رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


| المقالات والدراسات < رؤية تركية

احتجاجات العراق... طموح شعبي يهدّد أسس المحاصصة وشبكات الفساد

تتناول هذه المقالة احتجاجات العراق، حيث دفع سوء الأوضاع المعيشية والتهميش والرغبة بالحصول على الحقوق الأساسية إلى خروج الناس في مظاهرات واسعة في مدن وسط العراق وجنوبه، وأدّى التعامل الحكومي معها إلى إشعال الأوضاع، وتضامن شرائح مجتمعية عدة مع المظاهرات التي تتسم برغبتها في الوصول إلى حياة كريمة، لا يكون الفساد والسلاح العاملَينِ الأكثر وجودًا فيها، وأسهمت شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي بالتأثير إيجابًا في استمرار جذوة المظاهرات، وتوعية الجمهور المشارك في العديد من القضايا. ويتميز الحراك الجاري بأعمار المشاركين فيه، فهم من الشباب المنحدرين من المناطق المعدمة والمحرومة، يشاركهم آخرون ممن يمتازون بفعاليتهم الشعبية وتعليمهم الجامعي.

احتجاجات العراق... طموح شعبي يهدّد أسس المحاصصة وشبكات الفساد

مقدمة

عرفت الحالة السياسية العراقية عدم استقرار مستمر منذ 2003 وحتى اليوم، وتراكمت على مدى سنوات مظالمُ وأنماط من الحرمان وغياب العدالة في توزيع الثروات الوطنية، رافقت ذلك أنواع مختلفة من أشكال الرفض والاحتجاج، تجسد آخرها في احتجاجات تشرين الأول 2019م، التي تسعى إلى تغيير أهم سمات النظام الحالي، وهي: المحاصصة على أساس طائفي، والفساد، وسوء الإدارة، وقد تمكّنت المظاهرات الجارية من الحفاظ على سلميّتها رغم العنف غير المسوَّغ الذي جوبهت به، وحاولت الحكومة إغراء المتظاهرين بتقديم حزم إصلاحية، لكنها أخفقت بإقناعهم بالرجوع إلى منازلهم.

تباينت ردود الأفعال في الوسط السياسي تجاه الأحداث الجارية، وشكّكت أحزاب وفصائل مقربة من إيران في الأسباب الدافعة إلى الاحتجاجات، ملقية بأسباب الاتهام تجاه "إسرائيل" والسعودية والولايات المتحدة. كما عوّلت كتل سياسية على عامل الوقت لتململ المتظاهرين وانفضاضهم بالاعتماد على إستراتيجية تقضي بإنهاكهم، وتقييد حركتهم، وعدم استثارتهم -قدر الإمكان- للوصول إلى حالة من الاحتواء التي يأملون أن تقودهم إلى التهدئة وإنهائها.

 

ما أسباب هذه الاحتجاجات؟

لم تأتِ احتجاجات تشرين الأول 2019م في سياق غير مألوف في الحدث العراقي اليومي، ولا وهي ليست فعالية نادرة على الشارع العراقي، إذ شهدت البلاد المئات من المظاهرات، كان أقربها لمظاهرات تشرين الأول 2019 مجموعة من الاعتصامات لخريجي الجامعات، ومن حملة الشهادات العليا المطالبين بتعيينهم. وفي الأشهر الأخيرة التي سبقت الاحتجاجات الحالية نشبت مظاهرات تطالب بإقالة الفاسدين ومحاكمتهم، ورفعت شعارات تنادي بضرورة تحسين واقع الخدمات، وتوفير فرص العمل، والشكوى من الانقطاعات الطويلة للتيار الكهربائي، وضمان تدفق المياه النظيفة. وقبل انطلاق موجة التظاهرات الحالية نفّذت السلطات المحلية مجموعة من الإجراءات التي رفعت من مستوى الامتعاض الشعبي تجاه السياسات الحكومية، منها: إزالة بعض مجمعات السكن العشوائية، من دون تقديم بدائل مناسبة، ومكافحة أماكن البيع غير المرخصة، ومنع عمل "البسطات" والعربات الجوالة التي تمثّل لبعض العوائل مصدر رزقهم الوحيد... هذه الإجراءات عُدَّت عملية فرض لسلطة القانون على الطبقات الفقيرة والمهمّشة بطريقة تعسفية، غير مراعية لظروفها، ويوازيها غض الطرف عن كبار الفاسدين، وصفقات شراء المناصب.

عند الحديث عن أسباب الأحداث الجارية لا يمكن إلا أن نشير إلى أنّ عوامل غياب العدالة في توزيع الثروات، وازدهار الفساد، والاقتصاد المتردّي- كانت دافعًا ومحرّكًا مهمًّا فيها. فمنذ عام 2003 وحتى اليوم كان تعاظم أموال وثروات الطبقة السياسية الحاكمة وشبكات المتنفذين والمسؤولين- سمة بارزة للنظام السياسي، في مقابل تفشٍّ للفقر، وتدهور مستمر في اقتصاد الفرد. وبينما كانت الحكومة تدعو علانية إلى العديد من المشروعات الاستثمارية كانت اللجان الاقتصادية للأحزاب وشركات المسؤولين في السرّ تحوز أغلبها، أو تنال حصصًا كبيرة منها، وأصبح ضياع المال العام وضعف التدبير والإدارة من ملامح النظام الحالي، وكانت السياسات الحكومية المعتمدة على رؤى أحزاب وجماعات تستند في توزيعها للأعمال والثروات إلى المحاباة والمحاصصة، وأسفر الإعلاء من شأن الولاء الحزبي والتشابه المذهبي في التولية والتنصيب إلى تقدّم طبقات سياسية متوالية، لا تضع حسن الأداء والكفاءة في المنجز معيارها الأساسي في العمل. وقد انعكس هذا سلبًا وبشكل واضح على طبيعة المخرجات الحكومية، فوفقًا لتصريحات نيابية تجاوز عدد المشروعات الوهمية في العراق 6000 مشروع، كلَّف الميزانية العامة نحو 178 مليار دولار، أمّا عمليات غسيل الأموال فإنها أطاحت بنحو %60 من إجمالي واردات العراق من بيع النفط منذ 2006 وحتى

2014، والتي بلغت نحو 550 مليار دولار، ووفقًا للجنة المالية البرلمانية فإن هذه الأموال جرى بيعها أولًا في مزاد العملة ببغداد، ثم جرى تحويلها إلى خارج البلاد عن طريق شركات أهلية ومكاتب الصرافة في ظروف غامضة.

 

 


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...