رؤية تركية
دورية محكّمة في
الشؤون التركية والدولية
ISSN 2458-8458
E-ISSN 2458-8466

| المقالات والدراسات < رؤية تركية

سنوات حزب العدالة والتنمية الخمس عشرة في سياق التحول في ميدان التعليم

تتناول هذه الدراسة سياسات حزب العدالة والتنمية وسلوكه في مجال التعليم، حيث تسلّط الضوء على الجهود المبذولة في ميدان تطوير الحقوق والحريات التي انعكست على مجال التعليم، وتشير إلى أن مجال التعليم شهد تحوّلات حقيقية من حيث الكمّ ومن حيث الجَوْدة، وتفيد الدراسة أن حزب العدالة بدأ بتخصيص أكبر حصّة من ميزانية الحكومة لمجال التعليم، وعُمِل على إعادة تعريف التعليم ليكون منسجمًا مع المناهج المعاصرة

سنوات حزب العدالة والتنمية الخمس عشرة  في سياق التحول في ميدان التعليم

ملخّص: تتناول هذه الدراسة سياسات حزب العدالة والتنمية وسلوكه في مجال التعليم، حيث تسلّط الضوء على الجهود المبذولة في ميدان تطوير الحقوق والحريات التي انعكست على مجال التعليم، وتشير إلى أن مجال التعليم شهد تحوّلات حقيقية من حيث الكمّ ومن حيث الجَوْدة، وتفيد الدراسة أن حزب العدالة بدأ بتخصيص أكبر حصّة من ميزانية الحكومة لمجال التعليم، وعُمِل على إعادة تعريف التعليم ليكون منسجمًا مع المناهج المعاصرة، وترى الدراسة أن عملية إعادة هيكلة التعليم التي أكمل حزب العدالة والتنمية الخطط فيها على المدى القصير والمتوسط ستركز على تحقيق الهدف النهائي في المجال التعليمي المتمثل في الوصول إلى الأهداف التي وضعتها تركيا نصب عينيها في (رؤية 2023 و2071)

كما هو الحال في المجالات الأخرى، حدثت في تركيا تغييراتٌ جذريَّةٌ في التعليم أيضًا نتيجةً للجهود المبذولة، ولاسيّما في السنوات الخمس عشرة الماضية في اتجاه تطوير الحقوق والحريات والانتقال إلى المعايير المتقدّمة في الديمقراطية. فقد شهد نظام التعليم التركي في هذه العملية تحوّلًا حقيقيًّا سواءٌ من حيث المؤشرات الكمية أم الجَوْدة؛ بدءًا من مستوى التعليم قبل المدرسي إلى الجامعات، وقطع مسافات كبيرة من أجل تكوين عالمٍ تعليميٍّ ديناميٍّ ديمقراطيٍّ قائمٍ على بياناتٍ علميّةٍ وموضوعيّةٍ تتفق مع قيمنا الحضارية وبنيتنا الثقافية.

فكانت زيادةُ مستوى الرفاه من خلال الاستثمار المادي، ثم إنتاج السياسات المناسبة للبلد الذي أعيدت هيكلته، والمناسبة من ثَمّ لمستوى رفاهه؛ نعم كان ذلك هو بارامتر الإنتاج الأساسي بالمعنى العام في الأدبيات السياسية، وبالمعنى السياسي في عهد الحكومات المحافظة في تركيا بشكل خاص. وقد حقّق حزب العدالة والتنمية في هذا الصدد ثورة مهمّة من حيث التطورات الكمية، ثم بدأ التركيز على السياسات التي تركّز على المحتوى.

جاء التعليم من أهم الأولويات التي تناولها حزب العدالة والتنمية في فترة سلطته، وللمرة الأولى خلال تاريخ الجمهورية بدأ تخصيص أكبر حصة من ميزانية الحكومة المركزية لمجال التعليم. وقد دُمِجت في هذه العملية المبادئ والقيم والممارسات المقبولة على المستوى العالمي في نظام التعليم. وأُنشِئ عالم تعليمي أكثر علمية وتحررية وتعددية وديمقراطية يقوم على أساس حقوق الإنسان. وأُعِيد تعريف مفهوم التعليم والطالب والمدرسة بحيث يكون متوافقًا مع المناهج المعاصرة، وحُسِّنت البنى التحتية المادية والتقنية للمدارس، وزاد إسهام القطاع الخاص في نظام التعليم كمًّا ونوعًا، وأُجرِيت تغييرات جذرية في سياسة توظيف المعلمين، وتمّ التخلي عن الهيكل البيروقراطي الجامد المرهق، وفُتِح الطريق أمام العمل المؤسَّسي العملي الواقعي.

تحتوي هذه الدراسة على ملخص عام للسياسات والممارسات التي حقّقت تطورًا كبيرًا في مجال التعليم في فترة حكم حزب العدالة والتنمية.

التطورات في سياق المؤشرات الكمية:

حقّقت تركيا تقدّمًا كبيرًا في مجال التعليم مقارنة مع فترة ما قبل عام 2002، فبفضل هذه التطورات التي حصلت في كل مجال تقريبًا، من حصة الميزانية المخصّصة للتعليم إلى عدد الصفوف الدراسية، ومن توظيف المعلمين إلى معدلات التعليم- أُعِيدت هيكلة المجال التعليمي تقريبًا في سياق المؤشرات الكمية والبنية التحتية المادية.

ميزانية الوِزارة:

تشكّل ميزانية الوزارة أهمّ مؤشرٍ ملموسٍ للأهمية الممنوحة للتعليم،  وأبرز مظاهر التطورات الجارية في هذا المجال في فترة سلطة حزب العدالة والتنمية. ففي هذه العملية خُصِّص أعلى حصة من ميزانية الحكومة المركزية لمجال التعليم على الدوام، وشهدت ميزانية التعليم ارتفاعًا باطّرادٍ على مرّ السنين، إذ بلغت ميزانية وزارة التربية الوطنية 10 مليارات ليرة تركية في عام 2002، وتجاوز هذا الرقم مبلغ 122 مليار ليرة تركية بحلول عام 2017. هذه الأرقام تقابل زيادة في سياق الميزانية الجارية معدّلها 1.040%، في حين بلغ معدل الزيادة المقابلة في ميزانية الاستثمار 462%. (الجدول1).

 

 

الأعوام

الناتج الإجمالي المحلي

مجموع ميزانية التعليم

نسبة ميزانية التعليم إلى الناتج المحلي الإجمالي

2002

350,476,089,498

10,450,958,700

2,98

2003

454,780,659,396

14,308,305,008

3,15

2004

559,033,025,861

17,796,624,954

3,18

2005

648,931,711,812

21,764,994,159

3,35

2006

758,390,785,210

24,163,889,261

3,19

2007

843,178,421,420

29,963,217,000

3,55

2008

950,534,250,715

32,410,298,650

3,41

2009

952,558,578,826

38,770,363,320

4,07

2010

1,098,799,348,446

40,490,585,600

3,68

2011

1,297,713,210,117

49,144,719,500

3,79

2012

1,415,786,010,349

56,595,419,190

4,00

2013

1,559,000,000,000

68,344,693,150

4,38

2014

1,719,000,000,000

78,866,391,610

4,59

2015

1,945,000,000,000

87,910,414,000

4,52

2016

2,148,000,000,000

109,768,136,000

5,11

2017

2,404,000,000,000

122,414,001,000

5,09

الجدول1 : حصة الميزانية المخصصة للتعليم في الأعوام 2003-2017

عدد الصفوف الدراسية:

بُنِيَ عدد كبير من الصفوف الدراسية الجديدة خلال الخمسة عشر عامًا الماضية؛ لزيادة فرص الحصول على التعليم والمساواة الكاملة في الفرص، وانتقال جميع المدارس إلى التعليم طوال اليوم [بدل التعليم في فترتي الصباح والمساء]، فقد بلغ مجموع عدد الصفوف الدراسية التي أُنشِئت منذ عام 2003 وافتتاحها للتعليم 269596 صفًّا دراسيًّا. وهكذا يكون عدد الصفوف الدراسية التي افتُتِحت خلال فترة خمسة عشر عامًا فقط قريبًا من عدد الصفوف التي شُيِّدت بين عامي 1923 و2003 (الجدول2). وعلی الرغم من وجود فروق بین الصفوف في مختلف المراحل فإن متوسط عدد الطلاب في الصف الواحد انخفض من حوالي 50 طالبًا إلى 30 طالبًا وأقل.

 

 

السَّنَة

التعليم الابتدائي
(الحضانة/التحضيري ضمنًا)

التعليم المتوسط

(المهني/التقني ضمنًا)

التعليم الشعبي

دعم التعليم الكامل (100%)

المجموع

2003

14,569

553

131

-

15,253

2004

18,355

2,476

104

7,143

28,078

2005

21,207

683

155

6,653

28,698

2006

20,049

1,336

114

6,744

28,243

2007

11,146

928

124

3,530

15,728

2008

14,674

716

42

1,358

16,790

2009

7,452

1,720

48

624

9,844

2010

11,598

2,725

27

2,967

17,317

2011

4,974

1,763

54

3,011

9,802

2012

10,255

4,300

72

4,079

18,706

2013

9,826

3,849

125

3,466

17,266

2014

18,857

6,812

68

3,011

28,748

2015

9,158

4,468

1

1,518

15,145

2016

9,200

7,781

12

2,985

19,978

المجموع

181,320

40,110

1,077

47,089

269,596

 

الجدول2: عدد الصفوف الدراسية في الأعوام 2003-2016

توظيف المدرّسين:

شكّل توظيف المدرّسين إحدى الأولويات الأساسية لحكومات حزب العدالة والتنمة في مجال التعليم، فقد وُظِّف 561431 مدرّسًا بين عامي 2003 و2017 لكي لا تبقى أيّ مدرسة في أي إقليم من أقاليم تركيا مغلقة، ولا يبقى أي طالب بدون أستاذ، حتى إن أكثر من نصف عدد المدرسين وُظِّف في هذه العملية (الجدول3).

 

 

2003

2004

2005

2006

2007

2008

2009

2010

2011

2012

2013

2014

2015

2016

المجموع

22,814

19,029

20,777

50,877

45,420

40,709

30,216

40,922

39,945

56,106

71,579

50,990

52,736

49,311

561,431

الجدول3: عدد المعلمين الذين وُظِّفوا في أعوام 2003-2016

بفضل هذه الخطوات، سجّلت جميع المناطق زيادةً كبيرةً في معدّل امتلاء الشواغر من المعلمين وفقًا لمتطلبات معيار التوظيف، وكما يظهر من الجدول4 وصل معدّل امتلاء الشواغر من المعلمين في عموم تركيا إلى 90.60%، كما أنّ مناطق شرق الأناضول وجنوب شرق الأناضول سجّلت ارتفاعًا كبيرًا في معدل امتلاء الشواغر، حتى إن مناطق شرق الأناضول سجّلت معدل الامتلاء الأعلى بين معدلات البلد.

 

 

اسم المنطقة

معدل الامتلاء (%)

شرق الأناضول

92,28

جنوب شرق الأناضول

90,35

منطقة إيجة

94,05

منطقة البحر الأبيض المتوسط

90,81

منطقة داخل الأناضول

94,39

منطقة البحر الأسود

91,95

منطقة مرمرة

85,24

عموم تركيا

90,60

الجدول4: معدل امتلاء الشواغر من المعلمين

 

معدّل التحوّل المدرسي:

في إطار التحسن النوعي والكمّي الذي شهده التعليم، سجّل التعليم في تركيا زيادة حقيقية في التحوّل المدرسي في جميع المراحل التعليمية، وفي متوسط سنوات الدراسة. وهكذا تحقّق تحسّن يعادل إضافة نصف سنة دراسية إلى فترة التعلّم لكل طالب. (الجدول 5).

 

 

أكاديمية التعليم

2002-2003

2016-2017

ما قبل المدرسة

11,7

58,79

العمر (5 سنوات)

التعليم الابتدائي (يشمل الصفوف 1- 8)

90,98

96,51

المرحلة الابتدائية

91,16

المرحلة المتوسطة

95,68

التعليم المتوسط (يشمل الصفوف 9-12)

50,57

82,54

الجدول5: معدّلات التحوّل المدرسي الصافي

المؤشّرات الأخرى:

من أجل الوصول بالوسط التعليمي إلى وضع أكثر تميّزًا، نفّذ حزب العدالة والتنمية في فترة حكمه العديد من النشاطات التي تمثلت في توفير البنى التحتية البشرية والتقنية والمادية المطلوبة. وقد تجلّى بعض هذه النشاطات في مضمون الممارسات والسياسات المستمرة من الماضي وإثرائها عدديًّا، والبعض الآخر نُفِّذ لأول مرة.

فعلى سبيل المثال، نُفِّذت دورات الدعم والتدريب في العام الدراسي 2014-2015 من أجل تلبية الاحتياجات المستمدّة من التحولات في المعاهد الدراسية. تتوزع هذه الدورات على ثلاث فتراتٍ مختلفةٍ: الدورة الأولى، والدورة الثانية، والدورة الصيفية، ويستفيد منها سنويًّا حوالي 10 ملايين طالب.

 ومع بداية العام الدراسي 2014-2015، بدأ تقديم المعونات التعليمية المشروطة لأصحاب الحاجة من أولياء أمور الأطفال الذين يداومون في مرحلة ما قبل المدرسة، وتتراوح أعمارهم بين 48 و72 شهرًا. ومن أجل زيادة معدّل التحوّل المدرسي ومعدّل الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى المتوسطة، ولاسيّما بين الأطفال الإناث، ورفع مقدار المعونات التعليمية للطالبات في المرحلة الابتدائية والمتوسطة. فقيمة المعونة الشهرية التي تُدفَع للطالبة الابتدائية التي تداوم في العام الدراسي 2017-2018 بلغت 40 ليرة تركية، و35 ليرة تركية للطالب، وطالبة المرحلة المتوسطة 60 ليرة تركية شهريًّا، و55 ليرة تركية شهريًّا لطالب المرحلة المتوسطة.

وفي هذا السياق أيضًا، بُدِئَ اعتبارًا من عام 2003 بتنفيذ حملة الكتب المدرسية المجانية، ولاسيّما من أجل بعض الأولياء والطلاب ممن يشكّل تأمين الكتب الدراسية عبئًا عليهم، حيث وُزِّعت الكتب المدرسية المجانية على الطلاب بداية العام الدراسي سنويًّا. وقد بلغ مجموع عدد الكتب الموزّعة مجانًا 2470242663 كتابًا منذ عام2003 حتى عام 2017. وبلغت كلفة هذا التطبيق 4147048148 ليرة تركية.

وشهد مقدار المنح الشهرية المقدمة لطلاب المرحلة الابتدائية والمتوسطة زيادة حقيقية، فقد كان مقدار هذه المنحة الشهرية لكل طالب 13.06 ليرة تركية عام 2003، وارتفعت هذه القيمة إلى 191.16 ليرة تركية عام 2017. وارتفع عدد طلاب الابتدائي والمتوسط المستفيدين من المنح الشهرية من 101382 طالبًا عام 2003 إلى 258192 طالبًا عام 2017.

كما مُكِّن في هذه الفترة أيضًا الطلاب الذين يداومون في المدارس والمؤسسات التعليمية الابتدائية والمتوسطة والخاصة، ومتدربو التعليم الخاص الذين يستفيدون من خدمات التعليم غير النظامي، الذين يُخشى حرمانهم من حقّ التعليم بسبب الصعوبات في المواصلة من إمكانية مواصلتهم التعليم عن طريق الانتقال إلى المدارس والمؤسسات الرسمية. ففي عام 2001، بلغ عدد الطلاب المستفيدين من التعليم بالانتقال 636 ألف طالب، وحدثت زيادة كبيرة في هذا العدد على مرّ السنين، فبلغ عدد طلاب المرحلة الابتدائية المنتقلين في العام الدراسي 2016-2017 إلى المدارس الرسمية 817799 طالبًا، إضافة إلى ذلك شهدت فترة العام الدراسي 2016-2017 انتقال 451550 طالبًا في المرحلة المتوسطة.

كما أن عدد الجامعات وطلاب الجامعات سجّل تطورًا حقيقيًّا في هذه الفترة، إذ كان عدد الطلاب الجامعيين عام في العام الدراسي 2002-2003، مليونًا و918482 طالبًا، وارتفع هذا العدد في عام 2017 إلى 7 ملايين و198987 طالبًا. وبلغ عدد الجامعات الحكومية والوقفية 73 جامعة عام 2002، وأصبح هذا العدد 184 جامعة في حزيران عام 2017، منها 112 جامعة حكومية و67 جامعة وقفية، و5 معاهد مهنية وقفية عليا. (الجدول6).

 

 

النوع

الدولة (الحكومة)

الوقف

المعهد المهني الوقفي العالي

المجموع

الجامعة

112

67

5

184

الكلية

1,248

417

 

1,665

المعهد العالي

366

100

 

466

MYO

858

98

5

961

المعهد

468

202

 

670

الجدول6: توزع مؤسسات التعليم العالمي

التطورات الجارية في سياق المؤشرات الكيفية*:

بذلت وزارة التربية الوطنية في فترة حكومة حزب العدالة والتنمية جهودًا كبيرة في إصلاح التعليم إصلاحًا شاملًا من أجل تمكين الطلاب من اكتشاف مهاراتهم وتطوير اهتماماتهم، وتنشئة أجيال قادرة على التنافس مع معاصريهم في العالم، والوصول بنظام التعليم إلى بنية أكثر ديمقراطية، وأكثر ارتكازًا على حقوق الإنسان، وأكثر مرونةً وتحضّرًا، وزيادة حصة القطاع الخاص في التعليم، وزيادة متوسط مدة التعليم. وقد أعدّت الوزارة -ولاسيّما بعد عام 2002- حزمًا إصلاحية مهمّة للغاية من حيث تحقيق هذه المهمّة المنتَظَرَة منها، وإسهامها في هيكلية المجتمع الديمقراطي، ورسم السياسات المنسجمة معها، ووضعها قيد التنفيذ. ومن الممكن إيجاز بعض هذه التغييرات التي نُفِّذت ضمن خطة عمل قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل، وتُعَدّ مهمّة على المستوى الحيوي من حيث حلّ المشكلات الرئيسة في نظام التعليم التركي، ويمكن إيجاز ذلك على الشكل الآتي:


 فلسفة النظام التعليمي:

تمّ التخلّي عن مفهوم التعليم البعيد عن الحداثة الذي يعتمد على المبادئ البيداغوجيا [التربوية] والعلمية التي تهدف إلى انغلاق جيل الشباب على أيديولوجيا وضعية رسمية جامدة في ضوء نماذج الدولة القومية والأيديولوجيا الوضعية للقرن التاسع عشر، والذي يزيد من الاستقطاب الاجتماعي، ويقصي شريحةً محدَّدةً من المجتمع، ويشجع الطلاب على التعصّب الأيديولوجي الصارم بدل إعدادهم للحياة، وبدلًا من ذلك، أُنشِئت فلسفة تعليميَّة أكثر ديمقراطية وتحررية، وأشدّ احترامًا للحقوق والحريات الأساسية، تستند إلى حقوق الإنسان الأساسية. وقد وردت تفاصيل الدراسات التي أُجرِيت في سياق عملية إنشاء الفلسفة التربوية المعنية، والكثير منها ذات طبيعة إصلاحية؛ مفصّلة في الفصل الثالث.

المناهج البنائية:

تُعدّ البرامج التعليمية التي أُعِدّت تماشيًا مع المناهج البنّاءة، وبدأ تطبيقها في المدارس منذ عام 2004- خطوة مهمّة للغاية نحو تغيير النماذج التقليدية التي توجّه السياسات التعليمية في بلدنا. حَدَّثت رئاسة مجلس التربية والتعليم البرامج الدراسية في المرحلة الابتدائية والمتوسطة وفق مفهوم المنهج البنائي، وفي موازاة ذلك أُلِّفت كتب دراسية جديدة. وبهذا الشكل عُمِل على إنشاء مفهوم جديد يتمركز حول الطالب، ويقدّر المعرفة والمهارة، ويسمح للطالب بالتفاعل مع البيئة، آخذًا بعين الاعتبار تجاربه الخاصة، وميزاته الفردية.

النظام التعليمي الجديد:

اعتُمِد نموذج جديد للنظام التعليمي الإلزامي، هو النظام التعليمي المرحلي، ومدته اثنتا عشرة سنة، ويُعرَف باسم 4+4+4 أيضًا. فمن خلال هذا التغيير تمّ التخلي عن منطق التعليم المتواصل اللاديمقراطي المُرْغِم، الذي اعتُمِد بشكل خاصّ بصفته ناتجًا من نواتج عملية 28 شباط الانقلابية، ورُفِعت العملية التعليمية الإلزامية بشكل متقطع إلى اثنتي عشرة سنة. وبموجب نظام التعليم المرحلي الإلزامي الذي بدأ تطبيقه في عام 2012 أُجرِيت ترتيبات متجذرة تؤثر في جميع مكوّنات التعليم، وفتح الطريق أمام اختيار المدرسة، وتخطيط العملية التعليمية وفق تفضيلات الطالب وأسرته.

 

نظام الامتحان

تمّ التخلي عن امتحان الانتقال إلى التعليم الثانوي الذي يعتمد على التصفية، والمعروف بين الناس باسم امتحان تحديد المستوى (SBS) منذ بداية عام 2013، واستُبدِل به تطبيقٌ جديد. وقد تمّ الانتقال بنجاح إلى النموذج الذي طُوِّر في إطار تطبيق "الانتقال من التعليم الأساسي إلى التعليم الثانوي" (TEOG)  الذي طُوِّر بغية إنشاء مفهوم جديد للتعليم يتوافق مع نظام التعليم 4+4+4 ويتمركز حول المدرسة والمدرّس.

وفي هذه العملية أيضًا، نُوِّعت المدارس في مرحلة التعليم الثانوي، وخُفِّضت الفوارق المادية في البنى التحتية بين المدارس إلى حدّ كبير، وأُجرِيت الدراسات حول زيادة مؤهلات المدرّسين، ونُشِرت في إطار مشروع الفاتح مواد تعليمية، مثل كتاب الإثراء z-Kitap [الكتاب المساعد في التعليم]، وزيادة أعداد الجامعات والحصص الدراسية إلى مستوى يلبّي حاجة الطلاب في البلد. وبذلك استُغْنِي إلى حدّ كبير عن الحاجة إلى امتحان الانتقال إلى التعليم الثانوي الذي يعتمد طريقة التصفية، وأُنشِئ نموذج أكثر مرونة يتضمن الانتقال بدون امتحان.

بفضل هذا النموذج الجديد سيكون بالإمكان الابتعاد عن مفهوم نظام التعليم الذي يرتكز على الامتحان المحض، والتخلص من الرغبات الموجّهة نحو العناصر غير المدرسية، والقضاء على التوتّر الذي يسبّبه إجراء تقييم عملية تنمية الطالب وتعليمه التي استمرّت سنوات من خلال امتحان يعتمد التصفية فقط، وتحديد نجاح الطالب وفقًا لمؤشر أداء متعدد الأبعاد في فترةٍ زمنيةٍ واسعةٍ، لا اعتمادًا على الأداء الآني فقط، والأخذ بعين الاعتبار الأداء الأكاديمي للطالب قبل المرحلة الثانوية، إلى جانب نجاحاته الفنية والرياضية والاجتماعية.

 

التحولات في المعاهد الدراسية [البيوت الدراسية]

بموجب القانون الأساسي للتعليم الوطني رقم 6528 المنشور بتاريخ 14. 03. 2014 في العدد 28941 من الجريدة الرسمية إلى جانب القانون المتعلّق بإجراء تعديلات في بعض القوانين والقرارات بمثابة القوانين- أُجرِيت تعديلات على قانون مؤسسات التعليم الخاص رقم 5580، وبُدِئ بإخضاع المعاهد الدراسية إلى (برنامج التحول) وفقًا لأحكام القانون. وهكذا، قُضي على السلبيّات التي تتولّد عن المعاهد الدراسية التي تفرض على الطلاب أن يخوضوا في سنٍّ مبكّرة جدًّا عمليةً تركِّز على الامتحان المحض ودورةً دراسيةً مكثفة، وتفتح الطريق أمام القضاء على حياتهم الاجتماعية، وتشكّل بيئة تعليمية بديلة تسبب أعباء مالية خطيرة لأولياء الأمور.

إضافة إلى ذلك، تمّ من خلال هذا الإجراء الحدّ من الاستثمارات المكرّرة الموجّهة إلى قطاع التعليم الخاص، واتخاذ خطوة مهمّة في التوجّه نحو الاستخدام الرشيد للموارد الوطنية. فعلى الرغم من الارتفاع الكبير في إسهام القطاع الخاص في التعليم عند أخذ المعاهد الدراسية بعين الاعتبار، فإن كون هذه المعاهد تكرارًا للمدرسة[1] جعل هذه المعاهد عبئًا جديدًا على المجتمع، وابتعادًا عن الاستخدام الأمثل للموارد العامة. من خلال هذا الإجراء شُجِّع التحول من المعاهد الدراسية إلى المدارس الخاصة، وارتفع معدل التحوّل إلى المدارس الخاصة خلال عامين من 2% إلى 8 %.

بدأ تقديم الطلبات في إطار برنامج التحوّل اعتبارًا من تاريخ 2 حزيران 2014. وقد استُثنِيت المعاهد التي يشملها برنامج التحول، وتمّ التأكد من صلتها بتنظيم غولن أو كيان الدولة الموازي، أو المؤسسات التي لا تفي بالتزاماتها من البرنامج. وبلغ عدد المعاهد الدراسية التي استُثنِيت من البرنامج في هذا الإطار 845 معهدًا. وسوف يستمر التزام المعاهد الدراسية التي يشملها برنامج التحول الحالي بالتحول إلى المدارس الخاصة حتى نهاية عام العام الدراسي 2018-2019.

 

التعديلات على سياسة توظيف المدرّسين

استُحدِث برنامج تدريب المعلمين المرشّحين للمرة الأولى من أجل زيادة المؤهلات الشخصية والمهنية للمدرّسين الذين يباشرون في المهنة. وقد بدأ تنفيذ هذا البرنامج مع 30 ألف مدرّس، وُظِّفوا في شهر شباط من عام 2016. وهكذا توفّر للمدرسين المرشّحين الذين باشروا الوظيفة حديثًا الالتحاق ببرنامج تعليم محدّد، ويمكن للذين يُنهون هذا البرنامج بنجاح أن يباشروا وظيفة التدريس. بفضل هذه العملية تمّت الاستفادة من خبرات المدرّسين الذين أمضوا سنوات في الوظيفة في تدريب المدرّسين المرشحين.

وبدأت الوزارة في هذه العملية كذلك بتوظيف مدرّسين متعاقدين في المؤسسات التعليمية النظامية وغير النظامية التي لديها شواغر في الكادر التعليمي المعياري. وسيُعيَّن المدرّسون المتعاقدون من بين الذين يملكون الشروط العامة المنصوص عليها في المادة 48 من قانون موظفي الدولة رقم 657 إلى جانب الشروط الخاصة المطلوبة للتعيين في الكادر التعليمي، بحسب ترتيب درجة النجاح في الامتحان الشفهي الذي تجريه الوزارة للمرشحين من بين ثلاثة متقدّمين للموقع الواحد بحسب ترتيب درجة نجاحه في امتحان (KPSS). إضافة إلى النجاح الأكاديمي والنجاح في الامتحان الشفهي للمرشحين، يُقيَّم المدرسون وفق المؤهلات التي يمتلكونها، مثل التواصل، والتعبير عن الذات، والانفتاح على الابتكارات. والمعلمون الذين تمّ التعاقد معهم عملًا بهذه المادة مُلْزَمَون بالعمل في المكان الذي هم فيه لمدة أربع سنوات. وفي حال تغيير الأماكن بمسوِّغ وحدة الأسرة، تتبع زوجة المدرّس المتعاقَد معه زوجها بموجب هذه المادة.

يخضع المعلمون المتعاقِدون لعملية الترشيح المقررة للمعلمين المرشحين. ويُعَيَّن المعلمون المتعاقدون الذين أكملوا فترة العمل لمدة أربع سنوات التي يتطلبها العقد ضمن الكادر التعليمي الذي هم فيه. والذين يُعيَّنون في هيئة التدريس، سيخدمون سنتين على الأقل في نفس المكان، ولن تسري عليهم أحكام الترشيح.

ومن شأن التعاقد مع المدرّسين أن يجعل توزيع المعلمين بين المناطق وكذلك داخل المنطقة أكثر توازنًا، وستزداد مدة بقاء المعلمين في المناطق المحرومة خاصة، ومن ثَمّ يُوضَع حدّ للتحركات الفوضوية التي تؤثر بشكل سلبي في حق الطلاب في التعليم من خلال تمديد مدة عمل المدرسين في هذه المناطق.

 

مكافحة تنظيم غولن الإرهابي

 توجّهت بعض المجموعات المحدّدة إلى قطاع التعليم من أجل اكتساب الشرعية الاجتماعية وإنشاء أجيال تنسجم مع أهدافها، وذلك خلال عمليات الانقلاب أو محاولات الانقلاب التي شهدتها تركيا بشكل دوري كل عشر سنوات، (ولاسيّما في 12 أيلول 1980 و28 شباط 1997). وأنشأت في هذا الصدد نظام وصاية محكَمة، ولاسيّما في مجال المعاهد الدراسية ودور النشر.

ولأن جيل الشباب هو الفئة التي تستهدفها المنظمات الإرهابية بداية؛ فإن وزارة التربية الوطنية على أهبة الاستعداد من أجل الكفاح ضد التنظيمات الإرهابية، مثل تنظيم (فتو) وأمثاله. وقد تحركت الوزارة بهذا الوعي والمسؤولية منذ بداية عملية تحوّل المعاهد الدراسية التي بدأتها في 2013، وهي تجري تغييرات جذرية في جميع المجالات بدءًا من إعادة هيكلة تشكيلاتها وحتى اللوائح التشريعية. وتُتّبَع في هذا السياق إستراتيجية كفاح دينامية ضد أساليب وأنشطة التنظيمات المعنية التي باتت مفتوحة ومكشوفة، ويستمر العمل في كشف القدرات الخفية للتنظيم الإرهابي في مجال التعليم كليًّا.

في إطار هذه الأعمال التي بدأت قبل حوالي ثلاث سنوات من محاولة الانقلاب الفاشلة المشؤومة في 15 تموز 2016، خُفِّض معدّل عدد الطلاب المسجّلين في المدارس الخاصة التابعة للكيان المذكور بالنسبة للعدد المسجّل في المداس الخاصة الأخرى تخفيضًا ملحوظًا، إذ بلغ هذا المعدل 26.60% في العام الدراسي 2013-2014، وانخفض في العام الدراسي 2014-2015 إلى 14.76%، وفي عام 2015 – 2016 إلى 11.35%.

وبعد محاولة انقلاب 15 تموز أُغلِقت المؤسسات التابعة لهذا الكيان جميعُها، ونُقِلت إلى ملاك الوزارة. وكذلك الكيانات المتصلة بتنظيم غولن والمؤيّدة لها، إذ تمّت متابعة نشاطاتها ولاسيّما تلك التي تتوجّه إلى تصميم القطاع من خلال الرأسمال الأجنبي، ونُظِّمت تشريعات من شأنها الحدّ من تلك النشاطات.

ونتيجة لتكثيف الأعمال بعد 15 تموز، نُفِّذت عملية تأديبية ذات صلة بأعداد كبيرة من الأشخاص الموظّفين في التشكيلات المركزية والفرعية للوزارة، الذين لهم ارتباط وصلة بأعضاء تنظيم غولن وأشباهه، وأُخْرِج من الوظيفة مَن ثبت بحقه هذا الارتباط. وبهذه الطريقة مُنِع هؤلاء الأشخاص من محاولة التلاعب بجيل الشباب في المؤسسات التعليمية لأغراضهم الخاصة.

 

التطورات في سياق التحوّل الديمقراطي:

في فترة سلطة حزب العدالة والتنمية وُضِعت سياسات تعليمية عقلانية وديمقراطية تهدف إلى إنشاء فلسفة تعليمية أكثر تعددية وتحررية، وتستند إلى حقوق الإنسان، وتحترم الحقوق والحريات الأساسية. إلى جانب الهدف التربوي للمدارس، أجريت دراسات لتكون بمثابة أداة تؤدي الخدمات في السياسة الاجتماعية.

في هذه العملية أُعِيد النظر في المناهج والكتب في جميع المراحل التربوية والتعليمية، ونُقِّحت من المحتويات والعبارات العنصرية والإقصائية والتمييزية التي تبعث القلق أو تثير الضغينة لدى الناس من أتباع الجماعات الدينية أو المجموعات العرقية المختلفة. وقد مُنِحت الأولوية للقيم، وثقافة ووعي العيش المشترك، والمبادئ العالمية في المناهج والكتب في جميع المراحل التربوية والتعليمية، والإكثار من طرح الأمثلة التي تشير إلى أهمية الوحدة والتضامن.

وأُحدِثت بدائل جديدة من الدروس الاختيارية التي تلبّي حاجات الشعب ورغباته الدينية. وبذلك قُطِعت مسافاتٍ كبيرةٍ نحو إنشاء مناخ تعليمي تعدّدي شامل، يعتمد مرجعية الشراكات القائمة على الثقافة والتاريخ والإيمان، التي تقضي على الممارسات الشمولية والتحريمية بالكامل، والممارسات القائمة على العنصرية.

وفي مسار السياسات التحررية التي تُمكِّن من إضفاء الطابع الديمقراطي على مجال التعليم إلى حدّ كبير- سُرِّعت وتيرة وضع المناهج المتضمنة للغات واللهجات الحية، وعلى رأسها اللغة الكردية، بما ينسجم مع روح حضارتنا القديمة، وبغرض الإسهام في ممارسة حق التربية والتعلم باللغات واللهجات المختلفة من دون المساس بحقيقة أن اللغة التركية هي اللغة الرسمية الوحيدة. وأُجرِيت الدراسات المتعلقة بتوظيف المعلمين أصحاب المؤهّلات التي يمكن أن تقدّم هذه الدروس.

كما أجرت وزارة التربية الوطنية عددًا كبيرًا من الترتيبات القانونية التحررية في هذه العملية التي تستهدف تنقيح الساحة التعليمية من جميع المفاهيم الوصائية والممارسات التحريمية. فعلى سبيل المثال؛ أدخلت وزارة التربية الوطنية تعديلًا على المادة الثالثة من المرسوم المتعلق بمظهر ولباس طلاب المدارس، من أجل تعزيز ممارسة الملابس الحرة التي أطلقتها الوزارة في عام 2012. وقد أُلحِق بالتعديلات المذكورة خيار اللباس الموحّد ضمن الخيارات الحرّة أيضًا، ودخل القرار الذي يقضي على تحديد اللباس في جميع المدارس الرسمية والخاصة وفق خيار 51% من أولياء الأمور.

ومن خلال إلغاء قانون منع الحجاب فُتِح الطريق أمام المعلمّات اللاتي حُرِمن من حق العمل بسبب معتقداتهن ولباسهن- بإمكانية توظيفهن في الأماكن الرسمية، وحُدِّثت التشريعات ذات الصلة وفقًا لذلك. وفي هذا السياق أيضًا، أُجريِت الترتيبات التشريعية المطلوبة من أجل عودة المعلمات المحجّبات اللاتي تضررن بشكلٍ يخالف مبادئ القانون الدولي، وأُبعِدن من أعمالهن في فترة 28 شباط- إلى وظائفهن، وأُعِيدت المعلمات اللاتي تقدّمن بطلباتهن إلى أعمالهن.

 وفي هذا الإطار تمّ التخلي عن الممارسات المليئة بالخطابات الحماسية التي تستهدف توجيه جيل الشباب في المدارس بما يتماشى مع الأيديولوجيا الرسمية. كما حُدِّثت التشريعات ذات الصلة في نطاق الترتيب القانوني الذي يسمح بافتتاح المدارس الخاصة التي تدرّس باللغات واللهجات المختلفة التي تعكس ثراء تركيا الثقافي. كما أن التشريعات الأخرى (القوانين والتوجيهات) ذات الصلة بالتعليم، والمناهج والبرامج التعليمية تُراجَع وتُحلَّل باستمرار من حيث المبادئ الديمقراطية والإنسانية. والهدف من ذلك جعل جميع المواد ذات الصلة بالتعليم وفي مقدمتها المناهج المنسجمة مع القيم الوطنية والروحية والمبادئ الديمقراطية، وعدم اختزال وظيفة المدارس في العملية التربوية فقط، بل جرى تحويلها إلى الأماكن العامّة التي تسهم في التطور الإيجابي للعلاقات بين الدولة والمواطن.

 

الخاتمة:

بدأت تركيا عملية التحوّل الجذري في الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، الذي يمكن أن يوصف (فترة حكم حزب العدالة والتنمية) والمستمرّة حاليًّا. وكما هو الحال في العديد من المجالات، أسهمت تلك العملية في التغيرات النموذجية في مجال التعليم أيضًا.

في هذه العملية التي شهدت اندماج الاستقرار السياسي التي أحدثته سلطة الحزب الواحد مع القيادة القوية والبصيرة- نُقِّح المجال التعليمي من الطابع الأيديولوجي الصارم والشمولي واللاديمقراطي الموروث من السنوات الماضية من ناحية، وطُوِّرت من ناحية أخرى البنية التحتية البشرية والفيزيائية والعلمية والتكنولوجية تطويرًا لا يمكن مقارنته بالماضي، وبشكل يستحوذ على المعايير العالمية المعاصرة.

وممّا لا شكّ فيه أن أهم هذه التطورات هو التغيير الذي حدث في مجال التعليم. فالتعليم في الواقع لم يُنْظَرْ إليه في فترة حزب العدالة والتنمية على أنّه مجال استثماري ضروري من أجل رخاء البلاد ماديًّا فحسب، بل عُدَّ في الوقت نفسه عملية تعليمية دينامية ومستمرة تبعث الحيوية في كيانه الاجتماعي والثقافي أيضًا.

والهدف النهائي من هذه العملية التي تُناقَش فيها الظاهرة التعليمية في منهج شامل وتُوضَع في أرضية متعددة الأبعاد- هو الكشف عن كل إمكانات تركيا التي تستند إلى حقائقها التاريخية والاجتماعية والثقافية بكل أبعادها، وإنشاء مساحة للحرية تمتدّ من الفرد إلى المجتمع، ومن المحلّي إلى العالمي، ومن الماضي إلى المستقبل؛ لأن عملية التعليم هي عملية تحرير أيضًا؛ لأن المجال التعليمي هو المسوّغ الأساسي للوجود البشري على الأرض، وهذا يجعل من الضروري إعادة هيكلته بشكل يتضمن جميع الشروط التي تجعل منه الإنسان "الصالح الحرّ الذي يعرف ذاته".

إلى جانب هذه الفعاليات المذكورة آنفًا في مجال التعليم، نُفِّذ عدد كبير من الفعاليات الموجّهة لحل المشكلات التي ظهرت في العالم في هذا المجال، ولم تجد أيّ دولة في العالم حلًّا مثاليًّا لها؛ مثل عدم انسجام التصميم المدرسي والصفي والفصلي الموروث من القرن التاسع عشر مع عالم الرقميات المعاصر، والحاجة إلى تغيير التعريفات المتعلقة بالأعمال والمهن التي تحتاجها الهيكلة الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين، وانعكاس تغيّر الأدوار في الهياكل الاجتماعية وفي العلاقات الأسرية على مجال التعليم، والمشكلات النوعية التي لوحظت مع انتشار التعليم الجماعي، والحاجة إلى تعريف جديد لأدوار المدرسة والمعلّم والطالب نتيجة التطور السريع في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. كما تمّت دراسة نماذج من البلدان المتقدمة بغية الاستفادة من الخبرات الدولية، ووُضِعَت السياسات بشأن هذه الموضوعات. والجدير بالذكر أن هذه المشكلات لا يمكن حلّها من خلال السياسات التي تنفذها وزارة التربية الوطنية وحدها، فحلول المشكلات المعقدة التي تتأثر بالعديد من المتغيرات على الساحة الاجتماعية تكمن في سياسات شاملة متعددة الأبعاد تتضافر فيها جهود جميع أصحاب المصلحة في التعليم.

ومن الواضح أخيرًا أنّ نموذج التعليم والمدرسة الذي طُوِّر في القرن التاسع عشر لن يلبّي متطلبات العصر. لذلك أكملت حكومة حزب العدالة والتنمية إلى حدّ كبير الخريطة القصيرة والخريطة المتوسطة الأجل اللتين رسمتهما من أجل إعادة هيكلة المجال التعليمي خلال الربع الأول من القرن الحالي، من خلال القضاء على نقص البنية التحتية المادية التي تحتاجها هذه الهيكلة. وإنّ المرحلة المقبلة ستركز على تحقيق الهدف النهائي في المجال التعليمي المتمثّل في الوصول إلى الأهداف التي وضعتها تركيا نصب عينيها في (رؤية 2023 و2071)؛ أي استكمال عملية التحرّر.

الهوامش والمراجع:

 

* لمزيد من المعلومات؛ انظر: يوسف تكين، "المسيرة التركية في التحول الديموقراطي والسياسات التعليمية"، مجلة تركيا الجديدة / Yeni Türkiye Dergisi، العدد: 58، (أيّار- حزيران 2014)، ص135-143.

[1] فالطالب يتلقى الدروس مرّتين، مرّة في المدرسة ومرّة في المعهد، لكن تحويل المعهد إلى مدرسة خاصة يفتح خيارًا أمام الطالب يحافظ فيه على التنافس في النوعية من دون تكرار الدروس، ومن ثَمّ النفقات. المترجم.


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...