رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


دور المسيرات التركية في الفعالية العسكرية لأذربيجان

تتناول هذه الدراسة تركيا بوصفها قوة صاعدة للطائرات بدون طيار على الساحة الدولية في السنوات الأخيرة. وتدرس في هذا السياق، قضية حرب ناغورني قره باغ الثانية التي اندلعت في 27 سبتمبر 2020، والتي حسمت صراع ناغورني قره باغ الذي كان يُعَدّ إحدى المشكلات المجمدة في منطقة القوقاز- لمصلحة أذربيجان خلال أقل من شهرين. وقد أدّت تركيا دورًا في تغيير قواعد اللعبة في المنطقة من خلال تزويد حليفتها أذربيجان بالطائرات المسيَّرة بدون طيار؛ لاستخدامها في الصراع، وأسهمت بشكلٍ كبيرٍ في انتصار أذربيجان، والراجح أن إسهامات تركيا السياسية والدبلوماسية والعسكرية لأذربيجان ستبقى على جدول الأعمال العالمي لسنوات قادمة، وهذه الدراسة تسهم بدورها في الأدبيات المتعلقة بدور الدعم العسكري التركي، وخصوصًا بطائراتها المسَيَّرَة بدون طيار، وتأثيره في انتصار أذربيجان في ناغورني قره باغ.

دور المسيرات التركية في الفعالية العسكرية لأذربيجان

المقدمة:

اندلعت حرب ناغورني قره باغ الثانية في 27 سبتمبر 2020، بعد اشتباكات قصيرة المدى بين أرمينيا وأذربيجان حول تووز في يوليو 2020. أسفرت الحرب عن مكاسب كبيرة لأذربيجان في منطقة ناغورني قره باغ المحتلة، وخسائر جسيمة للجيش الأرميني. وقد أدّت تركيا دورًا رئيسًا في استعادة أذربيجان لأراضيها المحتلة في باكو في العملية التي استمرت 44 يومًا؛ من خلال الدعم العسكري والدبلوماسي. ففي أعقاب الهجوم الأرميني على تووز بشكل خاص، أعلنت تركيا دعمها لباكو بوضوح، وانتقلت من الخطاب إلى العمل في نزاع ناغورني قره باغ. وكانت الطائرات الجوية المسيرة بدون طيار التابعة لصناعة الدفاع التركية بين قوائم الأسلحة والمعدات العسكرية المختلفة المقدمة لأذربيجان. ونتيجة لذلك، تغير الوضع الراهن الذي أنشأته روسيا في المنطقة، وخسرت أرمينيا التي دعمتها موسكو لسنوات عديدة أمام أذربيجان في هذا المجال.

تسببت الطائرات التركية المسيَّرة بيرقدار TB2 التي استخدمتها تركيا بفعالية في عملياتها في سوريا وليبيا، بخسائر فادحة في الصراع، ولاسيما لأنظمة الدفاع الجوي والقوات الآلية. كما أدّت القنابل الموجهة بالليزر من نوع MAM-L التي أنتجتها شركة روكيستان التركية، التي حملتها هذه الطائرات المسيَّرة بدون طيار، دورًا رائدًا في حرب ناغورني قره باغ. وبذلك عززت تركيا علاقاتها مع باكو من خلال تقديم دعم قوي لحليفها وشريكها الإستراتيجي، ولاسيما في المجالين العسكري والسياسي، وتمكينها من حل أهم مشكلاتها. وكذلك سجلت تركيا نجاحًا كبيرًا في صناعاتها الدفاعية التي عززت بالفعل من صدقيّتها في أعين حلفائها ودول المنطقة مرة أخرى.

أدى الصراع الأخير بين أذربيجان وأرمينيا حول إقليم ناغورني قره باغ المتنازع عليه إلى وضع برنامج الطائرات التركية بدون طيار في صدارة جدول الأعمال العالمي. وهذا البحث سيقدم في قسمه الأول خلفية موجزة عن النزاع والعملية التي أدت إلى حرب ناغورني قره باغ الثانية قبل الخوض في تفصيلات الدور الرائد للطائرات المسيَّرة التركية في القتال. وسيبحث في قسمه الثاني في العوامل الكامنة وراء انتصار أذربيجان الحاسم على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية. وسيحلل أخيرًا، كيف أدّت الطائرات المسيَّرة التركية الصنع دورًا متعدد الأوجه في تحديد المنتصر في الحرب، وكيف تعكس هذه المركبات مكانة تركيا على الصعيدين الإقليمي والدولي.

مشكلة ناغورني قره باغ:

منذ تفكك الاتحاد السوفياتي كانت ناغورني قره باغ منطقة متنازع عليها بين الحكومتين الأذربيجانية والأرمنية، مثل العديد من النزاعات الإقليمية الأخرى، ولها طبيعة متعددة الوجوه. فتأتي المزاعم القومية والدينية لتكون أسبابًا للصراع[1]. وتشير بعض الدراسات إلى العرق باعتباره سببًا يستخدمه الطرفان للتطهير العرقي والهجرة القسرية[2]. وهكذا، تأتي المعتقدات الدينية والعرق والعوامل المرتبطة بالماضي السوفييتي (كالحدود، والمؤسسات، إلخ) لتزيد من تعقيد الصراع. ويبني الجانبان الأذربيجاني والأرمني ذرائعهما على أسس مختلفة، تختلف باختلافها رواية الصراع.

طُرحت بدائل كثيرة لإيجاد حل للصراع خلال سنواتٍ طويلةٍ، منها؛ الحل خطوة خطوة، والحل الشامل، وحل الدولة المشتركة، ودمج ناغورني قره باغ بأذربيجان ومنحها أعلى مستوى من الحكم الذاتي، وتأخير الجهود لتسوية وضعها القانوني إلى ما بعد إيجاد حل جميع القضايا الأخرى. لكن كل هذه الجهود لم تسفر عن تسوية سلمية بين الأطراف المتصارعة[3]. والعائق الرئيس أمام حل النزاع هو حقيقة أن الجانبين يعدّان المشكلة بشكل مطلق من منظور الأراضي، ولا يوجد تعريف معترف به عالميًّا للإقليم المعني، لذلك يعمد كل طرف إلى تعريف المنطقة بشكل مختلف عن الآخر بناءً على الارتباطات السياسية والتاريخية والمستقبلية[4].

لم تنقطع المشكلات بعد الهدنة التي جرى التوصل إليها في 1994، حتى وقعت أكثر الاشتباكات كثافة في أبريل 2016، وعرفت باسم "حرب الأيام الأربعة"، وكان التصعيد الأخطر في الصراع ليس فقط من حيث القتلى، ولكن من حيث العتاد العسكري أيضًا، فكان أقرب إلى الحرب الشاملة في ناغورني قره باغ منذ هدنة عام 1994[5]. لقد أطلقت مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE)، والتي تشارك في رئاستها الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا بعض مبادرات الوساطة في عام 1994[6]، لكنها لم تنجح في إيجاد حل دائم. فلم يقبل الأرمن ولا الأذربيجانيون مقترحات مجموعة مينسك، ولم تجلب حرب الأيام الأربعة أي تغيير في الوضع الراهن، وواصل الطرفان المتصارعان الاستثمار في العتاد العسكري، وتطلعا إلى تغيير الوضع الراهن عن طريق الحرب، حتى شنت أذربيجان حربًا واسعة النطاق في الإقليم الجبلي بدعم علني من تركيا باعتبارها الحليف الإستراتيجي، في 27 سبتمبر 2020.

أدت الاشتباكات التي اندلعت بسبب الخلاف حول السيطرة على ناغورني قره باغ إلى سقوط آلاف الضحايا من الجانبين، واستمرت قرابة شهر ونصف، وانتهت بالاتفاق المعلن في 10 نوفمبر 2020. إذ لم يكن أمام إدارة يريفان سوى الاعتراف بالهزيمة بعد أن استولت أذربيجان على مدينة شوشا ذات الأهمية الإستراتيجية، وانسحبت من إقليم قره باغ بالكامل. وصرح رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان أن الاتفاقية كانت مؤلمة للمواطنين الأرمن، لكن مسار الحرب وإصرار الجيش حمله على اتخاذ هذا القرار. وهكذا توصل الطرفان إلى اتفاق السلام بوساطة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتغير الوضع الراهن الذي ساد جنوب القوقاز لمدة 28 عامًا، وبدأت عملية جديدة[7]. لم تمنح الاتفاقية أذربيجان حق الحفاظ على مناطق فضولي وجبرائيل وزانجيلان وكوباتلي التي حررتها فحسب، بل حملت أرمينيا على الانسحاب من مدن أغدام ولاشين وكلبجار، وحددت جدول الانسحاب. وهكذا، حررت أذربيجان سبع مناطق باستثناء ناغورني قره باغ من الاحتلال، وتمكنت من استعادة بعض الأراضي التي فقدتها في الصراع الأول من خلال الحرب والدبلوماسية[8].

هناك عدة عوامل تساعد في تفسير الانتصار العسكري لأذربيجان، لكن المراقبين اعتبروا أن عاملين من هذه العوامل لهما مفعول "الرصاصات السحرية" هما؛ الدور الأساسي للطائرات بدون طيار التي قدمتها تركيا و"إسرائيل"، والدور الاستشاري لكبار العسكريين الأتراك في خطط وقيادة العمليات الأذربيجانية[9]. النقطة التي يجب تأكيدها هنا هي أنه بينما كانت الحرب الأولى بين جيشين مبنيين على إرث عسكري سوفيتي، وقعت الثانية بين جيش لا يزال يعيش في القرن الماضي مقابل جيش حديث بالمعايير الغربية[10]. فالصراع الثاني كان مختلفًا، وفقًا للعديد من المحللين والدبلوماسيين السابقين، بسبب الدعم التركي المباشر لأذربيجان، وحجم القتال[11].

تتمتع تركيا وأذربيجان بعلاقة ثنائية خاصة، مستوحاة من الانتماءات العرقية والثقافية والدينية واللغوية، ويشتهر شعار "أمة واحدة في دولتين". وقد زودت تركيا شريكها الإستراتيجي بكل مواردها عقب الهجوم الأرميني الأول في مركز الطاقة المهم تووز، فكان الدعم التركي من أهم العوامل التي أسهمت في حل الخلاف بانتصار عسكري[12]. ففي اتفاقية الشراكة الإستراتيجية والمساعدة المتبادلة التي جرى توقيعها بين تركيا وأذربيجان عام 2010؛ تعهد البلدان بتبادل الدعم "بكل الوسائل الممكنة" ضد العدوان الذي يقع "من قبل طرف ثالث"، وقاما بإجراء مناورات عسكرية مشتركة[13]. وبموجب هذا الاتفاق، قدمت تركيا الدعم السياسي والعسكري والدبلوماسي لأذربيجان طوال الصراع. فقدمت الطائرات المسيرة تركية الصنع إلى جانب المنتجات الكثيرة الأخرى، وكان لها الدور الحاسم في التفوق العسكري وتحويل مسار الحرب بشكل كبير لمصلحة أذربيجان[14].

العوامل الكامنة وراء النصر الحاسم لأذربيجان:

استمر الصراع محتدمًا بين الطرفين طوال 32 عامًا حتى وجدت أذربيجان أرضية مواتية للغاية لعملية لاستعادة أراضيها المحتلة اعتبارًا من 27 سبتمبر 2020. يمكن تفسير أسباب تنفيذ العملية واختتامها لمصلحة أذربيجان من خلال عوامل على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية. إذ أخفقت جميع المفاوضات لحل التنازع بين الطرفين على الإقليم، وبدأ ذكر خيار الحرب يتكرر على لسان الطرف الأذربيجاني في السنوات الأخيرة. وكان الوضع السياسي يتعزز في الأصل لمصلحة أذربيجان منذ اندلاع الصراع أوائل التسعينيات، والجيش الأذربيجاني يتحول إلى قوة جيدة التدريب والانضباط والاحتراف والتجهيز الجيد في السنوات الأخيرة، وغدت كفة التوازن العسكري تميل لمصلحة أذربيجان، وأصبح تفوقها العسكري واضحًا عند مقارنة القوات العسكرية ومنظومات الأسلحة بين الطرفين، وإلى هذا التفوق العسكري يعود بلا شك النصر الذي حققته أذربيجان على الجيش الأرميني في قره باغ[15].

فمن الناحية العسكرية، تشير النظرة الفاحصة لمحاولات تسلح الطرفين قبل النزاع إلى أن أذربيجان أعطت الأولوية لزيادة فعالية عناصر المناورة والدعم الناري لقواتها البرية، واتخذت خطوات لتحسين بنية قوة سلاحها الجوي، فحصلت على الطائرات المسيَّرة من جميع الأنواع تقريبًا، ودبابات القتال الرئيسة، والمركبات القتالية المدرعة، وطائرات الهليكوبتر الهجومية، وأنواع مختلفة من مدافع الهاون وسلاح المدفعية، وراجمات الصواريخ، والصواريخ المضادة للدبابات، والصواريخ الباليستية، وأنظمة الدفاع الجوي المختلفة، والمقاتلات والقاذفات، وطائرات الدعم والإسناد، ونفذت المشروعات الكثيرة لتحديث نظمها العسكرية القائمة. وقامت أرمينيا بالمقابل بشراء الأسلحة الدفاعية، التي تتكون أساسًا من دبابات قتال رئيسة، ومركبات قتالية مدرعة، وراجمات الصواريخ، والصواريخ الباليستية، وأنظمة الدفاع الجوي المختلفة، والطائرات المقاتلة والاعتراضية، وطائرات الدعم والإسناد. ولكن الظاهر أن محاولات أرمينيا لتنفيذ مشروعات التحديث كانت ضعيفةً نسبيًّا مقارنةً بمبادرات أذربيجان من حيث الكم والنوع[16].

ومن الناحية السياسية، فقدت أذربيجان الثقة بالمجتمع الدولي تدريجيًّا خلال سنوات التفاوض الطويلة، وإخفاق مجموعة مينسك في التوصل إلى تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي التي اعترفت بوحدة أراضي أذربيجان. فقد تُرك حل النزاع بين أذربيجان وأرمينيا لمبادرات مجموعة مينسك لما يقرب من 30 عامًا. وكان اللافت للنظر أن هذه المجموعة التي كان من المفترض أن تكون واحدة من أكثر المؤسسات فاعلية أحجمت عن التوسط الفعال في الصراع وإيجاد حل لقضية قره باغ على مدى العقدين الماضيين. مصالح روسيا في جنوب القوقاز التي تعدّها ساحتها الخلفية، وتأثير أرمن الشتات في فرنسا والولايات المتحدة؛ حالا دون توصل باكو إلى أي نتيجة في المفاوضات، وبدا واضحًا عجز مجموعة مينسك في التأثير في مستقبل المنطقة[17].

والتوقيت أيضًا كان عاملًا مهمًّا لمصلحة أذربيجان. ففي عام 2020 انشغلت الدول في جميع أنحاء العالم بالصراع الشديد ضد جائحة فيروس كورونا، ولم تتمكن من إدراج قضية قره باغ ضمن أولوياتها، ولاسيما أن آثار الحرب كانت تقتصر بشكل مباشر على أذربيجان وأرمينيا. وخابت آمال حكومة يريفان في تلقي دعم فرنسا وروسيا والولايات المتحدة العضو في مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، فكانت النتيجة الحاسمة لهذه الخيبة أن توقفت يريفان عن محاولاتها لتلقي الدعم الخارجي، واتجهت نحو الاعتراف بالهزيمة[18].

وسحب روسيا دعمها لأرمينيا نتيجة شكوكها في ولاء الأخيرة بسبب تصريحات باشينيان الموالية للغرب- كان عاملًا مهمًّا آخر وراء انتصار أذربيجان. فقد أرادت روسيا معاقبة الحكومة الأرمنية بطريقة ما على هذه التصريحات والمشكلات السياسية مع إدارة باشينيان[19] من جهة، وجاء خوف موسكو من تدخل القوى الغربية على المدى الطويل نتيجة استمرار الصراع دون حل؛ ليشكل ضغطًا على إدارة باشينيان من أجل التخلي عن خمس من المقاطعات السبع لأذربيجان من جهة أخرى. وبعبارة أخرى تحركت موسكو باتجاه حل المشكلة، فكان ذلك عاملًا مواتيًا لانتصار أذربيجان.

من جانبها، بقيت الولايات المتحدة سلبية وركزت على أجندتها الداخلية الخاصة، بدلًا من السياسة الخارجية، بسبب الانتخابات الرئاسية لعام 2020، وهو ما حال دون أي دعم سياسي وعسكري محتمل لأرمينيا. وقد حاولت الحكومة الأرمينية البحث عن دعم المنظمات الدولية في أعقاب الحملة التي قامت بها أذربيجان لإنهاء احتلال قره باغ، لكنها لم تتلق الدعم المتوقع من الناتو أو الاتحاد الأوروبي. فحافظ الناتو على حياده، واكتفى بدعوة أذربيجان وأرمينيا للتفاوض. وتبنى الاتحاد الأوروبي موقفًا محايدًا في الحرب بين الجانبين، واقتصر الدعم السياسي والعسكري على فرنسا بسبب تأثير اللوبي الأرمني ومصالحها في المنطقة. ومن الناحية المؤسسية، يمكن فهم تحذير الاتحاد الأوروبي والعديد من الدول الأعضاء تجاه قضية قره باغ في إطار الاهتمامات الاقتصادية والسياسية. فقد حافظت الأمم المتحدة على موقفها وقرارها المتخذ في عام 1993 بسحب القوات الأرمينية من الأراضي الأذربيجانية المحتلة بشكل غير قانوني خلال حرب ناغورني قره باغ الثانية. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى إنهاء الصراع والعودة العاجلة للمفاوضات. وفي هذا السياق، لم يكن يمكن لأرمينيا أن تحصل على دعم الأمم المتحدة[20].

والضعف السياسي الناجم عن مخاوف الأمن الداخلي لإيران عامل مهم آخر يقف وراء انتصار أذربيجان. فقد بدت إيران ممتعضة من دعم "إسرائيل" لأذربيجان، وكانت قلقة من أن الاشتباكات في الحدود ستؤثر في المناطق الآذرية في شمال إيران. وعلى الرغم من أن إيران ضمنت نقل المساعدات القادمة من روسيا عبر حدودها إلى منطقة قره باغ؛ فإنها امتنعت عن المشاركة في الصراع بشكل مباشر؛ بسبب مخاوف أمنية داخلية. وكانت النتيجة ضعف النفوذ الإيراني في المنطقة بشكل كبير بعد التوصل إلى الاتفاقية بين الطرفين، على الرغم من انخراطها في الدبلوماسية مع باكو ويريفان[21].

وموقف "إسرائيل" أيضًا عاملٌ مهمّ في انتصار باكو الحاسم. فقد قدمت تل أبيب دعمًا صامتًا لا يقلّ أهمية عن الدعم العلني[22] على شكل تعاون عسكري تقني مفيد في بعض الأسلحة الأكثر تطورًا، ولاسيما في الطائرات المسيرة بدون طيار، ومنظومة الصواريخ[23]. فـ"إسرائيل" هي المورد الرئيس لأسلحة أذربيجان، إذ تشكل 70 في المئة من واردات البلاد الدفاعية، والترسانة الأذربيجانية من الطائرات المسيرة تقوم بشكل كامل تقريبًًا على الطائرات المسيرة الإسرائيلية[24].

أخيرًا، ظهر الدعم التركي الواضح في عمليات أذربيجان العسكرية في عدد من البيانات رفيعة المستوى. فأشار الرئيس رجب طيب أردوغان إلى أن الأمة التركية تقف إلى جانب أشقائها الأذربيجانيين كالمعتاد، وأنهم سيواصلون تعزيز تضامنهم. وبالمثل، صرحت وزارة الخارجية التركية بأن "أذربيجان ستستخدم بالتأكيد حقها في الدفاع عن النفس لحماية مواطنيها وسلامة أراضيها. وفي هذا السياق، ستوفر تركيا الدعم الكامل لأذربيجان". وصرح وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو أن تركيا تقف إلى جانب أذربيجان في الميدان وحول طاولة المفاوضات[25]. وقد أسفر الدعم التركي العسكري والدبلوماسي عن تحرير أذربيجان أراضيها المحتلة في نهاية العملية التي استمرت 44 يومًا. فالطائرات المسيرة ومنظومات الدفاع الأخرى المقدمة لأذربيجان من مخزون صناعة الدفاع التركية حولت مسار الحرب لمصلحتها بشكلٍ كبيرٍ. ولا بد في هذا السياق من شرح تأثير صناعة الدفاع التركية المتطورة في انتصار أذربيجان في قره باغ بالتفصيل.

صعود تركيا في قوة الطيران المسيَّر (درون):

يُعَدّ تعزيز التقنيات المطورة محليًّا أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة لتركيا، بصفتها الدولة التي كانت تعتمد في السابق بشكل كبير على التكنولوجيا الأجنبية في زيادة قوتها العسكرية، ليس فقط في الحرب ضد الإرهاب فحسب، ولكن أيضًا من حيث العمل بشكل مستقل للحصول على نفوذ إستراتيجي على منافسيها. وقد شهدت تركيا خلال العقد الماضي قفزةً نوعية إلى الأمام في تطوير صناعتها الدفاعية، وتعزيز تحصينات قوتها العسكرية. تتمثل المبادئ الأساسية التي تشكل العمود الفقري لسياسة الدفاع التركية في تقليل الاعتماد على الدول الأجنبية من خلال تحقيق الاكتفاء الذاتي، وأن تصبح دولة مستقلة تمامًا في السياسة الدولية من خلال تطوير جيش يتمتع بقدرة ردعٍ عالية. وهكذا تعد صناعة الدفاع التركية أمرًا ضروريًّا في سعي الدولة لتحقيق هذه الأهداف، وهي من هنا في قلب إستراتيجية تركيا الشاملة للاستقلال التام على الساحة العالمية بجيش مجهز بالكامل[26]. وقد جرى على مدى العقد الماضي إحراز تقدمٍ كبيرٍ في زيادة الموارد البشرية والمعرفة اللازمة لتطوير أنظمة الطائرات بدون طيار (الدرون) [27]. وقد تمكنت شركات الدفاع التركية من إنتاج الطائرات المسيَّرة المسلحة بجودة تضاهي مثيلاتها في شركات صناعة الأسلحة المتوطنة المعروفة في الولايات المتحدة و"إسرائيل" في أقل من عشر سنوات. وتركيا اليوم ليست على رأس قائمة مستخدمي طائرات الدرون الجدد فحسب، بل تأخذ مكانها كذلك في قائمة المصنعين الرئيسين لهذه الطائرات[28].

بدأت الدراسات المتعلقة بتطوير أنظمة الطائرات بدون طيار في تركيا وإدراجها في عتاد القوات المسلحة التركية في نهاية الثمانينيات، بالتوازي مع التطورات التكنولوجية العالمية. وقد جرى في البداية الاستعانة بالمصادر الخارجية في الحصول على هذه الطائرات نظرًا لعدم وجود خيارات الشراء المحلية. وفي عام 1989، بدأ سلاح الجو التركي باستخدام طائرة باتشي التي تنتجها شركة Meggitt البريطانية. بالإضافة إلى ذلك، قدمت ألمانيا لتركيا خمس طائرات استطلاع من طراز CL-89 بدون طيار في عام 1994. ولكن جرى إخراجها من مخزون الجيش في وقت قصير بسبب المشكلات اللوجستية وحوادث الطيران، وتوقفت[29]. ثم كانت الخطوة الجريئة الأكبر نحو إدراج أنظمة الطائرات المسيرة بدون طيار في مخزون القوات المسلحة التركية من خلال شراء طائرات GNAT الأمريكية (6-GNAT-750 ثم 21-GNAT) التي أنتجتها شركة General Atomics في عام 1995، في سياق سياسات مكافحة الإرهاب في تركيا. فكانت هذه الطائرات المسيَّرة الحقيقية الأولى التي تمتلكها القوات الجوية التركية، وتستخدمها القوات البرية في المراقبة التكتيكية ومهام الدعم حتى عام 2005[30].

بالتوازي مع شراء GNAT، شرعت تركيا في اتخاذ خطوات لتطوير مركبات مماثلة بمواردها المحلية والوطنية. فالمشكلات المختلفة الناجمة عن التبعية الأجنبية (الأزمات الدولية/ العالمية، ومشكلات توريد النظم الفرعية الخاضعة لقيود مختلفة، والاعتماد في الصيانة/ التشغيل، ونقص المعرفة بالأنظمة الفرعية/ البرمجيات المهمّة، وغير ذلك) كانت سببًا رئيسًا يحمل تركيا على تطوير أنظمتها المحلية والأصلية الذاتية الخاصة لإنتاج أنظمة الطائرات المسيَّرة التي تحتاجها القوات المسلحة التركية في أسرع وقت ممكن وبأقل تكلفة[31]. وقطعت تركيا خطوات هائلة في برنامجها الوطني لتطوير الطائرات بدون طيار على مدار العقد الماضي، حيث أنتجت طائرات الدرون القادرة على المراقبة والاستطلاع والدعم الناري في مكافحة الإرهاب. وبدأت أنشطة تطوير وإنتاج هذه الطائرات في بنية رئاسة الصناعات الدفاعية في أوائل التسعينيات، وتكثفت بشكل خاص بعد عام 2004. وعمدت تركيا إلى زيادة دعمها لقطاع الأسلحة المحلي من أجل تطوير قدراتها في إنتاج الطائرات بدون طيار. ثم بدأت صناعة الطيران والفضاء التركية في إنتاج العديد من النماذج الأولية للطائرات بدون طيار، مثل TAI-UAV-X1 (1992)، وهي أول طائرة مسيَّرة منتجة محليًًّا. ثم Turna-Keklik (1996)، وPelikan-Martı (2003)، وGözcü (2007)، وÖncü (2008)، وŞimşek (2012) وANKA (2013)[32].

بالإضافة إلى المخاوف المتزايدة المتعلقة بالإرهاب والأمن في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أدت التطورات في التكنولوجيا إلى زيادة الطلب على الطائرات بدون طيار. وفي ضوء تقادم طائراتها المسيرة GNAT 750، قررت تركيا شراء طائرات من طراز Heron من "إسرائيل"، لكن هذه الطائرات لم تخل من المشكلات المستمرة. فلم يعد بعض هذه المركبات صالحة للاستخدام بسبب تحطمها، ولم يتمكن عدد آخر من الطيران بسبب عيوب فنية، وكانت النتيجة إعادة بعض هذا المخزون إلى "إسرائيل". وكذلك طلبت تركيا طائرات بدون طيار من الولايات المتحدة حليفتها في الناتو، لكن هذه المطالب بقيت دون إجابة. ولم يكن أمام تركيا سوى تسريع مشروعات طائراتها المسيرة المحلية تفاديًا لهذه النكسات[33] وتلبية لاحتياجات القوات التركية المسلحة. وانهمكت الصناعة التركية في تسريع البحث والتطوير وإنتاج أنظمة الطائرات المسيرة بدون طيار، وبدأت الشركة التركية لصناعات الفضاء (TUSAŞ) العمل في طائرة ANKA (نسبة إلى طائر العنقاء)، وبدأت بيرق العمل على منصة بيرقدار TB2. وفي عام 2020، بلغ مجموع عدد الطائرات المسيرة في القوات العسكرية التركية 144 طائرة مع أحدث عمليات التسليم (110 طائرات بيرقدار TB2، و24 طائرة عنقاء، و10طائرات Gözcü-1)[34].

أصبحت تركيا مصدرًا لأنظمة الطائرات المسيَّرة عالية الجودة خلال عقدٍ من الزمان أو يزيد قليلًا. وكان إطلاق بيرقدار المصغرة عام 2005 باعتبارها مشروعًا مشتركًا لـ Kalekalıp-Baykar Makina، ودخولها في سلاح القوات العسكرية التركية بوصفها أول طائرة جوية بدون طيار في عام 2007؛ نقطة تحول مهمة في برنامج الطائرات المسيَّرة المحلية في تركيا[35]. وجرى توقيع أول اتفاقية تصدير تركية مع قطر لهذا النوع من الطائرات في عام 2012. بالإضافة إلى ذلك، أطلقت شركة بايكار مشروع الطائرات المسيَّرة الصغيرة ذات الأجنحة الدوارة (ملاذكرد) في عام 2006، وسلمتها للقوات المسلحة التركية في عام 2009[36].

في يناير 2012، بدأت المرحلة الثانية التي تتضمن تطوير طائرة بيرقدار التكتيكية (TB2) والإنتاج التسلسلي. وكانت الرحلة الأولى لطائرة بيرقدار (TB2) في 29 أبريل 2014، وسجلت في يومها الأول رقمًا قياسيًّا في الجو بزمن قياسي قدره 24 ساعة و34 دقيقة، وارتفاع قدره 8230 مترًا[37]. وفي نهاية عام 2015 حدث اختراق آخر عندما نجح TB2 في اختبار إطلاق صاروخ من ارتفاع 16000 قدم، ونجح في إصابة هدفه. فكانت أول رحلة مسلحة بدون طيار في البلاد، وحظيت بإشادة كل من الجيش التركي ووسائل الإعلام. وكانت دراسة أجرتها صحيفة الغارديان قد زعمت أنه رغم أن TB2 المسلح مصنوع محليًّا، فإنه لا يمكن أن يصل إلى نقطة القدرة على إطلاق صاروخ دون مساعدة المملكة المتحدة. لكن سلجوق بيرقدار دحض هذا الادعاء مبيِّنًا أن شركته صممت "نموذجًا أكثر تقدمًا بفارق كبير وتكلفة معقولة" بدلًا من شراء مكون صاروخي بالغ الأهمية من شركة EDO MBM للتكنولوجيا في برايتون[38].

بالإضافة إلى استخدامها من قبل القوات المسلحة التركية، تم تصدير أول ست طائرات أصلية من بيرقدار TB2 إلى قطر في عام 2018، وهي أول عملية تصدير من هذا النوع. وجاء الطلب الثاني من أوكرانيا، وتم تسليم الدفعة الأولى من ست طائرات بدون طيار في عام 2020. ووقعت الشركة التركية لصناعات الفضاء عقدًًا مع تونس لشراء طائرات TB2، وعقدًا آخر مع بولندا لشراء 24 طائرة بيرقدار TB2 في مايو 2021. وبذلك تكون بولندا أول عضو في الناتو والاتحاد الأوروبي يشتري طائرات TB2 من تركيا، وستكون أول طائرةٍ مسيَّرةٍ مسلحةٍ تركيةٍ تظهر في المجال الجوي الأوروبي[39]. وتأتي الدول الأوروبية مثل ألبانيا وبيلاروسيا وإنكلترا وبلغاريا وجمهورية التشيك والمجر وبولندا التي تشترك معها تركيا في علاقات دفاعية جيدة، في عداد الدول المرشحة لشراء هذه الطائرات[40].

أنهت شركة بايكار التركية بناء النموذج الأولي الثاني للطائرة القتالية المسيَّرة بيرقدار أكينجي (أي المغوار). تنتمي أكينجي إلى فئة جديدة من الطائرات الثقيلة بدون طيار، ويبلغ طول جناحيها 20 مترًًا، ويعمل بمحركين أوكرانيين من نوع AI-450 [41]. وقد بدأت بايكار العمل على تطوير أكينجي في مايو 2017. وقامت أكينجي المسيَّرة برحلتها الأولى في ديسمبر 2019، إذ يمكنها البقاء في الجو لمدة 24 ساعة، والارتفاع إلى 40 ألف قدم (12192 مترًا)، ويمكنها أن تحمل 1350 كغ من "الحمولة المفيدة"، وهي أنواع مختلفة من الذخيرة والقذائف والصواريخ المصنوعة في تركيا، مثل MAM-L و MAM-C و Cirit و LUMTAS و Bozok و MK-81 و MK -82 و MK-83 ومجموعات التوجيه المجنح مثل MK-82 وGökdoğan وBozdoğan وSOM-A [42].

بطريقة مماثلة، أسهمت TUSAŞ في برنامج الطائرات بدون طيار في تركيا. وبدأ مشروع العنقاء التابع لشركة TUSAŞ في عام 2004، وأجرت رحلتها الأولى في ديسمبر 2010. وتستمر عملية البحث والتطوير لتصميم نسخة عالية التحمل وطويلة التحمل من طائرة العنقاء المسيَّرة. وتمكنت هذه العمليات في السنوات الأخيرة من تحقيق إنجازات تقنية مهمّة، حيث نفذت العنقاء أول غارة جوية تركية عبر الأقمار الصناعية في أغسطس 2018، وأكملت رحلتها الأولى بمحرك محلي الصنع في ديسمبر، وكانت هذه خطوة حاسمة في إنشاء قاعدة تصنيع محلية مستدامة. كما سجل كل من بيرقدار TB2 والعنقاء أرقامًا قياسية جديدة في التحمل في عام 2019، حيث طار كل منهما لأكثر من 24 ساعة[43]. وهكذا تمكنت تركيا من إنتاج الطائرات المسيَّرة بدون طيار، المسلحة منها وغير المسلحة، بموارد داخلية فقط.

وهكذا انتشر نجاح تركيا في الصحافة الأجنبية على نطاق واسع. ووفقًا لصحيفة لوموند على سبيل المثال[44] أصبحت تركيا واحدة من الشركات المصنِّعة الرائدة في العالم للطائرات المسلحة بدون طيار في غضون 15 عامًا فقط. وفي تقرير عن الطائرات المسلحة بدون طيار، تناولت الصحيفة استخدام الطائرات التركية المسلحة بدون طيار تحت عنوان "تقنية في خدمة السياسة الخارجية التركية". وذكر البحث أنه "بهدف التنافس مع النماذج الأمريكية والإسرائيلية والصينية، تبوّأت البلاد مكانتها بين المنتجين الرئيسين في العالم خلال 15 عامًا فقط"، مشيرًا إلى أن الطائرات التركية بدون طيار أصبحت أكثر فاعلية وبأسعار معقولة، ويجري استخدامها فعليًّا في العمليات عبر الحدود منذ عام 2016، وكان لها الدور الحاسم في تغيير ميزان القوى ليس في ليبيا فحسب، ولكن أيضًا في ناغورني قره باغ[45].

وذكرت صحيفة الغارديان أن طائرات بيرقدار المسلحة بدون طيار غيرت بسرعة التوازن العسكري في المنطقة. وأشارت التلغراف إلى تغير في طبيعة الحرب. وأشارت صحيفة فاينانشال تايمز إلى أن تركيا بوصفها قوة صاعدة في مجال الطائرات بدون طيار؛ يمكنها منافسة الولايات المتحدة و"إسرائيل" والصين في مجال الطائرات المسيَّرة المسلحة. وذكرت دي فيلت الألمانية أن تركيا أصبحت واحدة من الدول الرائدة في تكنولوجيا الطائرات بدون طيار، وحقّقت نجاحات عسكرية. وأشارت ليبراسيون الفرنسية إلى الطائرات المسلحة بدون طيار بوصفها رمزًا لقوة تركيا واستقلالها. وتناقلت الصحافة الروسية أخبارًا تفيد بأن كازاخستان ستتخلى عن الطائرات المسيَّرة الصينية وتشتري طائرات بيرقدار TB2. ووصفت مجلة فوربس الطائرات التركية بدون طيار بأنها "رصاصات سحرية". ووصفتها مجلة "فورين بوليسي" بـ"الحيوانات المدرعة الطائرة". ووصفتها صحيفة إل باييس الإسبانية بأنها "أصحاب السماء الجدد". وكثيرًا ما ظهرت هذه الطائرات التركية في وسائل الإعلام الإسرائيلية واليونانية. وكل هذا الاهتمام هو نتيجة القصة الدرامية لإنتاج الطائرات المسيَّرة التركية، وفتح آفاق جديدة في تاريخ الحرب، ودورها الحاسم في النزاعات الناشبة في المنطقة[46].

تقدم الطائرات المسيرة المسلحة وغير المسلحة، باعتبارها الطائرات المحلية الفريدة التي تنتجها صناعة الدفاع التركية- إسهامًا كبيرًا لقوات الأمن، وتؤدّي دورًا مهمًّا في التطور التكنولوجي في تركيا، كما تؤدّي دورًا مهمًّا في نجاحها ومظهرها الرادع في المنصات الدولية. وقد أدى النجاح الباهر الذي تحقق من خلال الطائرات المسيرة في عمليات درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام إلى زيادة كبيرة في عدد منظومات هذه الطائرات في مخزون الجيش وحقق زيادة كبيرة في فرص تصديرها[47]. ودخلت الشركات المصنعة التركية في قائمة الشركات المصدرة البارزة للطائرات بدون طيار، وأخذت تنافس مثيلاتها المنتجة لهذه الطائرات مثل الصين و"إسرائيل" والولايات المتحدة[48]. فالزيادة التي شهدتها صادرات الطائرات المسيرة التركية وضعت قطاع تصدير الطائرات العسكرية بدون طيار في الصين أمام تحديات، وتأثر ميزان القوى العسكرية في القوقاز والشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتمكنت الطائرات المسيرة التركية من جذب الانتباه في جميع أنحاء العالم، وزادت من ظهورها العالمي بسبب استخدامها الفعال في سوريا وليبيا، ومؤخرًا في ناغورني قره باغ، حتى إن وزير الدفاع البريطاني بين والاس وصف هذه الطائرات بـ"تغيير قواعد اللعبة"[49].

دور طائرات الدرون التركية في صراع ناغورني قره باغ الثاني:

تبوّأ صراع ناغورني قره باغ منذ فترة طويلة مكانًا مهمًّا في السياسة الخارجية التركية. وقد تزايد دعم أنقرة لباكو تدريجيًّا على مرّ السنين. وكان الدعم التركي الأكبر لأذربيجان واضحًا في الحرب الأخيرة بين أذربيجان وأرمينيا، حيث تولت الطائرات المسلحة المسيَّرة تركية الصنع زمام المبادرة في عمليات الهجوم الآذرية. وقد أدّت هذه الطائرات التركية المسيرة دورًا بارزًا في الحرب[50]، ومهدت الطريق لانتصار أذربيجان الكبير[51]. وقد أشاد الرئيس الأذربيجاني علييف بقدرات الطائرات المسيرة التركية، موضحًا أنها تكشف عن قوة تركيا وقدرتها، وأكد أن الجيش الأذربيجاني يرغب في تلقي التعليم من الجيش التركي ومحاكاته. وإذا كانت أذربيجان تلقت الطائرات المسيرة لأذربيجان عام 2020 فقط؛ فإن القدرة على إنتاج هذه الطائرات من خلال مواردها المحلية قد تكون هدفًا لأذربيجان[52].

يفسر المحلّلون انتصار أذربيجان في ساحة المعركة بأنّها كانت بمساعدة التكنولوجيا والتكتيكات التركية[53]. وأشارت منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي أصدرتها وزارة الدفاع الأذربيجانية في بداية الحرب إلى أن أذربيجان اشترت بيرقدار TB2 التركية، وهي مَرْكَبة جوية مسيرة، ذات ارتفاع متوسط، وقادرة على التحمل لفترة طويلة، وقادرة على القيام بعمليات طيران ذاتية التحكم أو التحكم عن بعد، وتستخدمها بشكلٍ فعالٍ في المهام الهجومية. وفي مقابلة مع فرانس 24 في 15 أكتوبر 2020، صرح الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ردًّا على السؤال عن عدد الطائرات المسيرة التركية التي يمتلكها، فقال: "لدينا ما يكفي لتحقيق أهدافنا، وأعتقد أنك تدرك أن هذه معلومات خاصة، وأفضّل عدم الكشف عنها". وأشار إلى الكيفية التي أحدثت بها الطائرات المسيرة التركية فرقًا في الصراع، مشيرًا إلى أن قواته دمرت ما قيمته مليار دولار من المعدات العسكرية التابعة للقوات الأرمينية باستخدام هذه الطائرات التي تم شراؤها من تركيا[54].

ووفقًا لمصادر مفتوحة، قررت أذربيجان شراء عشرات الطائرات المسلحة المسيرة تركية الصنع في يونيو 2020، قبل أسابيع فقط من اندلاع حرب ناغورني قره باغ. ويزعم المحللون العسكريون أن أذربيجان كانت حريصة بشكل واضح على استخدام الطائرات التركية بدون طيار لكسب التفوق العسكري على أرمينيا، وإعادة تشكيل التوازنات العسكرية في المنطقة لمصلحتها. وفقًا لتقارير أخرى[55]، أوضحت أذربيجان خططها للشراء، ثم حصلت بالفعل على الطائرات التركية المسيرة، واستخدمتها بشكل كبير في فترة زمنية تبلغ حوالي أربعة أشهر. في الاشتباكات العنيفة التي دارت على طول جبهة قره باغ في 27 سبتمبر، أظهرت أذربيجان قدرات حربية حديثة بنظام الطائرات المسيرة بدون طيار، وهذا يدل على تفوقها في مجال التكنولوجيا الدفاعية على الجيش الأرمني. ومن الجدير بالذكر أن تركيا لم تقدم الطائرات المسيرة لشريكها الطبيعي في جنوب القوقاز فحسب، بل قدمت أيضًا عقيدة حرب روبوتية كاملة ومفهوم تشغيل (CONOPS)[56]. بالإضافة إلى بيرقدار TB2 التركية. واشترت أذربيجان أنواعًا مختلفة من طائرات المراقبة وطائرات الكاميكازي بدون طيار (ذخيرة متسكعة/ الطائرة الانتحارية بدون طيار) التي صممتها وأنتجتها "إسرائيل".

يذكر المحللون أن ناغورني قره باغ مثال واضح للطرق التي يمكن أن تؤثر بها الطائرات المسيرة وطائرات الدرون في الحرب المستقبلية وبيئات الصراع في الحالات التي لا يجري فيها اتخاذ أي إجراء. والمتوقع ارتفاع الطلب على الطائرات المسيرة التركية؛ نظرًا لأدائها في الحرب. وعلى الرغم من عدم وجود بيانات رسمية عن إجمالي صادرات تركيا من الطائرات المسيرة المسلحة وغير المسلحة، فإن المعلوم ارتفاع صادرات تركيا في قطاع الدفاع والطيران بنسبة 34.6% في عام 2019 مقارنة بالعام السابق، لتصل إلى 2,74 مليار دولار، والمتوقع ارتفاع هذا الرقم في عام 2023 إلى 10 مليارات دولار[57].

أظهرت بيرقدار TB2 التركية استخدامات متنوعة، وقد استفادت تركيا بالفعل من هذه الطائرات بدون طيار في سوريا وليبيا، وكان أداء TB2 فعالًا في مهاجمة دفاعات العدو في ناغورني قره باغ وإتلافها، وقامت بتوفير بيانات تحديد الهوية والاستهداف، والقدرة على ضرب الأهداف بمفردها بذخائر ذكية دقيقة التوجيه. وقد قامت أذربيجان بتركيب كاميرات عالية الدقة على طائرات TB2 في باكو، لإنشاء العديد من مقاطع الفيديو الدعائية، تظهر الهجمات على القوات الأرمينية وأجهزتها على الإنترنت، وعرضتها على لوحات إعلانية رقمية[58]. وعلى عكس طائرات كاميكازي التي تزودت بها أذربيجان من "إسرائيل"، يمكن استخدام الطائرات المسيرة التركية عدة مرات. وقد أثبتت هذه الطائرات خلال المعركة أنها متفوقة تقنيًّا على بعض المعدات العسكرية الروسية القديمة في أرمينيا، وشكلت تحديًا كبيرًا لاعتماد أرمينيا على الخنادق ووسائل الدفاع التقليدية[59].

تظهر البيانات مفتوحة المصدر أن الجيش الأرميني فقد أكثر من 40 في المئة من مخزون معدات أسلحته في الحرب، وأن الطائرات المسيرة، وخاصة الطائرات المسيرة التركية بيرقدار TB2 وطائرات الكاميكازي، أسهمت في التدمير التدريجي للجيش الأرمني. ففي بداية الحرب، قُضِي على أنظمة الدفاع الجوي الأرمينية ورادارات الإنذار المبكر عن طريق الطائرات بدون طيار، وجرى إنشاء منطقة مناورة كبيرة لعمليات الطائرات بدون طيار. بعد ذلك كثفت هذه الطائرات هجماتها على القوات البرية الأرمينية التي حُرِمت من مظلة دفاعها الجوي. في هذه المرحلة، تمكنت الطائرات المسيرة من جمع المعلومات الاستخبارية، ثم جرى تنفيذ هجمات فعالة على العناصر الإستراتيجية للجيش الأرميني بالمدفعية والصواريخ البالستية في ضوء هذه المعلومات[60]. وقد قام الباحثون من جامعة أذربيجان الحكومية للاقتصاد (UNEC) بحساب حجم الخسائر المادية للجيش الأرميني في الأسلحة والمركبات خلال الحرب التي امتدت 44 يومًا، ووفقًا لمعهد الأبحاث الاقتصادية (UNEC)، دُمِّر ما يُقدَّر بـ4,8 مليارات دولار من الأسلحة الأرمينية في حرب قره باغ[61].

ولا تتوفر بيانات دقيقة بشكل كامل عن الخسائر البشرية بين أطراف الحرب بسبب تضارب الأرقام. فقد ذكرت وزارة الدفاع الأذربيجانية أن ٢٧٨٣ جنديًًًّّا لقوا مصرعهم، وأصيب 1255 جنديًّا، وما يزال أكثر من ١٠٠ جندي في عداد المفقودين[62]. وتزعم أرمينيا بالمقابل أن عدد الجنود الأذربيجانيين الذين فقدوا أرواحهم في الحرب هو 7630[63]. ونشرت ألينا نيكوجوسيان المتحدثة باسم وزارة العدل الأرمينية على حسابها على وسائل التواصل الاجتماعي أن أرمينيا فقدت 2317 جنديًا في الحرب[64]. وتبقى الشكوك تلقي بظلالها حول دقة هذه المعلومات. فقد أعلن ميكائيل ميناسيان سفير أرمينيا السابق لدى الفاتيكان، أن 4750 جنديًّا أرمنيًّا فقدوا حياتهم في الحرب، وفقًا لتقرير وزارة الدفاع حول هذه النقطة، الذي جرى تقديمه إلى رئيس الوزراء باشينيان. علاوة على ذلك، هناك تحليلات ترى أن هذا الرقم متفائل للغاية[65]. فقد انتشرت في وسائل الإعلام التركية على وجه الخصوص روايات عن وصول الخسائر في صفوف القوات المسلحة الأرمينية إلى 13 ألفًًا، استنادًا إلى مصادر عسكرية[66]. على أيّ حال، ليس هناك شك في أن خسائر الجانب الأرميني كانت أكبر من الرقم الذي قدمه نيكوجوسيان.

نعم، لا يمكن الحديث بدقةٍ كاملةٍ عن الأسلحة والمركبات والمعدات والمواد المفقودة خلال الحرب بسبب تضارب الأرقام. ورغم ذلك، يتفق المراقبون المستقلون على أن أرمينيا كابدت خسائر فادحة. يمكن الاطلاع أدناه على قائمة مفصلة بالمركبات المدمرة والمأسورة من كلا الجانبين، وفقًا لتقرير منشور على Oryx Blog بتوقيع Stijn Mitzer، الذي جرى إعداده بناءً على بيانات مقاطع الفيديو والصور المنشورة على الإنترنت وما شابه ذلك، باستخدام تقنيات جمع المعلومات الاستخبارية مفتوحة المصدر. ويمكن القول بوضوح هنا: إن تعويض الخسائر الفادحة التي كابدتها أرمينيا سيستغرق سنوات عند النظر إلى بنيتها الاقتصادية والديموغرافية.

قائمة تفصيلية بالآليات المدمرة والمستولى عليها

نوع المركبة / الوحدة

أرمينيا

أذربيجان

دبابات

تدمير 144، إعطاب 5، استيلاء على 100

تدمير 33، إعطاب 18، استيلاء على 14، ترك دبابة واحدة

عربات قتال مدرعة

تدمير 26، استيلاء على 50

تدمير 6، إعطاب 2، استيلاء على 9، ترك 7

الطائرات والمروحيات

  تدمير 2

تدمير 13

المركبات الجوية بلا طيار

تدمير 6

تدمير 22، استيلاء على 4

الشاحنات والمركبات وعربات الجيب

تدمير 303، إعطاب 10، استيلاء على 351

تدمير 32، إعطاب 18، أسر 6، ترك 8

أنظمة الصواريخ المضادة للدبابات

 تدمير 4، استيلاء على 13

-

مدفعية مقطورة

 تدمير 131، إعطاب 10، أسر 90

-

مدفعية ذاتية الدفع

 تدمير 21، استيلاء على 8

-

مركبات دعم المدفعية

 تدمير 1، استيلاء على 2

-

راجمات صواريخ

 تدمير 717، أسر 7، ترك راجمة واحدة

-

صواريخ بالستية

 تدمير 1 1

-

مدافع الهاون

 تدمير 9، أسر 45

استيلاء على مدفعية واحدة

صواريخ موجهة مضادة للدبابات

 119، منها تدمير 3، واستيلاء على 116، منها 19 قاذفة أو جهاز رؤية

-

منظومات الدفاع الجوي المحمولة

 استيلاء على 6

-

عربات قتال مدرعة

 -

تدمير 45، إعطاب 6، استيلاء على 9، ترك 10

راجمات صواريخ

 -

تدمير 1، استيلاء على 1

أجهزة التشويش وأنظمة الخداع

 تدمير 3،

-

الرادارات

 تدمير 13، استيلاء على 4

-

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر: ستيجن ميتزر وجوست أوليمانز (2020) [67].

وفي هذا السياق، لن يكون من المبالغة تعيين "الفاعل الرئيس" في حرب قره باغ عام 2020، وتحديده- بأنظمة الطائرات المسيرة المسلحة وغير المسلحة التي أرسلتها القوات المسلحة الأذربيجانية إلى خط المواجهة، نظرًا لتأثيرها في الحرب[68]. فقد كانت أذربيجان تشتري الطائرات المسيرة من كلِّ نوعٍ تقريبًا من تركيا و"إسرائيل" على مدى السنوات العشر الماضية، واستخدمت هذه الأنظمة على نطاق واسع في الحرب للاستطلاع والمراقبة والاستخبارات وكشف الأهداف ووضع العلامات. لكن ما يميز هذه المركبات حقًّا هو أداؤها العالي في مهامّ الهجوم الموجّهة بدقة. وفي هذا الصدد، تفضّل الجيوش الطائرات القتالية المسيرة من أجل تدمير أنظمة الدفاع الجوي ومراكز التحكم والقيادة. وقد جرى استخدامها ضد جميع الأهداف المكتشفة في ساحة المعركة، مثل الدبابات والعربات المدرعة والمدافع والمشاة. وتجدر الإشارة هنا بشكلٍ خاصٍ إلى وجود قاعدة إطلاق صاروخ بالستي بين المنصات المدمرة. وقد جرى تسجيل تدمير هذا الهدف الخطير، ونشر صوره على وسائل التواصل الاجتماعي باعتباره أول نتيجة موثقة لطائرةٍ مسيَّرةٍ مسلَّحَةٍ ضد صاروخ بالستي[69].

إن استخدام أذربيجان الفعال للطائرات بدون طيار كان له تأثير خطير في مستوى العالم، وسيكون مفرطًا في التبسيط تقليص انتصار أذربيجان بالكامل على هذه الطائرات، ولكن العدد المفرط من المركبات والمواد التي دمرتها أنظمة الطائرات المسيرة، وربما الأهم من ذلك، تأثير الصدمة والأضرار النفسية التي لحقت بالجنود الأرمن-  كل ذلك أدّى دورًا مهيمنًا وحاسمًا في انتصار أذربيجان. وستكون هذه الطائرات والتدابير التي يمكن اتخاذها ضد هذه الأنظمة في الفترة المقبلة بالتأكيد بندًا مهمًّا في جدول أعمال أوروبا بسبب أدائها الناجح في حرب قره باغ 2020. فبعد الصراع مباشرةً، لفت غوستوف غريسيل عضو المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، الانتباه إلى نقاط ضعف الجيوش الأوروبية من حيث أجهزة التشويش المضادة للطائرات بدون طيار وأصول الحماية الأساسية، وقال إنهم إن لم يتصرفوا، فإن الدول الأعضاء الصغيرة والمتوسطة الحجم على وجه الخصوص ستبقى معرضة لنتائج بائسة، مثل الجيش الأرمني في حرب حركية حديثة[70]. وكذلك ذكر مقال نُشر في فورين أفيرز بعد الحرب أن الطائرات بدون طيار تجعل النزاعات المسلحة "مغرية ورخيصة"[71].

والدعم القوي الذي قدمته تركيا لأذربيجان ينسجم مع سياستها الخارجية الاستباقية في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط. ففي ناغورني قره باغ حيث أخفقت مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا من التوصل إلى أي حل للتسوية وفق قرارات الأمم المتحدة؛ أدت المبادرات العسكرية والسياسية والدبلوماسية التركية إلى نتائج. ويُعَدّ انتصار أذربيجان في حرب قره باغ التي استمرت 44 يومًا أهم إنجاز للسياسة الخارجية التركية في عام 2020. وتركز تركيا الآن على تعزيز نفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي في المنطقة[72]. ووفقًا للرئيس أردوغان، كان دعم أنقرة لأذربيجان جزءًا من سعي تركيا للحصول على "مكانتها التي تستحقها في النظام العالمي" إلى جانب الولايات المتحدة وروسيا[73].

يُعَدّ دخول تركيا المتزايد إلى السوق الأذربيجاني للطائرات بدون طيار أمرًا حاسمًا متعدد الجوانب. فمن الناحية الجيوسياسية تمثل تجسيدًا جيدًا لخطاب "أمة واحدة في دولتين" الذي وفر الإطار الفكري لعلاقات ثنائية أقوى بين البلدين. ويجري الآن إمداد أذربيجان بالتطورات الجارية المتعلقة باستخدام الدرون، لتصبح عامل تغيير عسكري في قره باغ. ومن ناحية الاقتصاد الدفاعي، تؤسس TB-2 مكانة قوية لتركيا في صناعة الأسلحة الأذربيجانية التي كانت تحت هيمنة "إسرائيل"[74].

الخاتمة:

كان الإسهام الأكبر والفضل الأكبر في انتصار أذربيجان في حرب قره باغ الثانية، يعودان للمستشارين العسكريين الذين قدمتهم تركيا كما قيل، والطائرات المسيَّرة، إلى جانب ثلاثة عقود من التطوير الدقيق للجيش الأذربيجاني. وواضح أن قدرة تركيا على بناء الجيش كانت أحد العوامل الرئيسة التي أدّت إلى هذا النجاح، وأبرزت التناقض بين حرب ناغورني قره باغ الأولى والثانية. فبينما اندلعت الحرب الأولى بين قوتين لهما خلفية عسكرية سوفيتية، كانت الحرب الثانية بين جيش لا يزال يعيش في القرن الماضي وجيشٍ حديثٍ وفقًا للمعايير الغربية. وهذا الأمر لا يقتصر على إظهار موقع تركيا في أذربيجان، وقدرتها على إنشاء جيش قوي فحسب، بل يُظهر أيضًا قدرتها على الإسهام بشكل أكبر في الحلف الأطلسي في أراضيها وخارجها[75].

يبدو أن الطائرات بدون طيار لها مكانة مهمة في السياسة الخارجية التركية، ليس بوصفها رصيدًا عسكريًّا مهمًّا فحسب، بل بوصفها أيضًا أداة أساسية للسياسة الخارجية، فالمجتمع الدولي دخل في مناقشة هذه الصناعة في تركيا بتفصيلات دقيقة. ولكن آفاق الإنتاج المحلي لهذه الطائرات التي تبدو قوية- لا تزال تعاني تحديات معينة، ولا يخلو طريقها من مصاعب. فقد نضجت هذه الصناعة الطموحة في وقت يتأرجح فيه اقتصاد البلاد على شفا اختلالات شديدة في الاقتصاد الكلي والاختلالات المالية. ولا يخلو الطريق من بعض المطبات التكنولوجية، فأنظمة هذه الطائرات ليست مصنوعة بالكامل في تركيا (ربما جرى استيراد بعض معدات الاستشعار من كندا وتكنولوجيا توجيه الصواريخ من ألمانيا). ومن هنا، فإن المكونات الأجنبية وخلافات تركيا السياسية مع الدول المنتجة لها يمكن أن تعطل دورة الإنتاج[76]. على سبيل المثال، أدى قرار الحكومة الكندية بوقف تصدير قطع الطائرات بدون طيار الحيوية إلى تركيا في أكتوبر 2020 إلى لفت الانتباه إلى جهود أنقرة المستمرة لإنشاء صناعة دفاعية مكتفية ذاتيًّا. وكذلك، كتب 27 عضوًا من مجلس النواب الأمريكي إلى وزير الخارجية أنطوني بلينكن في أغسطس 2021، زاعمين أن إنتاج تركيا للطائرات بدون طيار قد عطّل التوازن السياسي في المنطقة، وأضر بالمصالح الأمريكية، وحثوا الإدارة الأمريكية على اتخاذ بعض الخطوات للحد من ذلك[77]. من جانب آخر، قد يؤدي الاقتصاد الذي يعاني ضائقة مالية ومواطن خللٍ تكنولوجيٍّ محتملٍ إلى إعاقة تحقيق المزيد من التقدم في هذه الصناعة الرائعة في تركيا[78].

إنّ صراع ناغورني قره باغ أتاح فرصةً لتركيا في وقت كانت فيه القوى الكبرى في العالم مهتمَّةً بشكلٍ عامٍّ بشؤونها الداخلية والقضايا الاقتصادية التي تليها في ظل جائحة كوفيد-19. في هذه البيئة غيرت تركيا الوضع الراهن في ناغورني قره باغ، وهي تملك في الوقت الحاضر دورًا أكبر لتؤدّيه في تطوير قوة الطائرات بدون طيار وفي جنوب القوقاز. وقد أثبتت تركيا قدراتها العسكرية، وأنها مستعدة لتوفير الدعم لحلفائها، وكان الصراع الأخير مؤشرًا واضحًا على دور تركيا المتزايد في المنطقة، وهذا الدور مرشح لمزيد من التوسع في المستقبل.

الحواشي:

 

[1] Graham Smith, The Post-Soviet States: Mapping the Politics of Transition (London: Arnold, 1999); Denis JB. Shaw, Russia in the Modern World: A New Geography, (Oxford: Blackwell, 1999).

[2] Karoly Kocsis, “Ethnicity,” in David Turnock (ed.), East Central Europe and the Former Soviet Union: Environment and Society, (London: Arnold, 2001).

[3] Kocsis, “Ethnicity,” p. 81.

[4] Shannon O’Lear and Robert Whiting, “Which Comes First, The Nation or the State? A multiple Scale Model Applied to the Nagorno-Karabakh Conflict in the Caucasus,” National Identities, Vol. 10, No. 2 (June 2008), pp. 185-206, p. 188.

[5] Zaur Shiriyev, “The ‘Four-Day War:’ Changing Paradigms in the Nagorno-Karabakh Conflict,” Turkish Policy, (March 14, 2017), retrieved from http://turkishpolicy.com/article/842/the-four-day-war-changing-paradigms-in-the-nagorno-karabakh-conflict.

[6] Ali Askerov, “The Nagorno Karabakh Conflict,” Post-Soviet Conflicts: The Thirty Years’ Crisis, (2020), pp. 55-56.

[7]  في مساء يوم 9 نوفمبر، انتهى الصراع فجأة بتوقيع اتفاق سلام بوساطة روسية. وقد استفادت تركيا من الصفقة وعُدَّت دولة فائزة أخرى في الحرب رغم أنها ليست من الدول الموقّعة على الاتفاقية. وقد جرى توقيع اتفاقية منفصلة بين وزيري الدفاع الروسي والتركي بشأن مركز مراقبة الصراع، حيث سيقدّم العسكريون الأتراك غير المسلحين الدعم لنظرائهم الروس في مراقبة تنفيذ الاتفاق. ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت تركيا ستستخدم طائراتها المسيَّرة في المراقبة، أم أن الضباط الأتراك سيقومون بزيارات فعلية إلى منطقة الصراع.

[8]  براق جاليشقان، "حرب قره باغ الثانية والعصر الجديد في جنوب القوقاز / 2. Karabağ Savaşı ve Güney Kafkasya’da Yeni Dönem"، مركز İnsamer، https://insamer.com/tr/2-karabag-savasi-ve-guney-kafkasyada-yeni-donem_3524.html،  (تاريخ الزيارة: 4 ديسمبر 2020).

[9] Haldun Yalçınkaya, “Turkey’s Overlooked Role in the Second Nagorno-Karabakh War,” The German Marshall Fund of the United States, (January 21, 2021), retrieved from https://www.gmfus.org/news/turkeys-overlooked-role-second-nagorno-karabakh-war.  

[10] Yalçınkaya, “Turkey’s Overlooked Role in the Second Nagorno-Karabakh War.”

[11] Andrew E. Kramer, “Armenia and Azerbaijan: What Sparked War and Will Peace Prevail?” The New York Times, (January 29, 2021), retrieved from https://www.nytimes.com/article/armenian-azerbaijan-conflict.html.

[12] Ayça Ergun and Anar Valiyev, “An Account on Karabakh War: Why Now and Then What?” Panorama, (November 10, 2020), retrieved from https://www.researchgate.net/profile/Panorama-Dergisi-2/publication/345672363_An_Account_on_Karabakh_War_Why_Now_and_Then_What/links/5faa7739458515157bfc1d16/An-Account-on-Karabakh-War-Why-Now-and-Then-What.pdf.

[13] Daria Isachenko, “Turkey-Russia Partnership in the War over Nagorno-Karabakh: Militarized Peacebuilding with Implications for Conflict Transformation,” SWP, No. 53 (2020), retrieved from https://www.swp-berlin.org/fileadmin/contents/products/comments/2020C53_NagornoKarabakh.pdf.

[14]  حجي محمد بويراز وأوغوز غونغورماز، "تشريح انتصار قره باغ / Karabağ Zaferinin Anatomisi"، ستا، (تاريخ الزيارة: 12 ديسمبر 2020):

https://www.setav.org/karabag-zaferinin-anatomisi/.

[15] For a comparison of Armenia and Azerbaijan military strengths, see: https://armedforces.eu/compare/country_Azerbaijan_vs_Armenia.

[16]  جنك أوزغَن، "بعد 44 يومًًا: تحليل حرب قره باغ 2020 من الناحية العسكرية / 44 Günün Ardından: 2020 Karabağ Savaşı’nın Askeri Açıdan Analizi"، جامعة غيراسون، مجلة العلوم الاقتصادية والإدارية، ج 7، رقم 1 (2021)، ص (108-109).

[17]  جاليشكان، "حرب قره باغ الثانية والعصر الجديد في جنوب القوقاز".

[18]  بويراز وغونغورماز، "تشريح انتصار قره باغ".

[19] Ergun and Valiyev, “An Account on Karabakh War?”

[20]  بويراز وغونغورماز، "تشريح انتصار قره باغ".

[21]  جاليشقان، "حرب قره باغ الثانية والعصر الجديد في جنوب القوقاز".

[22] Igor Delanoë, “Israel-Azerbaijan: An Alliance in Search of Renewal,” Foundation Mediterranean D'études Stratégiques, (July 28, 2021), retrieved from https://fmes-france.org/israel-azerbaijan-an-alliance-in-search-of-renewal/.  

[23] Delanoë, “Israel-Azerbaijan.”

[24] Pieter D. Wezeman, Alexandra Kuimova and Siemon T. Wezeman, “Trends in International Arms Transfers, 2020,” SIPRI, (March 2021), retrieved from https://www.sipri.org/sites/default/files/2021-03/fs_2103_at_2020_v2.pdf.

[25] Middle East Monitor, “Turkey Ready to Support Azerbaijan in Conflict with Armenia, says FM,” Middle East Monitor, (September 30, 2020), retrieved from https://www.middleeastmonitor.com/20200930-turkey-ready-to-support-azerbaijan-in-conflict-with-armenia-says-fm/.

[26]  مراد يشيل تاش، "القدرة الدفاعية التركية في العمليات / Operasyona Doğru Türkiye’nin Savunma Kapasitesi"، كريتر، ج 3، رقم 31 (2019).

[27] Sibel Düz, “The Ascension of Turkey as a Drone Power: History, Strategy, and Geopolitical Implications,” SETA, (2020), retrieved from https://www.setav.org/en/analysis-the-ascension-of-turkey-as-a-drone-power-history-strategy-and-geopolitical-implications/,p.26.

[28] Lennart Hofman, “How Turkey Became a Drone Power (And What That Tells Us About the Future of Warfare,” The Correspondent, (December 10, 2020), retrieved from https://thecorrespondent.com/832/how-turkey-became-a-drone-power-and-what-that-tells-us-about-the-future-of-warfare/110071049088-d67e839e

[29] سرتاج أقسان، "توقيع تركيا على النجاح في السماء: الطائرات المحلية بدون طيار İHA وSİHA / Türkiye'nin gökyüzündeki başarı imzası: Yerli İHA ve SİHA’lar"، قناة TRT Haber، (تاريخ الزيارة: 3 مارس 2020):

https://www.trthaber.com/haber/gundem/turkiyenin-gokyuzundeki-basari-imzasi-yerli-iha-ve-sihalar-464449.html.

[30] جنكيز قره آغاج، "خريطة طريق أنظمة الطائرات بدون طيار بوصفه سلاح الجو المستقبلي 2016-2050 / İHA Sistemleri Yol Haritası Geleceğin Hava Kuvvetleri 2016-2050"، STM، (تاريخ الزيارة: 22 سبتمبر 2020):

https://thinktech.stm.com.tr/uploads/docs/1608914423_satm-bb-17-0200-sektor-raporlari-iha-260417.pdf?.

[31] Tarık Küçük, “İHA Serüveni 2: Türk Endüstrisinin Yükselişi / مسيرة الطائرات المسيرة 2: صعود الصناعة التركية  ” Turkish Defense Agency, (October 21, 2020), retrieved from https://www.tdefenceagency.com/iha-seruveni-2-turk-endustrisinin-yukselisi/.

[32]  أنيل شاهين، "مسيرة İHA وموقع عنقا أق سونغور /Türkiye’nin İHA serüveni ve Anka-Aksungur’un konumu "، الصناعة الدفاعية، (تاريخ الزيارة: 3 أبريل 2019): https://www.savunmasanayist.com/turkiyenin-iha-seruveni-ve-aksungurun-konumu/.

[33] Samuel Brownsword, “Turkey’s Unprecedented Ascent to Drone Superpower Status,” Drone Wars, (June 15, 2020), retrieved from https://dronewars.net/2020/06/15/turkeys-unprecedented-ascent-to-drone-superpower-status/.

[34] "ساحة الحرب المتغيرة في تركيا: İHA-SİHA / Türkiye’nin Değişen Muharebe Sahası: İHA-SİHAM5، (تاريخ الزيارة: 14 سبتمبر 2020):https://m5dergi.com/dergi/sayi-35i-ekim-2020/turkiyenin-degisen-muharebe-sahasi-iha-siha/

[35] “Bayraktar Mini UAV,” Baykar Defence, (September 23, 2020), retrieved from https://baykardefence.com/uav-16.html.

[36] قره آغاج، "خريطة طريق أنظمة الطائرات بدون طيار بوصفه سلاح الجو المستقبلي 2016-2050".

[37] تولغا أوزبك، "موافقة القوات المسلحة التركية على طائرات بيرقدار"، حرِّيَّت، (24 نوفمبر 2014):

https://www.hurriyet.com.tr/gundem/bayraktara-tskdan-kabul-27641192.

[38] Brownsword, “Turkey’s Unprecedented Ascent to Drone Superpower Status.”

[39]  "طائرات SİHA التركية في أجندات العالم: 7 دول تنتظر دورها"، صباح، (تاريخ الزيارة: 24 نوفمبر 2021): 

https://www.sabah.com.tr/dunya/2021/05/24/turk-sihalari-dunyanin-gundeminde-7-ulke-siraya-girdi.

[40] ظفر جاغري، "زعموا أن تركيا باعت بولندا 24 طائرة SİHA، هل هناك دول أخرى؟"، Kronos، (تاريخ الزيارة: 22 مايو 2021):

https://kronos34.news/tr/turkiyenin-polonyaya-24-siha-sattigi-iddia-edildi-baska-hangi-ulkelerde-var/.

[41] “Second Prototype of Turkish Akinci Drone Ready,” Our Bureau, (May 9, 2020), retrieved from https://www.defenseworld.net/news/26940/Second_Prototype_of_Turkish_Akinci_Drone_Ready#.YSPouY4zY2w.

[42] “Bayraktar AKINCI System,” Baykar Defence, retrieved from https://baykardefence.com/uav-14.html.

[43] Dan Gettinger, “Turkey’s Military Drones: An Export Product that’s Disrupting NATO,” The Bulletin, (December 6, 2019), retrieved from https://thebulletin.org/2019/12/turkeys-military-drones-an-export-product-thats-disrupting-nato/.

[44] Alaattin Doğru, “Turkey Becomes one of World’s Leading Manufacturers of Armed Drones: Le Monde,” (July 10, 2021), retrieved from https://www.aa.com.tr/en/science-technology/turkey-becomes-one-of-worlds-leading-manufacturers-of-armed-drones-le-monde/2300004.

[45] Doğru, “Turkey Becomes one of World’s Leading Manufacturers of Armed Drones.”

[46] مصطفى أوزطوب، "تاريخ الحرب وعامل التغيير في ميزان القوى: طائرات SİHA التركية"، وكالة الأناضول للأنباء، (تاريخ الزيارة: 15 أبريل 2021): https://www.aa.com.tr/tr/analiz/harp-tarihi-ve-guc-dengesinde-degisimin-aktoru-turk-siha-lari/2209876

[47] Can Kasapoğlu, “Turkey Transfers Drone Warfare Capacity to its Ally Azerbaijan,” Eurasia Daily Monitor Vol. 17, No. 144 (October 15, 2020), retrieved from https://jamestown.org/program/turkey-transfers-drone-warfare-capacity-to-its-ally-azerbaijan/.

[48] Sinan Tavsan, “Turkey Begins to Rival China in Military Drones,” Nikkei Asia, (October 7, 2020), retrieved from https://asia.nikkei.com/Politics/International-relations/Turkey-begins-to-rival-China-in-military-drones

[49] “Second Prototype of Turkish Akinci Drone Ready.”

[50] Alex Gatopoulos, “The Nagorno-Karabakh Conflict is Ushering in a New Age of Warfare,” Al Jazeera, (October 11, 2020), retrieved from https://www.aljazeera.com/features/2020/10/11/nagorno-karabakh-conflict-ushering-in-new-age-of-warfare.

[51] Leonid Bershidsky, “Drones Have Raised the Odds and Risks of Small Wars,” Bloomberg, (November 30, 2020), retrieved from https://www.bloomberg.com/opinion/articles/2020-11-30/drones-have-raised-the-odds-and-risks-of-small-wars.

[52] “Clash of Drones: How Israeli and Turkish Drones Have Created Havoc in Azerbaijan-Armenia War?” EurAsian Times, (October 10, 2020), retrieved from https://eurasiantimes.com/clash-of-drones-how-israeli-turkish-drones-have-created-havoc-in-azerbaijan-armenia-war/.

[53] Ron Synovitz, “Technology, Tactics, and Turkish Advice Lead Azerbaijan to Victory in Nagorno-Karabakh,” Rferl, (November 13, 2020), retrieved from https://www.rferl.org/a/technology-tactics-and-turkish-advice-lead-azerbaijan-to-victory-in-nagorno-karabakh/30949158.html.

[54] أوزغا أوزدمير، "هل تركيا قوة صاعدة في العالم بإنتاجها طائرات İHA  وSİHA؟"، BBC، (تاريخ الزيارة: 14 أكتوبر 2020):

 https://www.bbc.com/turkce/haberler-turkiye-54533620.

[55] Bekdil, “Azerbaijan to Buy Armed Drones from Turkey.”

[56] Kasapoğlu, “Turkey Transfers Drone Warfare Capacity to its Ally Azerbaijan.”

[57] Ruslan Rehimov, “$4.8B Worth of Armenian Arms Destroyed in Karabakh War,” Anadolu Agency, (December 5, 2020), retrieved from https://www.aa.com.tr/en/azerbaijan-front-line/-48b-worth-of-armenian-arms-destroyed-in-karabakh-war/2066685.

[58] Shaan Shaikh and Wes Rumbaugh, “The Air and Missile War in Nagorno-Karabakh: Lessons for the Future of Strike and Defense,” CSIS, (December 8, 2020), retrieved from https://www.csis.org/analysis/air-and-missile-war-nagorno-karabakh-lessons-future-strike-and-defense.

[59] Patrick Keddie, “What’s Turkey’s Role in the Nagorno-Karabakh Conflict?” Al Jazeera, (October 30, 2020), retrieved from https://www.aljazeera.com/features/2020/10/30/whats-turkeys-role-in-the-nagorno-karabakh-conflict.

[60]  إرم كوكَر، "قره باغ الجبلية: ما دور الطائرات المسيرة İHA وSİHA، وكيف أكسبت ميزةً لأذربيجان؟"، BBC، (تاريخ الزيارة: 12 نوفمبر 2020): https://www.bbc.com/turkce/haberler-dunya-54917938

[61] Rehimov, “$4.8B Worth of Armenian Arms Destroyed in Karabakh War.”

[62]  "أذربيجان: 2783 عسكريَّا شهيدًا في حرب قره باغ الجبلية / Azerbaycan: Dağlık Karabağ Savaşında 2783 Asker Şehit Oldu"، ملِّيَّت، (تاريخ الزيارة: 3 ديسمبر 2020):

https://www.milliyet.com.tr/dunya/son-dakika-azerbaycan-daglik-karabag-savasinda2783-asker-yasamini-yitirdi-6370408.

[63] Siranush Ghazanchyan, “Azerbaijan’a Military Death Toll Reaches 7,630,” Public Radio of Armenia, (November 8, 2020), retrieved from https://en.armradio.am/2020/11/08/azerbaijans-military-death-toll-reaches-7630/.

[64]  حسين قويونجو، "أرمينيا: فقدان ما يزيد عن 2300 عسكري في حرب قره باغ الجبلية"، Euronews، (تاريخ الزيارة: 14 نوفمبر 2020):

https://tr.euronews.com/2020/11/14/ermenistan-dagl-k-karabag-cat-smalar-nda-2-bin-300-den-fazla-asker-kaybettigini-ac-klad.

[65] Rehimov, “$4.8B Worth of Armenian Arms Destroyed in Karabakh War.”

[66] أونور شاهان أوغلو، " تصريحات مذهلة بعد انتصار قرة باغ التاريخي لأذربيجان: الجيش الأرمني لا يستطيع التعافي قبل 10 سنوات!"، صباح، (تاريخ الزيارة: 10 نوفمبر 2020):

https://m.sabah.com.tr/gundem/2020/11/10/son-dakika-azerbaycanin-tarihi-karabag-zaferi-sonrasi-carpici-aciklamalar-ermenistan-ordusu-10-yildan-once-toparlanamaz/amp?paging=11.

[67] Stijn Mitzer and Joost Oliemans, “The Fight for Nagorno-Karabakh: Documenting Losses on the Sides of Armenia and Azerbaijan,” Oryx, (September 27, 2020), retrieved from https://www.oryxspioenkop.com/2020/09/the-fight-for-nagorno-karabakh.html.

[68]  أوزغَن، "بعد 44 يومًًا: تحليل حرب قره باغ 2020 من الناحية العسكرية "، ص 114.

[69] Tal Inbar, Twitter, 8:26 PM, (October 16, 2020), retrieved from https://twitter.com/inbarspace/status/1317155048917471233

[70] Gustav Gressel, “Military Lessons from Nagorno-Karabakh: Reason for Europe to Worry,” ECFR, (November 24, 2020), retrieved from https://ecfr.eu/article/military-lessons-from-nagorno-karabakh-reason-for-europe-to-worry/.

[71] Jason Lyall, “Drones are Destabilizing Global Politics,” Foreign Affairs, (December 16, 2020), retrieved from https://www.foreignaffairs.com/articles/middle-east/2020-12-16/drones-are-destabilizing-global-politics.

[72] Merve Berker, “Karabakh: Big Win for Turkish Foreign Policy in 2020,” Anadolu Agency, (December 30, 2020), retrieved from https://www.aa.com.tr/en/turkey/karabakh-big-win-for-turkish-foreign-policy-in-2020/2093720.

[73] Emil Avdaliani, “Turkey’s Win-Win Strategy in the Nagorno-Karabakh Conflict,” BESA Center Perspectives, (November 13, 2020), retrieved from https://besacenter.org/wp-content/uploads/2020/11/1816-Turkey-and-Nagorno-Karabakh-Avdaliani-final.pdf,  p. 2.

[74] Kasapoğlu, “Turkey Transfers Drone Warfare Capacity to its Ally Azerbaijan.”

[75] Yalçınkaya, “Turkey’s Overlooked Role in the Second Nagorno-Karabakh War.”

[76] Burak Ege Bekdil, “Azerbaijan to Buy Armed Drones from Turkey,” Defense News, (June 25, 2020), retrieved from https://www.defensenews.com/unmanned/2020/06/25/azerbaijan-to-buy-armed-drones-from-turkey/.

[77] Murat Yetkin, “No Way! Turkey’s UAV Program Irk [sic] US Congressmen,” Yetkin Report, (August 11, 2021), retrieved from https://yetkinreport.com/en/2021/08/11/no-way-turkeys-uav-program-irk-us-congressmen/.

[78] Bekdil, “Azerbaijan to Buy Armed Drones from Turkey.”


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...