رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


| المقالات والدراسات < رؤية تركية

السلفية الأصولية في أوربا بعض خصائص التيارات السلفية وإشكالياته

تناول هذا البحث الإشكاليات والخصائص الأساسية للتيارات السلفية في الغرب عمومًا وفي البلدان الأوربية خصوصًا وأنماط تفكيرها، مع الإشارة إلى المهتدين (المسلمين الجدد) على وجه الخصوص.

السلفية الأصولية في أوربا  بعض خصائص التيارات السلفية وإشكالياته

ملخص يتناول هذا البحث الإشكاليات والخصائص الأساسية للتيارات السلفية في الغرب عمومًا وفي البلدان الأوربية خصوصًا وأنماط تفكيرها، مع الإشارة إلى المهتدين (المسلمين الجدد) على وجه الخصوص. وتتناول الدراسة كذلك تقييمات مناهج التيارات السلفية سواء التقليدية أو الجديدة في فهم النصوص وتفسيرها، وتتوقف في هذا السياق حول أسباب قيام الدراسات والمشروعات المتعلقة بالتيارات السلفية في أوربا، وعلاقتها بأهداف الاستشراق والاستشراق الحديث، وترى الدراسة إن الخلفية الاستشراقية لبعض البلدان المعنية، وماضيها الاستعماري، وإدارتها للجماعات السلفية الراديكالية وغيرها من الجماعات باعتبارها (مشروع الاستشراق الجديد) لها دورٌ كبيرٌ في هذا.

المدخل

إن السلفية إلى جانب تسمياتها التخيلية كـ(السلفية الجديدة) و(السلفية التقليدية الجديدة) و(تيار أهل الحديث الجديد) أو (الأصولية الجديدة) و( السلفية السياسية/الجهادية) و(السلفية الأصولية الراديكالية الإسلامية) و(الإسلام المتشدد)[2]- التي ظهرت بعد أحداث 11 أيلول، والتي أصبحت (أو أُريِد لها أن) تأتي في مقدمة العناصر الفاعلة في المناقشات الدينية المذهبية الحديثة، والتي تتجلى في العصر الحديث عمومًا بوصفها حركة (سياسية اعتقادية)، رغم صعوبة معرفة تركيبتها الشاملة وخصائصها الأساسية، والتي تشير بالمعنى الخاص إلى الصحابة والتابعين وتابعي التابعين (السلف) استنادًا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم[3]... نعم هذه السلفية تملك -باعتبار جذورها التاريخية- بعض الاتجاهات والعلماء المؤسِّسين للمنهج.

دراسة هذه الجذور التاريخية والعلماء الذين توجهوا نحو الفكر السلفي في التاريخ ليست موضوع هذه المقالة بطبيعة الحال. ولكن ينبغي تأكيد أن التيارات السلفية التي ظهرت في الأساس باعتبارها حركة تقوم على مركزية الحديث؛ أُرسيِت قواعدها بالمعنى الملموس تماشيًا مع خط (البربهاري-الحشوية) الموجود في المذهب الحنبلي لأحمد بن حنبل من حيث جذورها التاريخية، وتأثرت بالظاهرية لابن حزم، وأرسى أساسيات طرقها ابن تيمية ومدرسته، وأخيرًا تحولت [مناهج] علماء هذه المناطق الثلاث في العصر الحديث على وجه الخصوص -رغم وجود الفروق المنهجية بينها- إلى تيارٍ بعد تعرضها للتوصيف بالتيارات السلفية-الوهابية. بناءً على هذا يمكن القول إن الخطوط السلفية تضم السلفية السعودية، ومحمد بن عبد الوهاب[4] الذي برز بتوجهاته السياسية-الدينية-الاعتقادية، والأمير الصنعاني ومركزية الحديث وفقه الحديث (وفاته: 1768)، والشوكاني (وفاته: 1839) في اليمن، وجلال الدين القاسمي (وفاته: 1914)، وطاهر الجزائري (وفاته: 1920) في الشام، والتيار الذي يضم علماء من (عائلة آلوسي) في مطلع القرن التاسع عشر، وتيار (الإصلاح على أساس الحديث) الذي يُذكر مع محمد عبدو -رشيد رضا في مصر، الذي يصفه هنري لاؤوست بأنه (الوهابية الخفيفة). كل واحدةٍ من هذه التيارات السلفية أثرت في أخواتها وتأثرت بها بخصوص المسائل الإسلامية، وفي مقدمتها فهم الحديث. هذا ويمكننا الحديث عن اختلافات مهمّة بين نهج تيار (السلفية الإصلاحية) بريادة محمد عبدو ورشيد رضا الذي يستند إلى أسس عقلانية في فهم النصوص عن التيارات الأخرى رغم التفاعل والتأثير المتبادل بين التيارات السلفية[5]، وهذا يحتاج إلى بحث آخر.

في هذه المقالة سنحاول أن نتناول المجموعات السلفية وخصائصها في الدول الأوربية-الغربية، آخذين بالحسبان المناقشات السياسية-السسيولوجية والتحليلات المفهومية التي دُرِست دراسة كافية من مناح مختلفة، مثل (السلف) و(السلفية) و(أهل الحديث). ويمكن القول إن الدول الأوربية-الغربية تدعم/تستعمل بعض الشخصيات والمجموعات والتيارات ذات الميول السلفية في عملياتها الموجّهة للعالم الإسلامي، وفي مقدمتها حروب ما بعد الاستعمار التي تخلقها نتيجة وجود داعش في سورية، والهجمات الإرهابية التي تقع في تركيا. فالغرب حاليًّا يجني -إن جاز التعبير- ثمار جهوده ومخططاته التي تمتد لسنوات طويلة في هذا الخصوص. ومن المعلوم أن الغرب حتى يحقق هدفه هذا، بنى مجموعات عملٍ ومشروعات استشراقية حديثة، لتحليل السلفية التي توجد في الغرب-أوربا منذ سنوات طويلة، وتتصاعد بسرعة في السنوات الأخيرة- وأساليبها الفكرية والسياسية والدعوية، وتوجهاتها الراديكالية الجامدة المقاومة للتغيير في الدين (أنتيغريست)، وطرقها في فهم النصوص الإسلامية، ويستعمل البحوث والتقارير المنشورة في إسقاطات موجهة إلى العالم الإسلامي. وتوجد حاليًّا في كل دولةٍ غربية على وجه التقريب أعداد لا يُستَهان بها من المختصين والخبراء في التيارات السلفية.

في هذه الحالة يتبين مغزى هذه الأسئلة: لماذا تجري الدول الغربية-الأوربية كل هذه الدراسات حول التيارات السلفية؟ لماذا تعمل على إنتاج متخصصين في السلفية منذ زمن طويل؟ ومن هنا يمكننا بعد هذا المدخل الذي أشرنا فيه بإيجازٍ إلى الأسس العلمية للمسألة التي تتطلب دراسة عميقة أخرى- أن ننتقل إلى دراسة أنماط تفكير المجموعات السلفية في الغرب عمومًا وفي البلدان الأوربية خصوصًا، ونماذج تنظيماتها، وخصائصها الأساسية وإشكالياتها.

السلفية-التيارات السلفية الراديكالية/أنتيغريست؛ في الغرب باعتبارها (مشروع الاستشراق الحديث):

يمكن الإجابة عن هذا السؤال للوهلة الأولى على أنه (من أجل أمن بلدانهم). ففي الغرب يعيش المسلمون اليوم بأعداد لا يستهان بها، ومن بين هؤلاء المسلمين من يميل إلى السلفية بأعداد لا يستهان بها، لأسبابٍ شتى. حتى إن هذه الميول والتوجهات تزداد يومًا بعد يوم. بناءً على هذا يحاول الغرب أن يفهم التوجهات الراديكالية-المتطرفة للمجموعات الإسلامية بغية دمجها في المجتمع، ومن ثم إدارتها. ولو نظرنا إلى المسألة من هذه الناحية يمكن القول إن المجموعات السلفية في الغرب تشكل (مشروع الاستشراق الحديث). إذ يمكن القول إن إنتاج الأفكار التي تُعِدّ الأرضية لتنازع المسلمين وخلق (إسلام ضد إسلام)، والسياسة التي تستند إلى هذه الأفكار- من أهم أهداف الاستشراق. فالغرب-أوربا يستفيد قدر الإمكان من الأدبيات والأطر والمعلومات والأفكار التي ينتجها الاستشراق، في إجراء تحليل جيد للمجموعات الإسلامية الكلاسيكية-الحداثية-ما بعد الحداثة، ونقاط اختلافها، وتجاربها التاريخية-الحديثة، ونهاياتها العصبية، وتوجهاتها الراديكالية- Entegrist، وفي تشويه صورة المسلمين في الإعلام، وفي سياستها المتبعة بشأن المسلمين والعالم الإسلامي.

وهنا يعرضون أمامنا عمومًا ثلاثة أفهام: المذاهب المتموضعة ضد الفهم الإسلامي للتيار الأم مثل الشيعية، أو الظاهرية-الحرفية، أو الباطنية-إيزوتيريك (Ezoterik). فكل فهم من هذه الأفهام يحمل في طياته ميولًا وتوجهاتٍ قابلة للاستعمال، ومفتوحة لشن عمليات بالمعنى الديني. فالسلفية الراديكالية-المتطرفة التي تظهر (أو التي يتم إظهارها) بشكل ملموسٍ في مثال الشيعة (الحشد الشعبي) الذي فُتِحَ أمامه المجال في الأعوام الأخيرة لمحاربة السنة في سورية ولبنان والعراق واليمن، وفي مثال داعش على اعتبار أنه السنة التي تحارب الشيعة- تظهر أمامنا في الواقع على أنها مشروعات الاستشراق الحديث المهمّة في عصر ما بعد الحداثة. بهذا المعنى يعيش العالم الإسلامي الذي كان رائد الحضارات العظيمة في يأس وقنوط، ويشهد توتراتٍ واضطراباتٍ، كأنما ظل محصورًا بين ذهنية داعش والحشد الشعبي. ولو أضفنا إلى هذا كله، تنظيم فتح الله غولن الإرهابي باعتباره (حركة دَوْشَرَةٍ باطنية-استشراقية) لاتضحت الصورة أكثر فأكثر. ومن هنا يتضح أن الغرب-أوربا الذي اتهم حتى الأيام القليلة الماضية تركيا بأنها تدعم داعش؛ يخفي ويموه سياسته التي تدعم من جهةٍ الفهم السلفي الراديكالي-المتطرف (داعش)، ومن جهةٍ أخرى تدعم الشيعة (الحشد الشعبي) المتموضعة حول محاربة داعش.

المهتدون السلفيون في الغرب والدوافع الكامنة وراء اهتدائهم

كنا قد أكدنا أن تشويه صورة الإسلام وصورة مسلمي التيار الأم الذين يمثلون أغلبية المسلمين ويملكون فهم الطريق الوسط- هو واحدةٌ من الأسباب الكامنة وراء اندفاع الغرب لدعم التفسير السلفي الراديكالي-التطرفي- الأنتيغريست (داعش) بشكل مموه. وينبغي القول إن هذه العمليات الرامية لتشويه الصورة تنطبق كثيرًا على المجموعات السلفية-الحرفية-الظاهرية-الاحتجاجية التي ظهرت في الأعوام الأخيرة بين الأفهام- التفسيرات الإسلامية في الغرب-أوربا.

ويمكننا أن نذكر المهتدين الذي دخلوا الإسلام إثر تأثرهم بالسلفية الاحتجاجية-الراديكالية، والسلفيين الراديكاليين- الأنتيغريست المنتشرين، ولاسيما بين الجيل الثالث والرابع من المسلمين- مثالًا في هذا المضمار. وإن احتواء صفوف داعش في سورية على عددٍ كبيرٍ من المهتدين القادمين من الدول الغربية واقعةٌ معروفةٌ. وهناك دوافع شتى لانضمام المهتدين إلى صفوف داعش، لكن تشكل هوياتهم بعد اهتدائهم عن طريق التفسيرات والأفعال والأقوال الراديكالية-المتطرفة-الاحتجاجية التي تكثر بين السلفيين؛ يؤدّي دورًا مهمًّا في انضمامهم إلى داعش.

فالفهم السلفي-الاحتجاجي-الراديكالي يعدّ من أبرز الأفهام المنتشرة بين المسلمين في أوربا، وإن كان الأمر لا يخلو من أنماط التفسير الثلاثة المتمثلة في (السلفية-الحرفية-الظاهرية-الاحتجاجية) و(الصوفية-العرفانية) و(العقلانية-التعديلية-الليبرالية)، فكل اهتداء يحصل بعد سعي وبحث شاق مفعم بالحزن والاكتئاب، والمهتدي في الدين الذي اعتنقه حديثًا يبني هويته الجديدة بمواقف راديكالية-احتجاجية عمومًا، الأمر الذي يشكل بدون أدنى شكٍّ وضعًا مفتوحًا للاستغلال والتدخل والمؤثرات الخارجية. واستغلال الميول الراديكالية لهذه المجموعات وإدارتها خفيةً يأتيان بين المعلومات والاعترافات التي تنعكس بين الفينة والأخرى على وسائل الإعلام.

فجميع هذه المجموعات والأفهام الإسلامية في أوربا تؤكد من جهةٍ الدينامية-الإيجابية كونها تعبّر بطبيعة الحال عن التنوع وأنماط التفسير المختلفة، وتظهر/يتم إظهارها من جهةٍ أخرى على أنها عناصر سلبية تغذّي عداء الإسلام-الخوف من الإسلام من خلال توجيهات خفية تقوم بها دول الغرب.

ومن الأسباب المهمّة الكامنة وراء التحول الراديكالي بين المجموعات السلفية التي يكثر ظهورها بين المهتدين الجدد والجيل الثالث والرابع من المسلمين في أوربا- أن الدول الأوربية تتقاعس عن منع المجموعات السلفية-الراديكالية، وتفتح المجال أمام فعالياتها أحيانًا، بل تقوم بتشجيعها أحيانًا، في الوقت الذي تطلق فيه خطابات مناهضة لهذا النوع من المجموعات. 

فالسلفية ليست فهمًا أو حركة (باطنية- تعمل على التقيّة) فتشكل خطرًا أكبر على المسلمين عندما تتسرب إليهم؛ لأنها تخفي أصلها وتبدو على خلاف حقيقتها فيكون حلّها صعبًا ومعقدًا جدًّا، بل هي حركة تستند إلى أسس ظاهرية. ومِن ثَمّ من السهل مراقبة فعالياتها في الدول الأوربية، ومنعها من إطلاق خطاباتها وأفعالها الراديكالية. ولا يخفى على هذه الدول هذه الخطابات ومن يطلق هذه الخطابات في الجوامع والأوساط الأخرى، وتقوم في الواقع بمتابعتهم ومراقبتهم. وتسمح عمومًا بأن يطلق السلفيون خطاباتهم الراديكالية، ويقوموا بنشاطاتهم الراديكالية باستثناء ما تقوم به أحيانًا من منع دخول بعض المتحدثين الذين يطلقون خطابات راديكالية في وسائل الإعلام إلى بلدانها.

وفي الغالب لا تمنع مؤتمرات كبيرة تدوم يومين أو ثلاثة أيام، يدعى إليها متحدثون سلفييون من الخارج -من إنكلترا وأمريكا عمومًا- يتبنون أفكارًا وآراءً راديكاليةً إلا في بعض الحالات. وعندما يكون الإسلام والمسلمون موضوع الحديث يتم غالبًا إظهار هذا النوع من المتحدثين السلفيين الراديكاليين على وسائل الإعلام المرئي التي تملك رقابة مشددة، ويترك أمامهم المجال للحديث باسم المسلمين. كما يُغَضّ البصر عن بناء المجموعات السلفية للمؤسسات، مثل الأوقاف والجمعيات، وشراء أبنية من أجل هذه الأوقاف والجمعيات برأسمال ضخم، وأداء بأفعال راديكالية، وإصدار أقوال راديكالية في هذه الأبنية، وإعداد المنشورات وتوزيعها بحرية.

نشعر بأن الدول الأوربية تهدف من خلال تصرفاتها هذه إلى تشويه صورة الإسلام والمسلمين عمومًا، وتفرض هذا النوع من الخطابات على الإسلام، وترسم المسلمين في عيون الأروبيين على أنهم راديكاليون وإن أمكن تفهمها في سياق حرية الفكر. وغني عن البيان أن يتبادر داعش إلى أذهان الغرب عندما يكون هذا الضرب من الصورة موضوع الحديث. هنا يمكننا أن نتساءل عن الأسباب التي تدفع الغرب-أوربا إلى العمل على إظهار الشخصيات والمجموعات السلفية الرديكالية عندما يكون المسلمون موضوع الحديث. وبطبيعة الحال يمكننا أن نتناول هذا الموضوع من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنفسية واللاهوتية، لكن أنماط تفسير-فهم الإسلام (القرآن والسنة)، وظاهرة عدم الانتماء إلى مذهب أو مشرب أو جماعة؛ تؤدّي دورًا مهمًّا جدًّا بين هذه الأسباب.

ففي المجموعات السلفية ذات الأصول العربية تحديدًا والمهتدين السلفيين المحليين الأوربيين المتأثرين بتلك المجموعات- تظهر بشكل بارزٍ الميول نحو تفسير (مباشر وحرفي أو لفظي) للقرآن والحديث من دون التقيد بطرقها مستفيدين من معرفتهم للغة العربية، وتطبيق هذه التفسيرات بالمعنى الحرفي. كما أن هناك إقبالًا شديدًا على تبني خطاباتِ وفتاوى العلماء الذين يميلون إلى السلفية في العالم الإسلامي، والميل نحو استعمالها باعتبارها (آراءً وفتاوى مستوردة) من دون الأخذ بالحسبان سياق أوربا. وكل هذه الأمور ستدفعنا إلى فهم ودراسة وتمحيص أنماط فهم النصوص وقراءتها، الأمر الذي يعد أحد أهم الخصائص الأساسية للمجموعات السلفية عامةً والسلفيين في الغرب وأوربا خاصةً.

 

أنماط فهم النصوص-الأحاديث: قراءة حرفية-ظاهرية، إهمال السياق، قصور المنهج

وإن تطلب الأمر تجنب التعميم؛ فإن من أهم ما يميز السلفية والتيارات السلفية الموجودة في الغرب وأوربا تحديدًا أنها تتخذ القراءة التي تركز على الألفاظ والمعاني الظاهرية التي تُستخلص من الألفاظ بادئ الأمر أساسًا في فهم النصوص والأحاديث. وما يقوله العالم الحنبلي ابن عقيل (وفاته: 1119م/ 513ه) في هذا الخصوص يستحق التقدير: "هلك الإسلام بين طائفتين: الباطنية والظاهرية، والحق بين المنزلتين، وهو أن نأخذ بالظاهر ما لم يصرفنا عنه دليل، ونرفض كل باطن لا يشهد به دليل من أدلة الشرع ".

والذين يفهمون هذه المعاني الظاهرية أفضل فهمٍ هم السلف الأول الذين كانوا مخاطَبين مباشرة بالقرآن والأحاديث النبوية، ولم يفقدوا الصفاء والنقاء نتيجة الاحتكاك مع أي عنصر خارجي. وفي هذه القراءة الظاهرية يتم أولًا اتباع (القرآن والسنة) ثم -إن استثنينا منهج ابن حزم المختلف نسبيًّا- (قول الصحابة). وإذا حصل اختلاف بين الصحابة فالعمل بقول الصحابي الأقرب للقرآن والسنة. والحلقة الأخيرة لهذا الترتيب هي تقديم الأحاديث المرسلة والضعيفة على القياس. ولا يجوز اللجوء إلى الرأي والقياس إلا عند الضرورة[6].

ويمكن القول إن هذه الأمور؛ -أي ضوابط القراءة الظاهرية- كلها معلولة بمحاولة المساواة بين الفهم الناشئ في عصر الإسلام الأول بالإسلام. وأنماط النهج الظاهري التي تبلورت لدى التيارات السلفية العصرية باعتبارها إسقاطات أنماط القراءة الموجودة في التقليد السلفي القديم، ومحاولةٌ لقراءة النصوص قراءةً حرفيةً لفظيةً ظاهريةً بدون تحديد المعنى والمقصد والسياق[7]، الأمر الذي يشكل العلامة الفارقة لهذه التيارات... نعم هذه الأنماط جلبت معها مشكلة الطريقة والأسلوب من خلال تصوير كل آية وكل حديث كأنها نص قانوني، وكانت سببًا في تفسيرات متطرفة بعيدة عن الاعتدال الذي يأمر به الدين. ففُقِد التوازن بين النقل والعقل، والرواية والدراية، وحل مكانه نمط فهمٍ قائم على الرواية والنقل يخلو من النظرة الشاملة.

ومن الواضح أن نمط الفهم هذا، أدى إلى حصول مشكلات عديدة في فهم الدين وتطبيقه في الماضي والحاضر ولاسيما في الدول الغربية[8]. ومن أهم هذه المشكلات عدم قدرة نمط الفهم هذا على إنتاج (طريقة منهجية) في فهم الأحاديث بين متطلبات العصر الحديث والأعمال الرامية إلى عكس العهد النبوي على يومنا من خلال الأحاديث، كما يشير إليه الباحث المسلم الأميركي جوناثان براون[9].

ومن المشكلات الأبستمولوجية (المعرفية) الأساسية التي تعاني منها السلفية في فهم النصوص- غياب الأصول، وتجاهل (الطرق والقواعد والمناهج) التي أُسِّست في جملة العلوم الإسلامية على مدى العصور، وباتت (تقليدًا)، والانكباب مباشرةً على القرآن والسنة، وانتزاع الآيات والأحاديث من سياقها، وجعلها بمثابة مواد قانونية أيديولوجية، وطرح أنماط قراءة حديثة الظهور بعيدة عن حقائق الحياة ووقائعها[10]

وهذه بدورها جلبت معها أنماط قراءة سطحية ازدواجية سلفية تجزيئية، بعيدة عن النظرة الشاملة والمنهجية، ومواقف احتجاجية رجعية تبريرية، وأنماط قراءة (تجريدية) للنصوص والأحاديث، بعيدة عن السياق والحقيقة، مع بعض الاستثناءات.

(العودة إلى النصوص التأسيسية [Sola Scriptura] والعصر التأسيسي، والجيل الذهبي المؤسس) والمقاربات الأصولية:

إن العودة إلى النصوص التأسيسية والأجيال المؤسسة حظيت بأهميةٍ فكريةٍ عند جميع الأديان على وجه التقريب. وهذا الأمر في الواقع مرتبطٌ بمقاربة (أصولية= Essentialist) ترى أن كلَّ حدثٍ له أساسٌ حقيقيٌّ وحيد، وتُصمم الحركة وفق هذا الأصل /الأساس، وتؤكد في الواقع إيجابيتها. وعندما يكون الإسلام موضوع الحديث؛ يطلق (السلف) على هذه الأجيال المؤسِّسة التي عاشت في القرون الهجرية الثلاثة الأولى، وتطلق (السلفية) باعتبارها اسمًا عامًّا للذهنية التي تتخذ مناهج التفكير الخاصة بهؤلاء السلف على العودة إلى (النصوص التأسيسية) و(الجيل [الأجيال الثلاثة] المؤسس).

والفكر السلفي يحمِّل الأجيال الأولى وزمانهم قيمةً خاصةً، بوصفهم يمثلون أساس الفهم الصافي؛ لقربهم من مصدر الدين. والدعوة إلى (القرآن والسنة– العودة إلى عهد السلف)، وهي في الأصل تحمل خاصيةً مجردةً؛ تشكل الفهم الذي يوجب البحث عن الأصول الدينية الاعتقادية والعملية على حد سواء في ممارسات عصور الصحابة والتابعين وتابعي التابعين. فالخط السلفي -إن لزم البعد قليلًا عن التعميم-  يَصِمُ المدارس الفقهية والكلامية والتصوفية بأنها (بدعةً)، وتتجلى في الدعوة إلى فهم الإسلام من خلال الآثار والروايات والأحاديث[11]، والعودة إلى الكتاب والسنة مقابل التوجهات الحديثة، وتجنب الكلام بالرأي، واتباع نهج الصحابة والتابعين، وهجر الفلسفة والكلام إلى (العلم)، أي إلى السلف[12]. ووصف السلفية (بأهل السنة الخاصة) و(الفرقة الناجية) و(أهل الاستقامة) و(الطائفة المنصورة) تمييزًا لنفسها عن جماعات أهل السنة الأخرى (أهل السنة العامة)[13]، وانطلاقًا من هنا ربما ظهر في الأدبيات الغريبة (المتطهرين أو المتزمتين أو البيوريتانيين) و(Zuivere Islam- جوهر الإسلام)[14]. والسلفية التي تعرض شخصيةً اعتقاديةً أكثر من كونها [مدرسة] عملية- فقهية في الأصل؛ تبدي أهمية خاصة للرد على الفرق الاعتقادية والفقهية الأخرى[15]في بيان أسسها الفكرية الأساسية، إلى جانب التوصيفات المذكورة في بيان هوية فرقتها الخاصة.

لقد ظهرت العودة للنصوص والنصوص والأجيال المؤسِّسة، والفهم/ التفسير- (الأصلي- الصافي) للإسلام، وإعادة الإسلام إلى حالته الأصلية (الإرجاع إلى أصله)- حجة عند جميع الخطوط السلفية في هذا الميدان على وجه التقريب، وتبوّأت مكانة مهمّة في تشكيل هويتها الحركية- الجماعية[16]. وهذا الأمر بارزٌ بشكلٍ أكبر عند الجماعات السلفية في الغرب- أوربا، وهذه الفكرة تختفي أيضًا وراء إطلاق (أهل الأثر) على السلفية بمعنى حمل نفسها على اتباع آثار الماضي [السلف]، وتجنب المحدثات، والحكم على جميع الفعاليات استنادًا إلى (الأثر) أي النص. ويتحدد نهج السلف انطلاقًا من هنا بعدم تأويل القرآن والأحاديث بالرأي، وعدم الاشتغال بعلم الكلام.

ويبدو أن الدعوة للعودة إلى السلف مبدأ ونهج مهمّ عند ابن تيمية بحيث يرى أنهم أقدر على فهم الأحاديث والسنة[17].  ويظهر هذا الموقف المشابه بشكل أشد تأكيدًا عند محمد بن عبد الوهاب وجميع العلماء السلفيين الإصلاحيين في القرن الثامن عشر على وجه التقريب[18]. والغاية الأساسية هنا أيضًا تكمن في العودة إلى صفاء الإسلام في عهده الأول، والعودة إليه في فهم النصوص والأحاديث، ومحاربة البدع. وهذا النهج الأصولي الذي نراه في معظم حركات الإحياء والتجديد في الأصل رغم أنه يؤمِّن تجديدًا في فهم النصوص أصبح سببًا لانكساراتٍ كثيرة. و(الإحياء والتجديد) الذي يحمل في جوهره الإيجابية والتجديد فتحت الطريق على يد السلفية إلى الانحسارية ونوعٍ من الاحتكار والتضييق. وقد تجلى هذا النمط من التفسير الذي يتمثل في قصر المعنى وتضييقه باسم العودة إلى الأصل في إقصاء تراكم العصور اللاحقة في فهم الأحاديث أو نوع من الانتقائية المتطرفة، ومن ثَمَّ أدى إلى ظهور موقفٍ إقصائي[19].

وهذا الموقف (الإقصائي) و(الأنتيغريستي) الذي يتجلى أحيانًا مع التكفير يبرز كثيرًا في الخط السلفي، ولديه أوجه تشابه مع فهم الخوارج وتفسيرهم الذي يتصف بالإقصائية انطلاقًا من القرآن والأحاديث، ويبيح ممارسة العنف ضد من يقصيهم.

ففي هذا الفهم يُرفَض كل معرفة وممارسة لم يكن موجودًا في عهد النبي والجيل المؤسِّس على اعتبار أنه بدعة. فالألباني على سبيل المثال يصف الأفهام والمناهج الجديدة لفهم النصوص والأحاديث في بعض الأحيان بأنّها (بدعة) أو (تقليد للمستشرقين) أو (استغراب).[20] وهذه الظاهرة في الأساس هي التي أدت إلى قياس السلفية بالبروتستانتية التي تقوم على مقولة "العودة مباشرةً إلى النصوص المقدسة والعصر المقدس" بفارقٍ بسيطٍ. ففي البروتستانتية ظهر فهمان في قراءة النصوص المقدسة: أحدهما فهمٌ يعير الأولوية للقراءة الظاهرية والحرفية، والآخر فهم إصلاحي ليبيرالي  يعير الأولوية للواقع والسياق. وفي هذا المعنى يمكن تأكيد أن الفهم الذي نتحدث عنه يهمل (الديمومة التاريخية) في فهم وتفسير النصوص والأحاديث، وتحدث المفارقة التاريخية بين الحين والآخر. ففي هذا الفهم يتم اعتبار عهد من عهود التاريخ (مقدسًا لا يمكن المساس به)، ويخيم عليه الاعتقاد بضرورة حماية ذلك العهد المقدس، وهذا يخالف جريان الزمن وتغيره، ومن ثَمَّ تخالف الفطرة.

إن العودة إلى النصوص المقدسة والجيل المؤسس أو العودة إلى عهود الإسلام الأولى موجودة أيضًا في الاستشراق والأفهام التي توصف (بالحداثة). ففي كل هذه الحركات الثلاث على وجه التقريب (السلفية-الحداثة-الاستشراق) يكون فهم الإسلام وقراءته وإضفاء المعنى عليه من جديدٍ اعتمادًا على عهوده الأولى- هو موضوع الحديث بشكلٍ أو آخر. ويتجلى هذا الأمر في السلفية بالعودة إلى الأحاديث والسلف الصالح، وفي الحداثة بالعودة عمومًا إلى القرآن والجيل الأول (العمل الديناميكي- التقليد الحي)، وفي الاستشراق يتجلى بالعودة مجددًا إلى القرآن وعهود الإسلام الأولى والروايات والممارسات التي كانت موجودة في هذه العهود (تشديد على "فترة التأسيس- الإسلام المبكر"). ما يهمنا هنا هو موقف السلفية. فهذا الموقف ولاسيما في السلفية السعودية يتجلى على الأكثر بالتركيز على الأحاديث، ولكن بقراءة لفظية، حرفية، ظاهرية، سلفية[21].

 

السلفية ونماذج تنظيم الجماعات الإسلامية في أوربا

يتضح من الدراسات التي تتناول السلفية في الغرب أو بالأخص التيارات السلفية الراديكالية- الأنتيغريست، مثل داعش والقاعدة؛ وجود نوعين من نماذج التنظيم عمومًا. يرى مارك سغمان على سبيل المثال أن هذه المجموعات لا تشكل بنيةً هرميةً من القمة إلى القاعدة، بل تأخذ قالبًا تنظيميًّا بتحول أفراده إلى الراديكالية فرادى. ويرى بعض الباحثين من أمثال بروس هوفمان خلاف ذلك، فيرون أن المجموعات السلفية الراديكالية- الأنتيغريست كالقاعدة وداعش تأخذ قالبًا تنظيميًا يمتد من القمة إلى القاعدة في بنية هرمية. ورغم احتمال وجود كلٍّ من هذين النموذجين؛ فإن الفردية والخطابات والأفعال الفردية ميزةٌ مهمّة في السلفية الراديكالية-الأنتيغريست. وفي الحقيقة يمكن القول إنه يُطبَّق كل من النموذجين تبعًا لمكانه وعدم التقيد بمنهج.

وتمكن رؤية أحد هذين النموذجين بشكل أو بآخر في كافة الجماعات والمجموعات على وجه التقريب. ويمكن القول إن كلا النموذجين موجودان في بعض الجماعات في آن واحد. فتنظيم فتح الله غولن الإرهابي باعتباره تنظيم (دوشرة استشراقية) يعد من هذا النوع تحديدًا، لأنه يعرض في الخلف بنية هرمية قاسية وباطنية-إيزوتيكية، ويبدو من الخارج على شكل شخصياتٍ اعتباريةٍ مختلفةٍ بينها تنسيقٌ شديد.

ويمكننا القول إن تنظيم غولن الإرهابي يطبق كلًّا من نموذجَي التنظيم بصورة باطنية/ إيزوتريكية. ينبغي القول إن انضمام الأتراك إلى تنظيم داعش يبقى أقل من انضمام المهتدين والمسلمين من أصولٍ عربيةٍ رغم وجود محاولات لتكوين صورة بوجود زيادة في انضمام الأتراك لهذا التنظيم  في البلدان التي يكثر فيها الأتراك، مثل ألمانيا وهولندا والنمسا خلال السنوات الأخيرة. ويعود الفضل في ذلك إلى وجود بنية جماعية متينة بين الأتراك، وامتلاكهم جوامع ومؤسسات/هيئات منظمة.

كما يمكن القول بوجود زيادة في عدد الأتراك الذين ينضمون إلى المجموعات السلفية أو السلفية بالمعنى العام، ويمكن تعليل هذا الأمر بأن الجيل الثالث والرابع من الأتراك في أوربا يملكون هويات هجينة عالمية. ولكن يمكن القول إن الانزياح نحو السلفية-الراديكالية وتغيير الهوية أكثر سرعة لدى العرب بفعل الأسباب التي ذُكِرت.

وهنا يمكن أن يتطور ما يسمى (بالتحول الراديكالي الذاتي) بفعل الدوافع العاطفية والفتاوى (المستوردة) البعيدة المجتثة عن السياق، ومن وسائط التواصل الاجتماعي، إضافة إلى تجاهل وجود المسلمين في أوربا وهوياتهم وإقصائهم وتهميشهم. في هذه الحالة يمكن القول إن المواقف السلفية التي تبرز فيها الهوية الفردية الهجينة والتحول الراديكالي الذاتي لا يمكنها أن تتطور بسهولةٍ في بنى وجماعاتٍ تملك بنية هرمية. ويتم الوقوف عند هذه الظاهرة في كتاب جهاد بدون قائد (Leaderless Cihad) لسغمان، وإن كان لا يخلو من مناح تخيلية.

 

الهويات (الهجينة/ Hibrid) و(حالة الوقوف في الأعراف):

يبدو أن هويات (هجينة) تتطور بين الجيلين الثالث والرابع من المسلمين الذين يعيشون في الغرب كما أشرنا أعلاه. وتطور هذا النوع من الهويات واقعةٌ معروفةٌ في المجتمعات التي تعيش بصفتها أقليات متشتتة، وفي المجتمعات التي تشتد فيها تأثيرات الحداثة. وتبرز الفردية في هذا النوع من الهويات، وتقل الانتماءات لمشربٍ أو مذهبٍ أو جماعةٍ في بلد المنشأ.

ويلعب فيها الغموض حول المستقبل دورًا مهمًّا. وهذه الواقعة تشير إلى وجود سسيولوجي ونفسي جديد بالنسبة للمسلمين الشباب الذين يملكون هذا النوع من الهويات ولاسيما عندما يكون التفكير فيها مصحوبًا بالمواقف العنصرية المناهضة للإسلام والأجانب في الدول الأوربية في الفترة الأخيرة. ويحل محل الانتماءات الإثنية هوياتٌ ثقافية وإثنية هجينة مثل (ألمانية-تركية) و(فرنسية-مغربية/ جزائرية) و(هولندية-مغربية/ تركية) و(بريطانية/ باكستانية). وتبرز أيضًا هوية هجينة و(عابرة للوطنيات) تتعدى الانتماءات الإثنية والثقافية، ولاسيما في السلفية الراديكالية، وهو الذي يُعرَف إلى حدٍّ ما بانعدام الهوية, أو (حالة الأعراف)[22].

والمسلمون الشباب الذين لديهم هذه الحالة يجدون في السلفية الراديكالية-الأنتغريست مهربًا ومخرجًا. فيتم أولًا تطوير مواقف تهميشية وتعصبية-احتجاجية ضد الانتماءات المذهبية والمشربية والجماعة. فيبدو هذا الوضع بالنسبة إلى جيل الشباب الذين يملكون هويات هجينة في (الأعراف)؛ بوصفه نوعًا من الهروب إلى الجنة. ورغم أنها تبدو كأنها تقف موقف [المفاصلة التي تتجلى] في الأبيض-الأسود، الاحتجاجي الرافض، الصحيح-الخاطئ، أصولي-بيوريتيني، بل النقيض للنقيض، وتعتقد بأنها تمثل الحق المطلق؛ فإن التيارات التكفيرية الراديكالية-السلفية التي تملك نسبيًّا مقارباتٍ وضعيةً تعدّ سلفًا بالجنة. وهذه في جوهرها تنضح بمقاربةٍ وضعية.

وإلى هذا يعود السبب في اكتشاف أوجه تشابه بين أنماط تفكير السلفية الراديكالية وأنماط تفكير بعض العلوم التي تستند إلى أسسٍ وضعيةٍ بعد القيام ببعض البحوث التي تُعنَى بالمقارنة بينهما. وتفيد هذه الأبحاث أن القسم الأكبر من الذين ينضمون إلى صفوف داعش من البلدان الغربية (أكثر من نصفهم تقريبًا) يتكون من السلفيين الذين لديهم هذا النوع من نمط التفكير. وتناولت الأجندات التركية هذا الموضوع في سياق طالب من جامعة الشرق الأوسط للعلوم التقنية نشر رسالة في وسائل التواصل الاجتماعية يقول فيها إنه انضم إلى داعش، ويدافع عن أعماله وأقواله. كما نشرت وسائل الإعلام معلومات تفيد بأن المنفذ لهجوم الملهى الليلي Reina الذي قُبِض عليه في منتصف الشهر الأول من هذا العام 2017م؛ لديه خلفية تعليمية من هذا النوع.

في نهاية المطاف يمكننا القول إن السلفية والجماعات السلفية في الغرب وأوربا تملك بعض الخصائص المميزة لها تبعًا للبلدان التي تعيش فيها، إضافة إلى كونها تتخذ المراجع التاريخية للسلفية أساسًا. ويمكن القول إن الخلفية الاستشراقية للبلدان المعنية، وماضيها الاستعماري، وإدارتها للجماعات السلفية الراديكالية وغيرها من الجماعات باعتبارها (مشروع الاستشراق الجديد) والتلاعب بجوانبها الراديكالية-الأنتغريست؛ لها دورٌ كبيرٌ في هذا. ويمكننا الحديث عن عدد كبير من المشروعات والكتب والمقالات الاستشراقية التي تم إنتاجها في هذا المنحىى، حيث يستفيد منه الغرب عمومًا وأوربا على وجه الخصوص في سياستها الموجهة إلى العالم الإسلامي والمسلمين، وبشكلٍ يبْرِزُ هذا النوع من الجماعات والأفهام.

 

الهوامش والمصادر: 

[1]  ترجمه من التركية مصطفى حمزة.

[2] من أجل بعض التسميات في هذا الخصوص، انظر: Natana J. DeLong-Bas, M. A., Muhammad Ibn Abd Al-Wahhab: An Intellctual Biography، أطروحة دكتوراه، واشنطن 2002، ص1-2.

[3] من أجل هذا الحديث انظر: البخاري، الشهادة، 9. مسلم، فضائل الصحابة، 210-214.

[4]  من أجل الانفصال والافتراق في السلفية الوهابية السعودية بعد 11 أيلول؛ انظر: بويوك قره، محمد علي، (الافتراق المتعمق بعد 11 أيلول: السلفية السعودية والسلفية الجهادية)، دراسات دينية، ج 8، ص20.

[5] وايزمان، (بين عقلانية الحداثة والإصلاح الصوفي) / Between Sūfī Reformism and modernist Rationalism، ص 235.

[6]عمارة، محمد، السلفية، ص23-24. انظر أيضًا: مصطفى حلمي، قواعد المنهج السلفي في الفكر الإسلامي، إسكندرية، 1996، ص 187-192.

[7]  Dudarija, Adis, “Constructing the religious Self and the Other: neo-traditional Salafi manhaj”, P. 75.

[8] من أجل بعض المشكلات الموجودة في هذا الخصوص ولاسيما في الدول غير المسلمة في يومنا، انظر: خضر، أوزجان، (لماذا تتفاقم السلفية الراديكالية- الأنتغريست في الغرب؟)، وكالة الأناضول، تحليل إخباري، 03. 02. 2017.

[9] براون، تقليد إعادة التفكير (RethinkingTradition)، ص37. حوراني، ألبرت، الفكر العربي في العهد الليبرالي 1798-1939 (ArabicThought in the Liberal Age 1798-1939)، كامبرج 1983، ص146. انظر أيضًا: براون، ج.، تقديس البخاري ومسلم (The Canonization of al-Bukhari and Muslim)، ص 307.

[10] انظر: غورمَز، كلمة ألقاها في افتتاحية (ندوة حول السلفية في الماضي والحاضر)، ص30-32.

[11] من أجل موقف في هذا المنحى، انظر: الصنعاني، (إيقاظ الفكرة لمراجعة الفطرة)، المحقق: صبحي حسن الحلاق، بيروت 1999، ص52.

[12] انظر: ابن تيمية، مجمع الفتاوى، الرياض 1991، ج 12، ص349 - 350، ج 16، 471 - 476.

[13] إزميرلي إسماعيل حقي، علم الكلام الجديد، أنقرة 1981، ص61.

[14] Martijn de Koning, ZoekenNaarEen Zuivere Islam. Geloofsbeleving en identiteitsvormingvanjonge Marokkaans-Nederlandsemoslims, Bakker 2008, P. 296.

[15]  في هذا النوع من الردود يمكن ذكر كتب؛ (الرد على الزنادقة والجهمية) لأحمد بن حنبل، (خلق أفعال العباد) للبخاري، (الرد على الجهمية) للدارمي. كما يقدم كتاب (أهل الحديث وأدبيات الرد) لأحمد أوزر، (MÜSBE، إسطنبول، 2008) معلومات عامة في الموضوع.

[16]  لمزيد من التقييمات في هذا الاتجاه، انظر: Martijn de Koning، De Zuivere Islam، ص19-45. 

[17] ابن تيمية، رفع الملام عن الأئمة الأعلام، بيروت 1390، ص24.

[18] بيترس، رودولوف، (الجهاد والتقليد في الإسلام في القرنين الـ18 والـ19)، مجلة Die Welt des Islams ، 20، عدد 3-4 (1080)، 131-132.

[19] من أجل بعض التعليقات في هذا الخصوص، انظر: غورمَز في كلمته الافتتاحية التي ألقاها في ندوة حول السلفية في الماضي والحاضر، ص30.

[20] من أجل بعض أقوال الألباني في حق محمد الغزالي في هذا الخصوص، انظر: مختصر صحيح البخاري، الرياض، 1422/ 2002، 2/ 8-9.

[21]  محمد بن عبد الوهاب، المسائل والفتاوى، 32. انظر أيضًا: ميتكالف، بربارا ديلي، الصحوة الإسلامية في الهند البريطانية: ديوبند 1860-1900، برينستون 1982، ص6. بشير محمد نافع، التصوف والإصلاح في الثقافة الإسلامية في عصر ما قبل الحداثة، مجلة  Die Welt des Islams،42/ 3 (2002)، ص 313. وانظر أيضًا: ديلونع باس، الإسلام الوهابي، ص10 -13.

[22]  أي الوقوف على الأعراف بين الوطنية والعالمية، أو الانتماء واللا انتماء. م. 


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...