أطلق حزب الله في الثامن من أكتوبر 2023م عمليات عسكرية محدودة على الحدود الجنوبية للبنان، تحديدًا في مزارع شبعا "المحتلة"، أي بعد يوم واحد فقط من انطلاق معركة "طوفان الأقصى". جاء هذا التدخل العسكري، من جهة متوافقًا مع التزام حزب الله بـ"وحدة الساحات"، ومن جهة أخرى لم يكن يريد تجاوز حقائق ومتطلبات الواقع اللبناني ولا ارتباطه بعمقه الإستراتيجي في طهران. أي كان يريدها حربًا تلتزم بالمعادلة التقليدية على الحدود، من دون أن تمس حاضنته الشعبية في الجنوب فضلًا عن الضاحية الجنوبية، ولا أن تتحول إلى حرب إقليمية تشمل طهران، معتمدًا مبدأ الردع، وقدرة الحزب على استهداف العمق الإسرائيلي. وقد أكد أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، بعد ثلاثة أسابيع على الحرب، أن عملية "الطوفان" كانت فلسطينية خالصة، وأن دور الجبهة اللبنانية يقتصر على التضامن مع غزة وردع "إسرائيل" عن مهاجمة لبنان.
لكن الحرب الإسرائيلية كانت تتسع لتشمل قرى على طول الحدود اللبنانية- الإسرائيلية، أُطلِق عليها قرى الحافة الأمامية، كما توسعت معها الضربات الإسرائيلية الأمنية، فكان تفجير أجهزة اتصال يستخدمها الحزب، وإصابة الآلاف منهم. وبلغت المواجهة الذروة مع استهداف "إسرائيل" لبيئة حزب الله وحاضنته حتى في العمق اللبناني، وأطلقت عملية برية "سهام الشمال" بهدف "تطهير" المواقع العسكرية والبنى التحتية التي أنشأها حزب الله بالقرب من الحدود، والقضاء على وجوده هناك، بحيث يمكّن ذلك "إسرائيل" من إعادة عشرات آلاف الإسرائيليين للعودة إلى الشمال. أفضت هذه التطورات إلى اغتيال قيادة أركان الحزب بمجملها، وأنهت جيلًا قياديًّا برمته، ووصلت ذروتها باغتيال نصر الله في 27 سبتمبر/أيلول 2024، في المقر المركزي للحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت.
إن اغتيال نصر الله، هذه الشخصية الاستثنائية التي قادت حزب الله أكثر من ثلاثة عقود وأعطته أبعادًا مختلفة على الصعيدين الداخلي والخارجي- يفتح المجال لمتغيرات وتداعيات على مستويات متعددة. تركز هذه الورقة على استعراض تأثير اغتيال السيد نصر الله في حزب الله، ودوره في السياق المحلي والإقليمي، وتداعيات ذلك على الوضع اللبناني.