المساعدات الإنسانية تقدمها الأمم المتحدة، والصليب الأحمر والهلال الأحمر الدوليان، بالإضافة إلى المنظمات غير الحكومية الدولية والوطنية. وتعتمد هذه المؤسسات في الغالب على التمويل المقدم من الحكومات، وبدرجة أقل من الأفراد الخاصّين والشركات.
بينما تشير التقديرات إلى أن أكثر من 362 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بحاجة إلى مساعدات إنسانية طارئة، فإنّ غزة أصبحت منذ 7 أكتوبر 2023، محور قضايا المساعدات الإنسانية في العالم؛ لأن غزة، التي تعاني بالفعل حصار نظام الاحتلال الصهيوني منذ سنوات، أصبحت بؤرة احتياجات المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى تعرضها مباشرة للإبادة الجماعية بعد 7 أكتوبر.
ربما لهذا السبب زادت المساعدات الإنسانية لفلسطين (رغم كل العقبات) بشكل كبير في عام 2024؛ بسبب تفاقم الأزمة الإنسانية في غزة. أصبحت فلسطين الدولة التي تتلقى أكبر قدر من المساعدات الإنسانية في العالم في عام 2024، بقيمة 2.9 مليار دولار. ويمثل هذا زيادة بنسبة 51 في المئة عن العام السابق وزيادة بنسبة 88 في المئة عن عام 2023. وبهذه الزيادة، تجاوزت فلسطين أوكرانيا وسوريا لتصبح البلد الذي يتلقى أكبر قدر من المساعدات الإنسانية. وتُعَدّ تركيا إحدى الدول الرائدة في جهود المساعدات الإنسانية لغزة.
في هذا السياق، تتبادر إلى الذهن ثلاثة أسئلة أساسية:
ما الخلفية وراء حاجة العالم الإسلامي إلى المساعدات الإنسانية؟
ما جهود المساعدات الإنسانية تجاه غزة بعد 7 أكتوبر؟ وما العقبات التي تواجهها؟
ما الخطوات التي اتخذتها تركيا حتى الآن لتقديم المساعدات الإنسانية لغزة؟
خلفية الحاجة إلى المساعدات الإنسانية في العالم الإسلامي
تُعرّف الأمم المتحدة "المساعدات الإنسانية" على أنها الدعم المقدم لإنقاذ حياة الأشخاص المتضررين من الأزمات وتخفيف معاناتهم، وتشمل المساعدات: الدعم المادي واللوجستي للأشخاص المتضررين من الكوارث التي من صنع الإنسان مثل النزاعات المسلحة/الحروب، وكذلك الكوارث الطبيعية مثل الجفاف والزلازل والتسونامي والأعاصير.
تُقدَّم المساعدة الإنسانية للمجتمعات المتضررة من العوامل الطبيعية والبشرية المذكورة أعلاه في شكل دعم حيوي، مثل: الغذاء والتغذية والمأوى والخدمات الصحية والمياه والصرف الصحي والبنية التحتية للنظافة. علاوة على ذلك، تُقدَّم الخدمات التعليمية بوصفها جزءًا من المساعدة الإنسانية في حالات الطوارئ، ولاسيما لمنع تعطيل التعليم في أثناء النزاعات أو الكوارث.
ينبغي الالتزام بمبادئ معينة في تقديم هذا الدعم، الذي يُعَدّ حيويًّا لتلبية الاحتياجات الفورية للأشخاص المتضررين ووضع الأسس للتعافي والتنمية على المدى الطويل. في عام 1991، حددت الجمعية العامة للأمم المتحدة "الإنسانية والحياد والنزاهة والاستقلالية" على أنها معايير/مبادئ أساسية للمساعدات الإنسانية.
ويستند مبدأ الإنسانية إلى حماية كرامة جميع الضحايا وحقوقهم، ولا سيما الفئات الأكثر ضعفًا، مثل النساء والأطفال وكبار السن. ويعني مبدأ الحياد أن المساعدة تُقدَّم من دون النظر إلى الأصل العرقي أو الجنس أو الدين أو الجنسية أو الرأي السياسي، بينما يهدف مبدأ النزاهة إلى ضمان تلبية الاحتياجات الأكثر إلحاحًا على سبيل الأولوية، من دون الانحياز إلى أي جانب سياسي أو ديني أو أيديولوجي. أما مبدأ الاستقلالية فيقتضي أن تُقدَّم المساعدة الإنسانية بشكل مستقل تمامًا عن الأهداف السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية.
وتنبع الحاجة المتزايدة إلى المساعدة الإنسانية في العالم الإسلامي، الذي يتبع هذا الإطار بشكل عام، من التداعيات السلبية للإرهاب، وآثار المشكلات الاقتصادية، والأزمات الإنسانية التي تعقب الكوارث الطبيعية. ومع ذلك، فإن السبب الأهم لهذه الحاجة هو الآثار السلبية للحروب والصراعات الداخلية والاحتلالات.
وتُعَدّ مناطق مثل فلسطين والعراق وسورية واليمن وأفغانستان وأراكان من المناطق التي تشهد أزمات بارزة في هذا السياق. إذ شهد العالم الإسلامي صراعات عنيفة ولا تزال مستمرة نتيجة للحروب بين الدول والحروب الأهلية والتدخلات/الاحتلالات الخارجية. وقد أسفرت هذه الصراعات عن خسائر فادحة؛ إذ فقد ملايين الأشخاص حياتهم في غزو أفغانستان، والحرب الإيرانية العراقية، والحروب في البوسنة وكوسوفو في البلقان، وغزو أراكان، والحروب الأهلية في الصومال وسورية. كما فقد آلاف الأشخاص حياتهم في الحرب الأهلية المستمرة في السودان وفي الإبادة الجماعية في غزة، فلسطين، على مدى العامين الماضيين منذ 7 أكتوبر.
