كثيرًا ما أكدت دراسات السياسة الخارجية الأمريكية مركزية القيادة الرئاسية في تشكيل شكل الانخراط في القضايا الدولية؛ بيد أن رئاسة ترامب خلخلت النماذج الراسخة، متحديةً الافتراضات التقليدية حول التماسك المؤسسي، ونماذج الفاعل العقلاني، واستمرارية المعايير الإستراتيجية، وفي سياق الشرق الأوسط على وجه الخصوص، انحرفت مقاربة إدارة ترامب بشكل ملحوظ عن السوابق التاريخية، وكشفت الطبيعة المجزأة لعملية صنع القرار في ظل ظروف الاستقطاب الأيديولوجي، والتآكل البيروقراطي، والقيادة الشخصية. تدرس هذه الورقة البحثية معايير صنع السياسة الخارجية الأمريكية خلال فترة ولاية الرئيس دونالد ج. ترامب الأولى، مع التركيز بشكل خاص على التفاعل بين الأشكال المتعددة للعقلانية -الرسمية والسياسية والاقتصادية والذاتية- التي شكلت السلوكيات والنتائج السياسية الرئيسة في الشرق الأوسط.
وخلافًا للإدارات القائمة على تقاليد الأممية الليبرالية أو المحافظين الجدد، كانت سياسة ترامب الخارجية مدفوعة بائتلاف غير منظم من الجهات الفاعلة القومية والمناهضة للعولمة والإنجيلية التي أنتج عدمُ ثقتها المشتركة بالنظام الليبرالي تطرفًا خطابيًّا وتناقضًا إستراتيجيًّا على حدّ سواء. وفي حين احتفظت الرئاسة بالسلطة الرسمية، فإن قيادة ترامب غير المنتظمة، والارتجال الإستراتيجي، والاعتماد على دائرة داخلية متوائمة أيديولوجيًّا ولكن مجزأة في الوقت نفسه- كل ذلك عقّد إلى حدّ كبير ممارسة صنع سياسة خارجية متماسكة.
ولمعالجة هذه التعقيدات، تتبنى هذه الدراسة إطار ماكس فيبر للعقلانية الذي يسمح بإجراء تحليل نمطي يتجاوز حدود المنطق الشكلي الأداتي. يوفر تمييز ماكس فيبر بين العقلانية الرسمية والموضوعية (الذاتية) والاقتصادية والسياسية- عدسة أكثر دقة لفهم قرارات السياسة الخارجية التي تبدو متناقضة عند الحكم عليها بالمعايير التقليدية. ووفقًا لهذا المنظور، لا يمكن تفسير أفعال ترامب -مثل الانسحاب المفاجئ من سوريا، والانفتاح على القادة السلطويين، وتهميش الخبرة المؤسسية- على أنها غير عقلانية في حد ذاتها، بل تُفسَّر بوصفها تعبيرًا عن عقلانيات بديلة تشكلها الحوافز السياسية المحلية والالتزامات الأيديولوجية والمنطق العاطفي. يجادل هذا البحث بأن الموقف السياسي لإدارة ترامب في الشرق الأوسط لا يمكن فهمه بشكل كامل من دون الأخذ في الحسبان العقلانيات المعقدة والمتضاربة في كثير من الأحيان التي حركت قراراتها. كما يسلط البحث الضوء على الظروف الهيكلية والأيديولوجية الأوسع نطاقًا –ومن ذلك تراجع المؤسسية البيروقراطية، وصعود الحكم الشعبوي، وتآكل سلطة الخبراء- التي مكنت هذا التفكك الإستراتيجي وهي تتحدى مدى كفاية تفسيرات الاختيار العقلاني والتفسيرات الواقعية من خلال تأكيد الحاجة إلى تحليلات تتمحور حول الجهات الفاعلة والأيديولوجية والمؤسسية التي تعكس بشكل أفضل الحقائق التجريبية لصنع السياسة الخارجية الأميركية المعاصرة.