رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


| المقالات والدراسات < رؤية تركية

اختلالات النظام الدستوري والإخفاق السياسي في العراق

تحاول هذه الدراسة عرض طبيعة الاختلالات في النظام الدستوري العراقي للعام 2005 ، وتحليل ذلك، وبيان انعكاسه وتأثيره في فشل الحياة السياسية والاقتصادية، وماسبّبه من أزمات سياسية واجتماعية واقتصادية، والسعي إلى استكشاف المشكلات الطائفية، والمحاصصة السياسية التي ظهرت بسبب وجود فجوة عميقة بين ثقافة الأحزاب الدعوية (الماضوية) التي لا تؤمن بالدولة الوضعية الديمقراطية، وبين فلسفة الديمقراطية الليبرالية، ودولة المؤسسات، والفصل بين السلطات، واحترام حقوق الإنسان.

اختلالات النظام الدستوري والإخفاق السياسي في العراق

 

اتسمت الحياة السياسة في العراق بشمولية مذهبية، حكمت النظام السياسي بعد عام 2003م، وبدلًا من تحقيق وعود بناء نظام ديمقراطي فيه، يضمن حقوق الانسان وحرية التعبير ودولة المواطن، ظهر احتكار السلطة من قبل الأحزاب الدعوية؛ نموذجًا للاستبداد السياسي واحتكار الموارد الاقتصادية. هكذا تجاهل النظام السياسي مفهوم حيادية مؤسسات الدولة في الأنظمة الديمقراطية، حيث تكون مؤسسات الدولة محايدة، مساوية بين جميع الطبقات والأديان والمذاهب والأعراق والقوميات والثقافات، مع عدم التدخل في شؤون الاحزاب السياسية، وضمان العدالة في المشاركة السياسية والاقتصادية، ومنح الحق باختيار الاتجاهات  السياسية والفكرية ضمن دولة مدنية ديمقراطية.

إن الهدف الرئيس من أي دستور هو وضع قواعد للعلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية بين الدولة ومواطنيها؛ لضمان العدالة والحقوق والحريات للمواطنين، والدور الآخر للدستور يتمثل بوصفه ضامنًا للوحدة الوطنية وسيادة الدولة، ومن هنا فإن أي دستور يجب أن يعبّر عن حاجات المجتمع ومطالبه وأهدافه في بناء الدولة والنظام السياسي. كما ينبغي صياغته ومناقشته والموافقة عليه من قبل الشعب باستفتاء عام. وتشير الاتفاقات الدولية، ومنها اتفاقيات لاهاي وجنيف، إلى ضرورة عدم إعطاء قوة أجنبية الحق في فرض دستور على بلد محتل، وعلى الرغم من كل هذه المحددات، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بعد احتلال العراق عام 2003م، بإنشاء مجلس الحكم العراقي في يوليو 2003م، وشرّعت قانون إدارة الدولة الانتقالي، الذي جرت الموافقة عليه بوصفه الدستور الانتقالي الجديد للبلاد، الذي فُرِض وطُبِّق من دون موافقة الشعب العراقي.

هيمنت المقاربة الأيديولوجية المذهبية على الخطاب السياسي للأحزاب العراقية بعد 2003م، وانعكست هذه الهيمنة على تطبيق الدستور، وبمعزل عن أي نظرة علمية تراعي القواعد الدستورية للدولة الحديثة- وهذا أفقد دستور 2005م هويته الوطنية التي تمثل ثقافة المجتمع الذي يتّسم بالتنوع الديني والقومي، وظهر الخطاب الحزبي الدعوي محكومًا بمفهوم: "الأغلبية الشيعية العددية"، الذي يتنافى مع نص المادة (76): أوّلًا: "يُكلّف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددًا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية"،  إذ قوّض مفهوم الكتلة النيابية للأغلبية الوطنية لا الشيعية، إلى جانب التأويلات غير الدقيقة للمواد والفقرات الدستورية، وعدم الالتزام بتطبيق المواد الدستورية المتعلقة بتشكيل مجلس الاتحاد وفق المادة (65) من الدستور والمادة (140) الخاصة بالمناطق المتنازع عليها وقانون النفط والغاز. وقد أخفقت الأحزاب الدعوية في تطبيق الدستور لتحقيق العدالة في توزيع الثروات وضمان التوازن الاجتماعي والديمقراطي بين مختلف الأديان والمذاهب والقوميات والأعراق المتنوعة في العراق، وأدت سياسات التمييز الديني والمذهبي إلى تفكيك المجتمع بدلًا من تعميق روح المواطنة لتحقيق الوحدة الوطنية. 

بناء على ما تقدم، تتبوّأ دراسة العوامل والأسباب أهمية استثنائية لفهم طبيعة الإخفاق الكبير في النموذج السياسي والاقتصادي في العراق، والعجز في الانتقال الدستوري لضمان التطور الديمقراطي والمشاركة السياسية، والتحول من رأسمالية الدولة إلى اقتصاد السوق المفتوح؛ بسبب افتقاد الأحزاب الدعوية التي احتكرت السلطة إلى السياسات والبرامج العلمية، والاقتصادية، والسياسية، كما غاب مبدأ التوزيع العادل للثروات، وانتشرت ظاهرة التمييز الاجتماعي، والديني، والمذهبي، والعرقي، والابتعاد عن تطبيق معايير الكفاءة والمنافسة النزيهة في توزيع السلطة في شغل الوظائف العامة والخاصة، وهذا حرم الفئات المختلفة في المجتمع العراقي من المشاركة في العملية السياسية والاقتصادية.


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...