أصبحت دول مجلس التعاون الخليجي، التي تضم البحرين والكويت وعُمَان وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ضمن اللاعبين الأساسيين في الأسواق المالية العالمية؛ بفضل عائدات الموارد الطبيعية الكبيرة. ومن بين هذه الدول، تبرز المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة باعتبارهما الأكثر تأثيرًا من حيث العوامل الاقتصادية والمالية. ومع ذلك، أصبحت قطر والكويت أيضًا لاعبينِ بارزينِ، وخاصة من خلال استثماراتهما في الخارج.
علاوة على ذلك، تتبوّأ قطر مكانة فريدة بفضل احتياطياتها الوفيرة من الغاز، ودورها بوصفها مصدرًا رئيسًا للغاز الطبيعي المسال. ولم يعزز هذا اقتصاد قطر فحسب، بل عزّز أيضًا مكانتها في سوق الطاقة العالمية. من ناحية أخرى، استثمرت الكويت ثروتها الكبيرة بشكل إستراتيجي في قطاعات مختلفة على المستوى الدولي، وهذا عزّز نفوذها الاقتصادي. وتتمتع البحرين وعُمان باقتصاد أكثر اعتدالًا مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. ومع ذلك، فقد قامتا مؤخرًا بتطوير سياسات اقتصادية ليكون ذلك جزءًا من رؤيتهما الوطنية، ومن ذلك التنويع الاقتصادي. وفي عُمان، يعد قطاعا الزراعة والسياحة الحلال الأكثر أهمية في هذا الصدد، بينما يؤدّي القطاع المالي في البحرين دورًا مهيمنًا.
لم تعمل البراعة الاقتصادية والمالية لهذه الدول الخليجية على تحويل اقتصاداتها فحسب، بل أسهمت أيضًا بشكل كبير في المشهد المالي العالمي، وكان لاستثماراتها وأنشطتها المالية تأثيرات بعيدة المدى، حيث شكلت الأسواق والصناعات خارج منطقة الخليج. وعلى هذا النحو، تواصل دول مجلس التعاون الخليجي أداء دور حاسم في الاقتصاد العالمي، حيث تؤثر سياساتها الاقتصادية واستثماراتها في الاتجاهات المالية العالمية.
ولما سبق يمكن القول: إن الشراكة بين تركيا ودول الخليج مفيدة للطرفين، حيث تسعى تركيا إلى تنويع استثماراتها للتغلب على التحديات الاقتصادية. وتُظهِر الاتفاقيات الأخيرة زيادة التعاون الاقتصادي، وهذا قد يؤثر في التوافق الإستراتيجي الطويل الأجل بينهما. ومن المتوقع أن يعمل التعاون المستمر على تعزيز علاقتهما، وهذا يعود بالنفع على اقتصاداتهما ومواقعهما الإستراتيجية في المنطقة.
تاريخيًّا، كان تحسين العلاقات الاقتصادية مع دول مجلس التعاون الخليجي هدفًا ثابتًا للحكومة التركية منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002. وتحت قيادة حزب العدالة والتنمية، زادت تركيا من جهودها لتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الشرق الأوسط، وبخاصة دول الخليج. وبعد ذلك، بدأت الشركات التركية في الاستفادة بشكل أكبر من الفرص الاقتصادية في دول الخليج. وعلى وجه الخصوص، شرعت الشركات في قطاعات مثل البناء والغذاء والطاقة والتمويل في مشروعات كبرى في الخليج. ولم يكن لهذه المشروعات تأثيرات اقتصادية كبيرة فحسب، بل عزّزت أيضًا نفوذ تركيا وقوتها الإقليمية.
ولتعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج، نفّذت الحكومة التركية سياسات وإستراتيجيات مختلفة. وتشمل هذه المبادرات الجهود الرامية إلى تسهيل المزيد من الأعمال التجارية للشركات التركية في الخليج، مثل اتفاقيات التجارة الحرة المحتملة وحوافز الاستثمار. وقد أدت هذه المبادرات إلى زيادة حجم التجارة التركية مع دول الخليج، وتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي. ويمثل تعزيز الروابط الاقتصادية بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي تقدمًا كبيرًا يعود بالنفع على الجانبين. ويؤكد تبني مجتمع الأعمال التركي المتحمس لهذا الاتجاه على اعترافه بالفوائد والفرص المتبادلة التي تأتي مع زيادة التعاون الاقتصادي.
وقد دفع هذا الاهتمام المتزايد بالخليج العديد من الشركات التركية إلى البحث بنشاط عن الفرص في المنطقة، وهذا يدل على التزامها الراسخ بتوسيع نطاق عملها وأنشطتها لتوسيع محافظ أعمالها والاستفادة من إمكانات النمو الاقتصادي في المنطقة. وعلاوة على ذلك، لم يعزّز هذا الاتجاه العلاقات الاقتصادية فحسب، بل عزّز أيضًا إجماعًا اجتماعيًّا أوسع داخل تركيا فيما يتعلق بأهمية علاقاتها مع دول الخليج. ومع تعميق الشركات لمشاركتها في الخليج، هناك إدراك متزايد بين الشعب التركي للأهمية الإستراتيجية لهذه الشراكات للرفاهة الاقتصادية للبلاد ونفوذها الإقليمي. وفي نهاية المطاف، فإن الروابط الاقتصادية المتعمقة بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي تشير إلى تطور مفيد للطرفين. ومن خلال السعي النشط وراء الفرص في الخليج، تسهم الشركات التركية في التوسع الاقتصادي في المنطقة مع تعزيز التنوع الاقتصادي والقدرة التنافسية لتركيا، ورعاية العلاقات الوثيقة بين المنطقتين وتعزيز الاستقرار الإقليمي.
على مدى السنوات العشرين الماضية، نمت تجارة تركيا مع دول مجلس التعاون الخليجي بشكل كبير، من 2.1 مليار دولار في عام 2002 إلى 22.7 مليار دولار في عام 2022، وهذا يمثل زيادة بنحو 11 ضعفًا. وفي حين أن هذا الرقم لا يزال منخفضًا نسبيًّا مقارنة بإمكانات التجارة الكاملة لكلا الجانبين، إلا أنه يمثل قصة نجاح ملحوظة من حيث التطور التاريخي. مؤخرًا، أعلنت تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي عن خطط للتفاوض على اتفاقية التجارة الحرة لإنشاء واحدة من أكبر مناطق التجارة الحرة في العالم، بقيمة 2.4 تريليون دولار. تهدف هذه الاتفاقية إلى تحرير التجارة في السلع والخدمات، وتبسيط عمليات الاستثمار، وتعزيز حجم التجارة والاستثمارات التركية مع دول مجلس التعاون الخليجي بشكل كبير.
أصبحت هذه العلاقة الاقتصادية المتنامية بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي ذات أهمية متزايدة للتنمية الاقتصادية الإقليمية، وخاصة منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. تزعم هذه الورقة أن العلاقة بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي تتميز بالترابط المتبادل لا أنها من جانب واحد. لدعم هذه الحجة، تقدم الورقة مناقشة وصفية تستند إلى بيانات ثانوية وتجري تحليلًا تكامليًّا لتحديد العلاقة الاقتصادية طويلة الأجل بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، مع التركيز على الفترة من 1994 إلى 2020. والسؤال الرئيس لهذه الدراسة عن تحديد طبيعة العلاقة الاقتصادية طويلة الأجل بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، وتحديدًا إذا ما كانت هذه العلاقة تتميز بالترابط المتبادل أم أنها أحادية الجانب.
تهدف هذه الورقة إلى سد الفجوة في الأدبيات من خلال التركيز حصريًّا على العلاقات الاقتصادية بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، وهي منطقة لم يجرِ استكشافها إلى حدّ كبير في الدراسات الحالية. بالإضافة إلى ذلك، فإن تأكيد تقدم العلاقات الاقتصادية مدعوم بالتحليل التجريبي باستخدام تقنية التكامل المشترك، وهذا يضيف إسهامًا كبيرًا إلى الأدبيات الحالية.