وقّعت فصائل المقاومة الفلسطينية و"إسرائيل" اتفاق الهدنة الثاني خلال الحرب التي اندلعت يوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، بعد مفاوضات استمرت حوالي 13 شهرًا. يأتي هذا الاتفاق بعد شهور مضنية من الجولات التفاوضية التي أدارها وسطاء إقليميون ودوليون، وانتقلت جولاتها عبر عدة عواصم عربية ودولية، مثل الدوحة والقاهرة وباريس وواشنطن وروما.
يأتي هذا الاتفاق بعد أكثر من 15 شهرًا من الحرب الطاحنة، قتلت فيها "إسرائيل" ما يقرب من 45 ألف فلسطيني، فيما أخفقت حربها في تحرير كامل الأسرى الإسرائيليين بالقوة العسكرية. فمنذ بداية الحرب أعلنت "إسرائيل" أن حماس تمكّنت من أسر 251 إسرائيليًّا، ولم تتمكن "إسرائيل" بعد كل هذه الحرب العنيفة إلا من تحرير 7 أسرى فقط على النحو الآتي: في 30 من تشرين الأول/أكتوبر 2023 تمكن الجيش الإسرائيلي من تحرير مجندة في عملية "بزوغ النور"؛ ثم تمكن الجيش من تحرير أسيرين آخرين في عملية "اليد الذهبية" من مخيم رفح بتاريخ 12 شباط/فبراير 2024؛ كما تحقّق تحرير 4 أسرى أيضًا بعملية "أرنون" بتاريخ 8 حزيران/يونيو 2024. بالمقابل أفرجت حماس في الأسابيع الأولى للحرب عن 4 أسرى بقرار من طرف واحد لأسباب إنسانية؛ وحرّرت الصفقة الأولى التي جرى توقيعها في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر 2024 ما يصل إلى 105 من الأسرى الإسرائيليين. تزايد الشعور العام في "إسرائيل" بضرورة إعادة الأسرى عن طريق المفاوضات، حيث أيّد 52٪ من الإسرائيليين الذين استطلعت صحيفة معاريف آراءهم في شهر كانون الثاني/يناير 2025 توقيعَ صفقة شاملة لتحرير الأسرى كافة، إلا أن المعضلة كانت في ثبات نسبة مؤيدي الحرب واستمرارها حتى القضاء على حركة حماس، التي تقترب من 48٪ بحسب استطلاعات الرأي الإسرائيلية، وهي عادةً نسبة تمثل في غالبيتها المصوتين لأحزاب اليمين الحاكم؛ أي أن الرأي العام الإسرائيلي كان جزءًا من المشكلة، إذ تؤيد الغالبية اتفاقًا سياسيًّا يعيد الأسرى، لكنها تؤيد أيضًا استمرار الحرب وهو السبب الرئيسي في إخفاق هذا الاتفاق. وقد عزف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو (Benjamin Netanyahu) على وتر هذا التناقض الشعبي في الاتجاهات، واستطاع ضمان بقاء ائتلافه الحاكم رغم كل التحديات التي واجهت عهده المسؤول أولًا وأخيرًا عن إخفاق "إسرائيل" السابع من أكتوبر.
ارتكزت المفاوضات في شهرها الأول والثاني على إنجاز اتفاق شامل ينهي ملفَّي الحرب والأسرى معًا، فيما استمرت مفاوضات الشهور التالية، ابتداءً من شباط/فبراير 2024، وفقًا لمبادئ "وثيقة باريس" التي وضعت إطارًا عامًّا للمفاوضات ينص على تقسيم المفاوضات إلى ثلاث مراحل: يجري التركيز في المرحلة الأولى على تبادل الأسرى ذوي الحالات الإنسانية وهم المدنيون والأطفال والمرضى، فيما يجري التفاوض على تبادل الرجال والمجندين في المرحلة الثانية، واستعادة الهدوء الكامل ووقف الحرب في المرحلة الثالثة.
إن التوصل إلى اتفاق المرحلة الأولى استجابة مباشرة للإطار التفاوضي الذي اقترحه الوسطاء في اجتماع باريس المذكور، وتحليل تحديات الاتفاق وفرصه ومضامينه قد لا يكون ممكنًا من دون استحضار هذا الإطار باستمرار.