رؤية تركية
دورية محكّمة في
الشؤون التركية والدولية
ISSN 2458-8458
E-ISSN 2458-8466

| المقالات والدراسات < رؤية تركية

الحرب المستحيلة بين أفغانستان وباكستان

ملخص: تتناول هذه الدراسة الجذور العميقة للخلاف المزمن بين أفغانستان وباكستان، وتكشف خلفياته التاريخية، وما لابسه من إشكالات قانونية، ومطامح سياسية، ونوازع قومية. فتعيد أصل النزاع إلى رسم الحدود بين مملكة أفغانستان والهند البريطانية نهاية القرن التاسع عشر، ثم تتتبَّع مساره التالي، ابتداء من رفض أفغانستان الاعتراف بالحدود الدولية بينها وبين باكستان منذ استقلال باكستان عام 1947 حتى اليوم. كما تربط الدراسة الشقاق بين الدولتين بالمحن التي عاشها الشعب الأفغاني جراء الاحتلال السوفييتي ثم الأميركي، وسعي أفغانستان إلى الخروج من مأزق الدولة الحبيسة، وحاجة باكستان إلى ظهير أفغاني يكون عمقا إستراتيجيًّا لها، ويؤمِّن لها ظهرها في صراعها التاريخي مع الهند. وتنتهي الدراسة باقتراح معالم للمستقبل يرى كاتبها أنها أجدرُ بالبلدين الجارين، وأرفَقُ بشعبيهما الشقيقين. ABSTRACT: This study delves into the deep-rooted origins of the rift between Afghanistan and Pakistan, revealing its complex historical background and the intricate interplay of its legal disputes, political ambitions, and nationalist impulses. It traces the origins of the conflict to the late nineteenth-century border demarcation between the Kingdom of Afghanistan and British India, and to Afghanistan’s steadfast refusal to recognize the international border with Pakistan from 1947 to the present. The study also examines Afghanistan’s efforts to overcome its landlocked dilemma and Pakistan’s pursuit of strategic depth in its prolonged rivalry with India, concluding with a vision for a future that, in the author’s view, offers a more fitting destiny for the two neighboring states and a gentler, more fraternal path for their kindred peoples.

الحرب المستحيلة بين أفغانستان وباكستان

ترتبط باكستان وأفغانستان بأواصر وثيقة: إذ تجمع بين الشعبين العقيدة الإسلامية، والأرحام الإنسانية، والجوار الجغرافي، والعمق الإستراتيجي. لذلك فُوجِئ الكثير من المسلمين في أرجاء العالم بالنزاع الذي تصاعد بين الدولتين خلال العام الماضي وهذا العام. وهو نزاع يميل المتابعون المسلمون خارج الدولتين إلى تناوله تناولًا عاطفيًّا وتجريديًّا، يذكِّر بالأخُوَّة بين الشعبين الشقيقين، ويدعو إلى حقن الدماء بين المسلمين. ولسان حالهم يقول مع الشاعر العربي الذي قتل أخوه ابنَه:

أَقولُ لِلنّفسِ تَأساءً وتَعزيــــــــــةً***إحْدَى يَديَّ أَصابتْنِي ولم تُـــــــــــــرِدِ

كِلاهُما خلَفٌ من فَقْد صاحبِه***هذا أَخي حِينَ أَدعوهُ، وذا ولَدِي

وهذا موقف نبيل يدل على عمق الروابط الإسلامية والإنسانية، والأواصر الأخوية الوجدانية بين الشعبين الأفغاني والباكستاني. بيد أن التناول العاطفي والتجريدي للصراعات السياسية قلَّما يثمر حلولًا عملية، إذا أُغفِلَ ما لتلك الصراعات من جذور تاريخية، وما يلابسها من إشكالات قانونية، ومطامح سياسية، ونوازع قومية. وربما يكون شعر الشاعر الفارس نَصر بن سَيّار اللَّيثيّ الكِنانيّ (46-131هـ) -على ما فيه من نبرة حزينة- أبلغَ وصفا للوضع الحالي، وأوْلى بالاقتباس على ألسنة الحريصين على تجاوز هذا الشقاق بين البلدين. كان نصر آخر ولاة الدولة الأموية على إقليم خراسان، الذي يشمل اليوم قسمًا كبيرًا من أفغانستان، وأجزاء من باكستان وإيران وتركمانستان. وحين رأى عاصفة الثورة العباسية القادمة من الشرق، أنذر الأمويين قائلًا:

أَرَى خَلَلَ الرَّمَادِ وَمِيضَ جَمْــرٍ***ويُوشِكُ أنْ يكونَ لَه ضِرَامُ

فَإِنَّ النَّارَ بِالعُودَيْنِ تُذْكَى***وَإِنَّ الحَرْبَ أَوَّلُهَا الكَلَامُ

فَإِنْ لم يُطْفِهَا عُقَــلَاءَ قَـوْمٍ***يَكُونُ وَقُودُهَا جُثَثٌ وَهَامُ

فَقُلْتُ مِنَ التَّعَجُّبِ: لَيْتَ شِعْرِي***أَأَيْقَاظٌ أُمَيَّةُ أَمْ نِيَـــــامُ؟!

 وفي هذا البحث نتناول الشقاق الأفغاني الباكستاني، بنبرة النذير الخائف على الشعبين الشقيقين، وعلى عامة المسلمين في وسط آسيا وغربها. وذلك بكشف جذوره التاريخية، وما يلابسه من أبعاد الجغرافيا السياسية، والعصبيات القومية، والصراعات الدولية. ثم نقترح أفكارًا عملية قد تعين على تجاوز هذا الصراع، والبدء في مسار تاريخي جديد، أجدرَ بالبلدين، وأرفَقَ بشعبيهما. فالمناصحة على بيِّنة أجدى من المناصرة على غير بينة.


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...