بدأ استخدام الطائرات المسيَّرة في عمليات مكافحة الإرهاب بشكل مضطرد في القرن الحادي والعشرين من قبل الولايات المتحدة، وصارت المسيَّرات من أكثر نظم السلاح العسكرية تميّزًا بين التقنيات المتطورة. تُظهر الإحصاءات أن 24 دولة، على الأقل، تقوم بتطوير طائرات مسيَّرة لأغراض عسكرية، وأن 95 دولة، على الأقل، تمتلك نظم مسيَّرة في مخازنها. علاوة على ذلك، يُرصَد استخدام المسيَّرات في جميع دوائر الصراع حول العالم تقريبًا. ومن بين أبرز الأمثلة على دور المسيَّرات في بيئة القتال، استخدامها في العمليات العسكرية على التنظيمات الإرهابية والجهات الفاعلة غير الحكومية في أفغانستان والعراق وليبيا وباكستان والصومال وسوريا واليمن، فيما يُتوقَّع أن يتزايد دورها في الصراعات والحروب بين الدول خصوصًا بعد حرب قرة باغ الثانية عام 2020 والحرب الروسية الأوكرانية عام 2022.
يُلاحَظ مع كل ذلك أن تركيا تستخدم مسيَّرات تركية الصنع بشكل فعال في حربها على المجموعات الإرهابية التي تهدد أمنها الداخلي والخارجي. حيث تُستخدم المسيَّرات في مهام المراقبة والاستطلاع على الحدود والمناطق الريفية والمدن، وخصوصًا في عمليات مكافحة الإرهاب الموجهة ضد تنظيم "بي كي كي"، كما تبرز المسيَّرات بوصفها أداة تصفية فعّالة في العمليات ضدّ ما يُسمَّى بالكوادر القيادية للتنظيم الإرهابي؛ لأنها تقوم بأنشطة رصد وتحديد الأهداف لقوات الأمن التركية في هذه العمليات، كما أنها تنفّذ مهمّات هجومية ضد أهداف محددة مسبقًا. هكذا تمكنت المسيَّرات القوات التركية من تعقّب الأهداف وتحييدها في الوقت المناسب، من أماكن آمنة، في المناطق ذات الظروف الجغرافية الوعرة، وهكذا تحولت النقاط التي يحاول الإرهابيون الاختباء بها لاستغلال مميزاتهم الميدانية كلها تقريبًا- إلى مواقع عملياتية بالنسبة للقوات التركية.
تفحص هذه الدراسة دور المسيَّرات التركية في تحييد عناصر التنظيم الإرهابي وقياداته العليا في عمليات مكافحة الإرهاب. استفادت الدراسة من بيانات منصة تحليل الإرهاب (Terörizm Analiz Platformu) واعترافات الإرهابيين الذي سلّموا أنفسهم في التحليل، وتناولت بشكل أساسي الأدبيات المتعلقة باستخدام الطائرات المسيَّرة في المجال العسكري. ركّزت الدراسة بعد ذلك على استخدام تركيا للمسيَّرات في مكافحة الإرهاب، عبر تقييم مزاياها وما ينطوي عليه استخدامها في عمليات مكافحة الإرهاب من أخطار. تناولت الدراسة بالشرح المفصل أهداف استخدام المسيَّرات ومجالاته، وقامت بتقييم تأثير المسيَّرات على البنية المؤسسية لتنظيم "بي كي كي" ومستوياته القيادية وموارده البشرية وإمكانياته العملياتية. وأخيرًا، تطرقت الدراسة إلى التأثيرات الإستراتيجية لاستخدام المسيَّرات على قوات الأمن.
استفادت الدراسة من بيانات منصة تحليل الإرهاب والمعلومات التي أعلنتها وزارتا الداخلية والدفاع الوطني التركيتان، بالإضافة إلى البيانات الموجودة حول وقائع الإرهاب في وسائل الإعلام الرئيسة ومصادر المعلومات المفتوحة. تتضمن قاعدة البيانات المذكورة معلومات حول كل عملية مصنفة بحسب فئات رئيسة وفرعية، مثل تاريخ العملية وموقعها الجغرافي والوحدة الأمنية المسؤولة عنها والهدف من تنفيذها ونوع الهدف وعدد الخسائر. علاوة على ذلك، استعانت الدراسة ببيانات قاعدة بيانات "أعداء تركيا الذين جرى تحييدهم" التي تصنف الإرهابيين الذي جرى تحييدهم وجرى الكشف عن هويتهم بحسب الفئة العمرية والنوع ومكان الميلاد ومعلومات العملية التي جرى فيها تحييدهم وانتماءاتهم التنظيمية وأدوارهم، وذلك وفقًا لبيانات وزارتي الداخلية والدفاع الوطني.