رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


خمسة أسئلة : كيف سيؤثر فيروس كورونا على النظام العالمي؟

ما التكلفة الاقتصادية لفيروس كورونا؟ وكيف سيكون الاقتصاد العالمي بعد الوباء؟ وما الأخطار الأمنية الدولية والداخلية التي ولدها فيروس كورونا؟ وما الأثر الذي سيتركه وباء الكورونا على النظام العالمي؟ وكيف سيؤثر وباء الكورونا على الشرق الأوسط؟

خمسة أسئلة : كيف سيؤثر فيروس كورونا على النظام العالمي؟

 

1.ما التكلفة الإقتصادية لفيروس كورونا؟

مع ظهور فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في الصين حدثت مشاكل واضحة في سلاسل الإمداد العالمية، وازداد القلق حول إمكانية تسبب المشاكل الواقعة في إمدادات الصين من السلع الوسيطة والمنتجات النهائية في رجة في العرض العالمي، وقد أفضى انتشار الفيروس في أوروبا وأمريكا الشمالية بشكل أسرع وأكثف من المنتظر إلى دفع العديد من الدول لإتخاذ تدابير مقيدة للحياة التجارية والإجتماعية، وقد رفعت الهزة في الطلب -والتي غذتها هذه القيود- من القلق حول النمو العالمي ملياً، وعند إضافة مناخ الذعر الذي تسببت فيه قرارات البنك المركزي الأمريكي العاجلة بخفض سعر الفائدة وذلك أمام توقعات المستثمرين التي تسوء أكثر فأكثر وحرب أسعار النفط المشتعلة على جبهة روسيا- السعودية تكون الأسواق المالية قد عاشت سقوطاً حراً بالمعني الحرفي.

هذا وقد تغيرت الإنعكاسات حول النمو الإقتصادي العالمي بشكل بالغ في أعقاب تلك التطورات، ففي السيناريو الأساسي الذي أعلنته منظمة التعاون الاقتصادي والتطوير خفضت من توقعات النمو العالمي من 2.9% ل2.4% كخسارة ناجمة عن الفيروس، وفي سيناريو المنظمة المتشائم تتوقع إمكانية تراجع النمو الاقتصادي العالمي حتي 1.5%، أما بنك التنمية الأسيوي فيقدر أن الكلفة الكلية للفيروس على الاقتصاد العالمي يمكن أن ترتفع إلى 347 مليار دولار (أي ما يقرب من 0.5% من الاقتصاد العالمي)، ومن المحتمل بقوة أن تتمدد الخسائر الناجمة عن الفيروس لتشمل عموم الاقتصاد وفي القلب منه قطاع الخدمات، وفي وفترة يرتفع فيها الغموض كهذه الفترة يكون من المستحيل التنبؤ بالتكلفة ومقدار النمو بالنسبة للعام كله، وسوف يختلف مقدار الخسائر التي سيتعرض لها النمو الاقتصادي العالمي في 2020 بالدرجة الأولى وفقا للقدرة على السيطرة على الفيروس خلال أشهر الربيع من عدمه، والعنصر المحدد الأساسي الآخر هو فعالية التدابير الاقتصادية المُتخذة.

 

2.كيف سيكون الاقتصاد العالمي بعد الوباء ؟

من المحتمل أن تحدث تغييرات درامية مرتبطة ببنية الإقتصاد العالمي بأبعاد مختلفة بعد الوباء، وربما تعيد الشركات متعددة الجنسيات النظر في استراتيجيات إنتاجها واستثماراتها كي لا تواجه هزة في العرض بهذه الدرجة من جديد. وفي هذا السياق ربما تنزلق سلاسل الإمداد العالمية من دول شرق أسيا وعلى رأسها الصين المعروفة بأنها "مصنع العالم" إلى باقي المناطق، كذلك فإن الدول النامية ذات الخبرة في الإنتاج العالي في الصناعات التحويلية ورأس المال البشري والمزايا اللوجيستية المتعددة ربما تندمج بنسبة أكبر في سلاسل الإمداد العالمية عبر جذب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية المباشرة على المدى البعيد، غير أنه من الممكن أن تخطط الشركات متعددة الجنسيات أوروبية وأمريكية المنشأ لنقل مصانعها إلى بلادها كانعكاس لمناهضة العولمة والتدابير الوقائية في دول الغرب المتقدمة، وفي سبيل تيسير تحقيق انتقال هذا الانتاج يمكن أن ينتشر استخدام الروبوتات الذكية بسرعة أكثر من المتوقع وذلك لتقليل الحاجة إلى "ذوي الياقات الزرقاء" منخفضي الرواتب العاملين في المصانع.

 

كذلك ربما يفتح الفيروس الطريق أمام تغييرات ضخمة في ظروف العمل، وبما تنتشر أنماط العمل من المنزل وساعات العمل المرنة -التي أصبحت أيسر بفضل تكنولوجيا الجيل الجديد- بشكل أسرع، هذا التيار سيُثبت نفسه بشكل عميق خاصةً في قطاع الخدمات، إضافة إلى ذلك؛ من الممكن أن نلاحظ تغيرات في العادات الاستهلاكية للأفراد في مجالات الصحة والنظافة والسياحة.

كانت العديد من الدول قد بدأت في الإعلان عن حزمة سياسات مالية توسعية بمبالغ غير مسبوقة للإبقاء على الأضرار الذي سيخلفها الوباء على الاقتصاد في أقل المستويات قدر الإمكان، وفي هذا المناخ الذي لن تكفي فيه السياسات النقدية تصبح الحوافز المالية ضرورية جدا ، إن الدول في هذه المرحلة ليست في وضع يسمح لها بالتفكير في تكلفة السياسات المالية التوسعية وأعراضها الجانبية المحتملة، ولكن بعد تخطي الوباء بفترة معينة ستبدأ الدول في التفكير في كيفية سد العجز المتزايد في الموازنة  والتحكم في مستوي الدين العام، كذا فإنه من الممكن أن يُطرح "قص الشعر" (حذف الديون) على الأجندة الدولية لتخفيض الدين الدولي -الذي يزيد حاليا عن 250 ترليون دولار وسيتزايد سريعا في الفترة المقبلة- لمستويات معقولة ومستدامة، أما بالنسبة لسد العجز الداخلي في الموازنة؛ ربما تتجه الدول للقيام بإصلاحات ضريبية جادة ضد المجموعات مرتفعة الدخل، وربما تحدث صراعات قوى على المستوي الدولي والوطني حول الإصلاحات الضريبية والدين العالمي، وأخيرا؛ لن يكون من المفاجئ إتجاه العديد من الدول لإصلاحات جذرية في النظام الصحي.

 

  1. ما الأخطار الأمنية الدولية والداخلية التي ولدها فيروس كورونا؟

في العقد الأخير شهدت السياسة العالمية أزمات عميقة ظهرت على مستوى دولي، مع هجمات الحادي عشر من سبتمبر إضطر النظام العالمي لمواجهة أزمة أمنية كبيرة وفيما بعد تعمقت الأزمة الأمنية العالمية مع ظهور داعش وتوسعها وأصبح الإرهاب الدولي يمثل خطراً من الدرجة الأولى على الأمن الدولي والوطني، وقد يتسبب وباء الكورونا بوضعه الحالى وبسبب سرعة انتشاره في تعميق الأزمة الأمنية الموجودة، و ربما تضطر الدول لمكافحة الوباء وحدها مع تزايد نسب الوفيات تدريجياً واستمرار الوباء في الانتشار إضافة إلى تفكك سلاسل الإمداد والمصادر العالمية.

يمكن أن تفضي عودة الفاعلين الدوليين الكبار إلى تطبيق العزل الذاتي على أنفسهم إلى بقاء الدول المتضررة أكثر من الوباء وحيدة، كذا فإن ازدياد ضعف الدول الضعيفة أصلا قد يحولها إلى دول منهارة بشكل سريع، وفي حال تحقق سيناريو كهذا يمكن أن تتحرك المنظمات الإرهابية ومجموعات اليمين المتطرف لملء هذا الفراغ الناشئ وهكذا يمكن ان يخرج الأمن من سلطة الدولة وينتقل إلى أيدي المجموعات المسلحة خارج نطاق الدولة، هذا الوضع مع الذعر الناشئ قد يجر الدول الضعيفة والهشة إلى صدام داخلي، من ناحية آخرى ولأن عجز المنظمات الدولية والفاعلين الدوليين عن إدارة الأزمة قد يجلب معه المزيد من ضعف في الممارسات الوقائية المشتركة المتعلقة بمشاكل الأمن العالمي فإنه أيضا قد يزيد من خطر الصراع بين الدول وتمدد المشاكل الدولية.

 

فيروس كورونا هو نوع من الفيروسات التي يلاحظ انتشارها بين الحيوانات، للفيروس أربعة أنواع، ونادراً ما ينتقل من الحيوانات إلى البشر، يُقال للمرض الناشئ عن انتقال هذا الفيروس من الحيوان للانسان "زوونوز"، وقد شوهد أول مثال للكورونا التي تنتقل من الانسان للإنسان  في وباء السارس الذي ظهر في عام 2003 بالصين والميرس (متلازمة الشرق الأوسط التنفسية) الذي ظهر عام 2012 بالسعودية، أما عن النوع المتصدر للأجندة العالمية الآن فهو نوع مختلف عن السارس والميرس ولم يتم التعرف عليه من ذي قبل، وقد أعطي اسم "كوف إن- 2019" لهذا النوع الجديد من الكورونا.

هذا وقد نشرت المنظمة الصينية للوقاية والسيطرة على الأمراض في السابع والعشرين من يناير 2020 أول صور الفيروس من العينات التي تم أخذها من المرضي وتم التقاطها بواسطة المجهر الالكتروني، وكما هو ملاحظ في الصورة نري حلقة على سطح الفيروس تطوقه، ويعبر عن هذه النقطة بكلمة "كورونا" وتعني "تاج". (وكالة الأناضول)

4.ما الأثر الذي سيتركه وباء الكورونا على النظام العالمي؟

يمكن القول بأن للنظام الدولي ثلاثة مقومات : اللاعبون أو الدول والمؤسسات الدولية والأنظمة الدولية،  وترتبط كيفية تأثر النظام العالمي من الوباء بشكل مباشر بماهية السيناريو الذي سوف يتحقق، فإن تحقق السيناريو الجيد؛ سيكون من المنتظر أن تتم السيطرة الكاملة على الوباء بنهاية عام 2020 وأن يدخل العالم فترة نقاهة للتخلص من الآثار العالمية التي جلبها الوباء، ما يميز السيناريو الجيد هو ارتفاع إحتمال استمرار النظام العالمي بشكله الحالي.

أما في حالة عدم السيطرة على الوباء وتحقق السيناريو السيئ؛ فقد يجلب ذلك معه إعادة بناء للركائز الأساسية لحطام النظام العالمي التي كشفها الفيروس، وقد ينتقل ذلك أيضا بعملية مساءلة القيادة الدولية للولايات المتحدة إلى نقطة أكثر صرامة بل حتى وفقاً لبعض السيناريوهات قد تخسر حكومة واشنطن القيادة العالمية، وبالطبع فإن لاعبين مثل الصين سيقومون بمناورات أكثر صرامة من اجل القيادة الجديدة وذلك عبر إعادة التموضع وأخذ أدوار دولية جديدة، أيضاً سيكون من المحتمل إعادة بناء المنظمات الدولية بسبب ضعفها الواضح في قضية مجابهة الأزمات، أما عن النظم الدولية؛ فقد تكون على رأس أكثر الظواهر التي ستتعرض للمساءلة، وربما تتغير جذرياً تدابير وتنظيمات سلاسل الإمداد الدولية والطيران الدولي والتعبئة.

وعلى أية حال يمكننا أن نقول أن التوتر بين الولايات المتحدة والصين سيسير بشكل مختلف عن الوضع قبل الأزمة.

 

5.كيف سيؤثر وباء الكورونا على الشرق الأوسط؟

بينما ينتشر وباء كورونا العالمي في الشرق الأوسط يبدأ الفيروس في زلزلة البنية الإجتماعية والاقتصادية والسياسية للمنطقة كما هو الحال في باقي العالم، وتبدو دول الشرق الأوسط وهي تواجه تحد ضخم خاصة عبر أجهزة دولها الضعيفة وإعتمادها على صادرات النفط، فالعراق وإيران -اللتين يعتمد جزء كبير من موازناتهما على الدخل المحصل من صادرات النفط - و دول الخليج يواجهون أزمة إقتصادية حادة، فوتيرة الركود الاقتصادي العالمي التي أشعلها وباء الكورونا هبطت بأسعار النفط إلى 20 دولاراً وقد تدفع بميزانيات الدول المذكورة إلى وضع لا يمكن التحكم فيه، وبالنسبة لإيران التي ترزخ تحت وطأة العقوبات الاقتصادية والتي قررت الولايات المتحدة إحكام الحصار الاقتصادي عليها -بالرغم من الوباء- هذا الوضع يوثر عليها بشدة أكبر، علاوة على ذلك؛ فإن إدارة طهران السيئة لأزمة الكورونا هي أمارة أخرى تظهر التآكل التدريجي لأجهزة الدولة هناك، إلى متى ستستطيع إيران الاستمرار في دعم وكلائها في المنطقة وكيف ستتأثر حرب الوكالة التي تديرها الولايات المتحدة بذلك؟  هي إشارات لسؤال مهم.

كذا فإن العراق أيضا يقع وجها لوجه أمام أكبر تحدي كدولة تعتمد 90% من ميزانيتها على عوائد البترول وكبلد يقع على حزام زلازل مذهبي وإثني نشط، وفي حالة استمرار الفيروس في الانتشار يتوقع أن تتعرض وحدة التراب العراقي نفسها للتهديد.

أما عن دول الخليج الغنية؛ فحتى لو حاولوا حماية أنفسهم عبر استنفاد صناديقهم المالية يحتمل أن ينزلقوا لصعوبات بليغة من حيث الأمن الغذائي نظراً لعدم امتلاكهم اقتصاداً إنتاجياً.

وعندما نأخذ في الاعتبار أن النظام الصحي قد انهار تقريباً في مناطق النزاع مثل سوريا واليمن يمكن بسهولة أن نستشف من ذلك استحالة السيطرة على الفيروس هناك بأي صورة من الصور، وكلما تمدد الفيروس كلما كان احتمال اشتعال الحوادث الاجتماعية أكبر، وإذا استمر الفيروس في الانتشار بنفس السرعة الحالية لن يبقي في الشرق الأوسط على قيد الحياة سوى القليل من الدول التي تملك أجهزة دولة قوية واقتصاد انتاجي وتستطيع أن تضمن أمنها الغذائي، أما عن الدول التي لها قوات في المنطقة مثل الولايات المتحدة الامريكية؛ قد تبدأ في سحب جنودها لبلادهم من أجل مكافحة مشاكلهم.

قد يتسبب هذا الوضع في تدمير بنية المنطقة المهترءة أصلاً بفعل الربيع العربي والحرب الأهلية في سوريا.


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...