تولى مسعود پزشكيان منصب الرئيس التاسع لإيران عقب تطور استثنائي وغير مألوف؛ إذ لقي الرئيس الثامن إبراهيم رئيسي، مصرعه في 19 مايو 2024م في أثناء عودته إلى إيران بعد مشاركته في افتتاح سدّ في أذربيجان، إثر تحطّم مروحيته التي كان على متنها أيضًا وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان. بعد هذا الحدث الصادم، تولى محمد مخبر النائب الأول للرئيس مهام الرئاسة بالوكالة وفقًا للدستور. كما بدأت الاستعدادات لإجراء الانتخابات الرئاسية التي يجب تنظيمها خلال 50 يومًا لتحديد الرئيس الجديد، بحسب ما ينص عليه الدستور.
في الانتخابات المقرر إجراؤها في 28 يونيو، يتطلب الترشح الحصول على موافقة مجلس صيانة الدستور. ومن بين 80 شخصًا قدموا طلباتهم للترشح، حصل 6 أشخاص فقط على هذه الموافقة. وجرى تحديد الأسماء الستة التي حصلت على الموافقة كالآتي: مصطفى بورمحمدي، سعيد جليلي، محمد باقر قاليباف، علي رضا زكاني، أمير حسين قاضي زاده هاشمي، مسعود پزشكيان.
في انتخابات 28 يونيو، لم يتمكن أي من المرشحين من تحقيق نسبة الـ50% المطلوبة للفوز بالرئاسة، وهذا استدعى إجراء جولة إعادة بين المرشحينِ الحاصلين على أعلى نسب تصويت: پزشكيان وجليلي. تجدر الإشارة إلى أن نسبة المشاركة في الجولة الأولى بلغت 40%، وهي الأدنى في تاريخ إيران منذ الثورة.
في الجولة الثانية التي تنافس فيها المحافظ الراديكالي سعيد جليلي والإصلاحي مسعود بزشكيان برز عاملان حاسمان في تحديد الفائز: الأول هو إلى أي مرشح ستتجه أصوات محمد باقر قاليباف الذي تبوّأ المركز الثالث في الجولة الأولى؟ والثاني هو نسبة المشاركة في الانتخابات؛ هل ستزداد أو لا؟
تقليديًّا، الناخبون الذين يتوجهون إلى صناديق الاقتراع في إيران هم من التيار المحافظ، لهذا فإن مشاركة الإصلاحيين هي التي تغير النتائج؛ أي إذا كانت نسبة المشاركة مرتفعة، فهذا يشير إلى أن الإصلاحيين قد شاركوا بكثافة؛ لذا، لكي يفوز پزشكيان، كان عليه أن يخاطب قاعدة قاليباف الانتخابية، وأن يرغّب الإصلاحيين في التوجه إلى صناديق الاقتراع.
في هذه المرحلة، تبنّى پزشكيان خطابًا هجينًا أمام الناخبين، حيث استخدم شعارات إصلاحية، وأكّد في الوقت ذاته ولاءه للمرشد الأعلى علي خامنئي، ودعمه للحرس الثوري الإيراني. كما استشهد بآيات من القرآن الكريم ومقتطفات من نهج البلاغة، وقرأ في إحدى المناظرات آية أو حديثًا كل 5-6 دقائق. بهذه الطريقة، استطاع پزشكيان مخاطبة كل من الناخبين المحافظين والإصلاحيين.
علاوة على ذلك، وجّه پزشكيان خطابه إلى الأقليات العرقية والطائفية. ولأنه من أصول تركية، تواصل مع الأتراك الإيرانيين باللغة التركية، كما تحدث مع الأكراد باللغة الكردية التي يتقنها. هذه المهارات منحته ميزة إضافية وجعلته في موقع متقدم. إلى جانب ذلك، عبّر پزشكيان عن مطالب النساء، والشباب، ودعاة التغيير، ووعد بتحقيق هذه المطالب.
ركّز پزشكيان على تعزيز الوحدة الوطنية داخل البلاد، وأعلن أنه سيعتمد على الحوار والتفاهم في السياسة الخارجية. في المقابل، حافظ سعيد جليلي على نبرته المحافظة المتشددة، ولم يقدّم أي تنازلات، مستمرًّا في مخاطبة الناخبين الراديكاليين فقط. بالنسبة للناخبين المحافظين التقليديين، عُدّ خطاب جليلي متطرفًا للغاية، إذ اتخذ موقفًا صارمًا ضد جميع أشكال العلاقات تقريبًا مع الغرب.
أُجرِيت الجولة الثانية من الانتخابات في 5 يوليو 2024، وفاز مسعود پزشكيان بحصوله على 16.4 مليون صوت بنسبة 53.7%، وارتفعت نسبة المشاركة إلى 49.8% .
يشكل انتخاب پزشكيان تطورًا تحويليًّا في المشهد السياسي الإيراني. فمنذ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي عام 2018، شهدت السياسة الإيرانية زيادة تدريجية في هيمنة المحافظين. ومع فوز رئيس إصلاحي، ظهرت إمكانية تحقيق توازن أكبر في المشهد السياسي الإيراني.
في الآونة الأخيرة، هيمنت السياسة المحافظة على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية في إيران، وهذا أدى إلى تهميش شريحة كبيرة من الشعب. وقد عكست احتجاجات مهسا أميني عام 2022 هذا الاستياء الشعبي، حيث تجاوزت معارضتها للحجاب الإلزامي لتُظهر حالة الإحباط العامة. كما أن انخفاض نسب المشاركة في الانتخابات، التي تُعَدّ مصدر شرعية النظام، إلى أدنى مستوياتها التاريخية كان مؤشرًا خطيرًا لإيران. على سبيل المثال، بلغت نسبة المشاركة في انتخابات البرلمان عام 2020 حوالي 42.6%، وهي الأدنى منذ ثورة 1979. أما انتخابات الرئاسة عام 2021، فشهدت ارتفاعًا طفيفًا إلى 48.8%، لكنها بقيت الأدنى في تاريخ الانتخابات الرئاسية للجمهورية الإسلامية. في هذا السياق، يُعد انتخاب شخصية مثل پزشكيان، القادر على التواصل مع مختلف فئات المجتمع دون أن يشكل تهديدًا للنظام، تطورًا مهمًّا. فهو يسهم في تحقيق الوحدة السياسية المطلوبة، وإنقاذ النظام من أزمة شرعيته المتفاقمة.