رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


| المقالات والدراسات < رؤية تركية

سياسات حكومات حزب العدالة والتنمية النمو والتوظيف والقوّة التنافسية

تعمل هذه الدراسة على تقييم أداء حزب العدالة والتنمية خلال فترة حكمه في السنوات الخمس عشر الماضية بعد تقديمه أداء مختلفًا ورفعه مستوى رفاه المجتمع، واعتُمِد في التقييم على معايير الاستقرار الاقتصادي، من حيث الأدوات السياسية التي اتبعها، والمدى الذي ارتفع إليه مستوى رفاه المجتمع، والمجالات التي كان فيها أكثر نجاحًا في بلوغ الأهداف، والمجالات التي لم يحقّق فيها النجاح بما فيه الكفاية

سياسات حكومات حزب العدالة والتنمية  النمو والتوظيف والقوّة التنافسية

ملخّص:  تعمل هذه الدراسة على تقييم أداء حزب العدالة والتنمية خلال فترة حكمه في السنوات الخمس عشر الماضية بعد تقديمه أداء مختلفًا ورفعه مستوى رفاه المجتمع، واعتُمِد في التقييم على معايير الاستقرار الاقتصادي، من حيث الأدوات السياسية التي اتبعها، والمدى الذي ارتفع إليه مستوى رفاه المجتمع، والمجالات التي كان فيها أكثر نجاحًا في بلوغ الأهداف، والمجالات التي لم يحقّق فيها النجاح بما فيه الكفاية. وفي هذا الصدد، ترى الدراسة أن أحد أهم  أسباب نجاح الحزب في الفوز بمعدلات عالية من أصوات الشعب في التصويت الذي أُجْرِي اثنتي عشرة مرةً خلال فترة حكمه في مستوياتٍ مختلفةٍ- هو نجاحه المستمر في رفع مستوى رفاه المجتمع.

يمكن للحزب السياسي بقائده الكريزماتي الذي يقدّم الآمال للمجتمع، وكادره السياسي المنشَّأ تنشئة جيدة- أن يحوِّل الأخطاء الفظيعة التي ارتكبها منافسوه في الماضي والأحداث المتلاحقة التي صادفت فترة الانتخابات داخل البلاد وخارجها لمصلحته، ويصل إلى السلطة. لكنه من أجل زيادة معدل أصواته في الانتخابات اللاحقة والاستمرار في السلطة، يجب عليه أن يرفع مستوى الرخاء الاجتماعي بشكل حقيقي، وإلا فإن المجتمع لن يكون راغبًا في إعادة إيصال ذلك الكادر القديم إلى السلطة، بل سيُحاول في أوّل فرصة له إيصال حزب آخر يعتقد أنه سيرفع من ظروفه المعيشية إلى السلطة.

حيث إن الناخب في الأساس عقلاني في خياراته. ومن ثَمّ سيدعم مصلحته بدايةً، ومصلحة المجموعة والمنطقة والدولة التي يحسّ بانتمائه إليها لفترة طويلة.

والأمثلة كثيرة على ذلك في الوقائع التي شهدتها تركيا والدُّول الدِّيمقراطية الأخرى في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية. ولو تركنا الحكومات الائتلافية جانبًا، فقد تسلّمت ثلاث حكومات كبيرة قائمة على أساس الحزب الواحد زمام السلطة في فترات مختلفة، لكنها أخفقت في المحافظة على أدائها فترة طويلة، أمّا الحكومتان الأولى والثانية منهما (الحزب الديمقراطي وحزب العدالة) فقد أُقصِيتا عن السلطة بانقلابين عسكريين، وأما الحكومة الثالثة (حزب الوطن الأم) فقد خسرت في صناديق الاقتراع وتركت السلطة.

وفقًا لذلك، أكملت الحكومات القوية المشكّلة من الحزب الواحد المذكورة فترات ولاياتها الأولى بنجاح باهر، لكنها أمضت الفترة الثانية مضطربة، بل ربما شهدت صعوبةً في إتمام فترة الولاية، وعاشت حالة إرهاص بالأزمات، وفيما بعد أكملت فترة ولايتها، وهي تتحول إلى أزمةٍ كبيرةٍ مع فقد القدرة على إيجاد الحلول.

سنتناول معايير الاستقرار الاقتصادي أو معايير الأداء التي سنستخدمها في الدراسة ضمن ثلاثة عناوين رئيسة:

  • الدخل القومي واستدامة النمو الاقتصادي.
  • ارتفاع العمالة وانخفاض البطالة.
  • تعزيز القوة التنافسية (زيادة حجم الصادرات وتحسين النوعية و...).

التقييمات الواردة في النصّ تعتمد في غالبيتها على البيانات التي حُصِل عليها من مؤسسة الإحصاء التركية أو مستشارية الخزينة، مضافًا إليها تعليقاتنا الشخصية.

 

الدخل القومي والنمو الاقتصادي:

لعلّ أهمّ أهداف أيّ حكومة هو رفع القدرة الشرائية للمجتمع من خلال تحقيق النمو الاقتصادي المستمر وزيادة الناتج المحلي الإجمالي؛ لأن أهم السبل في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتحسين مستوى الرخاء للمجتمع، يكمن بالتأكيد في زيادة مستوى الدخل الإجمالي للناس.

فالنموّ بعبارة أكثر وضوحًا يعني زيادة الفرص أمام الناس وأمام أصحاب المشروعات لزيادة الاستثمار، وزيادة القوة الإنتاجية للمجتمع، وزيادة إنتاج السلع والخدمات، والزيادة في وفرة القوت والعمل. والحكومة التي لا تستطيع تحقيق هدفها في النمو، يصعب عليها تحقيق أهدافها الأخرى، ولن يحمل هذا التحقيق أي معنى.

والبيانات التي ينبغي النظر فيها في موضوع النمو هي الدخل القومي الربع سنوي أو السنوي، ودخل الفرد الذي يمثل تقسيم الدخل القومي على عدد السكان. وفي الواقع، إن أهم البيانات التي ينبغي النظر إليها في الموضوع الاقتصادي لأيّ دولة هو بيانات الدخل القومي والنمو أيضًا. وعند مراجعة تاريخ تركيا، لن يُعْثَر على أداء نمو استطاع الاستمرار لفترة طويلة مع الأسف؛ لأن الحكومات القوية لم تتمكن من تولّي السلطة في كل الأوقات، ومتوسط أعمار الحكومات لم يتجاوز سنة ونصف. وفي الفترات التي تولت الحكومات القوية السلطة بمفردها، شهدت الفترة الأولى من توليها نموًّا كبيرًا، لكنها لم تستطع أن تستمر في الفترة الثانية والثالثة على الوتيرة نفسها.

 

أداء النمو باعتبار الفترات الفرعية:

ومن الواضح أن فرصة الحكومة القوية والمتواصلة التي التُقِطت بعد عام 2002 هي الفرصة من حيث أداء النمو. وبالفعل، شهد متوسط الناتج المحلي الإجمالي السنوي في فترة السنوات الخمس بين عامي 2003-2007 التي تقابل فترة ولاية الحكومة الأولى زيادة بمعدل 6.9%، وسجل متوسط الأعوام الثلاثة بين عامَي 2004-2006 ارتفاعًا كبيرًا في أداء النمو وصل إلى 8.2%. وفي عامي 2008-2009 شهد النمو الاقتصادي تراجعًا كبيرًا تحت تأثير الأزمة العالمية، ففي عام 2008 كانت الزيادة بمعدل 0.7% فقط، بينما انكمش في عام 2009 بمعدل 4.8%. ومرّ العامان التَّاليان من دون أن يشهدا نموًّا كبيرًا (9.2% في عام 2010، وبلغ 8.8% في عام 2011). واستمرّ معدّل النموّ منخفضًا منذ عام 2012. وفي النتيجة، بلغ معدل النمو السنوي 3.3% بين عامي 2012 و2015. وهذا المعدّل أعلى من معدل النمو السنوي العالمي البالغ 3.2% بقليل. ورغم أنّه أعلى من معدل النمو السنوي للدول المتقدمة البالغ 1.6% بكثير؛ فإنه ظل أقل من معدل النمو السنوي للدول النامية البالغ 4.5% (صندوق النقد الدولي 2016). لكن بلغ معدل النمو السنوي لعام 2016 في الربعين الأوّلين 4.7% و3.1% على التوالي، وفي الربع الثالث انكمش بمعدل 1.8%، وبلغ متوسط النمو لعام 2017 في ربعه الأول 2%. (الشكل:1). ومن ثَمّ، كانت هذه المرة الأولى التي يحصل فيها انكماش اقتصادي ربع سنوي في فترة تولّي حكومة حزب العدالة والتنمية السلطة، إن استثنينا الانكماش القاسي الذي حصل في الأرباع السنوية الأربعة المتتالية، بدءًا من الربع الرابع لعام 2008 والأرباع الثلاثة الأولى من عام 2009 تحت تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية. لكن الربع الأخير كان إيجابيًّا.

 

الشكل1: معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي (التغيّر المئوي السنوي)

المصدر: مؤسسة الإحصاء التركية

 

وبالإجمال بلغ معدل النمو السنوي في فترات سلطة حزب العدالة والتنمية كما يأتي: 6.9% في الفترة الأولى (2003-2007)، و3.5% في الفترة الثانية (2008-2011)، و3.3% في الفترة الثالثة (2012-2015). وبإجمالٍ أكبر كان معدل أداء النمو السنوي للسنوات الأربع عشر التي تقابل الفترة 2003-2016 (الأرباع الثلاثة الأولى من 2016) قد بلغ 4.8%.

وبنفس الشكل، بلغ متوسط الناتج المحلي الإجمالي سنة 2002 التي تسلّم فيها الحزب السلطة 230494 مليون دولار، وبلغت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي 3581 دولارًا. بينما في نهاية الفترة عام 2007، بلغ متوسط الناتج المحلي الإجمالي658786 مليون دولار. وارتفعت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى 9656 دولارًا. وكذلك في نهاية الفترة الثانية عام 2011 بلغ متوسط الناتج المحلي الإجمالي 772298 مليون دولار. وارتفعت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى 11205 دولارات. وفي نهاية الفترة الثالثة عام 2015 بلغ متوسط الناتج المحلي الإجمالي 861468 مليون دولار، ووصلت حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى 11014 دولار. (الشكل:2).

 

الشكل2: حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي

المصدر: مؤسسة الإحصاء التركية

رغم أن حساب الدخل القومي بالدولار يتيح الفرصة للمقارنة بين الدول، لكنه لن يكون قادرًا في الواقع على تقديم معلومات صحيحة حول مستوى الرفاه في الدول المعنية؛ لأننا لا نعرف مقدار السلع والخدمات التي يمكن تبادلها بالدولار الواحد، أي القوة الشرائية للدولار في هذا البلد؛ لهذا السبب، فإنه باعتبار المساواة في القوة الشرائية تمّ حساب حصة الفرد الواحد من الدخل في تركيا في عام 2016 بقيمة 220396 دولار. ووفقًا لهذا الحساب، تتبوَّأ تركيا موقع الدولة السادسة في القوة الاقتصادية في أوربا بعد ألمانيا وإنكلترا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا مباشرة، والدولة السادسة عشرة عالميًّا، وكذلك تتبوَّأ الدولة السادسة عشرة اقتصاديًّا في الترتيب الذي أعدّه صندوق النقد الدولي وفقًا لحجم الناتج المحلي الإجمالي للدول مقدّرًا بالدولار. وقد أخذت تركيا فعلًا موقعها بين الدول العشرين المتقدمة الأكثر ثراءً (مجموعة العشرين) عام 2014. لم يطرأ تغيّر يذكر على الأسهم التي حصلت عليها تركيا من الاقتصاد العالمي، فهذا التغيير تراوح بين 1.3% و1.4% خلال السنوات الثلاثين الأخيرة. وكان هذا المعدّل حوالي 1.3% عند تسلّم حزب العدالة والتنمية السلطة، وارتفع فيما بعد إلى 1.4%[1].

 

أداء النمو المنخفض في السنوات الأخيرة:

يمكن الحديث عن ثلاثة أسباب مهمّة في سياق أداء النمو المنخفض للاقتصاد التركي منذ 2012. لا شك أن الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت عام 2008 في مقدمة هذه الأسباب. فخلال الأزمة دخلت معظم الدول الأوربية التي تربطها شراكة تجارية مع تركيا في ضيق شديد، بل ودخلت في الأزمة، ولذلك[2] انخفض حجم عائدات الصادرات إلى تلك الدول بشكلٍ كبيرٍ. ونتيجة لذلك شهد كل من الواردات والإنتاج الدخلي وسرعة النمو تباطؤًا حتميًّا.

رغم أن السبب الآخر ناتج عن مشكلة مدفوعات الأُسَر والشركات والمؤسسات المالية، ولاسيما المصارف في الدول المتقدّمة، فإن الأزمة تحوّلت بعد زمن قصير إلى انفلات الحكومات من الانضباط المالي، وإلى مشكلةٍ في المدفوعات في العديد من الدول. ورغم أن هذه الأزمة كانت أكثر حضورًا في منطقة اليورو فإنها تركت ظلالها على العديد من الدول والأقاليم أيضًا، وحين بدأت هذه الأزمة تتحوّل مع الأيام إلى حالة تهدّد الاستقرار المالي على المستوى المحلي والدولي؛ اعتمدت الحكومة التركية والمؤسسات الفاعلة سياسيًّا، سياسة نموٍّ أكثر تواضعًا في مواجهة هذه الموجة السريعة الانتشار ذات القوة التدميرية الكبيرة. وكان الغرض من ذلك تجنّب حدوث أيّ أزمة للدفع أو أزمة للدَّين يمكن أن تظهر على جميع المستويات، مع الحرص على عدم زيادة العجز في الحساب الجاري، وتجنب المزيد من التدهور في الاستقرار المالي (الائتمان وسوق الصرف الأجنبي، الخ...).

الجدير بالذكر أن الوضع المسمَّى بفخّ الدخل المحدود ترك أثرًا في هذا الانخفاض أيضًا، وأظهر نفسه في هذه السنوات. فمن أجل تحقيق زيادة أكبر في مستوى الدخل في الدول التي ارتفعت فيها حصّة الفرد من الدخل إلى أعلى بقليل من عشرة آلاف دولار مثل تركيا؛ يحتاج الأمر إلى تأسيس نموذج اقتصادي منافس يعتمد على التقنية العالية والمردود وخفض التكاليف الداخلية. ويستدعي ذلك تنفيذ برنامج اقتصادي يستخدم المصادر بفاعلية أكثر، ويرفع مستويات التعليم والثروة إلى مستويات أعلى كمًّا ونوعًا. ويستكمل الإصلاحات البنيوية الجزئية بقرارت وترتيبات قانونية أكثر راديكالية. ففي الدول النامية مثل تركيا لابدّ من اتحاد القرار السياسي القوي الحازم مع الإدارة الاقتصادية الناجحة، وتأسيس توازن اقتصادي كلّي، ثم تنفيذ إصلاحات بنيوية أكثر جذرية في (المنتج، القطاع، والمنطقة) بجرأة ومن دون هدر للوقت، وذلك من أجل استمرارية أداء النمو المستدام، وإلا فمن الممكن أن يدخل الدخل المتوسط في دوامة تأثير المفاجآت الداخلية والخارجية غير المتوقّعة. لكن يبدو أن الحكومة اتخذت التدابير المالية والنقدية في الأشهر الأخيرة، وبذلت جهدًا مكثَّفًا لاستخدام الموارد من أجل النمو والاستخدام الموجّه نحو العمالة من جانب القطاعين العام والخاص.

 

مصادر النمو:

شهدت فترة ما بعد 2011 انخفاضًا نسبيًّا في سرعة النمو، ورغم ذلك، كان النموّ في هذه السنوات أكثر استقرارًا واستدامة بالنظر إلى التغيّر في معامل تقلّب معدّلات النمو الحقيقي الذي كان أقلّ بكثير ممّا كان عليه في السنوات السابقة (0.4)، بعد أن كان هذا المعدّل (2.04) للفترة 1999-2004 مثلًا. وأفضل سبيل للتعرّف على سبب ذلك، هو البحث في مصادر تغذية النمو في الفترة المذكورة.

وعلى العموم يمكن أن يُذكَر نظريًّا أنه إذا كان النموّ الاقتصاديّ لبلد ما يعتمد بشكلٍ رئيس على النفقات الشعبية العامة التي ترتكز على العجز في الميزانية أو على التجارة الخارجية القائمة على العجز في الحساب الجاري، فإن ذاك النمو لن يكون مستدامًا، وسيتحوّل حتمًا في المدى الطويل إلى عامل خطر على الأهداف الأخرى، (مثل: استقرار السعر، والاستقرار المالي، ومخاطر العجز في الحساب الجاري، ومخاطر الفائدة، وأسعار الصرف). تُرجِّح هذا النوعَ من سياسة النمو الذي يمكن وصفه (بالنمو الهرموني) على العموم الحكوماتُ الضعيفة (سواء الحكومات الائتلافية المتشكلة من عدة أحزاب لا انسجام بينها أم حكومة حزب الواحد الضعيفة في الإدارة)، ويقف البلد بعد فترة وجيزة على عتبة أزمة سياسية واقتصادية.

عند النظر إلى فترة ولاية حكومات حزب العدالة والتنمية بهذا المنظور نجد أن أكبر إسهام في النمو الحقيقي بالمعنى الإيجابي يأتي من نفقات الاستهلاك المحلّي الخاصّ والنفقات الاستثمارية العامة والخاصة. وبطبيعة الحال فإن القطاع العام المستدام من دون التمويل المفتوح أسهم بشكلٍ إيجابيٍّ في الإنفاق الجاري والمستهلَك ولو بصورة جزئية. وكذلك أسهمت الصادرات إسهامًا حقيقيًّا في النموّ عن طريق حركة الصادرات والواردات المرافقة لزيادة الإنتاج. لكن التجارة الخارجية لم تستطع أن تظهر تأثيرها الإيجابي الواضح إلا في بعض السنوات؛ لأنها تبدي العجز في العادة.

وإلى جانب ديناميات النموّ الموجّهة نحو الإنفاق، عندما نأخذ بعين الاعتبار ارتفاع قيمة مؤشر إنتاجية الصناعة التحويلية الساعية في بداية الفترة المقدّرة من حوالي 85 إلى حوالي 112- يمكن القول: إن تأثير النموّ الموجّه نحو الاستخدام الأكثر كفاءة للعوامل في الإنتاج صحيح أيضًا.

وأخيرًا، زادت الإسهامات الصافية للاستثمارات الرأسمالية الثابتة للقطاع الخاص في النمو في فترة ما بعد عام 2003 (على سبيل المثال ثلاث مرات بالمقارنة بالفترة 1993-2002). وبعبارة أخرى، كان 1.8% من معدل النمو البالغ 5% في هذه الفترة ناجمًا عن المصدر الأكثر سلامةً المتمثل في استثمارات رأس المال الثابت الخاص. وهذا الوضع في رأينا، هو أحد الأسباب الأساسية لعدم استسلام الاقتصاد لهذه الظروف رغم تعرض الفترة المذكورة إلى العديد من الأزمات الشديدة من المصادر الداخلية والخارجية. بخلاف ذلك، أدّى الانضباط المالي الصارم وعدم المساومة على القواعد المصرفية التي حُدِّدت مبادئها وفقًا للمعايير الدولية- دورًا حيويًّا في الحفاظ على النمو في هذه الفترة.

وعند النظر في ديناميات النمو واحدة واحدة، نلاحظ أن إسهام الاستهلاك والاستثمار والاستيراد في النمو بينما كان متقدمًا بشكل كبيرٍ في تركيا مقارنةً بالدول الأوربية؛ نجد أن إسهام الصادرات فيها كان متأخرًا مقارنةً بالمجر وبولونيا. وبوجه عام حين نأخذ عام 2001 أساسًا من حيث اتّجاه نموّ الناتج المحلّي الإجمالي الحقيقي؛ يظهر بوضوح أنّ تركيا استطاعت أن تحافظ على مسارها متقدّمة في ذلك على الدول الأوربية قاطبة. وفقًا لذلك، وصل مؤشر النمو الفعلي لتركيا منذ 2001 وحتى اليوم إلى 200 تقريبًا، وبلغ هذا المؤشر في بولونيا (باعتبارها الثاني في الترتيب) بالمقابل 170، وكان وسطيّ المؤشر في أوربا 115 فقط.

 

زيادة العمالة ومكافحة البطالة:

لا ريب أنّ أحد أهمّ أهداف السياسة الاقتصادية هو تحقيق مستوى عالٍ من العمالة، وهذا هو المقصود من مفهوم (العمالة الكاملة) المفضّل استخدامه في النظرية الاقتصادية. فمفهوم العمالة الكاملة يعني الوضع الاقتصادي الذي يتوفّر فيه العمل، ويمكن لكل شخص قادر على العمل ويرغب في ظروف العمل ومستوى الأجور الحالي أن يجد عملًا. وتحقّق هذا الوضع يعني بطبيعة الحال أنّ معدل البطالة قد انخفض إلى أدنى مستوياته.

 

معدّل البطالة العالي:

 يأتي موضوع البطالة من أصعب الأهداف المندرجة ضمن الأهداف الأساسية للاقتصاد الكلي، بل ربما من أكثر المجالات انتقادًا في فترة حكم حزب العدالة والتنمية. وعلى الرغم من أن بداية الفترة المذكورة وما بعدها شهدت نقاط ضعف في أهدافٍ أخرى من حيث تطورها، إلا أنّه لم يحدث تحسُّنٌ مُرْضٍ في تخفيض معدلات البطالة.

فالنمو مثلًا شهد انحرافات من حيث التضخم والعجز الجاري بين الحين والآخر أيضًا. لكن لم يكن هناك معدل مرتفعٌ (لكنه منخفضٌ من حيث الأداء) باستمرار طوال الفترة تقريبًا مثل معدل البطالة. ومن ثَمّ شهد النمو الاقتصادي معدلات نموٍّ كبيرةً مدةً من الزمن. ورغم أن معدل الانخفاض في التضخم لم يصل إلى الهدف المرسوم له لكن أمكن الحفاظ عليه تحت المعدلات العالية الموروثة على الدوام. في حين أن العجز الجاري وإن ارتفع من حينٍ إلى آخر إلى مستويات أعلى بكثير مما كان عليه في السابق، لكنه بقي في المستوى الذي يمكن السيطرة عليه في الغالب، ولم يتحوّل أبدًا إلى حالة أزمة.

كانت معدلات البطالة في تركيا على الشكل التالي: معدل البطالة قُبَيل أزمة 2001 كان 6.6%، ثم ارتفع إلى 10.7% عام 2002، وفي السنوات الستّ الأولى من إدارة الحكومة حتى عام انفجار الأزمة العالمية في 2009 كان المعدل 10.5%. في عام 2009 الذي شهد الوطأة الأشد من تأثير الأزمة العالمية ارتفع معدل البطالة إلى 13.1%، بينما شهد في الأعوام التالية انخفاضًا كبيرًا تحت تأثير النمو الكبير، واستقر على 8.4 % في عام 2012، وهو أدنى معدّل شهده حزب العدالة والتنمية خلال حكمه، ومع الركود الاقتصادي العالمي والداخلي أخذ معدل البطالة في الزيادة حاليًّا فوصل إلى معدل 13% تقريبًا. كان المعدّل الوسطيّ للبطالة في السنوات الستّ ما بين 2010-2015 هو 9.6%، في حين بلغ 9.8% في السنوات السبع ما بين 2010-2016. وبلغ المعدّل الوسطيّ للبطالة خلال فترة السنوات الـ14 الممتدة بين عام 2003 وعام 2016 حوالي 908%. (الشكل:3).

 

الشكل3: معدلات البطالة (%)

المصدر: مؤسسة الإحصاء التركية

 

شهدت معدلات البطالة ولاسيّما (البطالة بين الشباب) زيادة ملحوظة في الدول التي وقعت تحت تأثير أزمة 2008 العالمية، وقد نالت تركيا مع الأسف نصيبها من هذا التطور السلبيّ أيضًا. ففي عام 2007 كان معدل البطالة في تركيا والدول الأوربية (28 دولة) تقريبًا 16%، وكان في دول بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي 12%. وفي نهاية عام 2016 بلغ المعدل في تركيا والدول الأوربية 19% تقريبًا، وفي دول بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادي 13%[3]. لكنه تراوح في اليونان وإسبانيا بين 40% و44%، وفي قبرص الشمالية (اليونانية) وكرواتيا والبرتغال وفرنسا تراوح معدل البطالة بين 26% و33%. ويرجع السبب في مراقبة معدلات البطالة بين الشباب بشكل خاص في السنوات الأخيرة إلى أن البلدان التي يكون فيها هذا المعدل مرتفعًا تكون الاضطرابات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية أكثر قدرة على التعبير عن نفسها في كل فرصة.

 

أسباب عدم انخفاض معدّلات البطالة:

هناك أسباب كثيرة تمنع تحقيق مستويات عالية من العمالة في الدول النامية، مثل تركيا. فبينما تشهد بنية الاقتصاد تطورًا سريعًا من القطاع الزراعي إلى الصناعي، ومن هناك إلى الخدمي، لم يشهد توريد العمالة الماهرة للقطاعات الجديدة السرعة نفسها من التطور؛ لهذا السبب كان عدم قدرة توريد العمالة الماهرة على تلبية طلبات العمالة يشكّل أهم الاختناقات (ومن ثَمّ جمود سوق العمل) التي تعانيها الاقتصاديات التي تشهد نموًّا سريعًا. ففي تركيا اليوم، يمكنك أن ترى في طرفٍ أماكن العمل التي تبحث عن القوى العاملة الماهرة، والعمالَ غير المهرة يبحثون عن عمل في الطرف الآخر. أي أنّ هناك (بطالة غير منسجمة) ناتجة عن عدم التوازن بين الحجم المعروض من العمالة المتوفرة الذي لا يستهان به وطلب العمالة. ووفق تعبير أدبيات البطالة، يكمن الأساس في حلّ هذه المشكلة في التوسع كمًّا ونوعًا في المدارس التي تُنشِئ القوى البشرية متوسطة المهارة، الموجّهة للعمالة والتي تأخذ بعين الاعتبار القطاعات والمهن التي لها إمكانيات عالية للتطور.

وأحد أسباب بقاء معدل البطالة عاليًا في هذه الفترة هو الزيادة الكبيرة في معدلات البطالة الرسمية في جميع أنحاء العالم بسبب الجمود الاقتصادي الذي ساد عقب الأزمة العالمية. حيث ارتفعت معدلات البطالة في العالم من 5.5% إلى 5.9% بين عامي 2007 و2017، وفي الدول الأوربية من 7.2% إلى 9.5%، وارتفع معدل البطالة في فرنسا من 8% إلى 9.9% وفي إيطاليا من 6.1% إلى 12.3%[4]. وكان معدل البطالة في إسبانيا 23% في عام 2015، وفي كرواتيا 17% وفي البرتغال 13%[5].

كما أن انخفاض معدل العمالة غير الرسمية من حوالي 50% إلى 33% يحمل أهمية كبيرة من حيث الصراع غير الرسمي والضمان الاجتماعي للموظفين وطبيعة حياتهم العملية. والعامل الآخر المهمّ في بقاء معدل البطالة عاليًا رغم هذا التطور، يمكن أي يكون في حلول العمال ذوي الأجور المنخفضة من المهاجرين السوريين محلّ المواطنين الأتراك ولاسيما في القطاعات التي تعتمد على العمالة غير الماهرة.

ومن ناحية أخرى، ارتفع معدل مشاركة القوى العاملة بشكل عام من 44% إلى 51%. ولم يتغير المعدّل المذكور كثيرًا بالنسبة للذكور، بينما ارتفع بالنسبة للإناث من 23% إلى 32%. فإن لم تُحْدَث فرص جديدة للعمالة بالتوازي مع زيادة طلب الأشخاص البالغين سنّ العمل للعمل، فإن معدّل البطالة سيبقى في المستوى الذي هو فيه.

وأخيرًا. كان للاضطراب الذي حدث في الأسواق الداخلية والخارجية عقب محاولة الانقلاب في 15 تموز 2016، تأثيرٌ في معدل البطالة كما هو الحال في جميع البيانات الاقتصادية. ففي الواقع، انخفض معدّل النمو في الربع الثالث من عام 2016 للمرة الأولى خارج فترة الأزمة العالمية، وارتفع معدّل التضخم، وشهد سوق صرف العملات أكثر الفترات تقلّبًا، واتجهت معدلات الفوائد نحو الارتفاع.

وفي النتيجة، إذا كان الارتفاع الحقيقي لمعدلات البطالة في عهد حزب العدالة والتنمية أمرًا حقيقيًا؛ فإن الاختلافات البنيوية للاقتصاد مقارنةً بفترات الحكومات السابقة، والاختلافات في الاقتصاد العالمي أمرٌ حقيقيّ أيضًا، ويجب أن تُؤخَذ بعين الاعتبار.

لكن على الرغم من هذه العوامل السلبية، شهد عام 2003 وما بعده زيادةً في حجم العمالة على الدوام، وحُقِّقت زيادة بلغت نحو مليون عملٍ جديدٍ سنويًّا. إذ بلغ مجموع عدد العاملين حوالي عشرين مليونًا و869 ألف عاملٍ في عام 2009 وانخفض هذا العدد إلى حوالي عشرين مليون عاملٍ عام 2016، وعلى الرغم من الزيادات التي حصلت في الأعوام اللاحقة، انخفض هذا العدد إلى ما يقارب عشرين مليون عامل في عام 2009. لكن هذا العدد سجّل في 2016 قيمة 27 مليونًا و400ألفٍ. تتوزع العمالة المضافة في الفترة المذكورة والبالغة 7.4 مليون عاملٍ على الشكل الآتي: القسم الأكبر منهم والبالغ 4.6 ملايين عاملٍ في قطاع الخدمات، و1.3 مليون عاملٍ في الصناعة، و800 ألف عاملٍ في الإنشاءات، و700 ألف عاملٍ في قطاع الزراعة. وتغيرت حصة القطاع الطبي من العمالة بما يتوافق مع ذلك. وبناءً على ماسبق كانت معدلات العمالة عام 200 وفقًا للترتيب الآتي: قطاع الزراعة 36% وقطاع الصناعة 24% وقطاع الخدمات 40%، وتغير في عام 2013 وفق الترتيب الآتي: 23.6% و23.6% و52.8%.

 

زيادة القوة التنافسية:

يشكل تعزيز القوة التنافسية للبلد دوليًّا أحد الأهداف الأساسية التي تعتمدها الحكومات من أجل تعزيز الاستقرار الاقتصادي ورفع مستوى معيشة المجتمع في بلدٍ ما، وفقًا لذلك، سيقوم البلد بزيادة الإنتاج الخدمي والسلعي والبيع في الأسواق العالمية، ومِن ثَمّ سيزيد من وارداته من العملة الصعبة، وستكون فرصه من أجل زيادة الدخل القومي أكبر. وقد حدّدت الحكومات كلّها ولاسيما منذ عام 1980 زيادة القوة التصديرية بصفتها هدفًا أساسيًّا للاقتصاد الكليّ.

تبنت تركيا منذ قرارات 24 كانون الثاني عام 1980 السياسة الاقتصادية الليبرالية القائمة على اقتصاد السوق، والانفتاح إلى الخارج، والاستناد إلى نموذج النمو القائم على أولوية التصدير، وتحديد مكانيزمات السوق بالاعتماد على سعر الصرف وأسعار السلع وتكلفة عوامل الانتاج؛ وطبّقت  هذه القرارات إلى حدّ كبير، بدلًا من السياسات الاقتصادية المطبقة في السابق، والتي تتميز بسيطرة الدولة، والانغلاق على الخارج، والاستناد إلى نموذج النمو البديل عن الواردات في التخطيط، فتحددها الدولة من خلال التحكم بسعر الصرف وأسعار السلع وتكلفة عوامل الإنتاج. ثم سيطرت على البلاد حالة من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في أعوام التسعينيات، ثم جاءت فترة تسلّم حزب العدالة والتنمية السلطة حيث اتبع هذا النموذج بشكل أساسي.

 

التطورات المتعلقة بالصادرات:

من المؤكّد أنّ أحد أهم السياسات الاقتصادية لحكومة حزب العدالة والتنمية هو زيادة القدرة التنافسية التركية من أجل الحفاظ على حيوية أهداف الإنتاج والعمالة والنمو. لهذا السبب، شُرِع في حملةٍ كبيرةٍ للتصدير منذ البداية، وخلال فترةٍ قصيرةٍ تمّ التغلب على عتباتٍ صعبةٍ لا يمكن تصديقها. فقد بلغت عائدات الصادرات عام 2002 قيمة 36 مليار دولار، وتضاعفت هذه القيمة 3.7 مرة خلال ست سنوات لتبلغ 123 مليار دولار في عام 2008. بدأت الأزمة الاقتصادية العالمية في بداية النصف الثاني من عام 2008، فتقلّصت العائدات نتيجة لذلك إلى 102 مليار دولار في عام 2009. على الرغم من ذلك، ومع انتعاشٍ سريعٍ جدًّا بلغت العائدات 153 مليار دولار في عام 2012 (الشكل:4). لكن هذا الأداء لم يستمرّ على الوتيرة نفسها في الأعوام اللاحقة. وتراجعت قيمة 158 مليار دولار التي بلغتها عام 2015 إلى 143 مليار دولار في عام 2016.

 

الشكل 4: الصادرات السنوية

المصدر: مؤسسة الإحصاء التركية

 

هناك العديد من الأسباب الخارجية والداخلية وراء الجمود الذي أصاب الصادرات، بل وتراجعها، وفيما يلي نورد ما نراه الأكثر أهمية من بين تلك الأسباب:

  • يأتي الانكماش الاقتصادي الذي سيطر على الدول الأوربية عمومًا تحت تأثير أزمة 2008 العالمية في المقدمة، حيث تشكل تلك الدول السوق الأكبر للصادرات التركية. فقد كانت حصة هذه الدول من الصادرات التركية قبل الأزمة 50%، وتراجعت إلى أقل من 40% بعد الأزمة.
  • لم يدم الوقت طويلًا حتى لحقت بأنظمة دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي توجهت الحكومة التركية ورجال الأعمال نحوها بوصفها سوقًا بديلًا- أزماتٌ شديدةٌ، ثم تحولت إلى حروب أهلية رويدًا رويدًا. فذهبت الآمال المتعلقة بهذه المناطق أيضًا سدى.
  • والعلاقات التجارية مع كل من إيران وروسيا كذلك، تعرضت بين الحين والآخر إلى سكَتاتٍ تتّصل بالعقوبات الدولية المفروضة والأزمات السياسية، وبسبب الأحداث المتعلقة بالشأن السوري أيضًا.
  • وفي نفس الأعوام، سيطر على سوق الصين الذي اختاره رجال الأعمال الأتراك بصفته سوقًا موحَّدًا مستقرّ النمو انخفاض لم يعهده سابقًا، فلم تؤت مشروعات الصادرات نحو هذه المنطقة ثمارها بشكل كاف أيضًا.
  • الأمر الأخير ولعله الأهم: هو عدم الابتعاد بشكلٍ كافٍ عن التركيز على المجالات والمنتجات ذات القيمة المضافة العالية، والتي تتطلب التكنولوجيا المتقدّمة القائمة على التكنولوجيا العالية والقوى العاملة من أصحاب المهارات العالية، بصفته عنصرًا أساسيًّا في زيادة القوة التنافسية الاقتصادية.

فإن أردنا القيام بمقارنة الأداء المعروض خلال الأعوام الأخيرة رغم خلوّها من التطورات المطمئنة في مجال الصادرات، فإن الزيادة التي حصلت في قيمة مؤشر الصادرات (مع اعتماد عام 2001 أساسًا) على سبيل المثال؛ سجّل تطورًا أفضل من جميع الدول الأوربية باستثناء المجر وبولونيا. وعند إجراء قياس على أداء الصادرات (تغير المتوسط السنوي للصادرات) مع مختلف الدول نجد المتوسّط العالمي 4.3، وفي المنطقة الأوربية 3.6، وقد تبوَّأت تركيا المرتبة الثانية في الأداء الأفضل بمعدل 6.4 بعد مجموعة الدول الآسيوية صاحبة التطور الأفضل في الأداء التي حققت المعدل 8.1 في تغيّر وسطي في الصادرات. (الشكل:5).

 

المصدر: مستشارية الخزينة (المسؤول الاقتصادي)         

 

نمو الواردات:

كانت بيانات الواردات السنوية مشابهة للصادرات؛ لأنّ 90% من الواردات تقريبًا شكّلت إمّا رأسمالًا وإمّا سلعًا وسيطية، وشكلت 80% من المنتجات المعدّة للتصدير. لهذا السبب من الطبيعي أن تكون حركتا الصادرات والواردات متلائمتين في بلد ارتبطت فيه بنية الإنتاج والصادرات بهذا المستوى العالي من الواردات. فقد كان مقدار الواردات 52 مليار دولار في عام 2002. ارتفع هذا العدد 3.9 أضعاف ليبلغ 202 مليار دولار في عام 2008، ثم انخفض نتيجة للأزمة إلى 141 مليار دولار في عام 2009، ثم شهد بعدها انتعاشًا سريعًا ليرتفع إلى 241 مليار دولار في عام 2011. وتراوح في مكانه فترة من الزمن ثم انخفض إلى 199 مليار دولار في عام 2016. (الشكل:6). والسبب الأساسي في التراجع الذي حصل في السنوات الأخيرة هو انخفاض الطلب الداخلي وانخفاض الدخل.

 

الشكل 6: الواردات السنوية

المصدر: مؤسسة الإحصاء التركية؛ مستشارية الخزينة (المسؤول الاقتصادي)

 

تشكّل الطاقة والسلع الوسيطية (المكنات والتجهيزات) القلمين الأساسيين في بيانات الواردات. فهذان القلمان يشكّلان نصف قيمة الواردات تقريبًا. فقد تراوحت قيمة مجموع الواردات السنوية من الطاقة للبلد بين 39 و60 مليار دولار بين عامي 2012 و2015. ومن الواضح أن هذا الارتفاع الكبير في هذه القيمة سينعكس بشكلٍ كبيرٍ على تقلب أسعار الطاقة، وأن ذلك سيساعد على استمرار مشكلة العجز الجاري. فبسبب الارتفاع الزائد لأسعار الطاقة دوليًّا بين عامي 2011 و2014، بلغت قيمة الفاتورة المضافة على أسعار الطاقة المستوردة خلال أربع سنوات 48.9 مليار دولار تمامًا. وانعكس الوضع في عام 2015 تمامًا، فقد حصل توفير في تكاليف الطاقة بمقدار 12.3 مليار دولار بسبب انخفاض أسعارها. (الشكل:7).

المصدر: مستشارية الخزينة (المسؤول الاقتصادي)

 

من الواضح أن التقلّبات في أسعار الطاقة الناجمة عن التوترات (الناتجة في معظمها من الطاقة) في العديد من البلدان ستؤدّي إلى مثل هذه الصعود والهبوط الشديد، وسيترك ذلك اقتصاد البلدان التي تستعين بالمصادر الخارجية إلى حدّ كبير مثلنا أسير التقلبات الدورية في الأجلين القصير والمتوسط. فسعر برميل نفط البرنت كان حوالي 20 دولارًا عام 2002، ثمّ قفز إلى سبعة أضعاف ليتجاوز 140 دولارًا عام 2008، بل ارتفع من 50 دولارًا إلى ثلاثة أضعاف دفعة واحد خلال عام واحد. (مستشارية الخزينة، 2017).

وشهد قطاع استيراد الآلات والتجهيزات في فترة هذه الحكومات زيادة ملحوظة ليقترب من 50 مليار دولار. فبينما كان وسطي قيمة واردات الآلات والتجهيزات السنوية 12.2 مليار دولار، وصل هذا الرقم إلى 47.4 مليار دولار في 2016.

 

قضية الطاقة ومشكلة العجز الحالي والتمويل:

تُظهر البيانات المقدمة في الأعلى مدى ارتباط البلد بالخارج في المدخلين الأساسين، وإلى مدى انفتاح مشكلة العجز الحالي إلى التطورات الخارجية. فلدى خصم أسعار الطاقة من البيانات يمكن القول بسهولة إن تركيا لا تعاني مشكلة في العجز الجاري. وقد يمكن أن يُستثنى من ذلك عام 2011، لكن حتى ذلك العام لم يكن في وضع يمكّنه أن يتحول إلى أزمة (كان العجز بحدود 3.2% من الناتج المحلي الإجمالي). وعندما يستثنى تأثير أسعار الطاقة يلاحظ أن تركيا لم تشهد عجزًا جاريًا يذكر خلال ست سنوات في الفترة ما بين 2003 و2015. وهذا يدلّ على أن مصدر العجز في الحساب الجاري للبلد هو الآثار الحرجة لتقلبات الأسواق الخارجية أو العلاقات الثنائية؛ نظرًا لارتفاع مستوى الاعتماد الخارجي في الطاقة، ومِن ثَمّ حلّ المشكلة مرتبط بإيجاد مصادر الطاقة المحلية يمكنها التخفيف من هذه الآثار. وإنّ أهم الطرق التي يمكن لتركيا أن تخفف اعتمادها على الخارج في مجال الطاقة:

  • أوّل الطرق وربما الأهم بالنسبة لنا هو زيادة مردود استخدام الطاقة؛ أي الاستفادة المثلى من الطاقة المستخدمة نفسها، أو تلبية الطلب نفسه بكمية أقل من الطاقة. وبتعبير أوضح، يتضمن الحدّ من كل أشكال فاقدات الطاقة التي تؤثر في المردود، وإعادة تدوير النفايات، وتشجيع اقتناء المنتجات ذات التقنية الأكثر تطورًا وتتطلب قدرًا أقل من الطاقة (التلفاز، الثلاجة، الغسالة والجلاية، الموقد، الفرن والسلع الدائمة الأخرى، المصابيح الكهربائية الاقتصادية، الآليات التي تستهلك كمية أقل من الوقود، السخانات الاقتصادية، منشآت التدفئة وأنظمة العزل الحراري في المنازل). ولتحقيق ذلك، يجب الشروع في سياسة صارمة لتوفير الطاقة بصفتها سياسة للدولة تستنفر لها الحكومة والشعب، وتغطي جميع مجالات استخدام الطاقة، ومتابعة المشروع متابعة صارمة. ويمكن في هذا السياق إنتاج برامج عامة موجّهة للحدّ من العادات الخاطئة في هدر الطاقة والتبذير في الاستهلاك، ولاسيّما عبر قنوات الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي. ولتكون آثار هذه البرامج أكثر فاعلية، يمكن الاستفادة من أسماء شخصيات محبّبة من قبل العامة، حيث يكون التأثير أكثر فاعلية. ويجب ألا ننسى أن التوفير الذي سيتحقق من هنا قد يخفض تكاليف الطاقة إلى النصف.
  • التحرك الجريء في زيادة إنتاج الطاقة المحلية. ويجب التحرك في هذا الصدد وفقًا لأولويات موارد توليد الطاقة الأولية والثانوية. وينبغي أن تكون مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الهيدروليكية والكتلة الحيوية والطاقة الحرارية الأرضية هي الأكثر انتشارًا.
  • تنويع البلدان المورّدة للطاقة قدر الإمكان، وإجراء عقود الأسعار وفقًا لمبادئ مرنة وعقلانية، والحفاظ على العلاقات الثنائية دافئةً، وتنويع خطوط الأنابيب.
  • والمسألة المهمّة من أجل حلٍّ دائم لمشكلة العجز في الحساب الجاري لتركيا هي زيادة الإنتاج في المجالات التي سيتمّ تحديدها على أنّها مجالات أفضلية نسبية محليًّا؛ من أجل تخفيض الإيرادات من السلع التحويلية (الوسيطية). ولذلك من الضروري جعل تأهيل القوى العاملة المتوسطة التأهيل الأكثر جاذبية. وسيكون المورد (توفير النقد الأجنبي) الذي سيتوفر من هنا وحجم العمالة المنتجة التي ستُشكَّل خلال فترة طويلة هو السبب الأكثر ضمانة من أجل استدامة النمو.

وأخيرًا، كان العجز في الحساب الجاري مرتفعًا في معظم فترة حكومات حزب العدالة والتنمية، إذ بلغ المتوسط السنوي لمعدل إجمالي العجز الجاري إلى الناتج المحلي الإجمالي بما في ذلك الطاقة بين عامي 2003 و2015 (أي خلال ثلاثة عشر عامًا) 4.9 في المائة. ورغم أن الاقتصاد الذي يصل إلى هذه المعدلات بشكل عام، يمكن أن يواجه مشكلةً في المدفوعات الخارجية ويزداد احتمال دخوله في أزمة، ورغم أن العجز ارتفع فوق هذا المعدّل لمدة سبع سنوات، ووصل في عام 2011 إلى 8.9%، نعم، رغم كل ذلك لم يُعانِ الاقتصاد التركي أيّ مشكلة في المدفوعات، لكنه اعتبارًا من عام 2012 منعت الحكومة نموّ المشكلة من خلال اتباع سياسة نموّ منخفضة. ولابدّ لبلدٍ يعتمد على سياسة النمو على أساس التوفير الخارجي لفترةٍ طويلةٍ، ولا يتمكن من إجراء التوفير بما فيه الكفاية في الداخل؛ أن يتعرّض في اقتصاده لأزمةٍ في المدفوعات الخارجية بسبب ارتفاع العجز في الحساب الجاري. لكن هذه الحكومات في السنوات الأخرى أيضًا عرفت كيف تستخدم الظروف الاقتصادية الداخلية والخارجية في تمويل العجز في الحساب الجاري لمصلحتها، فمنعت تحول الأزمة إلى مشكلةٍ. وفيما يأتي المصادر الرئيسة المستخدمة في تمويل الحساب الجاري في هذه الفترة:

  1. الطريقة الأهم لتخفيض العجز في الحساب الجاري خلال فترة طويلة هي توسيع قنوات جلب العملات الصعبة، والزيادة في الصادرات من خلال زيادة القدرة التنافسية للبلد في منتجات التكنولوجيا العالية. وقد حققت حكومات حزب العدالة والتنمية نجاحات فائقة في هذا الموضوع، كما هو واضح فيما ذكرناه آنفًا. لكن الظروف العالمية السلبية اليوم تدعو في الواقع إلى انفتاحٍ جديد، فحجم التجارة الخارجية للبلد اليوم تراجع إلى مستوى دون الوضع الذي كان عليه قبل ست سنواتٍ أو سبعٍ. ولهذا السبب، يمكن القول إن هناك حاجة في المقام الأول إلى سياسة إستراتيجية وهيكلةٍ مؤسساتيَّةٍ أعلى؛ بإجراء الترتيبات الهيكلية الاقتصادية الجزئية للانتقال إلى المنتجات والقطاعات ذات القيمة المضافة العالية على أساس المزايا النسبية.
  2. تشكّل عائدات السياحة أحد الموارد المهمّة في تمويل الحساب الجاري. فالسياحة تشكّل موردًا عظيمًا في بلد مثل تركيا، غنيّ بالإمكانات السياحية في مجالاتٍ كثيرةٍ، بدءًا من السياحة الطبيعية إلى السياحة التاريخية، ومن السياحة الدينية إلى الصحية، ومن السياحة الصيفية في الشواطئ إلى السياحة الشتوية وسياحة المؤتمرات وسياحة المطبخ. ففي عام 2002 بلغ عدد السياح 15.2 مليون شخص، وبلغت قيمة العائدات 12.4 مليار دولار. وفي عام 2015 ارتفع عدد السياح إلى 41.5 مليون شخص وقيمة العائدات إلى31.5 مليار دولار، (وعائدات السياحة الداخلية 37.2)، وكانت حصتها من سوق السياحة العالمية 2.1% (البلد الحادي عشر). وتراجع عدد السياح الأجانب في عام 2016 إلى 22.1 مليون شخص، وتراجعت عائداتها إلى 31.4 مليار دولار. والأمور التي ينبغي إجراؤها في هذا الموضوع يجب أن يهدف إلى الوصول إلى الحصة التي حصلت عليها الدول المماثلة في المعايير من سوق السياحة العالمية[6].
  3. علاوة على ذلك، فإن تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية المباشرة مهمّة في تمويل الحساب الجاري. بلغ متوسط المبلغ السنوي لرأس المال المستثمر في الفترة ما بين عامي 1993 و2002، 1،1 مليار دولار، وتراوح هذا المبلغ بين 10 و22 مليار دولار سنويًّا منذ عام 2005. وكانت تدفقات الاستثمار في معظمها طويلة الأجل. ومن الواضح أن هناك انسدادًا في هذا الأمر، وإخفاقًا في تجاوز قيمة 10-15 مليار دولار سنويًّا. ينبغي انتهاج سياسات مختلفة لتحويل العقبات الخارجية الدورية في هذا الموضوع لمصلحة البلد من ناحية، وإيجاد حلولٍ عاجلةٍ للمجالات (السياسية والبيروقراطية والاقتصادية) المسدودة في الداخل من ناحيةٍ أخرى.
  4. وثمة بديل آخر لتمويل الحساب الجاري يتمثل في التدفقات الاستثمارية قصيرة الأجل. صحيح أن مستوى عائداتها منخفضة نسبيًّا[7] لكن البلدان التي تحتاج إلى النمو السريع مثل تركيا ليست لها رفاهية توفير المدخرات الأجنبية بالمواصفات التي ترغب بها. فبينما الحوادث الداخلية التي تهدّد الاستقرار السياسي الاقتصادي داخل البلد تتكرر باستمرار، فإنّ الظروف السياسية الدولية وما يتولد عنها من مفاجآت اقتصادية سلبية، تعمل -مثلها مثل (أسعار الطاقة، وأسعار السلع الأخرى، وحرب العملات، ومواقف الدول الأوربية، ووكالات التصنيف، والإعلام المؤثر، والاتصالات، ومواقف المنظمات الأهلية المختلفة السلبية) في هذا المعنى- على إبقاء المخاطر عالية على الدوام، وكلا الأمرين يشكّلان صعوبات في تمويل الحساب الجاري بالطرق النوعية التي سبق ذكرها. ومن واجب الحكومة بلا شك تشتيت هذه الأجواء الداخلية والخارجية المفعمة بالسلبيات، وتعزيز الأمن الاقتصادي، واستدامته. إلى جانب ذلك، من الضروري أيضًا مواصلة الأخذ بشكلٍ منضبطٍ بإيداعات التمويل قصير الأجل في البورصة والمصارف وأوراق الخزينة. فالقضايا الاقتصادية بحاجة إلى السياسات الحقيقية التي تعتمد على مصالح البلد بدل المصالح العاطفية. وقد تراوح بالفعل تدفق رأس المال بين 20 إلى 70 مليار دولار سنويًّا، باستثناء عام 2009.
  5. وتُعدّ القروض التي يقدّمها القطاع الخاص غير المصرفي من الخارج فرصة أخرى. وقد تراوحت قيمة المبالغ التي استُخدِمت في الائتمان السنوي في تركيا في هذه الفترة بين 6 و29 مليار دولار.
  6. وأخيرًا، يمكن أن تُعَدّ احتياطيات البنك المركزي من بين المصادر في تمويل الحساب الجاري عند الضرورة. فمن المعروف أن زيادة الاحتياط النقدي من 20 مليار دولار عام 2002 إلى حوالي 115 مليار دولار عزّزت السلطة النقدية بيد البنك المركزي ضد المخاطر المحتملة في الدفع الجاري وسعر الصرف.

 

الخاتمة:

تناولت هذه الدراسة الأداء الذي عرضه حزب العدالة والتنمية منذ وصوله إلى السلطة في تشرين الثاني عام 2002 حتى اليوم، وهو في فترة حكومته الخامسة- في مجالات النمو الاقتصادي في سياسة الاقتصاد الكلي، والعمالة (والبطالة) والقوة التنافسية. وقد شهدت سنوات حكم حزب العدالة والتنمية في الواقع العديد من الأزمات الداخلية والخارجية التي شكّلت تهديدًا سياسيًّا واقتصاديًّا. يُذكَر من ذلك أزمة رئاسة الجمهورية عام 2007، والأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008، وتبعتها الديون الثقيلة لبعض الدول الأوربية، والثورات والحروب التي اندلعت في كثيرٍ من الدول العربية والإسلامية بعد عام 2010. وأحداث غزي بارك (تقسيم) الأليمة التي بدأت في عام 2013، وحركة العصيان في قطاع الأمن، وبيروقراطية القضاء في الفترة بين 17-25 كانون الأول عام 2013، والمحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 تموز 2016.

إن تمكُّن الحكومة من الحفاظ على الاقتصاد من دون الانجرار إلى الأزمة في الفترة التي شهدت هذا الكم الهائل من الأزمات المتزامنة أو المتتالية، ناهيك عن قدرتها على مواصلة النمو الاقتصادي- يُعَدّ بحد ذاته نجاحًا. بالمقابل لم يشهد الاقتصاد انكماشًا حتى النصف الثاني من عام 2016، باستثناء الربع الأخير من عام 2008 الذي هيمنت فيه الأزمة الاقتصادية على العالم، والأرباع الثلاثة الأولى من عام 2009. بل بالعكس، شهد العامان 2010 و2011 انتعاشًا اقتصاديًّا سريعًا. وشهد الاقتصاد انكماشًا في الربع الثالث من عام 2016 فقط بسبب التأثير السلبي لمحاولة 15 تموز الانقلابية. ثم تبعه انتعاشٌ سريعٌ في الربعين اللاحقين وصل إلى 3.5% و5 % بالترتيب، مقدّمًا أداءً مطمئنًّا في النمو. لكن أداء النمو الذي حُقِّق في الأساس كان بفضل الاستهلاك الخاصّ والإنفاق الاستثماري للقطاع الخاص إلى جانب القوة الدافعة للتجارة الخارجية.

لذلك أدّى النمو الذي حُقِّق إلى زيادة سنوية في عدد الوظائف بمعدل مليون وظيفة. وربما كان معدل البطالة أعلى بكثير من الحالي لو كانت ديناميات النمو في تلك الفترة تعتمد على العوامل (الهرمونية)، مثل العجز العام والعجز الجاري، كما أن الاقتصاد سينجرّ إلى أزمةٍ ماليَّةٍ كبيرةٍ جدًّا. إن بقاء معدّل البطالة عاليًا باستمرارٍ ينبغي أن يؤخذ على محمل الجِدّ، ولو كان ذلك ناشئًا عن التزاماتٍ معينةٍ في سوق العمل كما نوقش باستفاضةٍ تحت العنوان السابق. ولذلك كان موضوع التدبيرات الواجب اتخاذها من أجل تخفيض معدل البطالة إلى ما دون 10% واحدًا من الموضوعات التي توقفت عندها الحكومة منذ منتصف عام 2016.

وأخيرًا، كان أحد أكبر أهداف حزب العدالة والتنمية منذ البداية هو زيادة قدرة البلد على الإنتاج والتصدير من قبل القطاع الخاص، وزيادة القدرة التنافسية لرجال الأعمال الأتراك في الأسواق الدولية. لذلك، لم يعزّز انسحاب التضخم إلى رقم ذي خانة واحدة دومًا، واتباع سياسة سعر الصرف بمرونة وعقلانية؛ من القدرة التنافسية للمصدِّرين فحسب، بل زادت كذلك من مقاومة البلد للمخاطر المحتملة. فقد نشأت في السوق الداخلية سياسة أسعارٍ (معدل التضخم) وسعر صرفٍ يمكنها نسبيًّا منافسة الأسواق الخارجية. ومن المعروف أن تأثير التقلبات في أسعار الصرف في الأشهر القليلة الماضية كان محدودًا ومتناقصًا. وتكمن طريقة زيادة القدرة التنافسية من الآن فصاعدًا في أجواء الثقة الجديدة المزمع إقامتها مع المجتمع الدولي، والبحث عن الأسواق، إلى جانب البحث عن طرق التنافس من حيث السعر والجودة، مع الأخذ بعين الاعتبار مزايا التكلفة لمنتجات التكنولوجيا العالية.

الهوامش والمراجع:

 

[1]آفاق الاقتصاد العالمي/ World Economic Outlook، صندوق النقد الدولي، (تشرين الأول 2016). "العروض الاقتصادية"، مستشارية الخزينة، www.hazine.gov.tr (تاريخ الزيارة: 17 شباط / فبراير 2017).

[2] متوسط سرعة انكماش الدول المتقدمة في عام 2009 3,5%، وبقي هذا المتوسط في الأعوام التالية تحت 2% على العموم. (آفاق الاقتصاد العالمي).

[3] “Youth Unemployment Rate in Europe (EU Member States) as of May 2017 (Seasonally Adjusted)”, Statista, https://www.statista.com/statistics/266228/youth-unemployment-rate-in-eu-countries, (Accessed February 2, 2017).

[4] البطالة والتوظيف والأجرة الأصغرية، سليمان بولات، ص10، (تاريخ الزيارة: 30 حزيران، 2017)، http://sbolat.weebly.com/uploads/2/4/0/5/24055490/5.pdf

[5] turkeydatamonitor.com، (تاريخ الزيارة: 30 حزيران 2017).

 [6] فيما يأتي ترتيب الدول التي سبقت تركيا في الحصص من السياحة العالمية، وحصصها بالترتيب: الولايات المتحدة الأمريكية (16.2%). الصين (9.1%). إسبانيا (4.5%). فرنسا (3.6%). المملكة المتحدة (3.6). تايلاند (3.5%).إيطاليا (3.1%). ألمانيا (2.9%). هونكونغ (2.9%). ماكاو (2.5%). http://www.ekomonitor.com.tr/yazarlar/bacasiz-sanayi-pazarinda-turkiye-nerede. (تاريخ الزيادة: 10 شباط2017).

[7] معدّل التوفير في تركيا 12.6%، وهو أقل بكثير من معدّل 33.1% للدول النامية. مثال على معدّل التوفير؛ 49.7% في الصين، و28.8% في روسيا. "البرنامج متوسط الأجل".http://www.bumko.gov.tr/TR,42/orta-vadeli-program.html. بومكو، (تاريخ الزيادة: 13 شباط،2017).

 


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...