إن الحرب التي شنّتها روسيا في الرابع والعشرين من فبراير/شباط 2022 على أوكرانيا تُهِمّ أوروبا بالقدر الذي تُهِمّ روسيا وأوكرانيا؛ لأن المخاوف الأمنية للدول الأوروبية فيما يخص روسيا قد بلغت أوجها مع اندلاع الحرب، وبدأ عهد استثنائي في ظل الحرب. شهدت عشية اندلاع الحرب وأيامها الأولى ظهور اختلافات فكرية عميقة بين الدول الأوروبية حول السياسة الواجب اتباعها تجاه التطورات في أوكرانيا. فمن ناحية، طالبت دول شرق أوروبا القلقة من التهديد الروسي الاتحاد الأوروبي باتخاذ موقف صارم ضد روسيا، ومن ناحية أخرى لم ترغب دول مثل ألمانيا والمجر في مواجهة مباشرة مع روسيا؛ لأسباب متعلقة بأمن الطاقة. علاوة على ذلك دعمت دول شرق أوروبا حصول أوكرانيا على الفور على عضوية في الاتحاد، في حين كانت مقاربة الدول المؤسسة للاتحاد كألمانيا وفرنسا وهولندا إزاء هذه القضية حذرة. خلافًا لكل ذلك، اتخذت جميع الدول الأوروبية موقفًا مشتركًا من الهجرة الجماعية غير النظامية من أوكرانيا وتبنت سياسة الباب المفتوح إزاء اللاجئين الأوكرانيين.
تحلل هذ الدراسة التداعيات السياسية والإستراتيجية التي ترتبت على الحرب الروسية الأوكرانية على أوروبا. تتكون هذه الدراسة من 4 أجزاء، يناقش الجزء الأول منها مخاوف الأمن القومي لدول أوروبا التي تزايدت بالتزامن مع الحرب الروسية الأوكرانية ونتائج ذلك، وفي الجزء الثاني يجري تقييم مسألة برزت في أوروبا مع الحرب، هي عدم وجود زعيم سياسي قوي، وفي الفصل الثالث تجري دراسة قضية المهاجرين غير النظاميين من أوكرانيا إلى أوروبا وقد بلغ عددهم 8 مليون مهاجر في غضون عام واحد بسبب الحرب. أما الفصل الرابع فتجري فيه مناقشة مسألة عضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي.