رؤية تركية
دورية محكّمة في
الشؤون التركية والدولية
ISSN 2458-8458
E-ISSN 2458-8466

| المقالات والدراسات < رؤية تركية

التطورات في سوريا وتفاعلاتها مع تركيا والمنطقة

ملخّص: إن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا حدث ممتدّ التداعيات والتفاعلات، وهو يؤثّر في المشهد العالمي بأكمله. ومن المتوقّع أن تشهد الأيّام المقبلة تطورات أوسع نطاقًا. وثمّة إشارات جادّة تدلّ على إدراك عميق لدى دول المنطقة لأهمّية التوافق في تحديد مصيرها المشترك. إنّه مشهد واعد للغاية، ويشير بوضوح إلى انفتاح أفق واضح للحوار والتفاهم المتبادل والإرادة المشتركة لمستقبل الدول في المنطقة. يجب عدم السماح بحجب الأفق الواعد في سوريا. إن التعاون والتفاهم المقرّرين في هذا الأفق الجديد يُشيران إلى نقطة تحوّل جديدة ومنعطف تاريخي جديد في المنطقة. ABSTRACT The fall of the Bashar al-Assad regime in Syria is an event with far-reaching implications and interactions that affects the entire global landscape. The coming days are expected to witness broader developments. There are serious signs that indicate a deep awareness among the countries of the region of the importance of consensus in determining their common destiny. It is a very promising scene, and clearly indicates the opening of a clear horizon for dialogue, mutual understanding and a common will for the future of the countries in the region. The promising horizon in Syria must not be allowed to be obscured. The cooperation and understanding decided upon in this new horizon indicate a new turning point and a new historical turning point in the region.

التطورات في سوريا وتفاعلاتها مع تركيا والمنطقة

شهد العالم كيف أطلقت الثورة السورية شرارة تغييرات عميقة لم تقتصر على سوريا أو حتى الشرق الأوسط فحسب، بل امتدت لتؤثر في المشهد العالمي بأكمله. ومن المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة تطورات أوسع نطاقًا. ولكن من الجدير الإشارة إلى أن أحد أهم العوامل التي أشعلت فتيل هذه التغيرات كان معركة "طوفان الأقصى"، مع استدعاء نظرية أثر الفراشة، فكما تولّد رفرفة جناح فراشة رياحًا تغير مسار الأحداث، فإن طوفانًا بهذا الحجم أحدث تغييرات أشمل وأعمق. فقد دفعت عملية طوفان الأقصى، كل من الولايات المتحدة و"إسرائيل" وإيران وروسيا وأوروبا ودول الخليج والنظام السوري إلى اتخاذ مواقف حاسمة، واستنفدت قواهم، وأرهقت الخصوم، وأشعلت في نفوس الكثير من المناصرين للثورة والمقاومة حماسًا كبيرًا، وأحيت روح المقاومة.

لم تكن سوريا بمعزل عن المعاناة التي مرّ بها الشعب والمقاومة الفلسطينية؛ فهم كانوا الأكثر دراية بطبيعة هذا النضال ومعاناته. ومع ذلك فإن التحولات التي طرأت على العلاقات التي كانت مستقرة نسبيًّا حتى الآن بين سوريا و"إسرائيل" وروسيا وإيران وحزب الله خلال هذا المسار، قد أوجدت فرصًا عظيمة للثورة السورية. وفي هذا السياق ورغم أنه لا تزال هناك مزاعم تتردد أن الثورة السورية نجحت بسبب تواطؤ أو مؤامرة من القضايا المذكورة سابقًا من براغماتية العلاقات فإنّ الهجوم الذي شنّه الكيان الإسرائيلي الصهيوني على الأراضي السورية عقب سقوط الأسد وسط حالة من الذعر، يُعَدّ كافيًا لإثبات عدم صحة هذه المزاعم.

كان نظام البعث هو النظام المفضّل لـ"إسرائيل" منذ البداية، واستمرّ ذلك، فلم يكن لدى "إسرائيل" وأمريكا أي سبب للتخلّي عن الأسد. ولم يكن لدى نظام الأسد حتى القدرة على إثارة أي ضجيج يمكن أن يهدّد أمن "إسرائيل". كان نظامًا مريحًا بشكل مثالي تمامًا كما أرادته الولايات المتحدة و"إسرائيل". بل كان على استعداد لبيع كل المعلومات اللازمة إلى جهاز الاستخبارات الإسرائيلي، حتى في علاقته مع إيران.

بل هناك تقديرات تشير إلى أن العمليات الإسرائيلية ضد حزب الله لم تكن تعتمد فقط على مهارات جهاز الموساد الاستخباراتية! وهناك بعض المؤشرات والدلائل أن استهداف الكيان الصهيوني مقر المخابرات السورية فور سقوط نظام الأسد في دمشق محاولة لإخفاء الكثير من الأسرار التي كانت تخفيها هذه المخابرات التي كانت "إسرائيل" تخشى انكشافها. وفي السياق ذاته وبعد هروب الأسد سارعت "إسرائيل" إلى تسلّم الأسلحة من أعضاء الجيش السوري في بلدات قرب المنطقة العازلة على أطراف الجولان مع "إسرائيل". وجاء هذا الدخول الإسرائيلي بهدف منع وقوع الأسلحة في أيدي المعارضة، دليلًا على أن تلك المنطقة كانت دائمًا بمنأى عن أي خطر بالنسبة لـ"إسرائيل"، وفيما بعد، استهدفت "إسرائيل" مواقع سورية تشمل بعض الأسلحة الثقيلة، ومراكز إنتاج المواد الكيميائية في طرطوس واللاذقية التي كانت بيد نظام البعث المتعاون مع إيران. والسؤال الذي يُطرَح هنا هو: لماذا لم تخشَ "إسرائيل" استخدام هذه الأسلحة ضدّها طيلة تلك المدّة؟! ولماذا سارعت إلى تدميرها في لحظة الذعر هذه، بمجرد أن باتت في متناول أيدي المعارضة؟! ولعل الإجابة التي تتبادر إلى الذهن هنا هي أنه لم يكن هناك أي عداوة حقيقية بين نظام البعث و"إسرائيل"، وسقوط الأسد لم يكن مدعاة للفرح لدى "إسرائيل"، التي ارتكبت جرائم إبادة جماعية بحقّ أهل غزة، بل بالعكس، شكّل ذلك مصدر قلق كبير لها.

إن محاولات تصوير الأسد على أنه مدافع عن القضية الفلسطينية تتعارض مع اعتقال نظام الأسد العديد من أفراد كتائب القسام، الذين عانوا في سجن صيدنايا الذي شهد أبشع الجرائم ضد الإنسانية، وهذه الاعتقالات تظهر الردّ الواضح على هذه المزاعم. وقد واجه أعضاء من حركة حماس أبشع صنوف التعذيب في سجون الأسد، ولم يكن لهم استثناء في المعاملة غير الإنسانية التي مارسها النظام بحقهم. وإذا كانت براميل النظام المتفجرة والطائرات الحربية الروسية وجرائم المليشيات الإيرانية حصدت أرواح الآلاف بوحشية، فإن الجرائم المرتكبة في سجون النظام، وعلى رأسها سجن صيدنايا- تجعل هذه الفظائع تبدو صغيرة مقارنة بها.

إن التغيير الذي حدث في سوريا، ببعده الثوري، بدأ يظهر تأثيره في توازن القوى الجديد في المنطقة بشكلٍ واضح. وكما أشرنا سابقًا، فإن هذه التغيّرات أدت إلى تغيير كامل في المشروعات المتعلّقة بالبلاد والمنطقة بأسرها في غضون 12 يومًا فقط. كانت فكرة وحدة الأراضي السورية تُعَدّ مستحيلة، لكنها باتت اليوم تتجه نحو التحقق. وقد أعلنت الولايات المتحدة أنها ستواصل العمل في سوريا، لكنها أدركت أنها لا تستطيع الاعتماد فقط على تنظيم حزب العمال الكردستاني "بي كي كي" المصنف في قوائم الإرهاب الذي زودته بالسلاح، إذ ستكشف التحركات الشعبية في سوريا على الأرض، المستمدة من روح الثورة، عن مدى تأثير هذه التغيرات في المستقبل القريب. وكذلك الحال فإن التحذيرات التي أُصدِرت ضد منبج فقدت قيمتها على الأرض، كما أن التحركات القوية للعشائر في دير الزور ستُظهر بوضوح بداية المرحلة الجديدة. من الآن فصاعدًا، لن يكون لأي مشروع أو جهة أي فرصة للبقاء في سوريا ضد إرادة شعبها الذي يسيطر على الوضع.

 


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...