في سنة 2001 كان التوجه العام الداعم لنهضة تركية حديثة يرى أنه على تركيا أداء دور محوري فعّال في محيطها الإقليمي والدولي، واعتمد هذا التوجّه مجموعة من الأسس النظرية لدعم هذه الفكرة التي ستجعل من تركيا قوة اقتصادية وعسكرية عالمية بحلول عام 2023، كانت طموحات الجيل الجديد الكبيرة محاطة بالكثير من التحديات والصعوبات، منها الوضع الداخلي المعقّد، والمحيط الإقليمي وعلاقاته المتشابكة، وقد ظهرت هذه التحديات والعقبات تباعًا في السنوات التي تلت تبنّي السياسة الخارجية الجديدة التي أُطلِق عليها "Multidimensional Foreign Policy"، وقدمت هذه السياسة رؤية تركيا الجديدة للعلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوربي، وربط علاقات جيدة مع روسيا، وأداء دور قوي في منطقة الشرق الأوسط، بحيث تصبح تركيا قوة إقليمية في المنطقة، وتصبح علاقتها مع دول الشرق الأوسط علاقة الدور التكاملي، وتغيير الموقف من طهران؛ من الجار العدو إلى الصديق. شكّلت هذه الأفكار الإطار الإستراتيجي لتركيا الجديدة في مجال العلاقات الخارجية وقد صدرت هذه الإستراتيجية في كتاب أحمد داود أوغلو سنة 2001 حمل عنوان"Strategic Depth" " العمق الإستراتيجي: موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية". ألقت الإستراتيجية الجديدة للسياسة الخارجية بظلالها على الجانب الاقتصادي، ومنحت تركيا فرصة كبيرة لتطوير اقتصادها في مجالات التجارة والصناعة والطاقة، ومكنتها من بناء شبكة علاقات جديدة في المنطقة. في سنوات معدودة من إعادة تأهيل مصادر القوة استطاعت تركيا أن تحقق قفزة نوعية في مجال الاقتصاد والعلاقات الدولية، فخلال الفترة من 2001 وحتى 2014 استطاع الاقتصاد التركي التربّع على المركز السابع عشر عالميًّا محققًا معدلات نمو معتبرة وصلت إلى 9.2 % في سنة 2010 و8.8 % في سنة 2011، وقد أعطى هذا التصنيف دعمًا قويًّا لتركيا انعكس بشكل إيجابي على أداء اقتصادها، وأدّى بها إلى العمل الجاد والمكثف من أجل البحث عن أسواق جديدة إقليمية ودولية لتسويق منتجاتها. ونتيجة لذلك أعادت الحكومة التركية صياغة علاقاتها الدولية بما يتماشى مع طموحاتها الجديدة، ويحقق أهداف سياساتها التنموية التي بدأت تلقي بظلالها على مكانة تركيا إقليميًّا ودوليًّا. هذه التغيّرات التي شهدتها الجمهورية التركية جعلت مؤسسة"Fidelity Investments Inc" في بوستن تصنّف تركيا بوصفها إحدى القوى الاقتصادية الصاعدة في العالم ضمن مجموعة تعرف بـ"MINT" وتضم المكسيك، وإندونيسيا، ونيجيريا، وحقّقت هذه المجموعة إنجازات كبيرة على المستوى الاقتصادي، جعلتها محط أنظار خبراء الاقتصاد في العالم.
أوّلًا: إعادة تأهيل القطاعات الاقتصادية
رسمت معدلات النمو التي حققها الاقتصاد التركي خلال العقدين الماضيين صورة إيجابية عن تركيا، حيث أثبتت قدرتها على المحافظة على النمو والتطور، رغم الأزمات المتلاحقة التي عصفت باقتصادات عديدة في العالم، فأصبحت تركيا بذلك نموذجًا جديدًا للدول القادرة على التخلّص من طوق الأزمات وتحقيق الأهداف التنموية. أسهمت مجموعة من العوامل في تحقيق النجاح التركي، من ضمن هذه العوامل"Domestic Demand" الطلب المحلّي الذي دُعِم من خلال سياسات استثمارية قوية، حيث قدّمت البنوك قروضًا لمشروعات ضخمة، كان لها دور كبير في زيادة الدخل القومي، ورفع معدلات النمو في مختلف قطاعات الاقتصاد التركي. والسياسات الإصلاحية التي قامت بها الحكومة التركية، وشملت إعادة تأهيل القطاعات الأساسية التي يرتكز عليها الاقتصاد، ومن هذه القطاعات: القطاع المصرفي، وقطاع البنية التحتية، حيث يشكّل هذان القطاعان رأس الحربة في أي رؤية اقتصادية ناجعة. هذه السياسات جعلت تركيا تحقق معدلات نمو مرتفعة حتى سنة 2008، حيث اندلعت أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت بداية للأزمة المالية العالمية 2008، وقد انعكست هذه الأزمة سلبًا على تركيا، وسببت تراجعًا في معدلات النمو. وقد خرجت تركيا من أزمة 2008 بدروس مهمّة ساعدتها على اكتشاف نقاط الضعف في منظومتها الاقتصادية، وتلافي الأخطاء في سياساتها التنموية، ويمكن تلخيص هذه الأخطاء في ما يأتي: