حكومة دينية تقوم على أحد المبادئ الأساسية للمذهب الشيعي([38]). فقد كان النزاع بين المجتهدين الشيعة وساسة العراق السُّنة في أوائل العشرينيات ينبع من الصدام بين العملية التي بدأت في منتصف القرن الثامن عشر لتكوين دولة شيعية من جهة، وإقامة النظام الملكي العراقي من جهة أخرى. وتجلّى النزاع في صراع الفئتين حول طبيعة الحكم، وكذلك من أجل السيطرة على السكّان الشيعة في الدولة الجديدة([39]).

أما أبو القاسم الكاشاني الذي شارك في نهضة استقلال العراق ضد الاحتلال البريطاني مع سائر المراجع والعلماء، فقد اضطر-عندما أصدرت السلطات أمرًا بإلقاء القبض عليه- إلى الذهاب إلى إيران، وبدأ حياته السياسية في معارضة الحكم البهلوي إلى وفاته سنة 1340ه([40])، إذن فهو عمِل ضد النظامين العراقي والإيراني، ولم يتحرّك من خلفية مواطنيته بتاتًا.

ثانيًا: المرجع محسن الحكيم:

تصدّر آية الله محسن الحكيم المرجعية في مرحلة كان الخطاب القومي العربي في أوج عنفوانه، ومثّلت عروبته عند هذه الأطروحة أحد معالم تعريب الحوزة كما سبقت الإشارة، لكن بالعودة إلى سيرته من بداية مساره العلمي وصولًا إلى تبوّئه المرجعية ومواقفه حتى وفاته- تنكشف صورة مختلفة تمامًا، فهو لم يرتبط بمرجعية خاصة بما يصنّفه أو يحدّده في مجمل حركته العامة، وكانت له علاقات إيجابية مع مختلف المرجعيات، كما لم يرتبط بأستاذ معين، أو مدرسة خاصة، حيث كان يدرس على النائيني والعراقي في آن واحد، كما استفاد من المدرسة الأصولية للآخونذ الخراساني، والفقهية للطباطبائي اليزدي، وهو في المنهج التحليلي العقلي في الاستنباط ينتمي لمدرسة الأصوليين المتأثرين بالفلسفة غير الناطقين باللغة العربية، ولاسيّما الإيرانيين، وكان له أصدقاء من العرب العراقيين، واللبنانيين، والإيرانيين([41]).

وعلى العكس تمامًا عندما كانت الأوضاع السياسية تضغط من أجل أقلمة النجف أو جعلها عربية على أفضل تقدير- دافع الحكيم وإلى النفَس الأخير عن بقاء حوزة النجف مفتوحة أمام جميع أقاليم العالم الإسلامي([42])، واهتمّ بإلغاء حالة الشعور بالامتياز أو التعصب للانتماءات القومية والإقليمية في أوساط الحوزة، بدليل أنه استفاد بشكل واسع من الطلبة والعلماء اللبنانيين والإيرانيين ومن غيرهم، في الأعمال التبليغية، وفي التوعية في العراق، وملأ بعض الفراغات والمناطق المهمّة بشكل مؤقت أو دائم. وكذلك الحال في مناطق أخرى، مثل لبنان والخليج وإفريقيا وتركيا وسوريا، وحتى في الأوساط الإيرانية كان هناك دور واسع وعميق لمرجعية الحكيم، إذا أخذنا بعين الاعتبار انعكاس حركته السياسية على الأوساط الإسلامية وتقدّمها على المرجعيات الأخرى المعاصرة لها في هذا المجال، والدعم والإسناد الواسع الذي قامت به مرجعية الحكيم لهذا التوجه والوعي في إيران وحوزة قم، فضلًا عن تبنّيها للطلبة الثوريين الإيرانيين في حوزة النجف إلى جانب الطلبة الآخرين([43]).

وسياسيًّا كان يتابع باهتمام تطورات الوضع السياسي في إيران، وحين انطلاق الخميني في عمله ضد حكم الشاه أبدى الحكيم غاية الاهتمام بمتابعة التطورات الحاصلة، فكان يبعث الرسائل والبرقيات لوكلائه ومعتمديه في إيران لموافاته بصورة الأحداث، أو التحرك من أجل إطلاق سراح السجناء، أو لإيصال استنكاره وإدانته لممارسات نظام الشاه. ودفعه قلقه الكبير وحرصه على الوضع الديني والحوزوي في إيران إلى أن يوجه دعوة إلى كبار العلماء في إيران بعقد مؤتمر (عُلمَائي) في النجف الأشرف من أجل تدارس الأوضاع، ومن ثم اتخاذ القرار اللازم تجاه الشاه([44])، فضلًا على أنه كان أول مرجع شيعي يصدر بيان إدانة ضدّ الشاه لسماحه بفتح مكتب تجاري إسرائيلي في طهران، وطلب في رسائل وجّهها إلى وكلائه في إيران بتذكير الشاه بخطورة العمل([45]).

ثالثًا: الظاهرة الصدرية وعروبة الحوزة

بعد وفاة آية الله الحكيم توزعت الحوزة على مرجعية الخوئي والشاهرودي، ولم تكن للخميني حصة تُذكَر حيث إن حوزة النجف لم تتعاطف أصلاً مع التوجهات الثورية لآية الله الخميني([46]). ومن الواضح أن الأسماء الثلاثة كلّها فارسية، ولم تحدث أيّ استمرارية لأطروحة عروبة الحوزة، لكن هناك من يشير إلى محمد باقر الصدر على أنه اسم رابع، وأنه مثل المرجعية العربية، ودخل في مواجهة مع الخوئي من هذا المنطلق، إذ يمثّل المرجعية الرشيدة الصالحة، بينما المرجعية الفاسدة الفردية المتخلّفة تنطبق تمامًا على السيستاني والخوئي. وهذا ما كتبه الصدر نفسه في آخر أيامه بعد يأسه من إصلاح المرجعية من الداخل، عندها اتّهمته المرجعية الفارسية الخوئية بأنّه وهابيّ وعميل ومنحرف عن العقيدة، ولقّبوه في النجف بالسَّطْل بدل الصَّدْر، وتواطؤوا مع النظام ضدّه، ووزعوا الحلوى بشهادته([47]).

وبعد اغتياله في 1980 تصدّر المشهد أخوه محمد صادق الصدر الذي اغتيل هو الآخر في 1998، حيث استطاع أن يستثمر جملة من التحوّلات التي أعقبت حرب الخليج الثانية في أن يبرز بقوة في المشهد الشيعي في العراق بداية من العام 1992؛ إذ أعاد الرجل إعادة إنتاج الصراع حول "عروبة" الحوزة الدينية في النجف، وهو صراع بدأ مبكّرًا مع بداية القرن العشرين، ربّما بتأثير من الفكر القومي الذي هيمن على المنطقة([48]). وقد أفاد من المناخ الذي نتج عن القمع العنيف للتمرّد الذي وقع في المحافظات الوسطى والجنوبية ذات الأغلبية الشيعية في أعقاب إخراج القوات العراقية من الكويت، والانتقادات الضمنية التي وُجِّهت إلى الحوزة الدينية في النجف الأشرف، تحديدًا مرجعية أبي القاسم الخوئي (1899-1992)؛ بسبب موقفها غير الحاسم من دعم هذا التمرّد، وذلك من خلال طرح الصدر لثنائية الحوزة الناطقة (يطلق عليها البعض "مرجعية الميدان")، أي المؤسسة الدينية العملية المرتبطة بالمجتمع بشكل مباشر، ويمثّلها هو شخصيًّا، والحوزة الصامتة التقليدية التي انحصر دورها في الإطار الديني البحت. وقد قام في عام 1998 بخطوة راديكالية غير مسبوقة، في إطار سعيه للتمايز عن المراجع التقليديين، وهي إحياء صلاة الجمعة، التي كانت "فريضة معطّلة" عند الشيعة، بل قال بعضهم بحرمتها وعدم وجوبها عينًا في عصر الغيبة، وهي خطوة مثّلت في الوقت نفسه "استعراضًا" لقوته ونفوذه بين أتباعه ومقلّديه. ولا يمكن النظر إلى هذه الخطوة بعيدًا عن "التنافس" مع "المرجعيات" التقليدية من جهة، والقائلين بـفكرة "ولاية الفقيه" المعاد إنتاجها من جهة أخرى، ليس في العراق فحسب، بل في إيران أيضًا؛ فإحياء صلاة الجمعة كان الأداة العملية لمقولة "الولاية العامة المقيّدة" التي قال بها الصدر([49]).

وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق قفز إلى الواجهة مقتدى الصدر الذي يُروَّج بوصفه امتدادًا للظاهرة الصدرية، وما تحيل إليه من عروبة في مواجهة إيران سياسيًّا ومواجهة المرجعية الفارسية دينيًّا. قبل أشهر قرأتُ بأنّ جولة مقتدى الصدر الخليجية 2017م، تأكيد أن شيعة العراق عرب، ينتمون في النهاية إلى مدرسة النجف وفكرها، مهما بلغ شأو محاولات تحريف هذه الحقيقة التاريخية([50]).

تقتضي مناقشة هذه القراءة تفكيك أُسسها، وذلك من خلال الإجابة عن سؤالين محوريين:

  1. هل كان الخوئي يمثّل التشيع الفارسي؟
  2. هل كان الصدر يمثّل التشيع العربي؟
  3. نهج الخوئي:

سار الخوئي على نهج سلفه الحكيم في التعامل مع الأحداث في إيران والعراق على حدّ سواء، فقد كانت له مواقف واضحة من الأحداث التي عصفت بإيران خلال حكم الشاه، فأذاع تصريحاته الخطيرة وبيّن فيها فساد حكم الشاه، ونبّه على المظالم التي كانت تُرتَكب في عهده، وكان لهذه التصريحات صداها في إيران والعالم الإسلامي. وحول هذا يقول المرشد علي خامنئي إنّه كان من بين الأوائل الذين لفتوا اهتمام الحوزة العلمية في النجف إلى أهمية الأحداث في إيران بعد بزوغ الحركة الإسلامية بزعامة الخميني، وأنّه بذل سعيًا مشكورًا لتجاوبها مع المشاركة العظيمة للعلماء والشعب في إيران. وعند استمرار التظاهرات واشتداد الاصطدامات في الشارع الإيراني وبعد أن أصبح الموقف السياسي للشاه ضعيفًا ومهزوزًا سارع الشاه بهلوي إلى إرسال مبعوث إلى العراق، للتوسط عند الخوئي من أجل التدخّل لكي يوقف الخميني الهيجان الشعبي في الشارع الإيراني، لكن الخوئي رفض المبعوث القادم إليه، ورفض مطالبهم وتوسلاتهم. وبعد نجاح الثورة الإيرانية سارع الخوئي إلى التصويت لمصلحة نظام الجمهورية الذي أقرّه الخميني، وأدلى بصوته وهو في العراق([51]). كما رفض الطلب البعثي بالوقوف إلى جانب العراق في الحرب مع إيران، ورغم الضغوط والمضايقات طيلة الحرب لم يتّخذ موقفًا سلبيًّا تجاه إيران([52]).

هذه المواقف تؤكّد أن الخوئي كان شيعيًّا أولًا وأخيرًا ولم يكن لا فارسيًّا ولا عربيًّا.

  1. نهج الصدر:

إذا كان الصراع مع الخوئي دليل على عروبة الصدر فإن علاقة هذا الأخير مع الخميني تطرح إشكالًا على القراءة آنفًا، لأنّها ستجد صعوبة في تصنيف الخميني في الفرس لقُمّيّته، أو في العرب لنجفيَّته. فانطلاقًا من التقسيم الجغرافي يصعب تصنيف الخميني: فهل يُوصَف بالفارسي الإيراني لأنّ بداياته ونشاطه الأول كان في قُم، أو يُوصَف بالعربي لأنّه قضى زهاء عقدين من عمره في النجف، يلقي دروسه فيها باللغة الفارسية ويحضرها الإيرانيون والعرب والباكستانيون والأفغان والهنود؟ وقد شجع هذا أنصاره وطلبته في إيران على الهجرة الجماعية إلى العراق، ولكنه أوصاهم بالبقاء في إيران لحفظ حوزة قُم، ولكن ذلك لم يمنعهم من الهجرة إليه. وإنّ انتماءه إلى النجف لم يعني البتّة القطيعة مع إيران، وأنه أصبح بين عشية وضحاها عراقيًّا عربيًّا حتى من حيث الاهتمام، إذ بقي على اتصال بالأحداث في إيران، فأعاد اتصاله بمؤيديه، وكان يرسل تعليماته وتوجيهاته إلى إيران، ويتلقّى الأخبار يومًا بيوم، حيث أقام شبكة عريضة من الاتّصالات مع الشعب الإيراني، غطّت طول البلاد وعرضها([53]). في المقابل لم يَنْأَ بنفسه عن أحداث العراق، فعلى سبيل المثال لا الحصر ندّد بإعدام أعضاء من حزب الدعوة العراقي. كما اعترض على الأحكام التي صدرت بحقّ ثمانية من قادة ما يعرف بانتفاضة 1977 التي اندلعت بعد منع الحكومة لمواكب العزاء السير من النجف إلى كربلاء في ذكرى إحياء أربعينية الحسين رضي الله عنه([54]). وبعد وصوله إلى سدة الحكم في إيران عمل خلال حربه مع العراق على إسقاط نظام صدام حسين، وأن يستبدل به نظامًا آخر إسلاميًّا شبيهًا بنظامه إن لم يكن امتدادًا له.

ومن المعلوم أيضًا أنه في العلاقة مع الخوئي ومراجع النجف بشكل عام أثار جدلًا في الأوساط الحوزوية، حيث رفضت مرجعية النجف نهجه القائم على أساس قيادة الجماهير والثورة والمجابهة مع الحكومات المستبدّة في البلدان الإسلامية([55]). وهذا الاختلاف مثّله محسن الحكيم العراقي والخوئي الإيراني، كما أن وجهة النظر هذه كانت موجودة عند بعض المراجع في قم أيضًا. ومع اعتراض بعض مدرّسي الحوزة في النجف على دروس الخميني حول الحكومة الإسلامية إلا أنه في المقابل كان محمد باقر الصدر من أشد المراجع تأييدًا له في طرح أفكاره حولها، وأوصى طلبته بترجمة كراسات هذه الدروس ونشرها وتوزيعها([56]).

أمّا سياسيًّا فبينما أيّد الخوئي سياسات الحكومة العراقية بطرد من لم يمنحهم التزكية من الإيرانيين فإنّ الخميني رفض تلك السياسات، وعطّل درسه في مسجد الأنصاري ردًّا عن ذلك، وتضامن محمد الصدر نفسه معه في هذا([57]). وأكثر من ذلك استنكر الصدر سياسة حكومة البعث في دعم عرب إيران بحجّة المطالبة بحقوقهم من الحكومة الثورية للخميني، وأرسل إليهم برقية يدعوهم فيها إلى طاعة قائد الثورة الإسلامية([58]).

إذن، محمد باقر الصدر لم يكن بعيدًا عن خط الخميني، بل استقبل الثورة الإسلامية ونجاح الخميني بالمطالبة بضرورة الذوبان في مرجعية الخميني([59]). كما لم يقتصر نشاط الخميني على قيادة الثورة في إيران فحسب، بل كان له موقف من الصراع بين الحركة الإسلامية في العراق بقيادة السيد محمد باقر الصدر وحكومة البعث في العراق([60]).

السيستاني والاحتلال الأمريكي للعراق:

وبعد سيطرة الشيعة على الدولة عقب إسقاط أمريكا نظام صدام عاد الخطاب الوحدوي إلى المجال الشيعيّ، والذي أصبح يتحرك تحت غطاء السيستاني بوصفه مرجعًا شيعيًّا فارسيًّا([61])، وفاعلًا محوريًّا في مجريات العملية السياسية العراقية، وتكفي الإشارة إلى موقفه من الاحتلال الأمريكي، ودعوته سابقًا إلى تحالف الشيعة، وأيضًا تشكيل مليشيا الحشد الشعبي التي أصبحت قوة إيران الضاربة في العراق، وهي تسير بغطاء ديني من المرجع الأعلى، وبغطاء عسكري وسياسي إيراني، وحتى الصدر الذي يصفه كثير من الدراسات بأنّه امتداد للصراع العربي-الفارسي داخل المؤسسة الدينية الشيعية فإنه تحالفَ أكثر من مرة تكتيكيًّا مع إيران، كما أن انتقاداته على محدوديتها تقتصر على الفاعلين المحليين الشيعة، أو إيران، لكنها لم ترتقِ إلى مستوى المرجعية، بل على العكس كان في أكثر من موقف وسيطًا بينها وبين الأمريكيين أو غيرهم، وقبل كل هذا فإن مقتدى الصدر أقام لفترات متقطعة في قم، فهل في تلك المرحلة أصبح فارسيًّا بحكم التقسيم الجغرافي؟

الخلاصة:

خلصت الدراسة إلى جملة من النتائج، هي:

  1. تشير كتب الشيعة إلى أنه منذ نشأة النجف كان البعد العلمي هو الأساس للإقامة فيها، إذ هاجرت إليها العوائل لقرون طويلة من مختلف أنحاء البلاد الإسلامية، وبذلك فإن هوية هذه المدينة بوصفها عربية أو عراقية فيها قدر من المبالغة، وعلى الأقل الحضور الإيراني (الفارسي) جليّ فيها.
  2. سيطر الفرس لعقود طويلة على المرجعية في النجف، بينما العكس في حوزة قم، التي لم يقف على مرجعيّتها العليا عرب، ورغم وجود بعض المراجع فيها غير أن نسبتهم قليلة جدًّا تصل حد النُّدرة.
  3. المراجع ذوو الأصول العراقية تلمذوا على مراجع إيرانيين وإن لم يسبق لهم الدراسة في قم فإنهم، كضياء الدين العراقي وحسين كاشف الغطاء اللذين درسا على يد الخراساني، وكاظم اليزدي، والأصفهاني، والهمداني، وأحمد الشيرازي.
  4. جاءت محاولات التعريب من خارج الحوزة لا من داخلها، من خلال ما قامت به الحكومة العراقية في مرات عديدة من عمليات تهجير وطرد جماعية للطلبة الإيرانيين، وقد رفض آية الله الحكيم تلك السياسات. أو أنّ تلك المحاولات جاءت من خلال العشائر والأحزاب السياسية التي زاحمت المراجع في شعبيتهم، غير أن ذلك لم يدم طويلًا، ولم يخرج عن المطالب الطائفية؛ لكونهم كانوا يتحركون بوصفهم ممثلين للشيعة أيضًا.
  5. تركّز الجهد الشيعي على المطالبة بمكانة أكبر للشيعة في السلطة السياسية، ونظروا إلى ممارسات الحكم حينها على أنها طائفية، وبذلك فإن النشاط كان يتحرك دائمًا من خلفية هوياتية شيعية، ولم يُطرَح أيّ صيغة صراع شيعي عربي- فارسي في تلك المرحلة، كما لم يكن هناك أيّ مؤشرات على الصراع بين حوزتَي النجف وقم.
  6. انشغلت المرجعية في النجف في القرن العشرين بالمواجهة مع الأفكار الشيوعية والماركسية، وأبرزها صدور كتابي الصدر اقتصادنا وفلسفتنا اللذين كان تأليفهما بإيعاز من المرجع محسن الحكيم. وهو الاهتمام الأساسي لا التعريب أو (التفريس)، بل على العكس كان هناك تعاون وتنسيق بينهما، من أهم معالمه الموقف من الخميني قبل الثورة وبعدها.
  7. إذا اعتبرنا نظرية ولاية الفقيه إيرانية فإن الكثير من الشيعة العرب يقلدونها، والكثير من الإيرانيين يرفضونها.
  8. لم يكن للنزاع بين المراجع خاصة في الفترة التي تعقب موت المرجع الأعلى أيّ أُسس فكرية، بل مجرّد اختلافات هامشية قريبة من الخلافات الشخصية، ولذلك من المبالغة تصنيفها إلى خلافات عربية- فارسية، أو محاولة خلق تمايزات فكرية وحتى عقدية جوهرية، فمختلف الأفكار والآراء التي تداولت في حوزات النجف كان لها صدى في قم وغيرها، والعكس صحيح أيضًا.

 

([1]) من النماذج عن هذه الكتابات على سبيل المثال: وميض جمال نظمي، شيعة العراق وقضية القومية العربية: الدور التاريخي قبيل الاستقلال،  مجلة العلوم السياسية، العدد37، ونشر قبل ذلك في مجلة المستقبل العربي، العدد 42-43-44/08/09/10/1982.

([2]) لتفاصيل أكثر حول الموضوع يُنظَر: عبد الرضا عوض، الحوزة العلمية في الحلة: نشأتها وانكماشها، الأسباب والنتائج، بغداد: دار الفرات للثقافة والإعلام، ط1، 2013.

([3])  محمد علي جعفر التميمي، مشهد الإمام أو مدينة النجف، النجف: انتشارات المكتبة الحيدرية، ط1، 1389، ص05.

([4])  معهد الرسول الأكرم العالمي للدراسات الإسلامية، مشاريع التجديد والإصلاح في الحوزة العلمية: خطاب الإمام الخامنئي نموذجًا، بيروت: مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، ط1، 2008، ص29.

([5])  محمد علي جعفر التميمي، المرجع السابق، ص16.

([6])  المرجع نفسه، ص06.

([7])  قم... قلعة المرجعيات الدينية المتحكمة في إيران، موسوعة الجزيرة، 20/102016، على الرابط:

http://www.aljazeera.net/encyclopedia/citiesandregions/2016/10/20/%D9%82%D9%85-%D9%82%D9%84%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%AC%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D9%83%D9%85%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86

([8])  لتفاصيل أكثر يُنظَر: عدنان فرحان آل قاسم، تاريخ الحوزة العلمية والمدارس الدينية عند الشيعة الإمامية: تاريخ حوزة قم المقدسة، الجزء السادس، بيروت: دار السلام، ط1، 2016.  

([9])  مجموعة من الباحثين، آراء في المرجعية الشيعية، بيروت: دار الروضة للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1994، ص405.

([10])  تشير الدراسات إلى بعض الفروق بينهما، أهمها: تتميز حوزة النجف باهتمامها بالفقه والأصول وقلة اهتمامها بالفلسفة، على عكس حوزة قم التي تولي الفلسفة أهمية كبيرة. لكن رغم جفاء النجف لما استقرّ عليه التفكير الإسلامي على يد صدر الدين الشيرازي من اتجاه وأفكار إلا أنها تشترك مع قم في استلهام هذا الاتجاه الفلسفي والتأثر به، وكان ذلك في بحوثها الأصولية. وبغضّ النظر عن طبيعة وجدوى التفاعل الأصولي مع أفكار الشيرازي والفلسفة بعامّة تظلّ النجف -كمناخ عامّ- بعيدة إلى درجة واضحة عن تلك الأفكار واتجاهها. لتفاصيل أكثر يُنظَر: عمّار أبو رغيف، نظرية المعرفة بين الشهيدين مطهّري والصدر، مركز رعاية الدراسات الجادة، ص20.

([11])  إسحاق نقاش، شيعة العراق، ترجمة: عبد الإله النعيمي، دمشق: دار المدى للثقافة والنشر، ط1، 1996، ص34.

([12])  المرجع نفسه، ص35.

([13])  المرجع نفسه، ص38.

([14])  معهد الرسول الأكرم العالمي للدراسات الإسلامية، المرجع السابق، ص196.

([15])  عبد الله النفيسي، دور الشيعة في تطور العراق السياسي الحديث،  دار النهار للنشر، ط1، 1973، ص49.

([16])  مجموعة من الباحثين، آراء في المرجعية الشيعية، المرجع السابق، ص405.

([17])  رسول جعفريان، التشيّع في العراق وصلاته بالمرجعية وإيران: نظرة عابرة، قم: دار الحبيب، ط1، 1429، ص109-110.

([18])  إسحاق نقاش، المرجع السابق، ص163.

([19])  المرجع نفسه، ص175.

([20])  رسول جعفريان، المرجع السابق،  ص117.

([21])  إسحاق نقاش، المرجع السابق، ص147.

([22])  المرجع نفسه،  ص158-159

([23])  رسول جعفريان، المرجع السابق، ص116.

([24])  إسحاق نقاش، المرجع السابق، ص160.

([25])  رسول جعفريان، المرجع السابق، ص142.

([26])  كمال ديب، موجز تأريخ العراق: من ثورة العشرين إلى الحروب الأمريكية والمقاومة والتحرير وقيام الجمهورية الثانية، بيروت: دار الفارابي، ط1، 2013، ص178.

([27])  هادي الجبوري، الشيعة والخوئي: جهاد واجتهاد،  طبعة المؤلف، 1997، ص22.

([28])  مؤسسة الدراسات الإسلامية، العراق بين الماضي والحاضر والمستقبل، بيروت مؤسسة الفكر الإسلامي، ص452.

([29])  محسن الطباطبائي الحكيم، دليل الناسك، مدرسة دار الحكمة، ط3، 1995، ص39.

([30])  مجموعة من الباحثين، آراء في المرجعية الشيعية، المرجع السابق، ص112.

([31])  محمد باقر أحمد البهادلي، الحياة الفكرية في النجف الأشرف (1921-1945)، بغداد: أحقاف، ط1، 2004، ص155.

([32])  مجموعة من الباحثين، آراء في المرجعية الشيعية، المرجع السابق، ص101.

([33])  المرجع نفسه، ص08.

([34])  لتفاصيل أكثر حول هذا الموضوع يُنظَر: رشيد الخيون، النزاع على الدستور بين علماء الشيعة: المشروطة والمستبدة، دبي: دار مدارك للنشر، ط2، 2011.

([35])  محمد باقر أحمد البهادلي، المرجع السابق، ص36.

([36])  إسحاق نقاش، المرجع السابق،  ص107.

([37])  ناصر حسين الأسدي، شيعة العراق: دولهم وثوراتهم، مكتبة العلامة ابن فهد الحلي، ص143.

([38])  إسحاق نقاش، المرجع السابق، ص121.

([39])  المرجع نفسه، ص146.

([40])  مجموعة من الباحثين، آراء في المرجعية الشيعية، بيروت: دار الروضة للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1994، ص404.

([41])  محسن الطباطبائي الحكيم، دليل الناسك، مدرسة دار الحكمة، ط3، 1995، ص24.

([42])  محمد هادي، مرجعية الإمام الحكيم والنهضة الإسلامية الحديثة: خلفيات وأبعاد، مركز دراسات تاريخ العراق الحديث، ط1، 1993، ص51.

([43])  محسن الطباطبائي الحكيم، دليل الناسك، مدرسة دار الحكمة، ط3، 1995، ص49-50.

([44])  محمد هادي، المرجع السابق، ص44.

([45])  المرجع نفسه، ص43.

([46])  رسول جعفريان، المرجع السابق، ص132.

([47])  نبيل فخر الدين رافع الحيدري، التشيّع العربي والتشيّع الفارسي، الرياض: مكتبة العبيكان، ط1، 2016، ص355-356.

([48])  يحيى الكبيسي، اللعبة المزدوجة: إستراتيجية الصدر في العراق، الدوحة: مركز الجزيرة للدراسات، 06/03/2013، ص02.

([49])  يحيى الكبيسي، المرجع السابق، ص03.

([50])  مصطفى كركوتي، النجف هو الأصل... لا قم، جريدة الحياة، 27/08/2017، على الرابط:

http://www.alhayat.com/m/opinion/23687000#sthash.pLUcgI94.dpbs

([51])  هادي الجبوري، الشيعة والخوئي: جهاد واجتهاد،  طبعة المؤلف، 1997، ص107-108

([52])  المرجع السابق، ص114.

([53])  محمد رسن دمان السلطاني، النشاط السياسي للسيد روح الله الموسوي الخميني في النجف الأشرف للمدى (1965-1978)، مجلة مركز بابل للدراسات الإنسانية، المجلد5، العدد1، ص128.

([54])  المرجع نفسه، ص135.

([55])  المرجع نفسه، ص127.

([56])  المرجع نفسه، ص131.

([57])  المرجع نفسه، ص133.

([58])  المرجع نفسه، ص139.

([59])  مجموعة من الباحثين، آراء في المرجعية الشيعية، المرجع نفسه، ص119.

([60])  محمد رسن دمان السلطاني، المرجع السابق، ص125.

([61])  رغم إقامة السيستاني في العراق لأكثر من أربعين عامًا لم يتخلّ عن جنسيته الإيرانية، وقد سافر إلى لندن بجواز سفر إيراني. يُنظَر: رسول جعفريان، المرجع السابق، ص173.


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...