منذ نهاية الحرب الباردة، سعت تركيا إلى ممارسة دبلوماسية نشطة في البلقان، ورسخت مكانتها كجهة فاعلة إقليمية رائدة. وخلال تسعينيات القرن العشرين، التي اتسمت بعدم اليقين بشأن الانتقال إلى نظام عالمي جديد والصراعات المستمرة- ركزت سياسة تركيا في البلقان بقوة على الأمن. ومع ذلك، منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين فصاعدًا، بدأت تركيا في تعميق علاقاتها الاقتصادية والاجتماعية مع البلقان من خلال استخدام أدوات جديدة. وفي حين واصلت تركيا أنشطتها العسكرية والدفاعية في المنطقة، إلا أنها لم تهيمن على سياستها في البلقان كما فعلت في تسعينيات القرن العشرين.
وتشير التطورات الأخيرة إلى إحياء الجوانب العسكرية والدفاعية في علاقات تركيا مع البلقان. وعلى الرغم من أن هذا الاتجاه لم يجر فحصه على نطاق واسع في الأدبيات الأكاديمية، إلا أنه حظي ببعض الاهتمام من قبل وسائل الإعلام والمحللين. وقد سلطت التقارير الإعلامية الأخيرة الضوء على زيادة الانخراط العسكري التركي في البلقان، وخاصة من خلال الصادرات العسكرية، وفسر المعلقون هذا الاتجاه على أنه مؤشّر على بروز تركيا المتزايد بوصفها جهة فاعلة مهيمنة في المنطقة.
ستركز هذه الدراسة على حضور تركيا في البلقان في المجالات الدفاعية والعسكرية منذ نهاية الحرب الباردة، مع التركيز بشكل خاص على النشاط المتزايد منذ أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وسوف تدرس أولًا كيف أسهمت تركيا في البلقان بجيشها خلال التسعينيات، التي اتسمت بالصراعات والأزمات، وفي مرحلة ما بعد عام 2001، عندما ساد السلام في المنطقة. ثم تناقش المقالة الانخراط العسكري التركي الحالي، الذي يشمل كلًّا من العمليات التي بدأت في فترات سابقة واتجاهًا جديدًا للتعاون العسكري والدفاعي المكثف. كما سيكون هناك تقديم تفسيرات بشأن هذا الاتجاه الجديد.