تُعَدّ مدينة القدس مادةً خصبةً جدًّا للدراسة والتحليل والتقييم، مع ما لها من مكانةٍ روحيةٍ وسياسيةٍ كبيرةٍ تتمتع بها لدى مليارات البشر. وتُعَدّ الدراسات التي تتناول تاريخ المدينة المقدسة من الناحية السياسية شائعةً في الأوساط الأكاديمية، لكن ما يميز هذه الدراسة التي نشرتها الباحثة الدكتورة نائلة الوعري من خلال المؤسسة العربية للأبحاث والنشر هو تركيزها على أحد أكثر الجوانب التي تلقى تحديات كبيرةً في العصر الحديث من قِبَلِ الباحثين والأكاديميين الذين يروجون لرواية الاحتلال الحالي للمدينة المقدسة
تتناول هذه الدراسة تطور النظرة الصهيونية لموضوع تقسيم المسجد الأقصى المبارك بين المسلمين واليهود، من خلال دراسة أصول نظرية السيطرة على المسجد تحضيرًا لظهور المسيح المخلص (المشيح) بحسب الاعتقاد اليهودي، وتطور الرؤية اليهودية لموضوع الدخول إلى المسجد من المنع المطلق إلى محاولة التقسيم بوصفه مقدمة للسيطرة على المسجد، وخيارات الاحتلال في اقتطاع مناطق داخل المسجد الأقصى انتقالًا من المنطقة الجنوبية الغربية للمسجد إلى المنطقة الشرقية التي تمثل عنده طبيعة دينية خاصة فرضها وجود باب الرحمة ذي الأهمية الدينية لدى اليهود. وتبحث الدراسة في سيناريوهات العمل الذي اتبعته سلطات الاحتلال في المنطقة الشرقية، وما تمثله هبّة باب الأسباط وهبّة باب الرحمة من إخفاق ذريع للتحركات الإسرائيلية في المنطقة الشرقية ومحاولات انتزاعها، وتخلص الدراسة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي أخفق في استغلال ظروف المنطقة الشرقية في المسجد الأقصى، ولم يتمكن من تنفيذ أجندته فيها بعد أن باتت في قلب الصراع مع المقدسيين، وهو ما يشير إلى أن مشروع الاحتلال داخل المسجد الأقصى المبارك برمته بات محل شك.
خاضت منطقة الشرق الأوسط برمتها فترة من الاضطرابات والتحولات على مدار أسبوعين في منتصف يوليو/تموز 2017. إن الحدث، الذي يطلق عليه الآن: (انتفاضة باب الأسباط)، لم يجر في قلب القدس فحسب، إخدى أهم المدن في العالم؛ بل في قلب المسجد الأقصى، الذي يعد من أكثر المناطق سخونة وحساسية على وجه الكرة الارضية؛ لذا يمكن اعتبار هذين الأسبوعين معلمًا بارزًا في الصراع الدائر في الأراضي المقدسة.