رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


| كلمة رئيس التحرير < رؤية تركية

الانتخابات والتفاعلات الداخلية في تركيا

ومن الواضح تصاعد الحديث -منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة 2002م- عن الأسباب والمسبّبات التي دفعت هذا الحزب إلى الواجهة، مع تصدره المشهد السياسي التركي بتكويناته الحزبية والسياسية المختلفة، وما أن نجح الحزب في تهيئة الأجواء السياسية والمجتمعية من حوله، حتى قفز اقتصاديًّا بوصفه نتاجًا لذلك التموضع الجديد في المشهد الداخلي، إلا أن ذلك كله لم يُخْفِ جملة من الاستفهامات حول قدرة "العدالة والتنمية" على تحقيق تلك النجاحات والقفزات المهمّة، وهو ما زاد الجدل حول الظرفية السياسية التي أحاطت به.

الانتخابات والتفاعلات الداخلية في تركيا

 

تعيش تركيا على وقع أجواء سياسية ومجتمعية مغايرة لكل الفترات الماضية من تاريخها المعاصر، سعت خلالها الأيدي المتآمرة والآثمة –ولا تزال- إلى عرقلة مسيرتها النهضوية التي رسمت خيوطها الأولى منذ عقد أو أكثر، إذ لا يرتضي الإرهاب الذي عاد مزدوجًا، وأكثر قوة وشراسة هذه المرة، ممثلًا في حزب العمال الكردستاني من جهة، وتنظيم داعش من جهة أخرى- أن تجلس تركيا على مقعد التنافسية العالمية، وأن تزاحم الدول الكبرى على المكانة والريادة... ولكن على الرغم من تلك المؤامرات ستبقى تركيا قوية وعتيدة، وستُلحق الهزيمةَ بها في ميدان التقدم الحضاري، منطلقة من إرثها العريق الضارب في القدم، وصحوتها المعاصرة الطامحة لتثبيت قدمها في المشهد العالمي.

ومن الواضح تصاعد الحديث -منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة 2002م- عن الأسباب والمسبّبات التي دفعت هذا الحزب إلى الواجهة، مع تصدره المشهد السياسي التركي بتكويناته الحزبية والسياسية المختلفة، وما أن نجح الحزب في تهيئة الأجواء السياسية والمجتمعية من حوله، حتى قفز اقتصاديًّا بوصفه نتاجًا لذلك التموضع الجديد في المشهد الداخلي، إلا أن ذلك كله لم يُخْفِ جملة من الاستفهامات حول قدرة "العدالة والتنمية" على تحقيق تلك النجاحات والقفزات المهمّة، وهو ما زاد الجدل حول الظرفية السياسية التي أحاطت به.

من هنا يذهب كل من "حاتم أتا"، و"مصطفى ألتون أوغلو" و"غالب دالاي" إلى تقديم إجابة مستفيضة عن وضعية الحزب في المشهد السياسي التركي، من خلال بحثهم القيّم: "تركيا تحت حكم حزب العدالة والتنمية: من سياسة الحزب المهيمن إلى نظام الحزب المهيمن" حيث سعوا فيه إلى رصد حجم التحولات التي طرأت على الحزب، ولاسيّما ما يتعلق بمدى تحوله إلى "حزب مهيمن" بوصفه نتيجة طردية لمسار نظام الحزب الواحد كما يتصور بعض المراقبين، مع شرح وبيان الفروقات الاصطلاحية التي تبرز كلّ معنى على حدة، وهو ما يدفع نحو توصيف المشهد السياسي الحزبي في تركيا بشكل عام توصيفًا دقيقًا ومفصّلًا، ويعطي هذا العمل قوة في تفرده التحليلي من خلال زاوية جديدة لم يلتفت إليها الكثيرون، تسعى جاهدة إلى سبر أغوار المشهد السياسي التركي بأكمله، بما فيه حزب العدالة والتنمية.

في السياق نفسه، يقدم الباحثان: "علي چارك أوغلو" و"كريم يلدريم" بحثًا نفيسًا يتناول أهم المحطات السياسية التي شهدتها تركيا في العام الفائت، ممثلًا في انتخابات يونيو وانتخابات نوفمبر 2015م، وما أسفرت عنهما من نتائج مهمّة تستدعي الوقوف على دلالاتها وانعكاساتها على الواقع التركي بأكمله، وإبراز تشكل القاعدة الانتخابية وكيفية بنائها، وتُعَدّ أحد أهم إفرازات هذين الحدثين، إذ تقدم الدراسة شرحًا تفصيليًّا للأنماط الجغرافية للتصويت في جميع أنحاء تركيا، مع رصد أهم التحولات الطارئة، وما كان له أثر واقعي في تغير المشهد الانتخابي في فترة قصيرة جدًّا.

ولاشك أن الخسارة غير المتوقعة لحزب العدالة والتنمية، وإخفاقه في تحقيق أغلبية برلمانية في يونيو 2015- دفعاه إلى أن يعيد حساباته من جديد، متأمّلًا في الأسباب التي حالت دون تحقيق تلك الأغلبية، وما نجم عنها من اللجوء إلى إعادة الانتخابات، وهو ما يقف عليه تحليلًا وتدقيقًا الباحث إبراهيم أوسلو في بحثه: "ما وراء انتخاب حزب العدالة والتنمية في 1 نوفمبر" الذي يقف على هذه المنعرجات، مبرزًا في الوقت ذاته كيف استطاع "العدالة والتنمية" تفادي خسارته الأولى من خلال الاستفادة من الأخطاء السابقة وتقويم أدائه.

والمتأمل في المشهد الانتخابي الأخير ما بين يونيو ونوفمبر 2015 يجد أن الهوية بتنوّعاتها المختلفة أدّت دورًا بارزًا في بوصلة المشهد الانتخابي، وكان اللاعبَ الأبرز في تلك الانتخابات، من هنا وجد الباحث "طلحة كوسا" أنه كان لسياسات الهوية دور رئيس في تشكيل نتائج الانتخابات العامة في كلّ من 7 يونيو و1 نوفمبر 2015 في تركيا، من خلال صعود الأصوات الحزبية العرقية والقومية، والذي زاد حدّتَها أصواتُ الأحزاب العرقية والقومية: الكردية والتركية جميعًا.

وثَمّة حقيقة لا مراء فيها، ولا يمكن إغفالها، وهي أن الذي حرّك المياه الراكدة في الملعب السياسي "الكردي" وأسهم في دفعها إلى أن ينافس بجدارة؛ ليكون ذا حضور قوي في الداخل التركي بعد عقود من المد والجزر، وليكون  فاعلًا سياسيًّا بعد أن كان يوضع أمامه كثير من العراقيل التي تحول دون دوره السياسي- هو في الأساس توفير المناخ السياسي الصحي الذي أسهم في تشكّله حزب العدالة والتنمية منذ مجيئه إلى السلطة في عام 2001م.

ولكن على الرغم من كون الحركة السياسية الكردية شاركت في الانتخابات منذ عام 1991، إلا أنها لم تستطع الحصول على أكثر من سبعة في المئة حتى انتخابات يونيو 2015، حيث نجح خلالها "حزب الشعوب الديمقراطي HDP" في مضاعفة حصته من الأصوات، وهو ما يبرزه ويوضحه باقتدار الكاتب وهاب جوشكون في بحثه: "تمزّق حزب الشعوب الديمقراطي بين السياسة والعنف"، مبينًا في الوقت نفسه دور حزب العمال الكردستاني في تصدّع المشهد السياسي الكردي بأكمله، بعد أن أسهم في تعكير صفو المشهد السياسي بممارساته الإرهابية والراديكالية التي أسهمت في تشقّقه وتمزّقه إلى حد كبير.

ومن السياسة إلى الاقتصاد، حيث يبحث حسين ألبتكين في دراسته: "دور المؤشرات الاقتصادية والوعود والتوقعات في نتائج الانتخابات التركية عام 2015" عن الدور المحوري للاقتصاد في هذه الانتخابات، والدور الذي أدّاه حزب العدالة والتنمية فيما سمّاه بـ"إنعاش الآمال" و"ضخّ التفاؤل" من أجل تعزيز المشهد الانتخابي.

ومن الأجواء الانتخابية إلى المشهد السياسي العالمي وتقاطعه مع الدولة التركية، من خلال ما أفرزته اجتماعات مجموعة العشرين الأخيرة برئاسة تركيا في مدينة "أنطاليا" التركية، وانعكاساتها على العلاقات بين المجموعة من جهة وتركيا من جهة أخرى، وهذا ما يقدمه رصدًا وتفسيرًا وتحليلًا كلٌّ من "أردال طاناس قره غول، وصالحة قايا"

ومن السياسة والاقتصاد إلى العمل المجتمعي وآلية المساعدات الاجتماعية في تركيا، اللذين يعرضهما الباحث نرجس ضاما في مقالته: "المساعدات الاجتماعية في تركيا" التي يتحدث فيها عن أنظمة المساعدات الاجتماعية في الداخل التركي، وتفعيل المساواة ونبذ الطبقية، بتلبية حاجيات الفقراء والمحتاجين في الحياة الاقتصادية والاجتماعية التي كانت موضع نقاش كبير خلال أعوام ما بعد 2000 في تركيا.

وننتقل بكم بعد ذلك إلى المنحى الفكري من خلال بحثين رصينين: أولهما  للباحث نور الله أرديج، وعنوانه: "الخلافة المغربية: بين الاستعمار واتحادية الإسلام" الذي يتناول إشكالية أحداث الساعة، ألا وهي "قضية الخلافة"، ولكن في سياقها الزمني الماضوي، وذلك عبر محورين رئيسين: أولهما: وجود العثمانيين فِي الشرق الأوسط وإفريقيا الشمالية، وثانيهما: التحدي القومي العربي للخلافة وما تمثله من رمزية كبيرة لدى العالم الإسلامي في وقت قريب.

وثانيهما للكاتب فريد حافظ، وعنوانه: "أزمة اللاجئين والإسلاموفوبيا" الذي يقف على أهم الإشكاليات التي تحيط بالمنطقة بأكملها، ممثلة في مشكلة اللاجئين وما تجابهها في الغرب من تخوف وحذر يتزايد يومًا بعد يوم جرّاء تأثير هذه الهجرة في التركيبة المجتمعية والثقافية والدينية وغيرها للمجتمع الأوروبي، وهو ما حدا بالغرب بأكمله أن يربط بين المأساة الإنسانية لتلك الهجرة وبين الإسلاموفوبيا، في مشهد صُنِع بأيدي اليمين المتطرف في أوروبا، إذ اصطدم المهاجرون الأبرياء الذين خرجوا من ديارهم بغير حق وهم ألوف حذر الموت إلى أوطان أكثر رحابة وأمنًا- بواقع مغاير صُنِّفوا فيه ضمن مَن يمثلون خطرًا على أوروبا، بدعوى فرض ثقافة معينة أو هيمنة دين على آخر، وهو أمر بعيد كل البعد عن الصّحّة، بل الأمر يتعلق بالإنسان وآدميّته في المقام الأول، ولا يمكن بأي حال من الأحوال ربطه بالإسلاموفوبيا أو ما شابه.

وفي النهاية ندَعُكم مع آخر محطات هذا العدد، نقرأ فيه عروضًا لبعض أهم الكتب في المكتبة العالمية, على أمل تجدّد اللقاء بكم في عدد قادم بحول الله وقوته.


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...