أجبر الغزو الأمريكي للعراق، وما تلا ذلك من صعود تنظيم داعش وهزيمته- العراق على التركيز على قضاياه الداخلية؛ لهذا السبب، لم تُتَح الفرصة لعلاقات تركيا مع العراق لكي تتطور على نحو قائم على التعاون حتى وقت قريب. وبسبب استفتاء الاستقلال الذي نظمته حكومة إقليم كردستان العراق في عام 2017، بدأ الجانبان في تبني مواقف وسلوكيات مشتركة، وبتأثير هذا التحسن، جرى فتح صفحة جديدة في العلاقات بين أنقرة وبغداد. وأكّد الجانبان النقاط المشتركة، مثل مكافحة الإرهاب، وزيادة التجارة المتبادلة، وضمان سلامة أراضي العراق. وبما أن الحكومة المركزية العراقية لم تتخذ الإجراءات الأمنية اللازمة ضد منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية في الحرب ضد الإرهاب، فقد بدأت تركيا بشكل متزايد عمليات عبر الحدود. لذلك، فمن المرجح أن يتحقق الارتقاء بالعلاقات بين أنقرة وبغداد، التي تطورت بشكل رئيس على أساس اقتصادي إلى مستوى الشراكة الإستراتيجية، بما في ذلك البعد الأمني، بما يتماشى مع توقعات تركيا بدءًا من العام الجاري.
خلال هذه العملية، أصبحت علاقات تركيا مع حكومة إقليم كردستان وثيقة بشكل متزايد، فالعلاقات بين أنقرة وأربيل، التي وصلت إلى مستوى الصراع لفترة قصيرة بسبب استفتاء استقلال حكومة إقليم كردستان في عام 2017- دخلت تدريجيًّا عملية التطبيع نتيجة لتراجع حكومة إقليم كردستان. وفي هذه المرحلة، عزّزت الزيارات الرسمية الرفيعة المستوى التي قامت بها أربيل إلى أنقرة علاقات تركيا مع "حكومة إقليم كردستان" على أساس المنفعة المتبادلة. بالإضافة إلى ذلك، نأت تركيا بنفسها عن الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يُعَدّ أحد الشركاء الحاكمين لحكومة إقليم كردستان، والذي حاول مؤخرًا إقامة علاقات وثيقة مع حزب العمال الكردستاني. وتُواصِلُ أنقرةُ، التي أقامت علاقات وثيقة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني ضد مسار الاتحاد الوطني الكردستاني وحزب العمال الكردستاني- سياستَها في الدعوة إلى معادلة إقليمية تشمل الحكومة المركزية العراقية، التي لديها العديد من أوجه التعاون معها.
لذلك، أدّت سياسة التوازن بين بغداد وأربيل دورًا مهيمنًا في سياسة تركيا تجاه العراق. بمعنى آخر، حرصت أنقرة على عدم اتخاذ خطوات أحادية في علاقاتها مع كل من بغداد وأربيل. ونتيجة لذلك، فإن علاقات تركيا مع العراق تتطلب سياسة منسّقة بين إدارتَي بغداد وأربيل.