رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


| المقالات والدراسات < رؤية تركية

السياسة الخارجية التركية في مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية

تفترض هذه الدراسة أن تركيا استفادت من المنافسة بين القوى العالمية في ظل حزب العدالة والتنمية، وهذا مكّنها من اتباع نهج أكثر استقلالية ودعم سياسة متوازنة بين الغرب وروسيا والصين. يحلّل هذا البحث التوسع في القدرة الاقتصادية والعسكرية لتركيا، وينتقل إلى التركيز على سياستها تجاه المنافسة بين الغرب وروسيا (بسبب حرب أوكرانيا) وكيف استجابت لـ"صعود آسيا". أخيرًا تحلّل الدراسة سعي تركيا لسياسة خارجية أكثر استقلالية، وكيف اصطدمت الدولة بالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، وبحلفائها على الأرض، وكيف استخدمت أنقرة سياسة التوازن الخاصة بها للحفاظ على غطاء لتلك التوترات.

السياسة الخارجية التركية في مواجهة التحديات الإقليمية والعالمية

 واجهت السياسة الخارجية التركية تحدّيات كبيرة في النصف الثاني من حكم حزب العدالة والتنمية الذي دام عقدين من الزمن. وعلى الرغم من كونها حليفًا في الناتو ودولة مرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي، فقد واجهت أنقرة مشكلات خطيرة مع حلفائها الغربيين في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وبعد أن أمضى العقد الأول من القرن الحالي في محاولة إقناع المؤسسات المحلية بأن لها حقًا مشروعًا في حكم تركيا بحكم فوزها في انتخابات ديمقراطية، اضطر حزب العدالة والتنمية إلى محاولة إجبار الحكومات الغربية على قبول حق تركيا في تبني أجندتها الخارجية وتنفيذها بشكل مستقل طوال العقد التالي. بعد كل شيء، كان نظام "الوصاية الداخلية" محبطًا من محاولات الحكومة لإرساء الديمقراطية لتطبيع العلاقات المدنية العسكرية تمامًا كما عارض نظام "الوصاية الخارجية" محاولات تركيا لتشكيل سياستها الخارجية بشكل مستقل، وبما يتماشى مع توقعات سكانها.

وعند وصولها إلى السلطة، واجهت حكومة حزب العدالة والتنمية العواقب السلبية للغزو الأمريكي غير الشرعي للعراق. وطوال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما أعطت تركيا الأولوية لتوسيع قدرتها الاقتصادية والعسكرية- سعت إلى تعويض خلافاتها مع الولايات المتحدة بشأن حرب العراق من خلال العمل بشكل أوثق مع الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك، فإن صعود أنجيلا ميركل ونيكولاس ساركوزي (اللذين عارضا علنًا عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي) إلى السلطة في ألمانيا وفرنسا كان له تأثير سلبي في علاقات أنقرة مع بروكسل، وهذا ما شجع الحكومة التركية على السعي لتعاون أوثق مع دول الشرق الأوسط في السعي لتحقيق المزيد من التعاون عبر سياسة خارجية متنوعة.

وخلال هذه الفترة، عزّزت الدولة تركية علاقاتها مع إيران والعراق وسوريا، لكنها شهدت توترات مع "إسرائيل" بسبب هجماتها على غزة. في وقت لاحق، تسبب هجوم "إسرائيل" على سفينة مافي مرمرة في أزمة كبيرة بين البلدين، أدت إلى اتهام تركيا بـما يُسمّى "تحول المحور".

ومن المهم ملاحظة أن متهمي أنقرة رفضوا الاعتراف بأن العدوان الإسرائيلي كان السبب الرئيس وراء التدهور في العلاقات الثنائية. كما ظل المنتقدون لأنقرة محبطين من محاولات تركيا التعاون مع الدول الإسلامية في الشرق الأوسط، وهي سياسة أثارت تساؤلات حول النظام الإقليمي الذي أسّسته الولايات المتحدة التي بقيت غير راضية عن سعي تركيا إلى سياسة خارجية مستقلة؛ لأنها تصطدم حتمًا مع مصالحها الخاصة، حيث حاولت الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية ممارسة الضغط على حزب العدالة والتنمية من خلال دعم محاولة الانقلاب والتعاون مع الجماعات الإرهابية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وقد شجعت مثل هذه التجاوزات أنقرة على العمل بشكل وثيق مع روسيا لتخفيف الضغط الغربي. وامتد هذا التعاون ليشمل الطاقة والقطاعات الاقتصادية الأخرى وكذلك الدفاع. أدّى قرار تركيا بشراء نظام الدفاع الجوي الروسي S-400، بدوره إلى تعريضها لضغوط وعقوبات أكبر من حلفائها الغربيين.

ولا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الدول الغربية قد أخذت في الحسبان احتمال أن يؤدي استمرار ضغطها إلى دفع تركيا بعيدًا، وهو ما يشجع أنقرة على العمل بشكل أوثق مع روسيا والصين، القوة الصاعدة في آسيا. ومع ذلك، قد يكون من الأسهل عليها تحمل مثل هذه المخاطر؛ لأنها تعرف أن تركيا ستتردد في الاعتماد على موسكو أو بكين بطريقة قد تؤدي إلى خلافات شبيهة بتلك الموجودة بينها وبين الغرب. باستثناء الموازنة، كان توسيع قدرتها الاقتصادية والعسكرية هو الأسلوب الرئيس الذي استخدمته تركيا في ظل حزب العدالة والتنمية لتخفيف الضغط وتحييد التهديدات من الغرب وروسيا ودول أخرى.

في هذا الصدد نما الاقتصاد التركي بنسبة 340% من حيث الناتج المحلي الإجمالي الاسمي و420% من حيث الناتج المحلي الإجمالي على أساس تعادل القوة الشرائية بين عامي 2002 و2021م.

ويدل تضاعف حجم اقتصادات الدول الصناعية المتقدمة خلال تلك الفترة فقط على أن تركيا اتخذت خطوات رئيسة للحاق بتلك الدول. ستشرح هذا الدراسة بشكل أساسي كيف أسهم توسع القدرة الاقتصادية والعسكرية لتركيا في سعيها نحو سياسة خارجية أكثر استقلالية. وستشرع في تحليل تأثير خطوط الصدع الناشئة في النظام السياسي العالمي وبخاصة صعود آسيا على سعي تركيا لسياسة خارجية أكثر استقلالية، وكذلك كيف تكيفت أنقرة مع تلك الظروف.

علاوة على ذلك، ستحلّل الدراسة كيف جرى تفسير المنافسة المتصاعدة بين الغرب وروسيا (في أعقاب هجوم الأخيرة على أوكرانيا) من وجهة نظر سياسة التوازن التركية.

أخيرًا، تركز هذه الدراسة على بيان كيف أدت خطوات تركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط (في إطار سعيها لسياسة خارجية أكثر استقلالية) إلى مواجهة بينها وبين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا، وشركائها المحليين. كما تناقش السياسات التي تنفذها حكومات حزب العدالة والتنمية لإدارة تلك التوترات.


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...