يُعَدّ مفهوم الرأي العام أحد المفاهيم الحديثة في حقل العلوم السياسية، الذي تبلور بمعناه المعاصر في مرحلة ما بعد الحداثة، وأضحى بحدّ ذاته متغيّرًا فاعلًا في العملية السياسية، وبخاصة في الدول الديمقراطية. يكتسب الرأي العام خصوصية في "إسرائيل" كونه يعبّر عن حالة اجتماعية وسياسية فريدة، إذ إن حالة النظام السياسي الإسرائيلي ترتبط جذريًّا بالبناء الاجتماعي الإسرائيلي، وهو بناء مخترع، يحمل جملة من التعقيدات الموضوعية والبنيوية التي تواتر تشكيلها وتطورها على مدار عقود، ويُشار هنا إلى جملة الفجوات والصدوع التي تقسم المجتمع الإسرائيلي إلى عدة فئات متداخلة، وتعيد صياغة هويتها في عدة أنماط دينية وسياسية وعرقية متناقضة، هذه الأنماط الهوياتية بدورها تؤدّي دورًا حاسمًا في تشكيل أنماط الرأي العام، وتسهم جوهريًّا في خلق التصورات والإدراكات المختلفة لكل مجموعة اجتماعية إزاء مختلف القضايا، وعلى رأسها مسألة الحرب والأمن.
ويُفترَض أن تشكّل مسألة الحرب والأمن وعيًا متقاربًا لدى جميع الإسرائيليين على قاعدة الشعور بالتهديد الجمعي، إلّا أنّ تعدّد الهويات قلّص من هذا الوعي، خصوصًا أن التعرض لإسقاطات الحرب لم يكن متساويًا لدى الفئات الاجتماعية كافة، إذ تعرضت الفئات المقيمة على الحدود الجنوبية والشمالية لمخاطر الحرب، واضطرت طوال فترة القتال للنزوح، ويمكن فهم ذلك بشكل أكثر وضوحًا في البيانات التي تشير إلى أن أكثر سكان هذه المناطق، وكذلك أهالي الأسرى هم من اليهود الشرقيين الذين هم أدنى من اليهود الغربيين في السلم الاجتماعي.
فضلًا عن ذلك فإن طول مدة الحرب أدى إلى حالة من عدم الانتظام في إدراك الرأي العام إزاء مختلف القضايا، ففي بداية الحرب انصبّ اهتمام الرأي العام على مسألة الإخفاق الأمني والعسكري في هجوم 7 أكتوبر، وكذلك قضية الأسرى، وأداء الجيش في غزة، وقدرة "إسرائيل" على تحقيق أهداف الحرب المعلنة، وكان من الملاحظ أن مزاج الرأي العام تقلّب بالتوازي مع تطورات الحرب، وتغيرات ظروف البيئة الإقليمية والعالمية.