ترتبط باكستان وأفغانستان بأواصر وثيقة: إذ تجمع بين الشعبين العقيدة الإسلامية، والأرحام الإنسانية، والجوار الجغرافي، والعمق الإستراتيجي. لذلك فُوجِئ الكثير من المسلمين في أرجاء العالم بالنزاع الذي تصاعد بين الدولتين خلال العام الماضي وهذا العام. وهو نزاع يميل المتابعون المسلمون خارج الدولتين إلى تناوله تناولًا عاطفيًّا وتجريديًّا، يذكِّر بالأخُوَّة بين الشعبين الشقيقين، ويدعو إلى حقن الدماء بين المسلمين. ولسان حالهم يقول مع الشاعر العربي الذي قتل أخوه ابنَه:
أَقولُ لِلنّفسِ تَأساءً وتَعزيــــــــــةً***إحْدَى يَديَّ أَصابتْنِي ولم تُـــــــــــــرِدِ
كِلاهُما خلَفٌ من فَقْد صاحبِه***هذا أَخي حِينَ أَدعوهُ، وذا ولَدِي
وهذا موقف نبيل يدل على عمق الروابط الإسلامية والإنسانية، والأواصر الأخوية الوجدانية بين الشعبين الأفغاني والباكستاني. بيد أن التناول العاطفي والتجريدي للصراعات السياسية قلَّما يثمر حلولًا عملية، إذا أُغفِلَ ما لتلك الصراعات من جذور تاريخية، وما يلابسها من إشكالات قانونية، ومطامح سياسية، ونوازع قومية. وربما يكون شعر الشاعر الفارس نَصر بن سَيّار اللَّيثيّ الكِنانيّ (46-131هـ) -على ما فيه من نبرة حزينة- أبلغَ وصفا للوضع الحالي، وأوْلى بالاقتباس على ألسنة الحريصين على تجاوز هذا الشقاق بين البلدين. كان نصر آخر ولاة الدولة الأموية على إقليم خراسان، الذي يشمل اليوم قسمًا كبيرًا من أفغانستان، وأجزاء من باكستان وإيران وتركمانستان. وحين رأى عاصفة الثورة العباسية القادمة من الشرق، أنذر الأمويين قائلًا:
أَرَى خَلَلَ الرَّمَادِ وَمِيضَ جَمْــرٍ***ويُوشِكُ أنْ يكونَ لَه ضِرَامُ
فَإِنَّ النَّارَ بِالعُودَيْنِ تُذْكَى***وَإِنَّ الحَرْبَ أَوَّلُهَا الكَلَامُ
فَإِنْ لم يُطْفِهَا عُقَــلَاءَ قَـوْمٍ***يَكُونُ وَقُودُهَا جُثَثٌ وَهَامُ
فَقُلْتُ مِنَ التَّعَجُّبِ: لَيْتَ شِعْرِي***أَأَيْقَاظٌ أُمَيَّةُ أَمْ نِيَـــــامُ؟!
وفي هذا البحث نتناول الشقاق الأفغاني الباكستاني، بنبرة النذير الخائف على الشعبين الشقيقين، وعلى عامة المسلمين في وسط آسيا وغربها. وذلك بكشف جذوره التاريخية، وما يلابسه من أبعاد الجغرافيا السياسية، والعصبيات القومية، والصراعات الدولية. ثم نقترح أفكارًا عملية قد تعين على تجاوز هذا الصراع، والبدء في مسار تاريخي جديد، أجدرَ بالبلدين، وأرفَقَ بشعبيهما. فالمناصحة على بيِّنة أجدى من المناصرة على غير بينة.
