النكبة الفلسطينية ليس لها مثيل في التاريخ. هذه حقيقة لا يمكن إنكارها، لكنها خافية على العالم الغربي. وإخفاء هذه الحقيقة جريمة بموجب القانون الدولي. من الأهمية بمكان في هذا السياق، دراسة الحقائق للحصول على فهم شامل لهذه القضية. بدايةً، قام جيش أجنبي من أوروبا بغزو فلسطين في أواخر عام 1910، واحتلّ أرض فلسطين بقوة السلاح من خلال سلسلة من المجازر، وجرى تفريغها من أهلها بتهجيرهم إلى مخيمات اللاجئين. ثانيًا، بدأت أعمال طمس معالم فلسطين المادية والثقافية بشكل منهجي، وجرى الاستيلاء على جغرافيتها، وإعادة تسميتها بشكل وهمي من قبل الغزاة، وجرى مسح تاريخها من جميع السجلات، واستبدال نسخة أسطورية بها، وجرت مصادرة تراثها بوصفه ملكًا للغزاة. ثالثًا، دأبت الطائرات والدبابات والمدفعية الإسرائيلية على قصف الضحايا في مخيمات اللاجئين وفي كل مكان على مدى الأعوام الخمسة والسبعين الماضية.
استقبل العالم الغربي تدمير فلسطين وتشتت شعبها بوصفه عملًا معجزًا من الله وانتصارًا للقلة الصالحة على الكثرة المتوحشة. فهذه المأساة التي تتكشف يومًا بعد يوم في فلسطين جاءت وفق خطة مدروسة خارج بلادنا، ونُفِّذت بدقة في ظل إشراف القوى الاستعمارية التي خلقت المأساة ودعمها في المقام الأول. وهذه المأساة لم تقع في عصر القوس والسهم في قارة بعيدة عن وعي العالم، بل في عصر الكاميرا والتلفزيون، في عصر الأمم المتحدة التي تتبنى القانون الدولي وتزعم حراسته وسدانته، في قلب العالم العربي والإسلامي القديم.
لم يقتصر الأمر على ذلك، بل جرى إسكات صرخات الضحايا، وتجاهلها، وتأطير المطالبات بالعدالة على أنها أعمال كراهية، وعاقبت المحاكم الاستعمارية قول الحقيقة والتحدث نيابة عن الضحايا، وعدّتها أفعالًا إجرامية. والحقيقة باختصار، أننا أمام مشهد ليس له مثيل في التاريخ.