أتاحت الثورة الرقمية المستمرّة التي يغذيها التقدم السريع في التكنولوجيا فرصًا غير مسبوقة للناس للاتصال وتبادل المعلومات، ولكن مع ذلك أدّت إلى ظهور تهديدات جديدة، ولاسيما في شكل معلومات مضلِّلة. مع سهولة نشر المعلومات وسرعتها يمكن أن تنتشر المعلومات الخاطئة أو المضلِّلة بسرعة بين جماهير كبيرة، وتتسبب في عواقب اجتماعية وسياسية خطيرة. ومن الأخبار الكاذبة إلى التزييف العميق وكذلك الدعاية- يمثّل انتشار المعلومات المضلِّلة تحدّيًا متزايدًا للتعامل معه.
ومن الأهمية بمكان أن يكون الأفراد والمنظمات والحكومات على دراية بهذه التهديدات، وأن يتخذوا إجراءات استباقية لمكافحتها من خلال تعزيز الثقافة الإعلامية والتثبت من الحقائق، مع محاسبة أولئك الذين ينشرون الأكاذيب المتعمدة. يجب أن نُصرّ على أن وصول المواطنين إلى الحقيقة حقّ أساسيّ من حقوق الإنسان، ويجب أن يكون من واجبنا شنّ حرب ضد المعلومات المضلِّلة التي تنتهك هذا الحق مع إلحاق ضرر بالأمن والسلام في مجتمعاتنا لا يمكن إصلاحه.
للتحوّل الرّقْمي آثار في القطاعين الخاصّ والعامّ، إذ له تأثيرات عميقة في المنتجات والخدمات في كل مجالات الاقتصاد في جميع أنحاء العالم. مثلما تمثّل المعلومات والبيانات قوة اليوم، فإن المعلومات المضلِّلة وإساءة استخدام البيانات تشكلان أيضًا تهديدًا كبيرًا لصحة الحياة العامة وسلامتها. أكدت تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي مرارًا المخاطر الناشئة عن المعلومات الرقمية الخاطئة. تجلب مثل هذه المخاطر معها مخاطر الحرب الهجينة والتنافس على السلطة بين الدول على المدى الطويل.
تحوّلت حروب الدعاية الكلاسيكية إلى أشكال أكثر دقة من حرب المعلومات، مما يصعب على المواطنين العاديين فهم دينامياتها. وهذا الواقع له تأثير مدمر بشكل خاص في أوقات الأحداث العالمية، حيث يمكن أن يكون الوصول إلى المعلومات الدقيقة في الوقت المناسب أمرًا حيويًّا للمجتمع.
يجب أن يكون الأفراد مسلحين بالمعرفة والقدرات لإنقاذ أنفسهم من الضرر الهائل الذي يمكن أن تسببه المعلومات المضلِّلة. بهذا المعنى، يجب أن يكون التزامنا بالحقيقة ثابتًا، ويجب أن يحافظ نضالنا على نفسه على المدى الطويل من خلال جهودنا المشتركة، ويجب أن نقول جميعًا: "تحيا الحقيقة".
أصبح التأثير في الانتخابات ونشر الكراهية خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2016، وقضية التضليل والمعلومات المضلِّلة في وسائل التواصل الاجتماعي موضوعًا مهمًّا للنقاش. ووجدت تقارير ودراسات مختلفة أن القصص الإخبارية والدعاية المزيفة يجري تداولهما على نطاق واسع على منصات وسائل التواصل الاجتماعي؛ غالبًا بقصد التأثير في الرأي العام والتأثير في الانتخابات لمصلحة مرشح معين.
وقد تراوحت هذه الروايات الكاذبة من قصص ملفّقة تمامًا إلى عناوين مضلِّلة ومقاطع فيديو جرى تحريرها بشكل انتقائي. أدت الحملات الإعلانية المدفوعة وخوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي، التي تعطي الأولوية للكمّ على حساب الدّقّة- إلى زيادة انتشار هذه الروايات الكاذبة. وأصبح حجم هذه المشكلة واضحًا عندما جرى الكشف عن قيام جهات فاعلة سيئة بإنشاء حسابات ومجموعات مزيفة في وسائل التواصل الاجتماعي لنشر معلومات مضلِّلة، وزرع الفتنة بين الناخبين الأمريكيين.
كان هذا مثالًا صارخًا على مخاطر المعلومات المضلِّلة وحملات التأثير السياسي، مع تداعيات واسعة على أمن الانتخابات والسيادة الوطنية.
ظهرت هذه الظاهرة في عدة انتخابات أخرى في أنحاء العالم. وخلال المناقشات حول استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والانتخابات العامة ذات الأهمية الحاسمة في عدد قليل من البلدان الأوروبية- أصبح الاستخدام الفعال بشكل سيِّئ للمعلومات المضلِّلة والأخبار المزيفة موضوع نقاش ساخن. وأصبحت المشكلة أكثر حدة وظهورًا مع صعود الخطاب السياسي اليميني المتطرف والأحزاب التي كانت تجد المؤيدين وتنشر رسائلهم عبر الإنترنت.
كما أدّت عمليات التضليل والمعلومات المضلِّلة دورًا مهمًّا من خلال تضخيم خطاب الكراهية، وتقوية الخطاب المعادي للاجئين، ونشر محتوى معادٍ للإسلام ومعادٍ للسامية. وأصبحت الصور النمطية والادعاءات الكاذبة عن الأجانب من أفضل أدوات الدعاية للأحزاب السياسية المعادية للأجانب والسياسيين الانتهازيين.
وقد فُوجِئت بلدان عديدة لم تأخذ مخاطر المعلومات المضلِّلة والتضليل على محمل الجد- بالمخاطر. استغرق الأمر بعض الوقت لدى معظم الناس لتعرّف التهديدات ضد النسيج الاجتماعي والسلام الاجتماعي والتعامل معها؛ إلا أن الحملات الانتخابية أظهرت الجانب القبيح للأمور من ناحية الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات. لم يكن الأمر مجرد التأثير في سلوك الناخبين كما حدث في انتخابات عام 2016 بالولايات المتحدة، ولكن هذه الظاهرة كان لها تأثير مدمر ومزعزع للاستقرار في المؤسسات والعمليات الديمقراطية. إنها تقوض الثقة في المؤسسات، وتسهّل التلاعب بالناس والتأثير فيهم من خلال الآراء الهامشية.
بمجرد أن أصبح إدراك هذه الحقائق أكثر شيوعًا، بدأت عملية أكثر صدقًا تعترف بالآثار الضارة لوسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت. علاوة على ذلك، جعلت حقيقة أن المعلومات المضلِّلة يمكن أن تُستخدَم من قبل الجهات الأجنبية الفاعلة- هذا الأمر مرتبطًا بالأمن القومي. ولكن لسوء الحظ، لم تظهر جهود تعاون حقيقية بشأن الانتخابات وأمن المعلومات على الصعيدين الإقليمي والعالمي. وانتهى الأمر بكل دولة إلى اتخاذ تدابير مؤقتة وعشوائية لتأمين الاستقرار الداخلي وحماية العمليات الانتخابية. يجب أن يكون واضحًا أننا بحاجة إلى نقاش أكثر اتساعًا وشمولية حول المعلومات المضلِّلة والتأثير السلبي العام للمعلومات المضلِّلة في العملية السياسية والمؤسسات الديمقراطية والاستقطاب.