رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


| المقالات والدراسات < رؤية تركية

تاريخ التيار الصدري والمستقبل السياسي

تتناول هذه الدراسة التيار الصدري: نشأته، والدور السياسي الذي يؤديه، وحضوره في الشارع، ومحددات سلوكه. كما تتطرق الدراسة إلى البنية الداخلية للتيار، وأهم ما يميز قيادته، وعلاقة التيار المعقدة بإيران بوصفها فاعلًا إقليميًّا حاضرًا في العراق. تجادل الدراسة بأن التيار سيحاول توسيع مجالات نفوذه، والتصعيد مع إيران ووكلائها في العراق، وهو ما أثبتته الأحداث الأخيرة في العراق.

تاريخ التيار الصدري والمستقبل السياسي

 

بدأ التيار في العراق على شكل حركة معارضة لنظام صدام حسين، وقد انتشرت هذه الحركة عبر الحقل الديني، وحازت شعبية واسعة لدى الطبقات الدنيا. لم يكن محمد محمد صادق الصدر (الصدر الثاني) والد مقتدى الصدر من المراجع الدينية الشيعية الكبرى في النجف وقم، إلا أنه أنه كسب احترام تلك المراجع بحراكه المناهض للنظام آنذاك، وقد أجبر اغتيالُه بوصفه رجل دين معارض على يد النظام عام 1999 مراجعَ الشيعة على الاعتراف بمكانته.

كان انتشار التيار نتيجة غير مباشرة للإرث الديني الذي تتمتع به أسرة الصدر التي جاءت من لبنان  إلى العراق مطلع القرن التاسع عشر. تقلدت أسرة الصدر مناصب ومراتب متعددة في الدولة من العهد الملكي، فضلًا عن وجودها في الحوزة الدينية الشيعية في النجف.

النشاط الديني للصدر الثاني إبان فترة حكم صدام حسين، ونشاطه في مساعدة الفقراء والدعوة في الأرياف، بالإضافة  إلى شخصية الصدر الثاني المعارضة لحكم النظام البعثي التي التف حولها الكثير من الاتباع في ظل انعدام وجود حركات اجتماعية ودينية أخرى بالنشاط نفسه- كل ذلك أدى  إلى الحفاظ على الدعم الشعبي لمشروع الصدر الثاني حتى بروز ابنه مقتدى الصدر زعيمًا جديدًا للتيار بعد إسقاط نظام صدام حسين.

 

حاول مقتدى الصدر استثمار إمكانيات التيار وإعادة الزخم إليه، مستخدمًا خطاب والده السياسي المناهض للاحتلال، ولكن هذه المرة أخذت تحركات الصدر طابعًا مسلحًا، عبر تبني دعوات مقاومة الاحتلال الأمريكي، وفي هذا الإطار أسّس الصدر "جيش المهدي" ليكون فصيلًا مسلحًا لمقاومة الاحتلال الأمريكي بدعم إيراني. انخرط جيش المهدي فيما بعد في الحرب الطائفية بين السنة والشيعة التي انفجرت على خلفية تفجير مرقد الإمامين العسكريين في سامراء، ونتج عنها الكثير من القتل والتهجير والتغيير الديموغرافي في بغداد والمناطق القريبة منها، بالإضافة  إلى مناطق جنوبي العراق. استمرت الحرب لمدة عامين وانتهت بقيام الغريم السياسي للصدر ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بحملة عسكرية لكبح جماح التيار الصدري الذي اشتبك مع الجيش العراقي المدعوم أمريكيًّا، في مناطق متعددة أبرزها البصرة وميسان وبغداد انتهت باعتقال الكثير من قيادات التيار الصدري وأتباعه، وهروب الباقين إلى إيران ودول أخرى، وهو ما دفع الصدر إلى تجميد عمل جيش المهدي، إلا أنه ظل في صراع مع المالكي.

كان المالكي حليفًا للتيار الصدري في انتخابات عام 2005، حيث تحالفت القوى الشيعية وخاضت السباق الانتخابي على قائمة واحدة حصلت على دعم من مرجعية النجف، وحصدت أغلب المقاعد في تلك الانتخابات، ولكن التيار شعر بتهديد وجودي بسبب عمليات المالكي ضده، وأدرك أهمية تكثيف وجوده السياسي لحماية نفسه خوفًا من تكرار سيناريو القتل والاعتقال والمطاردة الذي مارسه المالكي، حيث بدأ الافتراق والخلاف بين التيار والمالكي في انتخابات 2010 التي شكل فيها المالكي ائتلافه الانتخابي الخاص (ائتلاف دولة القانون) بعيدًا عن بقية القوى الشيعية، بينما ظل الصدر متحالفًا مع القوى الشيعية الأخرى (الائتلاف الوطني العراقي).

ولكن سرعان ما عادت القوى الشيعية وتحالفت مجددًا خوفًا من ضياع منصب رئاسة الوزراء بعد مخاض عسير وتفسير مضلّل ومنحاز لقانون الانتخابات لمحكمة الاتحادية العليا، الذي لاتزال آثاره السياسية حتى اليوم.

قرر أتباع التيار الصدري بعد ذلك خوض الانتخابات بقائمة مستقلة عن القوى السياسية الشيعية الأخرى باسم "كتلة الأحرار" واستطاعوا الحصول على 33 مقعدًا نيابيًّا، وفي العام نفسه أعاد الصدر تفعيل الجناح المسلح لتياره السياسي باسم وهوية مغايرينِ، بالتزامن مع تنامي خطر الإرهاب في مناطق شمالي العراق وغربه، حيث أعلن عن تشكيل "سرايا السلام" لحماية المراقد الشيعية، وتمركزت هذه القوة في سامراء. وفي عام 2015 وقعت احتجاجات للتيار على أبواب المنطقة الخضراء في بغداد حضر فيها الصدر بنفسه للمطالبة بإنهاء الفساد، وبدأ الصدر تصعيد خطابه السياسي ضد الحكومة.

 

عاد الصدر في انتخابات 2018 لتحل قائمته في المركز الأول عراقيًّا وشيعيًّا باسم "سائرون" بـ54 مقعدًا نيابيًّا، يليها تحالف "الفتح" المقرب من طهران بـ48 مقعدًا نيابيًّا. كانت قيادة تحالف الفتح بيد هادي العامري وأحزاب الفصائل السياسية المنضوية تحت مؤسسة الحشد الشعبي الذي سعى إلى تحويل زخم انتصاراته في الحرب ضد الإرهاب إلى مكسب السياسي. وتبعت الانتخابات مباحثات طويلة انتهت بالاتفاق على مرشح التسوية عادل عبد المهدي الذي لم تدم حكومته سوى عامين قبل إسقاط حكومته بعد احتجاجات تشرين 2019.


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...