برز مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة، الكثير من التكهنات والتساؤلات عن الكيفية التي سيتعامل بها مع الصين، خصوصًا أنّ فترته الأولى شهدت حربًا تجارية مثّلت محطة مهمّة في علاقة بلاده مع الصين، ووضعت هذه العلاقة على خط المواجهة، ورغم محاولات خلفه/سلفه جو بايدن تلطيف التعبير عن هذه المواجهة باستخدام كلمة منافس لوصف الصين بدل من خصم، ولكنّ الثابت على كل حال أن هذه العلاقة في تدهور مستمر، رغم كل المحاولات الصينية لإعادة هذه العلاقة إلى السكة التي سارت عليها منذ لقاء الرئيس نيكسون والزعيم ماو تسي تونغ في بداية السبعينيات من القرن الماضي.
لم يكد يتسلّم ترامب منصب الرئاسة حتى أعلن عن مجموعة من الإجراءات لتحقيق شعار حملته الانتخابية "جعل أمريكا عظيمة مجددًا"، وعلى رأسها فرض مجموعة كبيرة من الجمارك والضرائب، التي تهدف إلى دعم الموازنة الأمريكية بتريلونات الدولارات، بحسب زعمه، تخسرها الحكومة نتيجة تساهلها بفرض جمارك على بضائع الدول الأخرى اعتمادًا على مبدأ المعاملة بالمثل، ومحاولة تعديل ميزان المدفوعات المائل بشدة إلى الخارج، كما تهدف إلى جعل منتج الشركات الأمريكية والأجنبية التي تستهدف السوق الأمريكي المغري، أكثر كلفة من إنتاجها في داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما سيدفعها إلى نقل مصانعها إلى داخل الولايات المتحدة، وهذا سيخلق فرص عمل أكثر يستفيد منها المواطنون الأمريكيون.
صحيح أن هذه الإجراءات لم تقتصر على الصين، بل شملت مجموعة كبيرة من حلفاء الولايات المتحدة وأصدقائها وعلى رأسها كندا، إلا أنّ الجمارك الأقسى استهدفت الصين، وأشعلت حربًا تجارية حقيقية بين الطرفين، وهذا ولّد قناعة عند الكثيرين أنّ هذه الإجراءات بحق الصين لا تقتصر على البعد الاقتصادي، بل تستهدف الصعود الصيني برمته، وترمي إلى تعويق تحوّل الصين إلى منافس حقيقي يمكن أن يقصي أمريكا عن زعامة العالم.
وفي هذا السياق، ستحاول هذه الورقة دراسة العلاقة في ظل نظرية "فخ ثيوسيديدس"، والإجابة عن الأسئلة الآتية: هل إستراتيجية ترامب ستؤدي إلى التصادم مع الصين؟ وكيف سيكون شكلها؟ وهل ستنجح؟ وماذا سيترتب عليها؟
ومن خلال رصد المواقف الأمريكية والصينية وتحليلها تهدف هذه الورقة إلى الوصول إلى فهم مجموعة من الأهداف وإدراكها، أهمها فهم المزاج السائد بين الساسة الأمريكيين تجاه الصين، وموقفهم من الصعود الصيني، وهل تشكّل سياسة ترامب تجاه الصين استمرارًا لسياسات أسلافه من الرؤساء الأمريكيين أم لديه إستراتيجية مختلفة؟ وما أهم ملامح هذه الإستراتيجية؟ وكيف تواجه الصين هذه الإستراتيجية؟ وما مآلات هذه المواجهة؟