يؤدّي العامل الإقليمي دورًا محوريًّا في تشكيل العلاقة بين إيران وجماعة الحوثي، حيث تنعكس التوتُّرات الإقليمية على هذه العلاقة بشكل ملحوظ، وهذا يعزِّز مِن تطوُّرها، وربَّما يسهم في توتُّرها مستقبلًا. هذه الورقة تأتي لاستعراض مراحل تطوُّر العلاقة الإستراتيجية بين إيران وجماعة الحوثي وتحليلها في سياق الحرب الأهلية اليمنية والتوتُّرات الإقليمية المتصاعدة، خاصَّة بعد هجمات جماعة الحوثي في البحر الأحمر.
على مدار العقدين الماضيين، انتقلت هذه العلاقة مِن "دعم عسكري محدود، ونفوذ إيراني هامشي، إلى شراكة إستراتيجية متينة"، حيث تحوَّل الحوثيون مِن مجرد وكلاء لإيران إلى شركاء مركزيين في "محور المقاومة". وقد عزَّز هذا التحالف الدور الإقليمي لإيران، ومنح الحوثيين دورًا في موازنة التحالفات الأمريكية- السعودية، عبر ترسيخ عقيدة "الردع النشط" التي تهدف إلى الحفاظ على التأثير الإيراني في المنطقة.
تهدف الورقة إلى تحليل ديناميكيَّات العلاقة بين إيران وجماعة الحوثي في إطار الحرب الأهلية اليمنية والتوتُّرات الإقليمية المتزايدة، كما تسعى إلى فهم التحوُّلات الإستراتيجية التي طرأت على شراكتهما عبر العقدين الماضيين، ولاسيَّما في ضوء التطوُّرات الجيوسياسية الأخيرة. ومِن خلال ذلك، ترمي الورقة إلى تقديم فهم أعمق لكيفية تشكيل العوامل الإقليمية لهذه العلاقة، مع التركيز على دور التحالفات والمصالح المشتركة. كما تسعى الورقة إلى توفير إطار شامل لتحليل العلاقة الإيرانية- الحوثية، وفهم العوامل الإقليمية التي تؤثِّر فيها، وهذا قد يسهم في تقدير مستقبل هذه العلاقة وتأثيرها في موازين القوى بالمنطقة.
وتنطلق الورقة مِن فرضية أنَّ المتغيِّرات الإقليمية والتطوُّرات الجيوسياسية، بعيدًا عن الأبعاد الأيديولوجية أو المذهبية، تؤدّي دورًا حاسمًا في تحديد مسار العلاقة بين إيران وجماعة الحوثي. وقد اعتمدت الورقة على المنهج التحليلي النوعي بوصف ذلك وسيلة لفهم واقع العلاقة الإيرانية- الحوثية وتحليله، ضمن سياق الأحداث الماضية والتطوُّرات المستجدَّة، وتحليل المصادر التاريخية والمعاصرة، ومن ذلك التحليلات السياسية والتقارير حول الصراعات الإقليمية، والمقالات الأكاديمية، بهدف استعراض الأحداث الرئيسة التي أثَّرت في هذه العلاقة وتحديد معالمها الرئيسة.
وقد ركَّزت الورقة على المحاور الآتية:
المحور الأوَّل: الخلفية التاريخية لمراحل تطوُّر علاقة إيران بجماعة الحوثي: ويستعرض هذا المحور أربع مراحل توضِّح تطوُّر العلاقة بين الطرفين، مِن دعم محدود ونفوذ هامشي إلى تموضع وتقارب عسكري، ثمَّ إلى شراكة إستراتيجية في السنوات الأخيرة.
المحور الثاني: الدوافع والمصالح المشتركة: ويناقش هذا المحور الإستراتيجيات التي تدفع كلًّا مِن إيران وجماعة الحوثي نحو تعزيز التحالف بينهما، والمصالح المتبادلة التي تخدم الطرفين في سياق التوتُّرات الإقليمية.
المحور الثالث: تحدِّيات العلاقة في ظلِّ التطوُّرات الإقليمية الراهنة: ويتناول هذا المحور التحدِّيات التي تواجه التحالف الإيراني- الحوثي، خاصَّة في ظلِّ التوتُّرات الإيرانية- الإسرائيلية في سياق الحرب الإسرائيلية على غزَّة ولبنان، وأثر عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في مسار التحالف بين إيران وجماعة الحوثي.