رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


| المقالات والدراسات < رؤية تركية

المنطقة الشرقية بالمسجد الأقصى المبارك في مشروع الحركة الصهيونية

تتناول هذه الدراسة تطور النظرة الصهيونية لموضوع تقسيم المسجد الأقصى المبارك بين المسلمين واليهود، من خلال دراسة أصول نظرية السيطرة على المسجد تحضيرًا لظهور المسيح المخلص (المشيح) بحسب الاعتقاد اليهودي، وتطور الرؤية اليهودية لموضوع الدخول إلى المسجد من المنع المطلق إلى محاولة التقسيم بوصفه مقدمة للسيطرة على المسجد، وخيارات الاحتلال في اقتطاع مناطق داخل المسجد الأقصى انتقالًا من المنطقة الجنوبية الغربية للمسجد إلى المنطقة الشرقية التي تمثل عنده طبيعة دينية خاصة فرضها وجود باب الرحمة ذي الأهمية الدينية لدى اليهود. وتبحث الدراسة في سيناريوهات العمل الذي اتبعته سلطات الاحتلال في المنطقة الشرقية، وما تمثله هبّة باب الأسباط وهبّة باب الرحمة من إخفاق ذريع للتحركات الإسرائيلية في المنطقة الشرقية ومحاولات انتزاعها، وتخلص الدراسة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي أخفق في استغلال ظروف المنطقة الشرقية في المسجد الأقصى، ولم يتمكن من تنفيذ أجندته فيها بعد أن باتت في قلب الصراع مع المقدسيين، وهو ما يشير إلى أن مشروع الاحتلال داخل المسجد الأقصى المبارك برمته بات محل شك.

المنطقة الشرقية بالمسجد الأقصى المبارك في مشروع الحركة الصهيونية

مقدمة

كانت القدس ولا تزال محطة أساسية لأي صراع في منطقة الشام والمنطقة التي يُصطلَح عليها باسم "الشرق الأوسط"، حيث شهدت هذه المدينة المقدسة عشرات حالات الاحتلال والحروب والمعارك للسيطرة عليها منذ فجر التاريخ حتى اليوم، ولا يُستبعَد أن تبقى كذلك طوال التاريخ الإنساني، ولا يمكن فهم الصراع في المدينة المقدسة بدون النظر إلى بعده الديني، إضافةً إلى البعد الحضاري والتاريخي، فأهمية المدينة بالدرجة الأولى تنبع من كونها مدينةً ذات أهمية دينية وروحية، ولا يمكن بأي حال نزع هذه الصفة عنها، ولذلك فإن الصراع حين يدور حول المناطق المقدسة فيها فإنه يكتسب أهمية خاصة، وطابعًا مغايرًًا لأشكال الصراعات على الأرض والموارد التي تنتشر في مختلف مناحي الأرض.

مع الاحتلال الإسرائيلي لشرق مدينة القدس المتضمن الأماكن المقدسة، وبخاصة المسجد الأقصى المبارك، عام 1967، برزت قضية المسجد الأقصى بوصفها واحدة من أعقد القضايا وأكثرها صعوبة في وجه تحقيق المشروع الصهيوني في مدينة القدس، ودأبت سلطات الاحتلال على محاولة تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك بشكل تدريجي، بحيث تتجنب الاصطدام المباشر بالحساسية الدينية التي يشكلها المسجد، والتي أثبتت أن بإمكانها لم الشعث العربي والإسلامي، وتوحيد الصف الفلسطيني في وجه الاحتلال في أيّ لحظة.

في ظلّ هذه المعادلة الشائكة، التفتت سلطات الاحتلال في الآونة الأخيرة إلى محاولة تثبيت وجودها في المنطقة الشرقية بالمسجد الأقصى المبارك بالذات، وذلك لعدة عوامل دينية وسياسية وجغرافية. وذلك بضغط من الجماعات اليهودية المتطرفة، أو ما يُطلَق عليه اصطلاحًا: "جماعات المعبد" المتطرفة، التي تنضوي اليوم ضمن ما يُسمَّى "اتحاد منظمات المعبد"، التي تبرز بقوةٍ في هذا المجال، وتحاول الضغط من جهة الإسراع في توجيه البوصلة الإسرائيلية نحو حسم قضية المسجد الأقصى. وفي هذا الجانب لا بدّ من فهم أصول هذا الصراع وطبيعة النظرة اليهودية للمنطقة الشرقية في المسجد الأقصى -وبخاصة باب الرحمة- وكيفية محاولة جماعات المعبد المتطرفة ترجمة هذه النظرة إلى واقع على الأرض، وهو ما يعيدنا إلى أهمية البحث في أصول أيديولوجية المنطقة الشرقية لدى هذه الجماعات، وعلى رأسها فكرة المسيح المخلّص (المشيح) التي تنبع منها أهمية باب الرحمة والمنطقة الشرقية للأقصى بشكل عام. ولذلك فإن هذه الدراسة تبحث في أصول النظرة اليهودية لهذه المنطقة وتطورها، وكيفية تطبيقها لدى كل من الحكومة الإسرائيلية، وجماعات المعبد المتطرفة التي تمتلك رصيدًا مهمًّا في السياسة الإسرائيلية، وبخاصةً مع تصاعد اليمين المتطرف في دولة الاحتلال، وتمكُّنِ هذه الجماعات من إحداث تأثير في الكنيست الإسرائيلي والحصول على دعم مباشر من بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية.

 

المسيح المنتظر والمعبد في العقيدة اليهودية

تنبع فكرة المسيح المخلّص لدى اليهود من النص التوراتي الذي ورد في سفر إشعيا 11: 1-10، حيث تتكلم الآيات التي وردت في هذا الإصحاح عن فكرة إرسال المخلص من دون أن تذكره بهذا الاسم، غير أن لفظ المسيح (أو المشيح بالعبرانية) جاء فعليًّا من ربط بدايات الأحرف العبرية لأربعة آيات تتكلم عنه بأسماء مختلفة في التوراة، حيث ورد اسم (مناحيم) في النص العبري في مراثي إرميا 1: 16، وورد اسم (شيلوه) في سفر التكوين 49: 10، واسم (يانون) في المزامير 72: 17، واسم (حنينا) في إرميا 16: 13. ومن هنا يجري جمع الحروف الأولى من هذه الأسماء لتصبح م ش ي ح (مشيح).[1] وتحفل الكتابات الدينية اليهودية في شروح التوراة بالكثير عن هذه الشخصية المحورية، حيث تنسب له فكرة إتمام العهد الإلهي الذي بين الله وإبراهيم. وتعتمد فلسفة العهد في الديانة اليهودية إلى حد كبير على هذه الشخصية، حيث تقوم فكرة شعب إسرائيل، أو شعب الله، على أساس أن الله عز وجل أعطى إبراهيم عهدًا كان تجليه من ناحية إبراهيم هو محاولة ذبح ولده إسحق -بحسب العقيدة اليهودية- على جبل موريا الذي يقوم عليه اليوم المسجد الأقصى المبارك، وتحديدًا على الصخرة التي تقع داخل قبة الصخرة المشرفة. ويتمثل العهد من ناحية الله بتكثير أبناء إبراهيم، واختيار نسله من إسحق لحمل رسالة التوحيد، وإقامة الشريعة في الأرض انطلاقًا من الأرض الموعودة (أو ما يُسمَّى في الأدبيات: أرض الميعاد)، ومن هنا تأتي فكرة خروج موسى ببني إسرائيل من مصر إلى القدس؛ لإتمام وعد الله وعهده لإبراهيم، وخلال تلك الرحلة تنزل التوراة التي هي -بحسب الفهم اليهودي- كلمة الله الوحيدة للبشر وعهده المكتوب إلى شعبه، والتي كان لابدّ من الوصول بها إلى منطقة الذبح لتتكلل فكرة العهد الأبدي بين الله وشعبه بأن يُبنَى بيته المقدس على صخرة بيت المقدس ويسكن مع شعبه هناك،[2] ولكي يتحقّق هذا الأمر آخر الزمان يأتي المسيح ليقيم العدل والتوحيد مع بني إسرائيل؛ لتبدأ معه الحياة الأبدية ويتحقّق استكمال العهد نهائيًّا بأن يسكن الله مع شعبه إلى الأبد.

إذن يمكن أن نلحظ هنا أن فكرة المسيح المنتظر عند اليهود ترتبط إلى حدّ كبير بفكرة البيت المقدس؛ أي (المعبد) اليهودي الذي يمثل في النظرة اليهودية المكان الذي سيكون منطلقًا للوصول إلى ذروة فكرة العهد الأبدي بين الله وشعبه في آخر الزمان. ومن هنا تنبع أهمية موقع المعبد في الرؤية اليهودية للمسيح المنتظر وأحداث آخر الزمان.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن لدى اليهود عمومًا نظريات مختلفة في كيفية نزول المسيح وعلاقته بالمعبد، حيث يرى بعضهم أن المعبد يُبنَى أولًا ثم يظهر المسيح، ويرى آخرون أن المعبد ينزل من السماء مع ظهور المسيح، ويرى غيرهم أن المعبد لابد من أن يُبنَى ثم يُدمَّر مرة أخرى فتدخل البشرية في مرحلة الاختبار الصعبة النهائية التي يمهّد من خلالها لظهور المسيح.[3] وأيًّا كانت هذه النظريات فإنها تكاد تدور حول الفكرة نفسها تقريبًا، وهي فكرة ارتباط المعبد بالمسيح بشكل أو بآخر.

 

المنطقة الشرقية وباب الرحمة وعلاقتهما بالمسيح

إن المنطقة الشرقية للمسجد الأقصى المبارك تشكل الواجهة الأوسع من ناحية الأفق الشرقي للمسجد، ولعل هذا هو السبب الذي جعل البناء الأموي فيها يقتصر على باب الرحمة تحديدًا، بحيث لا تُغطَّى قبة الصخرة من الجهة الشرقية بأي بناء يمكن أن يغطي شكلها المميز عندما ينظر المرء إلى مدينة القدس من جبل الزيتون. والناظر اليوم من جبل الزيتون إلى تلك الجهة يلاحظ أشجار الزيتون والصنوبر تغطي المنطقة الشرقية بالكامل تقريبًا. غير أن هذا لم يكن الحال في العهد الأموي عندما جرى إنشاء المجمع الكبير من البناء والعمائر الذي يمثل المسجد الأقصى المبارك، والذي كان في ذلك الوقت يشمل قبة الصخرة والجامع القبلي والأسوار والبوابات (ولا سيما باب الرحمة)، إضافةً إلى التسوية الجنوبية للمسجد، التي كانت توصل إلى القصور الأموية خارج المسجد الأقصى المبارك من الناحيتين الجنوبية والجنوبية الغربية.

ويشير الباحث الأثري هيثم الرطروط إلى أن الأرضية الطبيعية في ذلك الوقت كانت منخفضة عما هي عليه اليوم بشكل ملحوظ، وكانت تساوي تقريبًا الأرضية التي يقوم عليها مبنى باب الرحمة، التي تساوي تقريبًا اليوم أرضية المصلى المرواني (التسوية الشرقية)،[4] ولعل اكتشاف جزء من قوس أثري أموي في أثناء عمليات فتح البوابات الشمالية للمصلى المرواني عام 2000م يشير بوضوح إلى وجود رواق كان يمتد على السور الشرقي بين باب الرحمة والتسوية الشرقية.[5] ويشير مجير الدين العليمي في وصفه للمسجد الأقصى المبارك في زمنه إلى أن هذا المكان كان في زمنه مزروعًا بأشجار الزيتون القديمة، وأنه كان يظهر فيه آثار لبقايا رواق قديم (لعله الرواق الذي اكتُشِف جزء منه في أعمال بوابات المصلى المرواني عام 2000)، ويذكر أن في هذا المكان توجد آثار من حجارة قديمة، ويذكر بالذات بابًا مسدودًا بالحجارة مقابل درج ساحة قبة الصخرة الشرقي وهو (باب الجنائز)،[6] وهذا الباب لا يوجد له أثر اليوم من داخل المسجد الأقصى المبارك، بل تمكن رؤية آثاره من خارج المسجد في مقبرة باب الرحمة، وبالمقارنة بين مستوى الأرضية داخل السور وخارجه يتبين بوضوح أنه يقع الآن تحت الأرضية الحالية للمسجد، وهذا يعني أن المنطقة الشرقية في عهد مجير الدين العليمي؛ أي في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي، قبيل بداية حكم الدولة العثمانية في القدس- كانت لا تزال منخفضةً أكثر من مستواها الحالي، كما أن العليمي يذكر في زمانه أن باب الرحمة كانت فيه بوابتان مغلقتان، ويقصد بهما البوابتين الداخليتين المعروفتين باسم (باب الرحمة وباب التوبة)، والظاهر من كلامه أنهما لم تكونا مغلقتين بالحجارة كحال باب الجنائز، إذ إنه يقول: "وهما الآن غير مشروعين"[7]، وهذا يدل على أن البوابات الخشبية كانت موجودة لكنها لم تكن مفتوحةً للناس. كما يشير العليمي في هذا الموضوع إلى مسألة تتعلق باعتقاد المسيحيين في باب الرحمة، حيث يقول: "وإنهما لا يُفتَحان حتى ينزل السيد عيسى بن مريم عليه السلام"[8]، وهو ما يعطي إشارةً إلى معرفة العليمي بالعقيدة المسيحية المتعلقة بباب الرحمة، التي هي في الحقيقة مأخوذة عن العقيدة اليهودية في المكان المتعلقة بالمسيح.

ويذكر الرحالة الإدريسي أن باب الرحمة كان يُفتَح في فترة الاحتلال الفرنجي مرةً واحدةً في السنة في "عيد الزيتون"[9]، ويتفق معه الرحالة الألماني ثيودريك الذي يذكر أن هذه البوابة تُغلَق "بجدار، وتُفتَح يوم أحد السعف".[10] وعيد الزيتون وأحد السعف في الحقيقة يشيران إلى عيد الفصح لدى الطوائف المسيحية، ويمكن بذلك فهم فكرة فتح باب الرحمة في ذلك الوقت بالذات، إذ إن ذلك يرجع إلى إيمان المسيحيين بأن المسيح دخل إلى القدس من هذا الباب في آخر عيد فصح حضره قبل حادثة الصلب، وهو ما يتفق مع ما ذكره مجير الدين العليمي من فكرة فتح البوابات لدخول المسيح مرة أخرى. كما أن الرحالة الأوروبي سايولف يذكر هذا الباب باسم "البوابة الذهبية".[11]

والملاحظ في هذه النصوص أن باب الرحمة يرتبط لدى المسيحيين بفكرة دخول المسيح إلى أرض المعبد من هذا الباب، وهو في الحقيقة مبدأ لابد أن يكون مبنيًا على أساس ديني يهودي، لكون فكرة المسيح في الديانة اليهودية هي الأساس الذي اعتمدته الديانة المسيحية في فكرة المسيح عيسى نفسه؛ ولأن الخلاف الأكبر بين الطرفين يرجع إلى رفض اليهود الاعتراف بأن عيسى هو المسيح المنتظر، ومن هناك يتبين أن الأصل في الفهم المسيحي لفكرة منطقة المسجد الأقصى المبارك لا يختلف عن الفهم اليهودي للمنطقة إلا في نقطة واحدة، هي اعتقاد المسيحيين أن موضوع المسيح قد تمّ، وأنه قد ظهر بالفعل، ومن هنا فإن ظهوره القادم سيكون للمرة الثانية لا الأولى. وهو ما أكّده الفرنجة في طريقة تعاملهم مع هذا الباب، حيث كان يُغلَق في زمانهم ويُفتَح مرةً واحدةً في العام في العيد المرتبط بفكرة دخول المسيح إلى القدس للمرة الأخيرة، ومن هنا فإن مصدرهم الديني لهذا الفهم كان النص الديني اليهودي.

نخلص من ذلك أن فكرة المسيح المخلّص على مركزيتها في الديانة اليهودية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالمنطقة الشرقية في المسجد الأقصى المبارك وبباب الرحمة تحديدًا، وهذا يعني أن هذه المنطقة تختلف في النظرة اليهودية لها عن بقية المناطق في المسجد، ولعله لا تجاريها في الأهمية إلا منطقة الصخرة المشرفة التي تُعَدّ عند اليهود ذروة المواقع المقدسة في تصورهم للمعبد. بل لعل الرحالة اليهودي بنيامين التطيلي كان يشير في الحقيقة إلى المنطقة الشرقية والسور الشرقي -لا السور الغربي للأقصى- في وصفه لصلاة اليهود في العهد الصليبي الوسيط، حيث يُذكَر أن الحائط الغربي يقع عند باب الرحمة،[12] وهذا غير دقيق، لأن باب الرحمة يقع في الحائط الشرقي لا الغربي، ويبدو أن بنيامين التطيلي خلط الجهات مع تركيزه على باب الرحمة، وبخاصة أنه وصف المكان مباشرة مع وصفه لباب الأسباط الذي يقع شرقي البلدة القديمة بالقدس. وهذا قد يشير في الحقيقة إلى أن اليهود كانوا يهتمون منذ زمن طويل بالجهة الشرقية للمسجد، كما اهتموا لاحقًا بالحائط الغربي للمسجد، وقد أورد Loewenberg ما يبين أن اليهود كانوا يصلون عند الحائط الشرقي للأقصى في القرن الرابع عشر الميلادي؛ أي في العهد المملوكي.[13] وقد أصدر السلطان العثماني سليمان القانوني فرمانًا سمح فيه لليهود بالتعبد عند الحائط الغربي للأقصى.[14]

 

الأموات ومقبرة باب الرحمة

الواقع أن هناك مسألة يمكن أن تفسر انتقال اليهود للصلاة في الناحية الغربية بدلًا من الناحية الشرقية من المسجد الأقصى، وذلك بسبب وجود مقبرة باب الرحمة خارج السور الشرقي للمسجد، حيث يعتقد اليهود أن جسد الميت يصبح نجسًًا كما ورد في سفر العدد 19: 11-14، ولذلك فإنهم يعدّون أن المرور من المقابر باتجاه المنطقة المقدسة لا يجوز، وعليه فإنه يُفترَض الوصول من الناحية الشرقية إلى منطقة المعبد (التي يقصدون بها المسجد الأقصى) ينبغي أن يكون عبر جسر.[15] وفي الحقيقة هذا ما يمكن أن يفسر الحراك الإسرائيلي نحو محاولة السيطرة على مقبرة باب الرحمة والقضاء عليها.

ومقبرة باب الرحمة تُعَدّ من أقدم المقابر الإسلامية في القدس، حيث تشتهر شعبيًّا بوجود قبرين يُنسَبان لاثنين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، هما: عبادة بن الصامت وشداد بن أوس رضي الله عنهما. ولا تزال هذه المقبرة مستعملة في القدس إلى اليوم، إضافةً إلى المقبرة اليوسفية المقابلة لها من الناحية الشمالية، ومقبرة الساهرة شمال المدينة، والمقابر الأخرى المحلية في الأحياء المختلفة.

ومن هنا فالتصور اليهودي لأهمية المنطقة الشرقية يستدعي في الحقيقة إزالة مقبرة باب الرحمة؛ لأن فكرة قدوم المسيح وبناء المعبد كلها بشكل عام قائمة على فلسفة الطهارة، وعليه فإن مقبرة باب الرحمة تُعَدّ عائقًا دينيًّا أمام تطبيق فلسفة المسيح المخلص ودخوله البيت المقدَّس من الباب المخصص له في الناحية الشرقية، وهذه المعاني مجتمعة لابد من إدراكها لدى دراسة طبيعة التحرك الذي تقوم به جماعات المعبد المتطرفة والحكومات الإسرائيلية اليمينية في المنطقة الشرقية للمسجد الأقصى المبارك.

 

الصراع على المسجد الأقصى في العصر الحديث

مع دخول القوات البريطانية بقيادة الجنرال إدموند ألنبي القدس وسيطرتها على المدينة وأماكنها المقدسة وعلى رأسها المسجد الأقصى المبارك في نهاية عام 1917م، دخلت المنطقة أول مرة تحت الاحتلال الأجنبي منذ نهاية الاحتلال الفرنجي في القرن الثاني عشر الميلادي. ويمكن القول إن المنطقة دخلت في مرحلة طويلة من عدم الاستقرار منذ ذلك الوقت، حيث شهدت فلسطين في فترة الانتداب البريطاني عدة ثورات مهمة، ويُلاحَظ عند دراستها أن المحرك الأساسي ونقطة الانطلاق لكثير من هذه الثورات كانا المسجد الأقصى المبارك. حيث انطلقت أول ثورة فلسطينية ضد البريطانيين من قرب المسجد الأقصى المبارك، وهي انتفاضة موسم النبي موسى التي اندلعت في الفترة ما بين 4-10/4/1920م[16]، تبعها تأسيس المجلس الإسلامي الأعلى عام 1922م، وبعد عدة سنوات انطلقت انتفاضة البراق التي امتدت ما بين 15-30/8/1929م[17]، والتي انطلقت من قلب المسجد الأقصى المبارك بعد محاولة اليهود السيطرة بالكامل على حائط البراق الذي يُعَدّ جزءًا من المسجد الأقصى، وسقط فيها عشرات القتلى. هذه الثورات الأولى -ولا سيما ثورة البراق- كانت في الحقيقة تؤكد أن المسجد الأقصى المبارك كان على الدوام المحرك الأول والأساسي للتحركات الإسلامية في المنطقة ضد الاحتلال. وهو ما يمكن أن نقول فيه: إنه خلق نوعًا من الحاجز النفسي أو الردع الذاتي لدى بريطانيا وحليفتها الحركة الصهيونية، مفاده أن الاقتراب من المسجد الأقصى المبارك أمر محفوف بالمخاطر والمتاعب للمشروع الصهيوني، وأن هذا المسجد يمكن أن يكون شرارة لأحداث لا يمكن للحركة الصهيونية التعامل معها.

ومنذ الاحتلال الإسرائيلي لشرق مدينة القدس وضمنه المسجد الأقصى المبارك بتاريخ 7/6/1967م، حاولت سلطات الاحتلال التعامل مع حساسية الموقف في المسجد الأقصى المبارك، فكانت أول تجربة لها مع الموقف تتمثل في مصادرة مفاتيح بوابات المسجد الأقصى المبارك وإغلاقه لعدة أيام، وأرسلت في ذلك الوقت إلى دائرة الأوقاف الإسلامية تعلمها بأن عليها الرجوع إلى وزارة الأديان الإسرائيلية التي أصبحت تتبع لها، إلا أن علماء مدينة القدس اجتمعوا وردوا على هذا الطلب الإسرائيلي بتأسيس الهيئة الإسلامية العليا في شهر يوليو 1967م، وهو ما هدد بتصعيد الأحداث، وحدا بسلطات الاحتلال إلى تسليم مفاتيح المسجد الأقصى لدائرة الأوقاف الإسلامية -باستثناء باب المغاربة- والاعتماد على صيغة الوضع القائم status quo المعتبرة دوليًّا في هذه الحالات، خصوصًا أن دول العالم لم تعترف باحتلال "إسرائيل" للقسم الشرقي من القدس، وهذا عنى بالضرورة إعادة المسجد الأقصى المبارك إلى سلطة دائرة الأوقاف الإسلامية التابعة لوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية في الأردن.[18] وهذا التصرف كان يعكس تخوف دولة الاحتلال من ردة الفعل الداخلية والخارجية على احتلال المسجد الأقصى المبارك، والقلق من إمكانية تحول ردة الفعل العكسية في الشارع العربي والإسلامي إلى ما يمكن أن يهدد السيطرة الإسرائيلية على المنطقة.

يمكن عَدّ الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987م أحد أهم معالم الثورات الشعبية الفلسطينية في فلسطين ضد الاحتلال الإسرائيلي، وفي ذلك الوقت كان المسجد الأقصى المبارك حاضرًا بقوة، فمجزرة الأقصى الأولى التي حدثت في عام 1990 كان لها صدى عنيف في الشارع الفلسطيني انعكس على طبيعة أعمال المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي، كما أن ما عرف بأحداث هبَّة النفق عام 1996 مثَّل عاصفةً قويةً في وجه الاحتلال الإسرائيلي، وكان المسجد الأقصى المبارك مركزيًًّا فيها، ولكن يمكن القول: إنه منذ عام 2000 بدأ المسجد الأقصى المبارك يأخذ المكانة الأكثر مركزية في الصراع على مدينة القدس، فالمسجد كان منطلق الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي سُمِّيت (انتفاضة الأقصى)، واللافت أنها انطلقت -من الناحية الواقعية- من المنطقة الشرقية للأقصى، حيث كانت الحجة المعلنة لاقتحام رئيس المعارضة الإسرائيلية آنذاك أرئيل شارون المسجد الأقصى هي أعمال الترميم وفتح بوابات المصلى المرواني التي أجراها المسلمون في ذلك العام في المنطقة الشرقية من المسجد الأقصى. وتحولت الأحداث منذ ذلك الوقت في القدس لتتركز نسبيًّا حول المسجد الأقصى، وتنطلق في عام 2015 انتفاضة السكاكين من القدس مرة أخرى، وتتوّج بهبَّة باب الأسباط عام 2017، لتصل إلى أحداث هبَّة باب الرحمة في شهر فبراير 2019، وأحداث اقتحام 28 رمضان عام 2021.

 

التقسيم ونقل الصراع إلى المنطقة الشرقية في الأقصى

يصعب تحديد الفترة الزمنية التي تبلورت فيها فكرة تقسيم المسجد الأقصى المبارك بين المسلمين واليهود، حيث إن ادعاء أن فكرة تقسيم المسجد لم تكن موجودة عند الاحتلال عام 1967 قد تخالف الوقائع التي جرت في ذلك الوقت في المسجد الإبراهيمي في الخليل، الذي يمكن القول: إن محاولات فرض سلطات الاحتلال نفسها شريكةً في إدارته سعيًا لتقسيمه والسيطرة عليه لاحقًا بدأت مع بدء الاحتلال عام 1967م.

لكن ما يخالف هذه النظرة فيما يتعلق بالمسجد الأقصى المبارك ينبع من فكرة أساسية مخالفة للوضع في الخليل، وهي وجود فتوى رسمية من الحاخامية الرسمية لدولة الاحتلال بمنع دخول اليهود إلى منطقة "المعبد" المقدسة بناء على تصور حرمة ذلك حتى قدوم المسيح المخلص وإعطاء الإشارة الإلهية لليهود بإمكانية "العودة" إلى هذه المنطقة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه الفتوى لا يزال العمل بها قائمًا من الناحية الرسمية -وإن كان الواقع حاليًّا يخالف هذه الفكرة مع اقتحامات الجماعات المتدينة للمسجد- حيث لا تزال لوحتان واضحتان معلقتين أمام باب المغاربة من الخارج، وأمام باب السلسلة من الخارج كذلك، تنصان على الآتي: "إعلان وتحذير: بحسب التوراة، يُحرَم على أيّ شخص أن يدخل منطقة جبل المعبد؛ نظرًا لقدسيتها. حاخامية إسرائيل الكبرى".

هذا الإعلان باعتباره يمثل التوجه الرسمي لحاخامية الدولة كان يمثل فعليًّا حاجزًا أساسيًّا أمام تحقيق تطلعات اليهود بتحويل المسجد إلى معبد أو تغيير الوضع القائم فيه بأي شكل. وعلى ذلك يمكن فهم سبب عدم وجود ما يدل على رغبة اليهود عمومًًا باقتحام المسجد في فترة الاحتلال الأولى، وكذلك تساهل الاحتلال في إعادة المفاتيح لدائرة الأوقاف الإسلامية، باستثناء باب المغاربة؛ لقربه من منطقة حائط البراق الذي خطط لها الاحتلال أن تتحول إلى ساحة كبيرة للصلاة. وهو ما يختلف تمامًا عن الوضع في المسجد الإبراهيمي في الخليل، الذي لا يحمل هذه الصورة الدينية لدى اليهود، ومن هنا بدأت محاولات التدخل فيه والسيطرة عليه منذ الاحتلال. ومن الملاحظ أنه حتى الاعتداءات التي جرت ضد المسجد الأقصى المبارك في تلك الفترة الأولى من الاحتلال كانت في العادة تجري بيد متطرفين غير يهود -مثل حالة إحراق المسجد الأقصى عام 1969 على يد دينيس مايكل روهان المسيحي الأسترالي- أو تجري على يد متطرفين جاؤوا بأفكار من الخارج، مثل حالة اعتداء ألان غودمان الجندي الإسرائيلي الأمريكي على قبة الصخرة عام 1982. وترجع هذه الشخصيات بأفكارها في العادة إلى بعض الأفكار شديدة التطرف التي ظهرت مع الاحتلال الإسرائيلي للمسجد الأقصى المبارك، مثل حالة المتطرف (غرشون سلمون) الذي رفض تسليم المسجد الأقصى المبارك لسلطات الأوقاف الإسلامية عام 1967 وأنشأ في ذلك الوقت جماعة "أمناء جبل المعبد" التي جعلت فكرتها الأساسية تقوم على مبدأ ضرورة إزالة المعالم الإسلامية من داخل المسجد، والبدء ببناء المعبد الثالث.[19] إلا أن نشاط هذه الجماعة في القدس لم يكن في البداية يتجاوز المطالبات للحكومة الإسرائيلية بسحب الوصاية الأردنية الإسلامية عن المسجد الأقصى وإزالة المباني الإسلامية وإقامة المعبد، وكان اتجاهها القومي عمومًا أحد أسباب انفصال مجموعة أخرى أكثر قربًا من التصور الديني الحريدي وأُسِّست جماعة أخرى سُمِّيت (حركة إنشاء المعبد) في الثمانينيات[20]. وتطور فكر هذه الجماعة حتى حصل التحوّل الأهمّ في مسيرتها والجماعات المشابهة في عام 1990، عندما قررت هذه الجماعة التقدم خطوةً في طريق السيطرة على المسجد الأقصى بإعلان استعدادها لوضع حجر الأساس للمعبد الثالث في أرض المسجد الأقصى المبارك يوم 8/10/1990م، وهو ما أدى إلى اضطرابات شديدة بين المقدسيين والشرطة الإسرائيلية التي ارتكبت في ذلك اليوم ما عُرِف بمذبحةً المسجد الأقصى التي راح ضحيتها 21 فلسطينيًًّا.[21]

ومع انطلاق مفاوضات السلام التي أدت إلى توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993م، انتقلت مسألة الأماكن المقدسة في القدس لتطفو على جدول المباحثات والمفاوضات بين الطرفين: الفلسطيني والإسرائيلي، وبالمقابل تصاعدت مطالبات الجماعات الصهيونية المتطرفة بتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك، ويبدو أن فكرة التقسيم أو الدخول في مسألة إدارة المسجد الأقصى بالمشاركة قد تبلورت بوضوح لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلية في تلك الفترة، وبخاصة بعد نجاح تجربة تقسيم المسجد الإبراهيمي في الخليل زمانيًّا، ومن ثم تقسيمه مكانيًّا بين المسلمين واليهود عقب مذبحة المسجد الإبراهيمي التي قام بها المتطرف باروخ غولدشتاين عام 1994، وكانت نتيجتها المباشرة تقسيم المسجد الإبراهيمي بين المسلمين واليهود بشكل نهائي.[22] ويبدو من الواضح أن سلطات الاحتلال بدأت تفكر بالحل في المسجد الأقصى المبارك على غرار المسجد الإبراهيمي.

على أن أحد أهم التطورات التي أسهمت في تفكير سلطات الاحتلال بنزع الحصرية الإسلامية عن المسجد والسيطرة عليه كان دخول جماعات المعبد المتطرفة على خط اقتحام المسجد الأقصى المبارك بهدف تثبيت أمر واقع جديد، وكان ذلك بفتوى مخالفة تمامًًا لفتوى الحاخامية الكبرى لدولة الاحتلال من بعض الحاخامات، ففي عام 1996، أصدرت لجنة حاخامات Yesha، وهي مجموعة من الحاخامات الذين يمثلون بعض مستوطنات الضفة الغربية وقطاع غزة- فتوى تفيد أنه يُسمَح لليهود بدخول المسجد الأقصى، بل ويُشجَّعون على ذلك.[23] وبرز من مجموعات الحاخامات التي اتبعت هذه الرؤية لاحقًا الحاخام (يهودا غليك)، وبالرغم من أن سنوات التسعينيات شهدت محاولات فردية لاقتحام المسجد الأقصى -بزعم السياحة- إلا أن الفترة التي أعقبت اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 شهدت تطورًا ملحوظًا في هذا الشأن، فقد بدأت جماعات يهودية متطرفة بأداء اقتحامات جماعية ذات طابع ديني مع إصدار المحكمة الإسرائيلية العليا قرارًًا في 23/6/2003م ينص على أحقية اليهود بزيارة "جبل المعبد" والصلاة فيه، لتبدأ منذ ذلك الوقت تلك الاقتحامات تأخذ الطابع اليومي،[24] وهو ما غذّى فكرة التقسيم. وكان عام 2006 قد شهد زخمًا لحركة الاقتحامات الصهيونية المتطرفة لمنطقة المسجد الأقصى المبارك، حيث كانت المحكمة الإسرائيلية قد قررت في أكتوبر 2005 السماح لليهود بأداء طقوس جماعية في المسجد في الأوقات التي يكون فيها عدد المسلمين قليلًًا.[25]

ويمكن القول هنا: إن الاحتلال كانت لديه عدة مساحات وأفكار يدور حولها فيما يتعلق بالدخول إلى المسجد الأقصى المبارك؛ هي: تحت الأرض، المنطقة الغربية، المنطقة الشرقية.

فأمّا ما يتعلق بأفق حل القضية جزئيًّا باقتطاع ما تحت الأرض لليهود وإبقاء ما فوق الأرض للمسلمين، فلم يرد في الحقيقة في أيّ وثيقة رسمية إسرائيلية، وإنما تسربت أنباء تفيد بوجود هذا المقترح مع تسريب أنباء ما عرف بوثيقة (بيلين- أبو مازن) عام 1995،[26] التي لم يجر إعلانها؛ بسبب اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين. إلا أن ما تسرب من هذه الوثيقة لا يشير بوضوح إلى قضية المسجد الأقصى المبارك، وبالرغم من ذلك، فإن الشائعات في القدس انتشرت في تلك الفترة شعبيًّا على اعتبار أن مقترح الاحتلال لحل قضية الأقصى كان يقوم على فكرة تقسيم المسجد الأقصى عموديًّا، فيكون ما تحت الأرض لليهود وما فوق الأرض للمسلمين، وهو ما أدى بالمقدسيين إلى استباقه بافتتاح المصلى المرواني الذي يقع تحت أرضية المسجد الأقصى وكان فارغًا- للصلاة في عملية ترميم سريعة جرت عام 1996م برعاية دائرة الأوقاف الإسلامية وبالتعاون مع الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948.[27]

وسواء شكل هذا الأمر توجهًا رسميًّا لدى دولة الاحتلال أم مجرد مقترحات من بعض الأطراف الإسرائيلية في ذلك الوقت، فإن عملية فتح المصلى المرواني عام 1996 أحبطت أي توجّه إسرائيلي بهذا الاتجاه تمامًا، وجاءت عملية افتتاح مصلى (الأقصى القديم) الذي يقع تحت الجامع القبلي عام 1998 لتقضي تمامًا على أيّ فكرة يمكن أن تسهم في هذا التوجه لاحقًا.

ويبدو أن اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000 أدى إلى إنهاء أي تفكير في هذا الاتجاه، فقد كانت منطقة البوابات الشرقية الجديدة للمصلى المرواني أحد أهم محطات زيارة أرئيل شارون عند اقتحامه المسجد الأقصى المبارك في 28/9/2000، وهو ما عزز لدى المسلمين الشكوك بأن توجهات دولة الاحتلال كانت تتمحور حول هذه البقعة، وبخاصة مع تأهيل وافتتاح أدراج -عدّتها سلطات الاحتلال آثارًا يهودية قديمة- في منطقة القصور الأموية خارج المسجد الأقصى- تؤدي إلى الباب الثلاثي المغلق الذي كان يؤدي إلى داخل المصلّى المرواني مباشرة.[28]

وفيما يتعلق بالمنطقة الجنوبية الغربية في المسجد الأقصى، فإن التوجه الإسرائيلي إلى هذه المنطقة بدا ظاهرًا توجهًا شبه رسمي من خلال عدة عمليات لتفريغ المنطقة من المقدسيين في أعقاب انطلاق انتفاضة الأقصى عام 2000، حيث كانت هذه المنطقة على الدوام تُعَدّ منطقةً أمنيةً خطرةً في نظر الاحتلال، نظرًا لإمكانية إلقاء الحجارة من داخل المسجد الأقصى على منطقة حائط البراق مباشرة، وهو ما جعل سلطات الاحتلال في تلك الفترة تكثف وجودها في هذه المنطقة، وتحاول منع الوجود الإسلامي فيها بقدر الإمكان.

وقد عزز هذا التوجه حادثة انهيار تلّة باب المغاربة في 15/2/2004م[29]، حيث منعت سلطات الاحتلال ترميم التلة، وأقامت بدلًا منها جسرًا خشبيًّا مؤقتًا، وبدأت محاولات بناء جسر معدني كبير يمكن للعربات العسكرية المرور من فوقه، وهذا أدّى إلى احتجاج الأردن وتركيا لدى منظمة اليونسكو وإيقاف المشروع عام 2007. وجاء أداء قوات الاحتلال مناورةً حيةً بتاريخ 11/6/2009 تتويجًا لهذا التوجه، حيث نفذت قوات الاحتلال مناورة لإغلاق الساحات في تلك المنطقة في وجود المسلمين، وتفذت مناورة أخرى بتاريخ 18/8/2009 شملت التدريب على تسلق واقتحام الأسوار الجنوبية والغربية للمسجد الأقصى المبارك من الخارج.[30]  وهو ما تحدثت عنه بإسهاب في تلك الفترة تقارير مؤسسة القدس الدولية في لبنان.

على أنه تبين لاحقًا أن سلطات الاحتلال إما أنها جعلت هذا التوجه خيارًا ثانويًّا، وإمّا أنها رأت استحالة تطبيقه مع تصاعد فكرة الرباط في المنطقة الجنوبية الغربية للمسجد الأقصى، ردًا على التقارير التي كانت تتحدث عن نية الاحتلال السيطرة على تلك الناحية. وكانت فكرة الرباط وحلقات "مصاطب العلم" في المسجد الأقصى ضمن ما عرف بمشروع "مسيرة البيارق" الذي نفذته الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948- إحدى العقبات الأساسية في طريق تنفيذ سلطات الاحتلال هذا التوجه[31]، حيث إنه قد ثبت أن المنطقة الغربية مطروقةٌ ولا يمكن تفريغها بسهولة باعتبارها الأكثر التصاقًا بالأحياء المقدسية الإسلامية التي تمتد على طول السور الغربي للمسجد الأقصى المبارك من باب السلسلة جنوبًا حتى باب الغوانمة شمالًا، وبذلك يمكن القول: إن هذا التوجه قد جرى طيّه لاحقًا -وإن بشكل غير نهائي- مع تبين صعوبة تطبيقه من دون تكلفة بشرية عالية من جراء الاضطرابات التي يمكن أن تنشأ في هذه المنطقة في حال تطبيق هذا التوجه.

وهنا يبرز الخيار الثالث الذي لجأت له دولة الاحتلال، وهو المنطقة الشرقية في المسجد الأقصى ومحيط باب الرحمة، حيث إن للانتقال إلى هذه المنطقة أسبابًا يمكن فهمها من عدة زوايا: إحداها فراغ هذه المنطقة الشرقية عمومًا من البناء والعمران الإنساني بعكس المنطقة الغربية في المسجد، وبُعْدُ السور الشرقي عن المحيط الإسلامي السكني باعتباره يفصل بين المسجد الأقصى ووادي قدرون الذي لا يشكل حيًّا سكنيًّا، وذلك بعكس المنطقة الشمالية والمنطقة الغربية للمسجد، وأخيرًا فراغ المنطقة الشرقية عمومًا من الوجود البشري الإسلامي باعتبارها منطقة مزروعة بأشجار الزيتون وغير مطروقة بشكل كبير، وهذا يجعلها موقعًا مثاليًّا لأي توجّه لاقتطاعها لمصالح الاحتلال، إضافة بالتأكيد إلى أهمية باب الرحمة من الناحية الدينية لليهود كما سبق تبيانه.

وقد يستغرب البعض من أن هذه المنطقة بمؤهلاتها شبه المثالية لم تشكل لدى الاحتلال خيارًا وحيدًا منذ البداية، ولفهم ذلك ينبغي الإشارة إلى عدة معطيات مهمة في هذا السياق، فالمنطقة الشرقية للأقصى بالرغم من أنها بعيدة عن البناء الإنساني داخلها والمحيط المقدسي خارجها إلا أنها كذلك بعيدة نسبيًّا عن المحيط اليهودي الذي يتركز في الزاوية الجنوبية الغربية للمسجد الأقصى المبارك، كما أن إشغال لجنة التراث الإسلامي لباب الرحمة كان يُعَدّ مانعًا لأي تحرك إسرائيلي جدّي في هذا الاتجاه، إضافةً إلى وجود مقبرة باب الرحمة خارج الباب، والتي ستشكل عائقًا دينيًّا أمام اليهود؛ نظرًا لنجاسة الأموات بحسب العقيدة اليهودية الدينية كما ذكرنا سابقًا.

ولعل وجود لجنة التراث الإسلامي في مبنى باب الرحمة كان يُعَدّ واحدًا من أهم عوامل الصعوبة في اختيار تلك المنطقة وتأهيلها، فهذه اللجنة أُسِّست عام 1992، وخصصت لها دائرة الأوقاف الإسلامية مبنى باب الرحمة لممارسة نشاطاتها، وتَعُدّ سلطات الاحتلال أن هذه اللجنة كانت واجهةً لعمل الحركة الإسلامية في القدس، إلا أنه لا دليل على هذه الادّعاءات.

وكانت لجنة التراث الإسلامي تشرف في الواقع على عدد مهمّ من المشروعات داخل المسجد الأقصى المبارك، فكانت من الجهات الرئيسة التي عملت في مشروع افتتاح المصلى المرواني عام 1996، ونفّذت عملية افتتاح وفرش مصلى (الأقصى القديم) عام 1998، وكذلك كانت إحدى الجهات الرئيسة التي تبنت موضوع افتتاح بوابات المصلى المرواني الجديدة، وكانت المسؤولة عن ترتيب عملية فرش الجامع القبلي بالسجاد على نفقة أمير الشارقة عام 2000 قُبَيل اندلاع انتفاضة الأقصى. وكانت الجهة المسؤولة عن إطلاق موقع إلكتروني باسم (الأقصى أونلاين) تبث منه أخبار المسجد الأقصى المبارك بالتعاون مع عدد من المؤسسات الإعلامية، وكانت لها مشروعات أخرى داخل المسجد الأقصى المبارك، كمشروعات السقاية، وإفطارات رمضان، والإرشاد الأثري، إضافةً إلى درس الخميس الأسبوعي للنساء في باب الرحمة.[32] وبالمحصّلة كانت هذه اللجنة تُعَدّ إحدى الجهات التي شكلت حاجزًا بين الاحتلال وتفريغ المنطقة الشرقية في الأقصى من الوجود الإسلامي، وظهرت تجليات ذلك بوضوح خلال انتفاضة الأقصى، وهذا استدعى قيام سلطات الاحتلال بحلّ اللجنة رسميًّا وإخراجها عن القانون، وإغلاق باب الرحمة بداية عام 2003، وقدّرت بعض وسائل الإعلام في ذلك الوقت أن الإغلاق كان بهدف تحويل المكان لاحقًًا إلى كنيس.[33]

ويمكن القول: إن توجه الاحتلال ناحية تفريغ المنطقة الشرقية من الوجود الإسلامي اتخذ في تلك الفترة طابع اعتمادها توجهًا ثانيًا في حال إخفاق التوجه الأولي في المنطقة الجنوبية الغربية، فبالتزامن مع بدء تكثيف الاقتحامات الصهيونية الجماعية منذ عام 2006، بدأت سلطات الاحتلال عام 2008 عمليات محاولة الاستيلاء على مقبرة باب الرحمة الملاصقة للسور الشرقي للمسجد الأقصى المبارك،[34] وجاءت هذه العمليات تنفيذًا لما سُمِّي بمخطط (كيديم يروشلايم) الذي كشف النقاب عنه عام 2007،[35] وكان ينص على إحاطة المسجد الأقصى المبارك بحزام استيطاني من الحدائق التي تشكل ما سُمِّي في المخطط باسم (الحوض المقدس)، وتربط المنطقة الشرقية من القدس -وتحديدًا مستوطنة رأس العامود- بمنطقة المسجد الأقصى عن طريق تلفريك هوائي. ويظهر لاحقًا أن عمليات الاعتداء الممنهجة على مقبرة باب الرحمة كانت مرسومة بحيث تقلل الوجود الإسلامي فيها وتخرجها من إطار كونها مقبرة بحيث تكون جاهزةً للتفريغ في حال تحويل التوجه الإسرائيلي بالاقتطاع إلى المنطقة الشرقية في الأقصى.

لكن من الصعب اعتبار أن عملية التفريغ التدريجي للمنطقة الشرقية أخذت طابعًا واضحًا في تلك الفترة، حيث لم تشهد المنطقة الشرقية في الأعوام من 2009 – 2015 تحركات واضحةً للاحتلال، ويبدو أن التوجه العام لدى دولة الاحتلال في ذلك الوقت شمل تحويل هذه المنطقة إلى منطقة متجاهلة، من خلال منع إزالة آثار الحفر الذي جرى في بوابات المصلى المرواني منذ عام 2000، وإهمال أيّ أعمال إعمار أو تنظيف في تلك المنطقة، مع الانشغال بمحاولة ترتيب انتزاع المنطقة الجنوبية الغربية من المسجد؛ أي أنه يمكن القول: إن دولة الاحتلال ركزت أعمالها في المسجد الأقصى في تلك الفترة على المنطقة الجنوبية الغربية، مع إبقاء عينها على المنطقة الشرقية على أنّه حلّ ثانٍ، وبدء إزالة العقبات التي يمكن أن تعترضها هناك في حال قررت التوجه نحو المنطقة الشرقية، وعلى رأسها مقبرة باب الرحمة؛ لذلك شهدت الأعوام 2009-2016 محاولات إسرائيلية محمومة لمنع الدفن في مقبرة باب الرحمة، وتفريغها من الوجود الإسلامي بقدر الإمكان بزعم تحويلها إلى حديقة وطنية.

ويمكن النظر هنا إلى أنّ تفجر انتفاضة القدس وعمليات الطعن المتتالية في أكتوبر 2015 مثّلت بالنسبة للاحتلال مرحلةً جديدةً كان لابدّ من التريث عندها عن التحرك في المسجد الأقصى؛ وذلك بالنظر إلى أن تفجر الأحداث تلا مباشرة قرار حظر المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى وعدّ هذا التجمع تنظيمًا محظورًا في سبتمبر 2015،[36] حيث قرر رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك بنيامين نتنياهو "حظر دخول أعضاء الكنيست إلى الأقصى، في قرار صدر على مرحلتين: الأولى تقضي بحظر النواب اليهود نظرًا إلى ما تشكله اقتحاماتهم من تصعيد في الاستفزاز، والأخرى عبر "توضيح" بأنّ الحظر يشمل النواب العرب؛ نظرًا إلى اعتراض بعض أعضاء الكنيست اليهود على القرار بصيغته الأولى ورفضهم "التمييز" ضدّهم".[37] وكانت أحداث انتفاضة القدس مؤشرًا على ازدياد التوتر في كل منطقة المسجد الأقصى المبارك، وهو ما حدا بوزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت، جون كيري، للقدوم إلى المنطقة والوصول إلى ما عُرِف بتفاهمات كيري التي شملت تهدئة الأوضاع، والالتزام بالحفاظ على الوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك، وفي المقابل حرصت الحكومة الإسرايلية على استمرار عمليات تهيئة البنية العامة لتفريغ المسجد من الجهات التي يعدّ وجودها عقبةً في وجه الاحتلال، فأعلنت في الشهر التالي لاندلاع الأحداث؛ أي في نوفمبر 2015 حظر الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948.[38]

لكن انخفاض التوتر في العام التالي 2016 أدى إلى محاولة دولة الاحتلال التقدم في رؤيتها للمسجد، فخرج في يونيو 2016 تصريح للحاخام الرئيس للأشكناز ديفيد لاو أعلن فيه أنه يريد أن يرى "المعبد وقد أُعِيد بناؤه في جبل المعبد في القدس".[39] هذا الموقف خالف فيه الحاخام لاو فتوى الحاخامية الكبرى لدولة الاحتلال التي أكدت منع اليهود من دخول المسجد الأقصى المبارك. وهذا الأمر لقي صداه في منتصف ذلك العام حتى منتصف عام 2017 من خلال ما وصفته مؤسسة القدس الدولية "تثبيت اقتحام المسجد الأقصى باعتباره أمرًا واقعًا، من خلال ثبيت الاقتحامات خلال شهر رمضان، وفي العشر الأواخر من شهر رمضان".[40] وكان من الواضح في هذا العام تركيز الاحتلال الكبير على المنطقة الشرقية ومحيط باب الرحمة، وهو ما تنبّه له الناشطون المقدسيون الذين ظهر جليًّا اهتمامهم بالوجود في محيط باب الرحمة، وفي نفس الوقت بدأت جماعات المعبد المتطرفة تتحرك يوميًّا باتجاه المنطقة الشرقية، ووصل الأمر إلى ذروته بصدور قرار من المحكمة الإسرائيلية بتجديد منع لجنة التراث الإسلامي من العمل مرة أخرى في عام 2017،[41]، وفُهِمَ من هذا القرار تخوف سلطات الاحتلال من تزايد النشاط الإسلامي في المنطقة الشرقية، ومحاولتها استباق أي تطور في المنطقة، بتأكيد منع لجنة التراث الإسلامي من النشاط، باعتبارها كانت رمزًًا للعمل المقدسي في باب الرحمة.

على أن أحداث هبّة باب الأسباط في شهر يوليو 2017 جاءت لتلفت الأنظار بالكامل إلى المنطقة الشرقية من المسجد الأقصى المبارك، وذلك باعتبار أن باب الأسباط -الذي جرت أغلب الأحداث خارجه وعُدّ رمزًا للهبَّة- يقع في الزاوية الشمالية الشرقية من المسجد الأقصى. وهذا جعل تحركات المسلمين في المنطقة لاحقًا مرتبطةً بالمنطقة الشرقية بعد نجاحهم في إزالة البوابات الإلكترونية، ودخول المسجد الأقصى المبارك، وعدّ باب الأسباط رمزًا لانتصار الإرادة الشعبية المقدسية على الاحتلال.

وعليه، فإن العام 2018 شهد تكثيفًا شديدًا ومحمومًا ومتسارعًا لمحاولات السيطرة المتبادلة بين المسلمين واليهود على المنطقة الشرقية في المسجد الأقصى، فشهد شهر رمضان المبارك من ذلك العام حملةً شبابية مقدسية لإعادة إعمار المنطقة الشرقية وتأهيلها من خلال تنظيف المكان وتأهيله ليكون مكانًا مناسبًا للإفطارات الرمضانية والصلاة، وهذا دفع قوات الاحتلال إلى التدخل وتخريب الطاولات الحجرية التي أقامها المقدسيون في المكان،[42] كذلك بدأت سلطات الاحتلال تنفذ عمليات اعتقال لكل من يوجد في المنطقة الشرقية في وقت دخول المتطرفين اليهود إليه، وذلك في محاولةٍ واضحةٍ لتكريس التقسيم الزماني للأوقات بين المسلمين واليهود صباحًا وبعد الظهر، والتقسيم المكاني باعتبار المنطقة الشرقية منطقةً خارجةً عن السيطرة الإسلامية.

وكانت ذروة هذا التوجه الإسرائيلي متمثلًا بأحداث هبّة باب الرحمة التي بدأت بتاريخ 17/2/2019، حين أغلقت قوات الاحتلال البوابة الخارجية لباب الرحمة بسلسلة وقفل، ردًّا على دخول أعضاء مجلس الأوقاف الإسلامية الباب بعد انتهاء اجتماعهم بتاريخ 14/2/2019 لمعاينة الباب وما يحتاجه من ترميمات، ومن ثم إقامتهم صلاة الظهر في مبنى الباب بعد أن رُفِع الأذان في أثناء وجودهم في المبنى.[43] فكان رد المقدسيين خلع البوابة والقفل وإعلان مطالبتهم بفتح الباب للصلاة باعتباره أحد مصليات المسجد الأقصى المبارك منذ ما بعد الحروب الصليبية. وبعد توافد المقدسيين بأعداد كبيرة على امتداد الأيام اللاحقة، تُوِّج التحرك الشعبي بفتح الباب للصلاة يوم الجمعة 22/2/2019،[44] ولم تفلح محاولات الاحتلال الإسرائيلي إغلاق الباب واعتقال حراس المسجد الأقصى بتهمة فتح المبنى في منع المسلمين من الاستمرار في التوافد للمكان وأداء الصلوات فيه، حتى صدرت تصريحات رسمية أردنية حول افتتاح المكان للصلاة بشكل رسمي.[45]

 

سيناريوهات الصراع على المنطقة الشرقية

إن المراقب لأحداث هبّة باب الرحمة لا يمكنه أن يخطئ ملاحظة السلوك الإسرائيلي الذي اتّسم في تلك الفترة بالتراجع ومحاولة تجنب الصدام، والمترافق في نفس الوقت مع محاولة الاحتلال الحفاظ على هيبة شرطته في المنطقة. فعلى سبيل المثال، حاولت قوات الاحتلال في البداية منع التجمع في المنطقة، ولكن لم يكن ذلك بالعنف نفسه الذي كان متوقعًا منها، وبالرغم من أن سلطات الاحتلال استعملت العنف ضد المقدسيين في بداية أحداث الهبّة، واعتقلت عددًا من المقدسيين في أثناء امتداد المواجهات إلى ساحة قبة الصخرة- لكنها تراجعت مع تكاثر أعداد المقدسيين المحيطين بباب الرحمة، كما أنها لم تتقدم على الأرض بخطوةٍ ما عندما أقدم المقدسيون على فتح قاعة باب الرحمة وأداء الصلاة فيه يوم الجمعة 22/2/2019، ثم حرصت على عدم إدخال عناصر كثيفة من الشرطة للمكان خوفًا من حدوث مواجهات في المنطقة، واكتفت بتصوير المقدسيين عند الباب، واعتقال حراس المسجد الأقصى الذين يقومون بفتح بوابات المصلى للناس في أثناء خروجهم من المسجد الأقصى، ولاحقًا بدأت عمليات الاعتقال تجري من أمام الباب من دون مواجهات تُذكَر.

ولفهم هذا السلوك، لابدّ من الإشارة إلى أن أحداث هبّة باب الرحمة بدأت خلال فترة الانتخابات الإسرائيلية، مما جعل الحكومة الإسرائيلية في موقف لا تُحسَد عليه، فمن ناحية: كان أي تراجع واضح ورضوخ أمام المقدسيين سيجعل رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو يخسر جزءًا من قاعدته الانتخابية، وهي جماعات المعبد المتطرفة التي يحسب بعض أعضاء حكومته -مثل وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان- على طرف المؤيدين لها، بل وتحتوي كتلته الانتخابية في حزب الليكود على بعض كبار أعضاء هذه الجماعات، مثل الحاخام يهودا غليك. وفي الوقت نفسه يبدو أن شبح أحداث هبة باب الأسباط كان يخيم على الحكومة الإسرائيلية، حيث أثبتت أحداث هبّة باب الأسباط عام 2017 أن الوقوف في وجه المقدسيين قد يكون له ثمن مرتفع جدًّا وقد يؤدي -إن تصاعد- إلى انتفاضة ثالثة، ومن هنا فإن أي تحرك في هذا الاتجاه كان سيُحكَم عليه بالإخفاق والتراجع إن أرادت الحكومة الإسرائيلية تجنب مواجهة مباشرة مع كل الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية، أو مواجهة عواقب انتفاضة ثالثة قد تقلب الأوضاع في الضفة الغربية بما قد يؤدي إلى سقوط السلطة الفلسطينية وإعادة الإدارة المدنية في المناطق المحتلة إلى سلطات الاحتلال، وهو ثمن لا تستطيع دولة الاحتلال دفعه.

كان من الواضح أن الخيار الذي اتخذته الحكومة الإسرائيلية في أحداث هبة باب الرحمة هو التراجع التكتيكي في محاولةٍ لعدم تأجيج الموضوع إلى حد تناوله دوليًّا بما يحرج دولة الاحتلال، حيث كان من الواضح أن التراجع الإسرائيلي في النهاية سيكون سيد الموقف، وهو ما قد يلحق أذى سياسيًّا كبيرًا بحزب الليكود ورئيسه بنيامين نتنياهو في الانتخابات، وبخاصةً أن الأردن وجد في هذه المواجهة متنفسًا يمكنه من خلاله تأكيد موقفه الرافض للمساس بالوصاية الأردنية على الأماكن المقدسة في القدس، وهو ما تشي به الأنباء المتوالية فيما يُسمّى "صفقة القرن". وبالرغم من حرص الملك عبد الله الثاني بن الحسين على عدم التصريح شخصيًّا بالموضوع، إلا أن مواقف رسمية صدرت في عدة بيانات صدرت باسم باسم وزير الأوقاف الأردني، وكانت ممهورةً بتوقيعه الشخصي خلال أحداث الهبة،[46] ولم تكن مجرد تصريحات صحفية أرسلت للإعلام مثلًا، وهذا كان يعطي إشارةً واضحةً بأن الحكومة الأردنية رأت في هذه الأحداث مجالًا لإظهار موقفها بوضوح، وهو ما زاد الضغط على دولة الاحتلال التي تعدّ أن اتفاقية السلام مع الأردن واحدةٌ من أهم الإنجازات التي يجب على الدولة الحفاظ عليها، وبخاصة أن الأردن يتربع على أطول خط حدود مع دولة الاحتلال.

في المقابل، حاول الاحتلال الالتفاف على الحراك المقدسي في باب الرحمة من خلال عدة إجراءات تبين رفضه لفتح المكان للصلاة، ومن ذلك تعمد شرطة الاحتلال دخول المكان بالأحذية في إشارة لتعاملها معه على أنه ليس مصلى،[47] وعقاب كل من يفتح الباب يوميًّا بالإبعاد عن المسجد كما ذكرنا سابقًا، وهو الأمر الذي حدا بالمقدسيين إلى ابتداع أساليب متنوعة للحفاظ على فتح المكان، كفتح الباب من قِبَل الأطفال، وتوزيع نسخ من مفاتيح الباب على الناس لفتحه من قبل أي شخص من المقدسيين؛ بدلًا من حصر الأمر بيد حراس المسجد الأقصى المبارك.

لكن الأمر الذي ينبغي الإشارة إليه في هذا المجال هو أن مبنى باب الرحمة فُتِح باعتباره مصلى، وأصبح أمرًا واقعًا، ومن المستبعد أن يتمكّن الاحتلال من تغيير الحالة الحاضرة مستقبلًا بعد مرور وقت وتكريس الوضع الحالي لمصلى باب الرحمة باعتباره مصلى. خصوصًا أن أحداث المسجد الأقصى المبارك في شهر مايو 2021 المعروفة باسم "اقتحام 28 رمضان"، وما تلاها من قصفٍ من المقاومة الفلسطينية في غزة للقدس بالصواريخ، والدخول في حرب مدة تسعة أيام- بنى أمام إسرائيل رادعًا إضافيًّا عن التقدم في قضية المنطقة الشرقية بالذات. وبخاصة أن هذا الأمر أدى إلى خسارة نتنياهو للانتخابات وسقوط حكومته بالكامل لمصلحة خصمه السياسي نفتالي بينيت.[48] إضافةً إلى أن الانتخابات الإسرائيلية أظهرت تراجعًا ملموسًا لقيادات جماعات المعبد المتطرفة، وذلك بإخفاق أكبر رموزها في الوصول إلى الكنيست -مثل يهودا غليك وأورون حزان وموشيه فيغلين وغيرهم- وتراجع أعداد أعضاء الكنيست المحسوبين على هذه الجماعات. وهو ما ينبئ بإخفاق مشروع السيطرة على المنطقة الشرقية في المسجد الأقصى المبارك حاليًّا، ويضع الاحتلال أمام عدة خيارات، من بينها العودة إلى خيار المنطقة الجنوبية الغربية -وإن كان أصبح خيارًا ضعيفًا- أو التراجع عمليًّا في المسجد الأقصى، ومحاولة التعامل مع الفضاء التحتي للمسجد الأقصى، والمتمثل بالأنفاق الإسرائيلية تحت المسجد، بديلًا عن الفضاء العلوي في الأقصى على المدى المنظور على الأقل، أو على الأقل العودة لأسلوب التقدم بخطوات بطيئة للغاية في المسجد الأقصى المبارك.

 

الخاتمة:

من خلال هذه الدراسة، تبيّن أن النظرة الصهيونية للسيطرة على المسجد الأقصى المبارك تطورت مع الزمن من فكرة الانتظار السلبي لقدوم المسيح المنتظر إلى محاولة صناعة الحدث والدخول إلى المسجد الأقصى المبارك بالوجود اليهودي؛ استباقًا لقدوم المسيح، وتأكيدًا للسيطرة اليهودية على منطقة المسجد. وكانت المحاولات الإسرائيلية قد انتقلت من خيار المنطقة الجنوبية الغربية للمسجد، إلى المنطقة الشرقية للمسجد، التي تُعَدّ الخيار النموذجي حاليًّا؛ نظرًا لفراغها النسبي من النشاط العمراني والإنساني المقدسي، ولكن أحداث كلّ من هبّة باب الأسباط عام 2017 وهبّة باب الرحمة عام 2019، واقتحام 28 رمضان عام 2021- أفرغت هذا الخيار من مضمونه، وأكدت حاجز الردع الذي شكله المسجد الأقصى المبارك على مدار التاريخ الحديث منذ الاحتلال البريطاني للقدس. وعليه، فإن المعركة على المسجد الأقصى المبارك بالنسبة للاحتلال خاسرةٌ بالمقاييس كافة، ولا يمكن كسبها إلا بتفريغ الحاضنة الشعبية المقدسية الكثيفة التي تحيط بالمسجد الأقصى المبارك من الجهات كافة، وهي تشكل الغالبية العظمى من السكان المحيطين به، وهذا لا يمكن إلا بعملية تطهير عرقي حقيقية، وهو ما يستبعد أن تقدم عليه سلطات الاحتلال مع تغير الظروف الدولية، وسهولة التواصل الإعلامي والاجتماعي حاليًّا. ومن هنا فإنه يمكن القول: إن المشروع الإسرائيلي في المسجد الأقصى المبارك محكوم عليه بالإحباط. كما لا يُتوقّع للأردن أن يتراجع في هذا الموضوع الحساس؛ وذلك لارتباط الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس بشرعية النظام. إلا أن هذا الاستنتاج يطرح عددًا من التساؤلات المستقبلية التي يجب أن ينظر فيها صانع القرار العربي والإسلامي، حيث يجب النظر في المدى المنظور في كيفية تثبيت الحاضنة الشعبية الفلسطينية حول المسجد الأقصى المبارك لتتمكن من تجاوز الإجراءات الإسرائيلية التي تهدف لتفريغ المنطقة من هذه الحاضنة. كما أن تأثيرات إعلان ما كان يُعرَف في الإعلام باسم "صفقة القرن" في الحاضنة الشعبية للمسجد الأقصى وفي الوضع الخاص للمسجد من ناحية الوصاية والسيادة تنبغي أن تكون ضمن التساؤلات المطروحة على طاولة البحث.

إنّ هبّة باب الرحمة وأحداث اقتحام 28 رمضان ومن قبلهما هبّة باب الأسباط أثبتت أن الإطار الشعبي المقدسي هو الحاضن الأساسي للمسجد الأقصى المبارك، وهو الشيء الوحيد الذي يمكن المراهنة عليه في معركة المسجد الأقصى، وبخاصة أن المقدسيين يشكّلون أغلبية كبيرة في المنطقة المحيطة بالمسجد الأقصى المبارك بشكل خاص، وهو ما يجب دعمه وتقويته.

 

المصادر والمراجع:

المطبوعة:

  • الإدريسي، أبو عبد الله محمد بن عبد الله. نزهة المشتاق في اختراق الآفاق. بيروت: عالم الكتب، 1989.
  • الحسن، عبد الله وآخرون. عين على الأقصى: الملخص التنفيذي – التقرير الثالث. بيروت: مؤسسة القدس الدولية، 2009.
  • درزي، براءة وآخرون. عين على الأقصى: الملخص التنفيذي – التقرير العاشر. بيروت: مؤسسة القدس الدولية، 2016.
  • درزي، براءة وآخرون. عين على الأقصى: الملخص التنفيذي – التقرير الحادي عشر. بيروت: مؤسسة القدس الدولية، 2017.
  • صالح، محسن محمد. الطريق إلى القدس. بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2014.
  • العليمي، مجير الدين الحنبلي. الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل. تحقيق محمود عودة الكعابنة. عمان: مكتبة دنديس، 1999.
  • عمر، عبد الله معروف. المدخل إلى دراسات بيت المقدس. عمان: مؤسسة الفرسان، 2018.
  • لجنة التراث الإسلامي. القدس لنا. نابلس: تسجيلات بيت المقدس الإسلامية، 2001.
  • الغندور، نبيل أنسى. المسيح المخلص في المصادر اليهودية والمسيحية. الجيزة: مطبعة النافذة، 2007.
  • معروف، عبد الله ومرعي، رأفت. أطلس معالم المسجد الأقصى. ط 4. عمان: مؤسسة الفرسان، 2018.
  • Benjamin of Tudela. The Itinerary of Rabbi Benjamin of Tudela. ed. A. Asher (London: A. Asher and Co., 1840)
  • Loewenberg, F. M. “Where Jerusalem Jews Worship: Tracing the changing location of the “holiest” site in Judaism”. Hakirah the Flatbush Journal of Jewish Law and Thought, Vol. 16 (winter 2013)
  • Motti Jewish Fundamentalism and the Temple Mount. Albany: State University of New York Press, 2009.
  • Al-Ratrout, Haithem Fathi. The Architectural Development of al-Aqsa Mosque in Islamic Jerusalem in the Early Islamic Period. Dundee: Al-Maktoum Institute Academic Press, 2004.
  • The Pilgrimage of Seawulf to Jerusalem and the Holy Land. London: PPTS Vol IV, 1896.
  • Theoderich’s Description of the Holy Places. London: PPTS Vol V, 1896.

 

الإلكترونية:

  • داود، داود سليمان ، "المذابح الإسرائيلية في فلسطين"، الجزيرة نت، شوهد في 19/4/2021، في: https://bit.ly/2VSVKEk
  • الرجوب، عوض ، "مسيرة البيارق.. عهد مع الأقصى"، الجزيرة نت، 25/8/2011، شوهد في 19/4/2021، في: https://bit.ly/2GxqJjZ
  • يحيى، أحمد، "وثيقة عبرية: التهديد الكبير بدأ"، مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية، 12/5/2010، شوهد في 19/4/2021، في: https://bit.ly/2veeiTC
  • "الاستيلاء على مكاتب لجنة التراث الاسلامي في باب الرحمة"، صحيفة الحياة، 15/3/2003، شوهد في 1/6/2021، في: https://bit.ly/2KSjh7d
  • "دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس"، صفحة دائرة الأوقاف على فيسبوك، 3/3/2019، شوهد في 19/4/2021، في: https://bit.ly/2VVFTVl
  • "شرطي إسرائيلي يدنس بحذائه مصلى باب الرحمة"، الجزيرة نت، 10/3/2019، شوهد في 19/4/2021، في: https://bit.ly/2GqHhZw
  • "قضية باب الرحمة بين أهداف الاحتلال وهبَّة المقدسيين"، مركز رؤية للتنمية السياسية، 11/3/2019، شوهد في 19/4/2021، في: https://bit.ly/2GvbN67
  • "ورقة معلومات حو المسجد الأقصى والمخاطر المحدقة به"، موقع مدينة القدس، 19/7/2017، شوهد في 16/4/2021، في: https://bit.ly/2ULJOYw
  • "السياسة الإسرائيلية: حدث تاريخي عنوانه سقوط نتنياهو بعد طرد حليفه ترامب من البيت الأبيض"، القدس العربي، 13/6/2021، شوهد في 18/8/2021، في https://bit.ly/380aokB
  • Adler, Rivkah Lambert, “Will God or the Messiah build the Third Holy Temple?”, Breaking Israel News, 27/7/2015, retrieved on 1/8/2021, at: https://bit.ly/2Gvtxy2
  • Doron, Reuven, “Walking in His peace – The southern steps of Temple Mount”, Kehila News Israel, 1/8/2018, retrieved on 19/7/2021, at: https://bit.ly/2VTxh1J
  • “Israel-Palestinian Peace Process: The Beilin-Abu Mazen Document”, Jewish Virtual Library, retrieved on 19/4/2021, at: https://bit.ly/2UN4IXh
  • “Objectives of the Temple Mount Faithful”, Temple Mount and the Land of Israeli Faithful Movement, retrieved on 17/4/2021, at: https://bit.ly/1upl0z2

 

 

[1]  انظر نبيل أنسي الغندور، المسيح المخلص في المصادر اليهودية والمسيحية (الجيزة: مطبعة النافذة، 2007)، ص 13.

[2]  انظر عبد الله عمر، المدخل إلى دراسات بيت المقدس (عمان: مؤسسة الفرسان، 2018)، ص 148.

[3]   انظر Rivkah Lambert Adler, “Will God or the Messiah build the Third Holy Temple?”, Breaking Israel News, 27/7/2015, retrieved on 1/8/2021 at: https://bit.ly/2Gvtxy2

[4]  انظر Haithem Fathi Al-Ratrout, The Architectural Development of al-Aqsa Mosque in Islamic Jerusalem in the Early Islamic Period (Dundee: Al-Maktoum Institute Academic Press, 2004), p. 267

[5]  انظر المرجع السابق، ص 394-397                 

[6]  مجير الدين الحنبلي العليمي، الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، تحقيق محمود عودة الكعابنة (عمان: مكتبة دنديس، 1999) ج. 2، ص 69

[7]  المرجع السابق، ج. 2، ص 68                                                                         

[8]  المرجع السابق                                                                   

[9]  أبو عبد الله محمد بن عبد الله الإدريسي، نزهة المشتاق في اختراق الآفاق (بيروت: عالم الكتب، 1989)، ج. 1، ص 358

[10]  Theoderich, Theoderich’s Description of the Holy Places, (London: PPTS Vol V, 1896), p. 5

[11]  Seawulf, The Pilgrimage of Seawulf to Jerusalem and the Holy Land, (London: PPTS Vol. IV, 1896), p. 17

يرى البعض أن تسمية هذا الباب باسم (الباب الذهبي) يرجع إلى الفهم الديني له، وهو المتعلق بفكرة المسيح ودخوله أرض المعبد من هذا المكان، بينما يرى آخرون أن التسمية ترجع في الحقيقة إلى أن الباب كان مصفحًا بالذهب من الداخل في العهد الأموي، ولكن لا سبيل للتأكد من هذه المعلومات عمومًا.

[12]  Benjamin of Tudela, The Itinerary of Rabbi Benjamin of Tudela, ed. A. Asher (London: A. Asher and Co., 1840), vol. 1, p. 70

[13]  F. M. Loewenberg, “Where Jerusalem Jews Worship: Tracing the changing location of the “holiest” site in Judaism”, Hakirah the Flatbush Journal of Jewish Law and Thought, Vol. 16 (winter 2013), p. 217

[14]  انظر المرجع السابق، ص 223

[15]  انظر الغندور، ص 91.

[16]  محسن محمد صالح، الطريق إلى القدس (بيروت: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2014)، ص. 142.

[17]  المرجع السابق                                                          

[18]  انظر "ورقة معلومات حو المسجد الأقصى والمخاطر المحدقة به"، موقع مدينة القدس، 19/7/2017، شوهد في 16/4/2021، في: https://bit.ly/2ULJOYw

[19]  انظر “Objectives of the Temple Mount Faithful”, Temple Mount and the Land of Israel Faithful Movement, retrieved on 17/4/2021 at: https://bit.ly/1upl0z2

[20]  انظر Motti Inbari, Jewish Fundamentalism and the Temple Mount, (Albany: State University of New York Press, 2009), p. 85

[21]  داود سليمان داود، "المذابح الإسرائيلية في فلسطين"، الجزيرة نت، شوهد في 19/4/2021، في: https://bit.ly/2VSVKEk

[22]  المرجع السابق                                                          

[23]  Inbari, p. 1

[24]  انظر: عبد الله الحسن وآخرون، عين على الأقصى: الملخص التنفيذي – التقرير الثالث (بيروت: مؤسسة القدس الدولية، 2009)، ص 15.

[25]  المرجع السابق

[26]   انظر “Israel-Palestinian Peace Process: The Beilin-Abu Mazen Document”, Jewish Virtual Library, retrieved on 19/4/2021, at: https://bit.ly/2UN4IXh

[27]  انظر عبد الله معروف ورأفت مرعي، أطلس معالم المسجد الأقصى، ط 4 (عمان: مؤسسة الفرسان، 2018)، ص 24.

[28] انظر Reuven Doron, “Walking in His peace – The southern steps of Temple Mount”, Kehila News Israel, 1/8/2018, retrieved on 19/7/2021, at: https://bit.ly/2VTxh1J

[29]  الحسن، عين على الأقصى – التقرير الثالث، ص 13.

[30]  المصدر السابق، ص 17.

[31]  انظر: عوض الرجوب، "مسيرة البيارق.. عهد مع الأقصى"، الجزيرة نت، 25/8/2011، شوهد في 19/4/2021، في: https://bit.ly/2GxqJjZ

[32]  انظر لجنة التراث الإسلامي، القدس لنا (نابلس: تسجيلات بيت المقدس الإسلامية، 2001)، ص 82-94.

[33]  انظر "الاستيلاء على مكاتب لجنة التراث الاسلامي في باب الرحمة"، صحيفة الحياة، 15/3/2003، شوهد في 1/6/2021، في: https://bit.ly/2KSjh7d

[34]  الحسن، عين على الأقصى – التقرير الثالث، ص 14.

[35]  انظر أحمد يحيى، "وثيقة عبرية: التهديد الكبير بدأ"، مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية، 12/5/2010، شوهد في 19/4/2021، في: https://bit.ly/2veeiTC

[36]  براءة درزي وآخرون، عين على الأقصى: الملخص التنفيذي – التقرير العاشر (بيروت: مؤسسة القدس الدولية، 2016)، ص 7.

[37]  المصدر السابق، ص 5.                                                

[38]  المصدر السابق، ص 7.

[39]  المصدر السابق، ص 8.                                     

[40]  براءة درزي وآخرون، عين على الأقصى: الملخص التنفيذي – التقرير الحادي عشر (بيروت: مؤسسة القدس الدولية، 2017)، ص 22.

[41]  انظر "قضية باب الرحمة.. بين أهداف الاحتلال وهبَّة المقدسيين"، مركز رؤية للتنمية السياسية، 11/3/2019، شوهد في 19/4/2021، في: https://bit.ly/2GvbN67

[42]  براءة درزي وآخرون، عين على الأقصى – التقرير الثاني عشر (بيروت: مؤسسة القدس الدولية، 2018)، ص 18

[43]  "قضية باب الرحمة"، مرجع سابق

[44]  المرجع السابق

[45]  المرجع السابق

[46]  "دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس"، صفحة دائرة الأوقاف على فيسبوك، 3/3/2019، شوهد في 19/4/2021، في: https://bit.ly/2VVFTVl

[47]  "شرطي إسرائيلي يدنس بحذائه مصلى باب الرحمة"، الجزيرة نت، 10/3/2019، شوهد في 19/4/2021، في: https://bit.ly/2GqHhZw

[48]  " السياسة الإسرائيلية: حدث تاريخي عنوانه سقوط نتنياهو بعد طرد حليفه ترامب من البيت الأبيض"، القدس العربي، 13/6/2021، شوهد في 18/8/2021، في https://bit.ly/380aokB


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...