رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


| كلمة رئيس التحرير < رؤية تركية

الاسلاموفوبيا ومظاهرها في الغرب

يتناول العدد الجديد من (رؤية تركية) هذه الظاهرة الشديدة الخطورة والشديدة الحساسية معًا، فالباحث تورغاي يرلي قايا يتناول في باكورة مواد هذا العدد (الإسلاموفوبيا والإعلام: المظاهر المعاصرة لمعاداة الإسلام) تأثير هذه الظاهرة في الفضاء الإعلامي، انطلاقًا مما شكلته أحداث الحادي عشر من سبتمبر من منزلق خطِر، خصوصًا من الناحية الإعلامية التي كرست هذا التصور السلبي عن المسلمين، والدور الذي أدّته وسائل الإعلام الغربية حيال الظاهرة بتذكيتها ونشرها.

الاسلاموفوبيا ومظاهرها في الغرب

تنشط (الإسلاموفوبيا) في المجتمعات الغربية التي يعاني فيها قطاع كبير من مواطنيها المسلمين صعوبة الاندماج والانصهار؛ نتيجة بعض القوانين الصارمة من جهة، وسلوكيات نخبوية أكثر سلطوية تنتمي في غالبيتها إلى أحزاب يمينية أصولية متطرفة، فضلًا عن تكريس اللوبي اليهودي هذا الاتجاه وتشجيعه؛ لدوره المؤثر في صنّاع القرار في الولايات المتحدة وأوروبا من جهة أخرى.

وتكرس (الإسلاموفوبيا) بدورها نوعًا من الانعزالية والاغتراب الهوياتي لقطاع كبير من المسلمين المهاجرين الذين كانوا من المفترض أن تكون ولاءاتهم السياسية والمجتمعية للدولة التي يَحيَوْن فيها، وينتمون إلى جنسيتها بعد أن صاروا جزءًا منها، إلا أن الممارسات غير المبررة وغير المدروسة تجاه هذه الأقليات تدفع بعضهم إلى ردة فعل مغايرة تكرس هذا النوع من الاغتراب والانعزالية المنكفئة على الذات الهوياتية التي ترى في العودة إلى جذورها العقدية والأيديولوجية مبررًا للبقاء وسببًا أصيلًا في استهداف العنصريين لهم .

إنّ تحوّل هذه الظاهرة إلى إشكالية حقيقية يدفع نحو تسليط الضوء على واقع الجاليات العربية والمسلمة في الغرب، ومعاناتها الحقيقية حيال هذا المعطَى الجديد الذي بدأ يعرف طريقه إلى المجتمعات الغربية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر وتفجير برجَي مركز التجارة العالمي في 2001م، وما تبعه من ردود أفعال عكسية على مسلمي أمريكا على وجه الخصوص، ومسلمي الغرب بشكل عام، وفي الوقت ذاته تفشّت بقوة ظاهرة الإسلاموفوبيا، حتى أضحت خطرًا يهدد مستقبل تلك الجاليات العربية والمسلمة في الولايات المتحد الأمريكية وأوروبا، وامتد صداه ليبلغ مساحات أخرى من عالمنا المعاصر، حتى بات (المسلمون) الأقلية الأكثر استهدافًا في العالم أجمع.

يتناول العدد الجديد من (رؤية تركية) هذه الظاهرة الشديدة الخطورة والشديدة الحساسية معًا، فالباحث تورغاي يرلي قايا يتناول في باكورة مواد هذا العدد (الإسلاموفوبيا والإعلام: المظاهر المعاصرة لمعاداة الإسلام) تأثير هذه الظاهرة في الفضاء الإعلامي، انطلاقًا مما شكلته أحداث الحادي عشر من سبتمبر من منزلق خطِر، خصوصًا من الناحية الإعلامية التي كرست هذا التصور السلبي عن المسلمين، والدور الذي أدّته وسائل الإعلام الغربية حيال الظاهرة بتذكيتها ونشرها.

ثم يأتي الباحث حسام شاكر فيفكّك لغة هذه الظاهرة في الفضاء الإعلامي الأوروبي، ويُظهر صيغ التعبير عنها بأشكالها المختلفة، والدور الذي تؤدّيه من خلال قولبة مشهد المسلمين، ووضعه في نمطية شديدة الخطورة؛ لتسويقها إلى المشاهد والمتلقي الغربيينِ، ووضعهما بشكل دائم في دائرة الخطر، وهو ما يزيد من التوجس خيفة تجاه الأقلية المسلمة في المهجر، وهذا ما يُبرز أهمية هذا المقال الساعي إلى الوقوف على لغة الإسلاموفوبيا المتداولة وتعبيراتها الإعلامية في الواقع الأوروبي.

وتُعدّ ألمانيا من الدول التي تتموضع فيها هذه الظاهرة بقوة، وتُسهم فيها بعض الهيئات والجمعيات والمؤسسات، ولذلك اعتنت الباحثة نينا موها في مقالتها (إدارة الوصمة: الإسلاموفوبيا في المدارس الألمانية) بهذه الظاهرة داخل المدارس الألمانية، ووضعت هذه الزاوية الجديدة والمهمّة تحت المجهر البحثي، ولاسيّما أن هذه المدارس تَعدّ الدين الإسلامي (وصمة) بحسب توصيف الأكاديمية الألمانية .

وفي تقاطع آخر مع ظاهرة الإسلاموفوبيا يحاول كل من الباحثين أنس بيرقلي وفريد حافظ في بحثهما (الصورة المتخيلة للحاكم المشرقي المسلم: تحليل نقدي لصورة رجب طيب أردوغان في وسائل الإعلام الغربية) تتبع صورة الحاكم المشرقي في ذهنية الإعلام المعولم الجديد، ويُبرِزان حجم التشهير الذي طال أردوغان من الانتقاص والتقزيم… وتتقاطع مخرجات هذا التوظيف الإعلامي ومنهجيته المتآمرة في مجملها مع دور الإعلام الغربي في تعزيز الإسلاموفوبيا في المجتمعات هناك.

وكان لابدّ في موازاة ذلك أن نعيد النظر في ظاهرة الإسلاموفوبيا من زاوية أخرى، لعلها تكشف لنا جوانب لم يتمّ تداركها بعد، وهو ما تناوله الباحث السوري عزت السيد احمد في مقاله (أهداف حملة الإسلاموفوبيا) الذي كشف غايات الغربيين من هذه الحملة، مؤكدًا أن هذه الظاهرة أو الفكرة تجاوزت مسألة الخوف من الإسلام لاحتوائه على خطر أو خطأ أو إرهاب إلى أمر أكبر من ذلك، يتمثّل في الخوف من قوة الإسلام المنطقية والأخلاقية.

ونقدم في العدد أيضًا نموذجين مختلفين من حيث التعاطي مع ظاهرة الإسلاموفوبيا، أولهما المملكة المتحدة (بريطانيا) لتعاطيها المتبابن إزاء ظاهرة الإسلاموفوبيا، وهو ما يسلّط عليه الضوء الكاتب عمر الحمدون؛ للوقوف على أهم المظاهر والآليات التي اتُّبِعت في الداخل البريطاني للحيلولة دون تأثير هذه الظاهرة على واقع المسلمين فيها، وثانيهما فرنسا التي سبرَ الباحث طيبي غماري من خلال مقالته (الأساطير المؤسِّسة للإسلاموفوبيا الفرنسية) أغوار هذه الظاهرة من زاوية الأساطير التي يروّج لها بعض المتشددين والمتطرفين العنصريين إزاء المسلمين، ويقصد غماري بمصطلح الأساطير مجموعة المقاربات التي تنذر الغرب بخطر محدق يكمن في الإسلام، من باب افتعال المبالغة الشديدة  والتضخيم في الوصف، فيغدو من السهل أن نجد أساطير تزعم أن الإسلام ليس شرًّا على فرنسا فحسب، بل على أوروبا بأكملها، لما يمثله من تهديد وجودي لها، وهو ما يسهم بدوره فيما أطلق عليه غماري تسمية “ديمومة العواطف الإسلاموفوبية والعنصرية تجاه المسلمين.

ويأتي الباحث الجزائري عبد الرفيق كشوط  فيتناول الإسلاموفوبيا من زاوية جديدة، تكمن فيما أطلق عليه اسم (الأمننة) في مقالته (الإسلاموفوبيا من منطق الأمننة: عندما يتحول الإسلام إلى قضية أمنية)، وذلك من خلال النظر إلى دين الإسلام على أنه مشكلة أمنية.

ومن الإسلاموفوبيا إلى عدد من الموضوعات التي تشغل الرأي العام العالمي في هذه اللحظة، وهي: (يهودية إسرائيل: نظرة مفهومية تحليلية إلى الفكر اليهودي المتطرف) للباحث هاني البسوس، ثم (تحديات ما بعد داعش في الموصل والعراق) للكاتب التركي مسعود أوزجان، ثم موضوع (قرار البرلمان الأوروبي ومستقبل العلاقات التركية مع الاتحاد الأوروبي) للباحث أوغوزغون غرمز، يليها آخر موضوع في العدد (الوجهة المحتملة لعملية درع الفرات) للباحث التركي جان أجون الذي يتناول أحد أهم الملفات الساخنة في الداخل التركي وخارجه، لكونه يمثّل بعدًا جادًّا وتحولًا في السياسة الخارجية التركية، ولأثره الكبير في الدور الجديد الذي تؤدّيه الدولة التركية في الإقليم، إذ تمثّل عملية (درع الفرات) مرحلة ما بعد الانقلاب الفاشل الذي تمخضت عنه صيرورة تركية جديدة سعت لتموضع مغاير عن سابقه.


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...