رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


| المقالات والدراسات < رؤية تركية

إستراتيجيات تركيا في مجال الأمن السيبراني العالميّ: النظرية والتطبيق

تتناول هذه الورقة مجموعة من قضايا الأمن السيبراني المترابطة. وتتوقف عند سؤال محوري: «هل إستراتيجية الأمن السيبراني التركي مصممة بشكل صحيح للتعامل مع البيئة الأمنية الجديدة في عالم الفضاء السيبراني الفوضوي؟». مرت إستراتيجية الأمن الوطني السيبراني في تركيا بالعديد من التغييرات منذ عام 2013 ،تمثل محاولات لمعالجة مشهد تطور الأمن السيبراني. وقد نجحت هذه الإستراتيجيات في بعض المجالات، مثل البنية القانونية وبناء القدرات والهيكل التنظيمي، لكنها كانت أقل نجاحًا من حيث التدابير الفنية. تطبق هذه المقالة نظام التحليل الكلي الذي يشمل كلًّا من البحث الكمي والنوعي لتحليل إستراتيجيات الأمن السيبراني في تركيا من الناحية النظرية والتطبيقية. تشير نتائج هذا التحليل إلى أن تركيا لا تزال عرضة لهجوم سيبراني كبير محتمل.

إستراتيجيات تركيا في مجال الأمن السيبراني العالميّ: النظرية والتطبيق

أصبح عالمنا اليوم أكثر اعتمادًا على التقنيات السيبرانية، إذ يضم ما يزيد على خمسة مليارات شخص متصلين بالإنترنت، ويتم يوميًّا إنتاج أكثر من عشرة مليارات غيغابايت من المعلومات عبر الإنترنت، وعدد الأجهزة النشطة المتصلة بالإنترنت مرشح للمزيد، والمتوقع أن يتجاوز 24 مليار بحلول عام 2030، والتحول الرقمي المتزايد السريع يتناول المعاملات التجارية والتجارة والتمويل والترفيه والاتصالات والسياسة والأمن والعديد من العمليات الأخرى.

حملت الرقمنة مزايا وراحة جديدة لحياتنا، لكنها أدت أيضًا إلى مخاطر وتهديدات جديدة. ففي كل يوم، يجري اختراق ما يزيد على 250 ألف صفحة ويب. ووفقًا لتشك بوينت بوصفها مزود حلول الأمن السيبراني للحكومات والشركات الخاصة على مستوى العالم، يحدث في المتوسط 70 مليون هجوم إلكتروني كل يوم. وقد وصل سوق الجرائم الإلكترونية إلى 6 تريليونات دولار في جميع أنحاء العالم في عام 2021، التقنيات الجديدة مثل الحوسبة السحابية، وبلوكتشين، والبيانات الضخمة، وتكنولوجيا الهاتف المحمول، وإنترنت الأشياء (IoTs أو IoE)، والآن ميتافريس، تعمل جميعًا على زيادة اعتمادنا على المجال الرقمي، وتعقيد مشهد التهديدات السيبرانية. في مقال صدر مؤخرًا عن "الفوضى الإلكترونية"، قال جوزيف ناي: "شهد العالم هجمات إلكترونية منذ الثمانينيات، لكن سطح الهجوم اتسع بشكل كبير، فهو يشمل الآن كل شيء من أنظمة التحكم الصناعية إلى السيارات إلى المساعدين الرقميين الشخصيين''، ومنذ ذلك الحين تشهد الحوادث الإلكترونية تزايدًا كبيرًا في السياسة الدولية، بدءًا من "دودة موريس" عام 1987، وهجمات فتى المافيا على الشركات عبر الوطنية في عام 2000، وهجمات الحرمان من الخدمات (DDoS) على إستونيا في عام 2007، وضربة ستوكسنت ضد المنشآت النووية الإيرانية في عام 2010، وكشف موقع ويكيليكس في عام 2011، والهجمات الروسية المزعومة التي تشير إلى التدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016.

إن مفاهيم، مثل الهجمات السيبرانية والجرائم الإلكترونية والصراعات الإلكترونية وحتى الحرب الإلكترونية- أصبحت جزءًا من محادثاتنا اليومية في السنوات الأخيرة، وحولت عالم الفضاء السيبراني إلى عالم شديد الفوضى، وأصبح مكانًا مهددًا بشكل متزايد. وكما يقول ناي: "ترسم القصص الأخبارية السيئة التي لا هوادة فيها صورة لعالم الإنترنت باعتباره عالمًا لا يخضع لأي حكم، ويزداد خطورة يومًا بعد يوم مع النتائج القاتمة، ليس على الفضاء الإلكتروني فحسب، بل كذلك على الاقتصادات والجغرافيا السياسية والمجتمعات الديمقراطية والأسئلة الأساسية المتعلقة بالحرب والسلام''، وقد أجبرت كل هذه العمليات المدمرة أصحاب المصلحة في الفضاء الإلكتروني، ولاسيّما الدول، على اتخاذ التدابير اللازمة لضمان الأمن السيبراني. وقد أصبح الأمن السيبراني في العقد الماضي أحد أهم القضايا على جداول أعمال الأمن الوطنية والدولية في جميع أنحاء العالم.

تعمل هذه الورقة على استكشاف الوثائق الإستراتيجية  للأمن السيبراني الوطني في تركيا والسياسات والإستراتيجيات والتدابير والهياكل التنظيمية في هذا المجال، وتسعى للإجابة عن السؤال البحثي الأساسي، وهو: هل إستراتيجية  الأمن السيبراني التركية مصممة بشكل صحيح للتعامل مع البيئة الأمنية الجديدة في عالم الفضاء الإلكتروني الفوضوي؟

في العقد الماضي، ركزت البحوث المتعلقة بإستراتيجيات الأمن السيبراني الوطنية في تركيا بشكل أساسي على القدرات العسكرية والهجومية للبلاد من خلال نهج أمني "سلبي"، أي التركيز على قدرة تركيا على ردع أو منع الهجمات الإلكترونية من خلال إنشاء الأمن السيبراني. تهدف هذه الورقة إلى تحليل إستراتيجية  الأمن السيبراني الوطنية في تركيا من خلال نهج شامل لجميع السياسات والإستراتيجيات والتدابير والعمليات اللازمة من منظور قانوني وتقني وتنظيمي وبناء القدرات، الذي يركز على التعاون بين أصحاب المصلحة من فهم أمني إيجابي، لا يركز (على سبيل المثال) على هدف منع الحوادث الإلكترونية مجردًا عن الجهود المبذولة للحفاظ على الحريات في الفضاء السيبراني. الغرض من هذا البحث هو الكشف عن نقاط الضعف والقوة في الإستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني في تركيا، وتطوير مقترحات السياسة والتوصيات لتحسينها.


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...