مثّل هجوم المقاومة الفلسطينية في (معركة "طوفان الأقصى") يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 على أهداف تَتْبَع الاحتلال الإسرائيلي حول قطاع غزة المُحاصَر تطوّرًا نوعيًّا مُباغتًا. سرعان ما تبنّت التغطيات الإعلامية في البيئات الأوروبية رواية إيقاع المقاومة الفلسطينية "مذبحة مروِّعة بحق المدنيِّين الإسرائيليين"، وجرى ترويج حكايات مُلفّقة انكشف لاحقًا أنها أخبار مزيّفة.
انطلقت موجة "تضامن" رسمية غير مسبوقة عبر أوروبا مع الجانب الإسرائيلي وتوالت منذ الساعات الأولى للحدث مواقف إدانة شديدة اللهجة في عموم أوروبا لهجوم المقاومة الفلسطينية، مشفوعة بعبارات نمطية تؤكِّد "حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، مع ميْل إلى مُزايدات في التعبير عن هذا الموقف من جانب بعض الأطراف. شكّلت المواقف السياسية والتغطيات الإعلامية وتعليقات الشخصيات العامّة حالة جارفة من التنديد الشديد بعملية "طوفان الأقصى" مصحوبة بتوفير ذرائع ذات مفعول تبريري للعدوان الواسع الذي شرع جيش الاحتلال في شنِّه على قطاع غزة في اليوم ذاته.
وعمومًا، تحاشت معظم المواقف السياسية الأوروبية الإشارة إلى واقع الاحتلال المزمن والحصار المُشدّد على قطاع غزة، كما توارت الدعوات إلى "ضبط النفس"، أو أهمية التوصّل إلى حلّ سياسي للصراع، وجاء التذكير بالقانون الدولي خجولًا إن حصل، بينما باشرت قلّة من السياسيِّين والشخصيات العامّة توجيه النقد أو اللوْم إلى الاحتلال الإسرائيلي الذي سارع إلى شنّ عدوان حربي واسع النطاق على قطاع غزة، وقطع موارد الحياة الأساسية عن مليونين وثلث مليون فلسطيني فيه.
وعلاوة على وضع حركة "حماس" على قائمة الإرهاب الأوروبية في ديسمبر/ كانون الأول 2001؛ قام الاتحاد الأوروبي في 19 يناير/ كانون الثاني 2024 بتشديد الحظر والقيود المفروضة سابقًا على المقاومة الفلسطينية، فأنشأ إطارًا مخصصًا للتدابير التقييدية المتعلقة بحركتَي "حماس" والجهاد الإسلامي، على ضوء هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ولم تصدر أي قيود تُذكَر نحو الاحتلال الإسرائيلي أو أي من الكيانات والشخصيات ذات الصلة به.
هكذا عبّرت أوروبا السياسية عن انحياز واضح إلى الجانب الإسرائيلي، وأظهرت موقفًا مناهضًا للمقاومة الفلسطينية، وهو سلوك غير مفاجئ قياسًا بجولات التصعيد الحربي السابقة، رغم أنّ حكومة بنيامين نتنياهو كانت قبيل اندلاع هذه الحرب تواجه انزعاجًا في الأوساط الأوروبية والغربية على خلفية تشكيلتها العنصرية والفاشية الواضحة، ونزعتها السلطوية التي استهدفت تقليص صلاحيات المؤسسة القضائية الإسرائيلية.
وباستثناء تصريحات صدرت عن وزيرات يساريّات في الائتلاف الحكومي الإسبانية من حزبَي "بوديموس" و"سومار" أحدثت ضجّة وقتها؛ امتنعت الدول الأوروبية عمومًا عن وصف سلوك جيش الاحتلال في قطاع غزة بأنّه "إبادة جماعية" أو "جرائم حرب"، وتحاشى معظمها نعت جرائم الحرب الإسرائيلية بـ"الفظائع" أو "الهجمات المروِّعة" أو "الأعمال الشنيعة"، بينما واصلت وصف هجوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول بأقصى عبارات الاستنكار والتشنيع. والتزمت معظم ردود الأفعال الأوروبية الرسمية على جرائم حرب صادمة واعتداءات صارخة معيّنة اقترفها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة صيغًا تعميمية من إظهار الأسى، لكن دون نسبة هذه الانتهاكات الجسيمة بوضوح إلى الجانب الإسرائيلي غالبًا، أو أنّها عمدت إلى إرفاقها بمقولات تسويغية من قبيل أنّ المقاومة الفلسطينية "تتخذ المدنيين دروعًا بشرية"، ممّا ينضوي تحت صياغات "لوْم الضحية".