تُعَدّ إدارة النزاعات وإقامة عمليات السلام في العلاقات الدولية مسألةً حيوية للحفاظ على السلام العالمي. وأصبح حلّ الخلافات بين الدول والجهات الفاعلة من غير الدول بالوسائل الدبلوماسية ضرورةً أساسية لتحقيق الاستقرار الدولي. في هذا السياق، تُعَدّ دراسة كيفية استخدام الدول آليات الوساطة، والأدوات الدبلوماسية المستخدمة في هذه العمليات، والنتائج المترتبة عليها- من القضايا التي تستوجب البحث الأكاديمي. وتتناول النظريات الدولية للوساطة هذا المفهوم من منظور حل النزاعات ودراسات السلام، حيث تركز البحوث الأكاديمية على أدوار الدول والمنظمات الدولية بوصفها وسطاء، وتصميم العمليات التفاوضية، وبناء الثقة بين الأطراف المتنازعة.
تمثّل الممارسة التركية للوساطة الدولية، ولاسيما في القرن الإفريقي، نموذجًا بارزًا في هذا المجال؛ إذ أدّت تركيا دورًا تسهيليًّا مهمًّا في حل أزمة مذكرة التفاهم بين الصومال وإثيوبيا، الموقعة في 1 يناير 2024، وهذا يجعل هذه الحالة دراسةً ذات قيمة لفهم تطبيقات دبلوماسية السلام في النظام الدولي. وقد برزت عملية أنقرة بوصفها مبادرة حاسمة لتخفيف التوتر بين الأطراف وتعزيز السلام الإقليمي.
تهدف هذه الدراسة إلى تحليل دور تركيا في الوساطة داخل القرن الإفريقي ضمن إطار منهجي وتحليلي. سيجري تقييم الإستراتيجيات الدبلوماسية التي اتبعتها أنقرة في إدارة التوتر بين الصومال وإثيوبيا، ومدى فاعلية الوساطة في النظام الدولي، وإسهامها في عمليات بناء السلام. كما ستناقش الدراسة تأثير الوساطة في الدبلوماسية الدولية وأهميتها في تحقيق سلام مستدام، من خلال فحص عملية أنقرة ضمن نظريات الوساطة.
تهدف هذه الدراسة إلى الإجابة على الأسئلة البحثية الأساسية الآتية:
ما المسار الدبلوماسي الذي اتبعته تركيا في مبادرتها للوساطة في أزمة إثيوبيا-الصومال؟
كيف أثّرت دبلوماسية السلام التي انتهجتها تركيا في الديناميكيات الإقليمية في القرن الإفريقي؟
كيف يمكن تقييم عملية أنقرة ضمن إطار نظرية الوساطة وما الدروس المستفادة منها؟
كيف تشكّل إستراتيجية تركيا بوصفها وسيطًا عالميًّا نموذجًا في سياق القرن الإفريقي؟
وتتمثل الحجة الرئيسة لهذه الدراسة في أن عملية أنقرة التي قادتها تركيا في أزمة إثيوبيا-الصومال تُعَدّ مثالًا ناجحًا لدبلوماسية السلام الدولية، فقد عززت هذه العملية، وما ترتب عليها من نتائج، النفوذ الدبلوماسي لتركيا في إفريقيا، وزادت من قدرتها على التأثير في القضايا الإقليمية. وأسفر إلغاء مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وأرض الصومال، التي انتهكت سيادة الصومال، عن نجاح الجهود الدبلوماسية التركية. كما تمتلك تركيا القدرة على صياغة خطّة سلام طويلة الأمد تأخذ في الاعتبار توازنات القوى الإقليمية والواقع الجيوسياسي في القرن الإفريقي.
تعتمد هذه الدراسة على المنهج النوعي، حيث سيجري تحليل جهود الوساطة التركية في القرن الإفريقي باستخدام منهج دراسة الحالة، وسيتم فحص العمليات الدبلوماسية بين الصومال وإثيوبيا من خلال تحليل الوثائق والمقارنة، كما سيتم الاستناد إلى نظرية الوساطة بوصفها إطارًا نظريًّا لتحليل العملية برمتها.