شهدت منطقة الشرق الأوسط تطورات عديدة على صعيد العلاقات الدولية والإقليمية منذ بداية الربيع العربي عام 2011م، إذ كانت العلاقات تأخذ منحًى مختلفًا من حيث التحالفات وتضارب المصالح أو تداخلها. وعلى أثر ذلك، عاشت المنطقة العربية تغييرات جذرية أثّرت في العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين الدول العربية، إذ ظهرت خلافات بين الدول بسبب مواقفها من الثورات؛ فبينما دعمت بعض الدول الحركات الشعبية، وقفت دول أخرى ضدّها خشيةً من انتقال الحراك الثوري.
وقد أدّى تفاقم الصراعات الداخلية في دول مثل سوريا وليبيا واليمن إلى تباين مواقف الدول العربية تجاه هذه القضايا، وبرزت محاور عدة، وتصاعد دور التحالفات الإقليمية. ومن أبرز القضايا التي تسببت في أزمة سياسية في العالم العربي، القضية السورية. فبعد أكثر من عقد من الصراع الدامي الذي عصف بسوريا منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، أضحى المشهد السياسي الإقليمي والعربي أكثر تعقيدًا وتشابكًا، وبخاصة فيما يتعلّق بالعلاقات مع حكومة الأسد. وقد شكّلت هذه الأزمة نقطة تحوّل فارقة في العلاقات الإقليمية العربية، حيث انقسمت الدول العربية بين داعمة للمعارضة السورية ومطالبة بتغيير النظام، وأخرى داعمة لحكومة بشار الأسد، أو متبنية موقفًا أكثر حيادًا.
ومع مرور السنوات وتغير موازين القوى داخل سوريا وعلى الصعيد الدولي، بدأت دول عربية عديدة مراجعة مواقفها تجاه دمشق، خاصة مع بروز قضايا إقليمية ملحّة، مثل التهديدات الإرهابية (داعش- قسد)، وأزمة اللاجئين السوريين، والحاجة إلى إعادة الإعمار. في هذا السياق، ظهرت محاولات لإعادة سوريا إلى الحاضنة العربية، سواء من خلال استعادة عضويتها في جامعة الدول العربية أم عبر تعزيز الحوار الدبلوماسي المباشر معها .إلا أنه، مع سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، دخلت سوريا والمنطقة العربية مرحلة جديدة من التحولات السياسية والدبلوماسية التي ستعيد صياغة العلاقات الإقليمية العربية بشكل جذري، إذ يُعَدّ سقوط نظام الأسد حدثًا فارقًا في تاريخ المنطقة، باعتباره يمثّل نهاية حقبة استمرت لعقود من الحكم .
تشير التحركات الأخيرة إلى أن بعض الدول العربية أصبحت ترى أن التعامل مع الإدارة السورية بات ضرورةً إستراتيجيةً لمواجهة التحديات المشتركة. وتأتي في مقدمة هذه التحديات قضايا الأمن الإقليمي، مثل تصاعد نفوذ القوى غير العربية داخل سوريا، وتنامي المخاوف من تأثير "الجماعات الإرهابية" (داعش- قسد) في الاستقرار الداخلي والإقليمي. وانطلاقًا من ذلك، يحاول هذا البحث تحليل مشهد العلاقات الإقليمية مع الإدارة السورية الجديدة، والتحديات التي قد تواجهها في سبيل إعادة بناء علاقات متوازنة مع المحيط العربي والإقليمي، بالإضافة إلى استعراض المصالح المشتركة التي قد تسهم في رسم ملامح مستقبل سوريا الجديدة.