رؤية تركية
دورية محكّمة في
الشؤون التركية والدولية
ISSN 2458-8458
E-ISSN 2458-8466

| المقالات والدراسات < رؤية تركية

المهدِّدات الداخلية والخارجية للأمن القومي السوداني: نظرة إستراتيجية

الملخّص: تناولت هذه الدراسة من نظرة إستراتيجية موضوع المهدِّدات الداخلية والخارجية للأمن القومي في جمهورية السودان التي تُعَدّ من أهم الأقطار في القرن الإفريقي والعالم العربي، إذ يعيش السودان حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي لما يحدث فيه من تطورات بعد تغير النظام السياسي السابق بثورة شعبية أطاحت بحكم المشير عمر حسن أحمد البشير في عام 2019م. حالة عدم الاستقرار المعقدة التي يعانيها السودان حاليًّا جعلت مسألة الوقف على التجربة السودانية بجوانبها المختلفة، وبخاصة الجانب الأمني منها أمرًا في غاية الأهمية؛ لأنه من الصعب بدون استقرار أمني تحقيق أي استقرار سياسي أو نهضة اقتصادية على المدى القريب في السودان. هذا على المستوى الداخلي، أمّا على المستوى الخارجي فكما أنّ لأمن السودان واستقراره تأثيرات إيجابية في المنطقة، فإن أي حالة من عدم الاستقرار في هذه الدولة صاحبة العمق الإستراتيجي ستشكل تهديدًا لأمن دول المنطقة الأخرى واستقرارها. Abstract: This study deals with the issue of internal and external threats to national security from a strategic point of view, for the Republic of Sudan, which is considered one of the most important countries in the Horn of Africa and the Arab world. Sudan is living in a state of political, security and economic instability due to the developments that took place after the change of the previous political regime with a popular revolution that overthrew the rule of Field Marshal Omar Hasan Ahmed ALBASHEER in 2019. The complex state of instability that Sudan is currently experiencing makes the issue of stopping the Sudanese experience in its various aspects, especially the security aspect, extremely important. Without security stability, it is difficult to achieve any political stability or economic renaissance in the short term in Sudan. This is on the internal level, but on the external level, just as Sudan's security and stability have positive effects on the region, any instability in this strategic country will pose a threat to the security and stability of other countries in the region.

المهدِّدات الداخلية والخارجية للأمن القومي السوداني: نظرة إستراتيجية

الأمن من الاحتياجات الأساسية لحياة الإنسان، وقد كان موضع اهتمام منذ قيام المجتمعات البدائية التي حرصت على تنظيم حياتها وتأمين كياناتها الاجتماعية من التهديدات الخارجية والداخلية. وظل مفهومه في تطور مستمر تبعًا لتطورات حياة البشرية، حتى أصبح مفهومًا يشمل جميع مناحي حياة الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية وغيرها.

مصطلح الأمن القومي "National Security" ككثير من المصطلحات المتعلقة بالقومية والإرادة الوطنية ظهر بعد قيام ما يسمى بـ"الدولة القومية" في أوروبا، عندما تضافرت الإرادات القومية ووضعت حدًّا للحرب التي كانت دائرة وقتئذٍ. ومن وقتها أخذ مصطلح "الأمن القومي" يتطور مع تطورات الحياة المختلفة إلى أن أصبح يعني القدرة الشاملة والمؤثرة للدولة على حماية قيمها ومصالحها من التهديدات الداخلية والخارجية.

ظهرت فكرة الإستراتيجية أوّلًا في المجال العسكري، لكنها حاليًّا أصبحت تدخل في حيز مختلف المجالات، خاصة تلك التي تتعلق بقضايا الأمن القومي ومهدِّداته. وينبثق أصل كلمة "إستراتيجية" من كلمة "ستراتيجوس" في اللغة اليونانية، التي تعني القائد العسكري أو الجنرال. في وقت لاحق، جرى استخدامها للإشارة إلى كبار المسؤولين في الإمبراطورية البيزنطية. حاليًّا يُنظَر إلى فكرة الإستراتيجية على أنها علم أو فن يربط بين تحقيق الأهداف والغايات العظيمة، واستخدام الفرص والموارد الموجودة من أجل الانتقال ممّا هو موجود إلى ما يُراد تحقيقه.

 وتُعرَف الإستراتيجية الأمنية على أنها خطّة شاملة لاستخدام الفرص والقوى الاقتصادية والدبلوماسية والنفسية لدعم سياسة الدولة بشكل فعال من خلال الوسائل العلنية والسرية لتحقيق الغايات الأمنية. ويجري التعبير عن الصلة بين الأمن والإستراتيجية في العديد من الدراسات العلمية بـ"الإستراتيجية الأمنية". ومن ثَمّ هي رؤية موجّهة نحو الأمن، تهدف إلى منع حدوث أي ثغرات أمنية، باستخدام جميع الوسائل والإمكانيات؛ لتوفير الاستقرار الأمني ​​المنشود.

 والصلة بين الأمن والإستراتيجية من منظور الأمن القومي يمكن أن تُعرَّف بأنها: طريقة تحقيق الأهداف والغايات التي تحددها الأجهزة والمؤسسات المعنية بضمان الأمن الوطني وتحقيق الأهداف الوطنية. في الواقع، الغاية من الإستراتيجية الأمنية هي المنظور الشامل الذي يمكّن من تحديد الخُطط وتنفيذها لحل القضايا الأمنية. ومن ثَمّ ففي تقديرنا أن العلاقة بين الأمن والإستراتيجية هي علاقة الوسيلة والغاية. فإذا كان توفير الأمن والاستقرار هدفًا، فإن كل الطرق والإستراتيجيات المتبعة لتحقيق هذا الهدف هي وسائل.

السودان من الأقطار التي تتبوّأ مكانة مهمّة في محيطه الإقليمي، ومن هنا يُعَدّ ذا تأثير مهم في منظومة الأمن القومي الإفريقي، ويمتلك خصوصية تترتب عليها تحديات أمنية كبيرة ومتعددة، إذ إنه دولة مترامية الأطراف حتى بعد انشطار إقليميه الجنوبي. ويمتلك حدودًا مفتوحة على عشر دول، معظمها دول فقيرة اقتصاديًّا وغير مستقرة أمنيًّا، تعاني مشكلات مجتمعية؛ بسبب عدم قدرتها على إدارة التعدد الإثني فيها، وعدم الاستقرار السياسي، وما يترتب على هذه العوامل وغيرها من مهددات للأمن الفردي والقومي.

حاليًّا يعيش السودان تغيرات كبيرة؛ بسبب التطورات المحلية والإقليمية والدولية، وكل هذه المتغيرات بجمع مستوياتها لها تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة في الأمن القومي السوداني، وهذا يستدعي دراسة هذه التأثيرات وتحليلها وما تفرزه من تهديدات، ومن ثم تحديد المتطلبات التي ينبغي تحقيقها لمواجهة هذه التحديات والمخاطر، ثم تهيئة الظروف لبلورة إستراتيجية للأمن القومي تحقق الاستقرار الأمني السوداني الذي حتمًا سينعكس إيجابًا على تحقيق النهضة والتطور اللذين ظلا يطمح إليهما الشعب منذ الاستقلال. وانطلاقًا من هذا الصدد جاءت هذه الدراسة لتتناول مهددات الأمن القومي السوداني الداخلية والخارجية من منظور إستراتيجي.


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...