تُشكل المضايق البحرية أحد أبرز الركائز الجيوسياسية التي تسعى القوى العظمى الى السيطرة والهيمنة عليها؛ نظرًا لأهميتها الإستراتيجية في حركة التجارة العالمية وأمن الإمدادات الحيوية، وبخاصة الطاقة وحركة الجيوش العسكرية. فخلال السنوات الأخيرة تصاعدت حدة التوترات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين في السيطرة على منطقة بحر الصين الجنوبي؛ لأهميته الإستراتيجية في حركة التجارة الدولية، حيث تبرز أهمية مضيق ملقا بوصفه واحدًا من أكثر الممرات البحرية حساسية وتأثيرًا في ميزان القوة الدولية. تتناول هذه الورقة البحثية التنافس الإستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين، مسلطة الضوء على دور مضيق ملقا في تشكيل مسار هذا الصراع.
يركز البحث على مضيق ملقا باعتباره مركزًا إستراتيجيًّا في هذا الصراع المتنامي، حيث يُعدّ من أكثر الممرات ازدحامًا في العالم، إذ تمر عبره حوالي 40% من حجم التجارة العالمية، وهذا يجعله شريانًا حيويًّا لإمدادات الطاقة القادمة من الشرق الأوسط المتجهة إلى الأسواق الآسيوية. وبالإضافة إلى ذلك، يشكل المضيق جزءًا من الصراع الجيوسياسي الأوسع الذي يضم صراعات على النفوذ بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، والصين من جهة أخرى، حيث تسعى كل دولة إلى تعزيز تحالفاتها العسكرية في منطقة الإندو-باسيفيك. وهنا تسلط الورقة الضوء على كيفية محاولة الصين تعزيز وجودها البحري من خلال بناء قواعد بحرية جديدة (الجزر الصناعية) وتطوير علاقاتها مع الدول المطلة على المضيق، في مقابل جهود الولايات المتحدة؛ لتثبيت وجودها العسكري عبر التحالفات الإستراتيجية مثل تحالف UKAUS وQUAD وتحالفات أخرى مع الفلبين وغيرها من الدول المتشاطئة مع الصين في بحر الصين الجنوبي.
تستكشف الدراسة كيف أصبح مضيق ملقا بؤرة للصراع العسكري والاقتصادي، حيث يعكس التنافس على هذا الممر التطورات الأوسع في العلاقات الدولية بين الشرق والغرب. وفي ضوء هذه التوجهات، تسعى الدراسة إلى تقديم فهم أعمق لدور مضيق ملقا بوصفه عنصرًا أساسيًّا في التنافس بين الولايات المتحدة والصين، وكيف يمكن أن يؤثر هذا التنافس في التوازنات الجيوسياسية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وما هي التداعيات الأمنية والاقتصادية التي قد تنجم عن هذا الصراع على المدى الطويل.