رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


| المقالات والدراسات < رؤية تركية

إستراتيجية تركيا الكبرى والقوى العظمى

إلى أيّ مدى تتوافق الإستراتيجية الكبرى لتركيا مع إستراتيجيات القوى العظمى العالمية؟ تلخّص هذه الدراسة مبادئ الإستراتيجية الكبرى لتركيا بإيجاز من وجهة نظر وصفية ومعيارية، ثم تنتقل بعد ذلك لتحدد وتقارن بين الإستراتيجيات الكبرى للقوى العظمى الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ففي حين ثمة بعض الصراعات الواضحة للعيان بين تركيا والوكلاء الفرنسيين والروس والأمريكان في سوريا وليبيا والقوقاز، فإنّه بالمقابل لا توجد صراعات عسكرية بين تركيا والوكلاء البريطانيين. كما تتخذ الصين أيضًا موقفًا مضادًّا لتركيا في العديد من النزاعات الدولية، من ذلك الحرب في سوريا، ويضيف الاضطهاد البالغ للمسلمين الأويغور الترك في شينغيانغ بعدًا آخر للنزاعات الصينية-التركية الكامنة. ويخلص البحث إلى أن الإستراتيجية التركية الكبرى تبدو أكثر توافقًا أو أقل تعارضًا مع الإستراتيجية البريطانية الكبرى، تتلوها الإستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة الأمريكية من بين الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بينما تبدو الإستراتيجيات التركية والفرنسية والروسية على وجه التحديد في حالة تعارض.

إستراتيجية تركيا الكبرى والقوى العظمى

مدخل: الرؤى المتوافقة والمتعارضة لمفهوم الإستراتيجية الكبرى

أخيرًا انطلقت النقاشات العلمية حول الإستراتيجية الكبرى لتركيا؛ حيث جرى نشر عدد خاص من الدورية الأكاديمية الخاصة بوزارة الخارجية التركية في عام 2020 حول الإستراتيجية الكبرى لتركيا، وقد تضمن خمسة مقترحات إستراتيجية كبرى مختلفة، تبعتها مقالات أكاديمية أخرى، وتعليقات تناقش جوانب مختلفة من الإستراتيجية التركية الكبرى، من وجهات نظر وصفية ومعيارية،[1] كما خصّص منتدى "تي آر تي العالمي 2021" لموضوع "القوة والمفارقة: فهم الإستراتيجية الكبرى في القرن الواحد والعشرين"[2]، وكل ذلك يمثل دلالات على الاهتمام المتنامي بهذه القضية. ولكن على الرغم من هذا الازدهار العلمي الأخير إلا أن التحليلات المقارنة للإستراتيجيات الكبرى التي تتناول تركيا لا تزال نادرة إلى حد كبير. علاوة على ذلك، وعلى حد علمي، لا توجد دراسة واحدة حول التوافق بين الإستراتيجية التركية الكبرى والإستراتيجيات الكبرى الأخرى للقوى العظمى. وفي هذا الإطار، يحاول هذا المقال معالجة هذه الثغرة عبر عمل مراجعة للإستراتيجيات الكبرى للدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، مع التركيز على قياس درجة توافقها أو تعارضها مع الأولويات الإستراتيجية الكبرى لتركيا.

 قد يتعرض مثل هذا المسعى إلى الانتقادات بدعوى أنه غير عملي، نظرًا للطبيعة المتغيرة والمتقلبة للإستراتيجيات الكبرى لكل من تركيا والقوى العظمى، إذ إنّ عقد مقارنة بين إستراتيجيتين كُبريين معرّضتينِ للتغيرات والتقلبات من غير المرجح أن تتمخض عن استنتاجات يمكن التعويل عليها على المدى البعيد. ولهذا الانتقاد وجاهته، إذ إن الإستراتيجيات الكبرى التي سيجري وضعها موضع المقارنة هي ذاتها في حالة دائمة من التغير، وفوق ذلك، فالجهات السياسية الفاعلة في كل بلد ربما يكون لديها (وفي الغالب لديها بالفعل) رؤى مختلفة للإستراتيجية الكبرى لبلدهم. ولكن رغم هذه التقلبات والخلافات المحلية حول الإستراتيجية الكبرى في كل البلدان بما في ذلك تركيا، إلا أن ثمة أدلة كافية من سلوكيات السياسة الخارجية للقوى العظمى الخمس الأعضاء في مجلس الأمن الدولي لوضع تصور للخطوط العريضة لإستراتيجياتها الكبرى بعد ثلاثة عقود من نهاية الحرب الباردة. بالمثل، ثمة تصورات وصفية ومعيارية كافية للإستراتيجية الكبرى لتركيا تسمح لنا لعمل تقييم أولي لتوافقها مع الإستراتيجيات الكبرى للقوى العظمى.

ومن البداية ينبغي أن نؤكد أن الإستراتيجيات الكبرى الفرنسية والأمريكية والبريطانية والروسية كلها تتعارض مع وجهات نظر مختلفة موجودة بين كل من العلماء والممارسين، وأن الكثير من اللاعبين المحليين يختلفون مع جوانب الإستراتيجيات الكبرى لبلدانهم استنادًا إلى اختلافات حزبية وأيديولوجية وفئوية عميقة. ولا يقتصر هذا الأمر على الدول الست محل النقاش في هذا البحث، فعلى سبيل المثال؛ ثمة أحزاب سياسية مهمّة وقادة بارزون في العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلنطي منها بلغاريا واليونان وألمانيا وإيطاليا- يدافعون عن ضرورة إقامة علاقات جيوسياسية أقرب مع روسيا، والانسحاب من الحلف الأطلسي، بل وحتى تفكيكه، غير أن هذه البلدان ما تزال جزءًا من الحلف الأطلسي، وتشارك في العديد من مهامه، على الرغم من هذه المعارضة الداخلية الصاخبة.[3] في سياق متصل، يمكن أن نقترح أن الأدبيات المتعلقة بالإستراتيجيات الكبرى تجمع بُعدين: بُعدًا وصفيًّا وبُعدًا معياريًّا؛ إذ إن الافتراضات النظرية المختلفة حول السياسة الدولية والمفاهيم المتعددة لقوة الدول المادية "الصلبة" وغير المادية "الناعمة" يرجح أن تنتج تقييمات وتوصيات إستراتيجية كبرى. يشبه هذا البحث الأدبيات المتعلقة بالإستراتيجية الكبرى من حيث إنه يجمع عناصر وصفية ومعيارية في تقديم تحليلات وتوصيفات حول الإستراتيجية الكبرى لتركيا.

الإستراتيجية التركية الكبرى

ينبغي أن تكون الضرورة الأساسية للإستراتيجية الكبرى لتركيا هي الإبقاء على جيوش القوى العظمى خارج حدود جيرانها المباشرين، وتأسيس "جوار صديق" لا يشكل فيه أيّ جار تهديدًا عسكريًا مهمًّا.[4] هذه ليست الإستراتيجية الكبرى الرسمية لتركيا، فتركيا لا تملك إستراتيجية كبرى رسمية، وإنما الصياغة المعيارية للكاتب لما يجب أن تكون عليه الإستراتيجية التركية الكبرى استنادًا إلى السياسة الخارجية والأمنية لتركيا منذ نهاية الحرب الباردة. بعبارة أخرى؛ هذا مقترح بإستراتيجية كبرى مبني على افتراضات واقعية إلى حد كبير، ولكنه مؤسَّس أيضًا على الكيفية التي استجابت بها النخب السياسية والأمنية التركية للتطورات في البيئة الجيوسياسية التي توجد فيها تركيا خلال ثلاثة عقود منذ نهاية الحرب الباردة إن لم يكن أبعد.

تقوم الضرورة الأساسية على تقييم القوة الكامنة والفعلية لجيران تركيا وقدراتهم من وجهة نظر المدرسة الواقعية الجديدة. يكشف تقييم من هذا النوع أن القوة الاقتصادية والعسكرية لتركيا لا تُنافَس بين جيرانها المباشرين باستثناء جزئي لإيران.[5] ومن ثم، فليس ثمة جار مباشر لتركيا، مع الاستثناء الجزئي لإيران، يمكنه أن يشكل تهديدًا وجوديًّا لتركيا. ولكن إذا احتل جيش قوة عظمى أو تموضع داخل دولة جارة لتركيا فإن وجود قوات الاحتلال التابعة للقوة العظمى في أراضي أي من جيران تركيا المباشرين يمثل تهديدًا محتملًا للأمن القومي التركي. إن حقيقة أن أربعًا من دول الجوار المباشر الثماني جرى احتلالها جزئيًّا أو بالكامل من قبل دولة أو أكثر من القوى العظمى التي يتألف منها مجلس الأمن الدولي- تبرهن على أن احتمالًا قويًّا كهذا ليس نظرية مؤامرة كابوسية، وإنما هو الواقع الجيوسياسي الذي تواجهه تركيا منذ نهاية الحرب الباردة. بناء على ما تقدم، استخلصت أن "الموقف التركي يجب أن يكون موقف "الدولة الثالثة" التي تقوم بتدعيم استقلال ووحدة أراضي دول جوارها التي يجري تفكيكها وتدميرها في حروب بالوكالة"[6]. وقد كان النهج التركي إزاء احتلال أذربيجان وجورجيا والعراق وسوريا متسقًا مع هذا المبدأ، بمعنى أن تركيا قد اعترضت على التدخلات الأجنبية في هذه البلدان سواء كانت روسية (في حالة جورجيا وسوريا، وأذربيجان عبر الوكلاء الأرمن) أو أمريكية (في حالة العراق وسوريا) أو بريطانية (في حالة العراق) أو فرنسية (في حالة سوريا). لم تُجرِ تركيا (في العراق وسوريا) أو تدعم (في أذربيجان) تدخلات عسكرية محدودة لحماية حدودها أو استعادة الوضع القديم إلا بعد وقوع تدخلات عسكرية من قبل هذه القوى العظمى ووكلائها، على الرغم من اعتراضات تركيا، وعلى حساب مصالحها الحيوية. على النقيض، فجيران الجيران المباشرين لتركيا (هامش تركيا (Turkey’s Periphery يضم بعض القوى العظمى والمتوسطة التي تقترب من قوة تركيا وقدراتها العسكرية والاقتصادية أو تفوقها، وأهمها روسيا، ولكن أيضًا "إسرائيل" وإيطاليا من حيث قوتهما العسكرية والاقتصادية (بما في ذلك القدرات النووية) التي ربما تمثل تهديدًا عسكريًّا لتركيا إذا اقتربت من الحدود التركية. ومن ثم، فإن الإستراتيجية التركية الكبرى يجب أيضًا أن تستهدف الإبقاء على هذه الدول التي تمثل تهديدًا محتملًا لها في هامشها بعيدًا عن حدودها المباشرة. بإيجاز، يدعم سلوك السياسة الخارجية التركية وتقييم للقدرات الاقتصادية والعسكرية في محيط تركيا المباشر المقترح القائل بأن الإبقاء على جيوش القوى العظمى خارج محيطها المباشر هو الأولوية الأساسية للإستراتيجية التركية الكبرى. ولتحقيق هذا الهدف لن يتوجب على تركيا أن تسعى للإبقاء على جيوش القوى العظمى (روسيا والولايات المتحدة على سبيل المثال) خارج أراضي جيرانها المباشرين فحسب، بل يجب عليها أيضًا أن تخلق توازنًا مضادًّا لإيران، وأن تبقي على القوى التي تشكل تهديدًا محتملًا لها في "هامشها"، مثل روسيا و"إسرائيل" وإيطاليا؛ بعيدًا عن حدودها المباشرة بشكل كاف.

إلى أيّ مدى تتوافق الأولويات الإستراتيجية الكبرى لتركيا مع الإستراتيجيات الكبرى للقوى العظمى في النظام الدولي؟ وبسياق متصل، أيّ من القوى العظمى لديها مصالح وأولويات تتوافق على نطاق واسع مع إستراتيجية تركية كبرى بهذا الشكل؟ أيّ من القوى الكبرى يُرجَّح أكثر أن تكون حليفة بالنسبة للإستراتيجية الكبرى لتركيا وأيها أقل احتمالًا أن تكون حليفة (أو أكثر خصومة) لها؟ بعبارة أخرى؛ ما القوى العظمى التي يحتمل أكثر ألا تتدخل عسكريًّا وتحتل أراضي أحد جيران تركيا المباشرين على حساب المصالح القومية الحيوية لتركيا أو حتى تتحالف مع تركيا لمواجهة التوسع الروسي والإيراني بين جيران تركيا المباشرين؟ وفي هذا الإطار، ما القوة العظمى التي يمكن أن تشكّل دعمًا للجهود التركية في مناطق الصراع الحرجة كسوريا وجنوب القوقاز وليبيا؟

على المرء أن يحاول وضع الخطوط العريضة للإستراتيجيات الكبرى للقوى العظمى الخمس؛ لقياس مدى توافقها أو تعارضها مع الأولويات الإستراتيجية الكبرى لتركيا بهذه الصورة، وهو ما سنحاول فعله في الأجزاء الخمسة لآتية من هذا البحث.

الإستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة وأولويات تركيا

ينبغي أن يُستهَلّ أيّ جدل حول الإستراتيجيات الكبرى المقارنة بنقاش للإستراتيجية الأمريكية الكبرى؛ لأن الأدبيات المتوفرة حول الإستراتيجية الكبرى تركز في العموم على نقاش الحالة الأمريكية بصورة لا مثيل لها، وأيضًا نظرًا للتفوق الأمريكي على مستوى القوة الاقتصادية والعسكرية. إذ إن الإنفاق العسكري للولايات المتحدة لا يزال يفوق الإنفاق العسكري للصين، أقرب منافسيها، بثلاث مرات، كما يفوق الإنفاق العسكري الأمريكي الإنفاق العسكري للدول الأربع الأخرى الأعضاء في مجلس الأمن الدولي (الصين وفرنسا، والمملكة المتحدة، وروسيا) مجتمعة.[7] ومن ثَمّ، فإن كلّ الإستراتيجيات الكبرى للقوى العظمى الأخرى، بالإضافة إلى الإستراتيجية التركية الكبرى، سيكون عليها أن تأخذ الإستراتيجية الأمريكية الكبرى في موضع الاعتبار. السؤال هنا هو إلى أيّ مدى تدعم أو تهدد (أو تقف على الحياد) الإستراتيجية الأمريكية الكبرى التغيرات في مواقع القوة النسبية للقوى العظمى الأخرى والقوى المتوسطة، مثل فرنسا وإيران و"إسرائيل" وتركيا؟ وما الإستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة للعقود الثلاثة التي تلت تفكك خصمها الرئيس الاتحاد السوفييتي خلال حقبة الحرب الباردة؟

 كانت هناك "رؤى متنافسة للإستراتيجية الأمريكية الكبرى" شأنها في ذلك شأن أي بلد جرى تناوله في هذا البحث.[8] تضم الخيارات الإستراتيجية الكبرى التي جرى عرضها ومعالجتها في النقاشات الأكاديمية حول الولايات المتحدة خيارات، مثل: الانعزالية الجديدة، والانخراط الانتقائي، والأمن التعاوني.[9] وقد ركزت هذه النقاشات، وبصورة يمكن تفهمها، على بنية النظام الدولي، وبصورة أساسية على ما إذا كان يمكن الحفاظ على النظام أحادي القطب، وكيفية ذلك.[10] لم يتوقع أصحاب المدرسة الواقعية أن يستمر النظام أحادي القطب إلى أجل غير مسمّى، ولكنهم اعتقدوا أن السياسات الأمنية والخارجية الماهرة ربّما تطيل أمد أحادية القطب أكثر من البدائل الأخرى.[11] وفي إسهام بارز يجادل نونو مونتاريو بأنه "في عالم نووي، تتوفر الإمكانية للنظام أحادي القطب للرسوخ" ولكن "العالم أحادي القطب لا يمكن أن ينعم بالسلام" وأن "أفضل ما يخدم مصالح الولايات المتحدة هو إستراتيجية كبرى تقوم على التكيف الدفاعي الذي يتألف من إستراتيجية عسكرية تستهدف الحفاظ على الوضع الدولي القائم -الذي يسميه الهيمنة الدفاعية- عبر إستراتيجية اقتصادية تفسح المجال لاستيعاب مصالح القوى الرئيسة الصاعدة"[12]. و يقع هذا التكيف الدفاعي أو الهيمنة الدفاعية في مكان ما بين الانخراط والأولويات الانتقائية.

ما القوى التي تشكّل تحدّيًا رئيسًا للوضع الدولي الراهن بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية؟

 بصورة نمطية قد تتضمن الإجابة عن هذا السؤال القوة الدولية الأقرب والمنافس الأكثر ندية للولايات المتحدة الأمريكية، التي يمكن أن تكون الصين في الوقت الحاضر على مستوى القوى الاقتصادية والعسكرية، على الأقل من وجهة نظر واقعية. غير أنه إذا كان المرء يفرق بين توازن القوى ومقاربات التهديد في إطار النظرية الواقعية، فمن الممكن نظريًّا ألا تكون ثاني أقوى دولة في النظام الدولي بالضرورة هي الفاعل الأكثر تهديدًا للقوة أحادية القطب، فمؤيدو النظرية الواقعية يعتقدون أن على الولايات المتحدة أن تصبّ تركيزها على الحفاظ على هيمنتها في أمريكا الشمالية (أو في الشمالية والجنوبية جميعًا) ومنع صعود أي قوة مهيمنة أخرى في أي مكان من العالم.[13] ومع ذلك فليست كل مناطق العالم على القدر نفسه من الأهمية لحشد القوة العسكرية والاقتصادية. فشرق آسيا وأوروبا هما المنطقتان الوحيدتان من حيث القوى العسكرية والاقتصادية المتراكمة للقوى الإقليمية القابلة للمقارنة مع قوة الولايات المتحدة الأمريكية.[14] بعض العلماء يضيفون الشرق الأوسط أو الخليج على وجه التحديد بوصفه المنطقة المهمة الثالثة؛ لا لأنه به أي قوة عسكرية أو اقتصادية مهمّة عالميًّا، ولكن لأنه مصدر لكثير من موارد العالم النفطية. من وجهة نظر واقعية، من المتوقع أن تقوم الولايات المتحدة بإحباط محاولات السيطرة لأي قوة تسعى للهيمنة على شرق آسيا وأوروبا وربما أيضًا على الشرق الأوسط.

السؤال الرئيس بالنسبة للولايات المتحدة إذن هو ما إذا كانت هناك أي قوة قادرة على الهيمنة على شرق آسيا وأوروبا والشرق الأوسط في الوقت الحاضر أو في المستقبل المنظور. الإجابة، برأيي، واضحة إلى حد ما إذا قمنا بالتركيز على المصادر العسكرية والاقتصادية والديموغرافية للقوة. ففي شرق آسيا تبدو القوة الاقتصادية والديموغرافية والعسكرية للصين لا مثيل لها؛ حيث يبلغ الإنفاق العسكري الصيني خمسة أضعاف الإنفاق الدفاعي لليابان وكوريا الجنوبية، وهما البلدان الأقرب إلى الصين في شرق آسيا.[15] أما بالنسبة لتعادل القوة الشرائية؛ فالناتج القومي الإجمالي للصين يبلغ ما يقرب من خمسة أضعاف نظيره في اليابان أقرب منافس للصين في شرق آسيا.[16] أما من حيث القوة الديموغرافية؛ فيبلغ عدد سكان الصين حوالي 11 ضعف عدد سكان اليابان التي تعد ثاني أكثر الدول اكتظاظًا بالسكان في شرق آسيا.[17] بإيجاز؛ الصين لديها القدرة الاقتصادية والديموغرافية والعسكرية اللازمة للسيطرة على شرق آسيا.

بالعودة إلى أوروبا، تبرز روسيا قوة عسكرية رائدة من حيث الإنفاق الدفاعي، بالإضافة إلى ترسانتها النووية، ومكونات القوة العسكرية الأخرى.[18] ووفقًا لمؤشر معروف للقوة العسكرية؛ تتبوّأ روسيا المرتبة الثانية عالميًّا من حيث القوة العسكرية، في حين أن الدولتين الأوروبيتين الأخريين الموجودتين في المراكز العشرة الأولى، فرنسا والمملكة المتحدة، تتبوّآن المرتبة السابعة والثامنة بالترتيب.[19]  تمتلك روسيا أيضًا أكبر كتلة سكانية في أوروبا بفارق كبير، وتأتي ألمانيا وتركيا بعدها بما يقرب من نصف سكان روسيا. من ناحية أخرى، يتبوّأ الاقتصاد الروسي المرتبة الثانية بعد ألمانيا من حيث تعادل القوة الشرائية، ولكن من حيث الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية تتبوّأ روسيا المرتبة الخامسة في أوروبا بعد ألمانيا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وإيطاليا.[20] باختصار، تجمع روسيا بين أقوى جيش وأكبر كتلة سكانية في أوروبا وأحد أكبر الاقتصادات في القارة، ويجعل هذا المزيج روسيا القوة المهيمنة الأرجح في أوروبا، لكن توزيع القوة في أوروبا لا يمكن اعتباره غير متكافئ كما هو الحال في شرق آسيا؛ لأن فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة لديها اقتصادات يمكن مقارنتها بالاقتصاد الروسي، إن لم تكن أكبر منه، بالإضافة بالطبع إلى الجيوش الأوروبية الضخمة المصنّفة عالميًّا من بين أعلى 15 جيشًا، والكتل السكانية التي تتراوح بين خمسي إلى نصف سكان روسيا. ومن ثم، فإن حلفًا من ثلاث أو أربع من هذه القوى الأوروبية يجب أن يكون قادرًا على تحقيق التوازن بنجاح ضد روسيا. ومع ذلك، هناك أحزاب أو تيارات سياسية مؤثرة في فرنسا وألمانيا وإيطاليا تعارض الناتو أو أي تحالف آخر مناهض لروسيا، وتفضل بدلًا من ذلك التقارب مع روسيا، إن لم يكن التحالف الصريح معها.[21]

لا توجد دولة واحدة في الشرق الأوسط لديها تفوق واضح في تركيبة المؤشرات العسكرية والاقتصادية والديموغرافية اللازمة لأن تصبح قوة مهيمنة إقليمية طموحة. فمن حيث الناتج القومي الإجمالي بالأسعار الجارية، تمتلك إيران أكبر اقتصاد، وتليها السعودية في المرتبة الثانية، وتركيا في المرتبة الثالثة. أما من حيث الناتج المحلي الإجمالي في تعادل القوة الشرائية، فتركيا تمتلك أكبر اقتصاد تليها المملكة العربية السعودية ومصر وإيران. ومن حيث الإنفاق الدفاعي، تتصدر المملكة العربية السعودية جميع دول المنطقة بهامش كبير، وتليها "إسرائيل" وتركيا في المرتبة الثانية والثالثة على التوالي. ومن حيث القوة الديموغرافية، تتصدر مصر بهامش كبير حيث يبلغ عدد سكانها أكثر من 100 مليون نسمة، تليها إيران (85 مليون) وتركيا (84 مليون). أما من حيث القوة النووية، فـ"إسرائيل" بوضوح هي القوة العسكرية النووية الوحيدة في الشرق الأوسط. أخيرًا، وفقًا لمؤشر "غلوبال فاير باور" تتبوّأ تركيا المرتبة 11 عالميًّا، تليها مصر في المرتبة 13، وإيران في المرتبة 14، والسعودية في المرتبة 17، و"إسرائيل" في المركز 20.[22] بعبارة أخرى، لا يوجد في الشرق الأوسط معادل للصين أو حتى روسيا، أي ليس ثمة دولة من المحتمل أن تصبح القوة المهيمنة إقليميًّا. علاوة على ذلك، فإن القوى الإقليمية الخمس البارزة المذكورة أعلاه لا يوجد بينها أي شكل من أشكال "التحالف" التي من شأنها أن تولّد "كتلة" مهيمنة، بل تنقسم على نفسها إلى ثلاث مجموعات تتبادل العداء؛ فقد خاضت تركيا وإيران حرب بالوكالة على سوريا (إلى جانب صراعات أخرى)، بينما تعارض مصر و"إسرائيل" والسعودية كلًّا من إيران وتركيا، وقد انخرطت في حروب بالوكالة على ليبيا واليمن، بالإضافة إلى سوريا. فوق ذلك، حتى العلاقات غير العدائية نسبيًّا بين "إسرائيل" ومصر والسعودية ليست ودية بما يكفي ليتم تصنيفها على أنها "تحالف". إن أيّ مسعى قد تُقدِم عليه أي قوة من هذه القوى الإقليمية الخمس لتصبح قوة مهيمنة إقليميًّا، فسيكون أي تحالف بين قوتين من القوى الأربع الأخرى كافيًا لمواجهة مثل هذا المسعى وإحباطه في مهده، بنجاح.

بالنظر إلى توزيع القوة في شرق آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، نجد أنه من المحير للغاية أن الولايات المتحدة قد تدخلت عسكريًّا ليس مرة واحدة فحسب، ولكن أربع مرات على الأقل في ثلاث دول مختلفة في الشرق الأوسط (في العراق عامي 1991 و2003 وفي أفغانستان عام 2001، وفي سوريا عام 2015)، ومن ثم فمن غير المحتمل أن تنتج المنطقة قوة مهيمنة. إن هذه التدخلات في الشرق الأوسط التي كانت في أغلب الأحيان "حروبًا غير ضرورية"[23]، استنزفت موارد الولايات المتحدة التي كان من الممكن أن تستغلها في احتواء الصين وروسيا، أو كان من الممكن إنفاقها على برامج تنموية داخلية في الولايات المتحدة. ومن الجدير بالذكر أن هذا الانحراف الإستراتيجي الكبير وتبديد القوة الأمريكية في العراق على وجه الخصوص يُعزى إلى التأثير الضار للوبي الإسرائيلي المكون من جماعات ضغط قوية منها الصهاينة المسيحيين الذين نجحوا في إقناع صانعي السياسة الخارجية الأمريكية بأن المصالح الأمريكية والإسرائيلية في الشرق الأوسط تكاد تتطابق.[24] وتبدو التدخلات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط بمثابة انحراف مدمر عن المسار أدى إلى تشتيت الولايات المتحدة عن التركيز على منافسها الصاعد الصين، فبدلًا من القيام بذلك، بددت الولايات المتحدة مئات المليارات، ودمرت صورتها في العالم الإسلامي، بسبب نهجها في العراق وأفغانستان وسوريا.[25]

 بعد 30 عامًا من نهاية الحرب الباردة و20 عامًا من الحروب في الشرق الأوسط منذ عام 2001 يبدو أن الولايات المتحدة أخيرًا في طريقها للتركيز على احتواء الصين باعتبارها حجر الزاوية في إستراتيجيتها الكبرى الجديدة. يتزامن هذا التحول في الإستراتيجية الأمريكية الكبرى أيضًا مع إخفاق النظام الدولي الليبرالي والانتقال من نظام عالمي أحادي القطب نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب، وقد وقع ذلك ربما بحلول عام 2016.[26] ويمكن القول إن محور باراك أوباما في آسيا كان بالفعل محاولة مبكرة لاحتواء الصين لكنها أخفقت على نحو كارثي، إلى جانب استفزاز الصين لتصبح أكثر عدوانية، وتواصل "سد الفجوة في القدرات العسكرية مع الولايات المتحدة"[27].

لم يصبح احتواء الصين الأولوية القصوى للولايات المتحدة إلا في عهد دونالد ترامب، حيث أضحت العلاقات الأمريكية الصينية تتسم بالعداء أكثر من أي وقت مضى. وفي هذا السياق، قد يكون الرئيس الحالي جو بايدن قد فاجأ البعض وخيّب آمال البعض الآخر عندما واصل، بل ورسخ سياسات ترامب التي تسعى لاحتواء الصين خصوصًا مع تأسيس الحلف الأمني بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، وهو المسعى الذي أدانته الصين واصفةً إياه بأنه "غير مسؤول للغاية"[28]، كما أثار موجة من الاحتجاجات الفرنسية.[29]

في عدد نوفمبر/ ديسمبر 2021 من مجلة "فورين أفيرز" (التي تُعدّ مؤشرًا على التوجه الجديد لمؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية) أعرب كبار الباحثين في الإستراتيجية الكبرى والعلاقات الدولية عن رأيهم بأن التنافس بين الولايات المتحدة والصين أمر لا مفر منه،[30] وأن حربًا باردة جديدة بين هاتين القوتين قد بدأت،[31] ومن المحتمل أن تتحول إلى صراع عسكري على عكس التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي في القرن العشرين.[32]

ما مدى توافق الإستراتيجية التركية الكبرى مع الإستراتيجية الأمريكية الكبرى الجديدة التي تهدف إلى منع الصين من أن تصبح القوة المهيمنة الإقليمية في شرق آسيا؟

 إن إستراتيجية كبرى تقوم على الاستيعاب أو الهيمنة الدفاعية يمكن أن تتوافق بشكل كبير مع مصالح تركيا بوصفها قوة وسطى صاعدة طالما رجحت الولايات المتحدة "استيعاب" المصالح التركية بدلًا من السعي لاحتواء تركيا أو استعدائها. وعلى النقيض، يصور بعض الإستراتيجيين العسكريين الأمريكيين مثل مايكل روبرت هيكوك[33] وإدوارد إريكسون[34] تركيا على أنها "قوة مهيمنة صاعدة" في الشرق الأوسط منذ عام 2000، إن لم يكن حتى قبل ذلك. وإذا كانت تركيا قوة مهيمنة إقليمية صاعدة، فيمكن تعريفها على أنها خطر على المصالح الأمريكية يجب "احتواؤه"، شأنها في ذلك شأن الصين في شرق آسيا أو روسيا في أوروبا. ولكن وكما أوضحت فيما سبق، تمتلك كل من مصر وإيران و"إسرائيل" والسعودية مصادر قوة اقتصادية وعسكرية وديموغرافية مماثلة أو حتى متفوقة على تركيا، ومن هنا فإن القول: إن تركيا هي القوة الإقليمية الصاعدة المهيمنة في الشرق الأوسط مضلل، بقدر ما يتعارض مع موازين القوى على الأرض. وفي هذا الإطار ينبغي تأكيد أن هذه المفاهيم والتقديرات غير الصحيحة، والخوف الناتج عنها بين بعض صانعي السياسة الأمريكيين من تركيا، سابق على قدوم حزب العدالة والتنمية للحكم (فمثلًا نشر هيكوك "القوة المهيمنة الصاعدة" عام 2000 أي قبل مجيء العدالة والتنمية) ومن ثم يبرهن ذلك على أن الأزمات المستمرة بين تركيا والولايات المتحدة لا تتعلق في المقام الأول بقائد أو حزب بعينه، مثل أردوغان وحزب العدالة والتنمية، بل بمفاهيم وتقديرات خاطئة تعود إلى حقبة التسعينيات. وقد مثلت محاولة الانقلاب الفاشل في يوليو 2016 وما أعقبها نقطة تحول سلبية كبيرة في العلاقات الأمريكية التركية.[35]

إذا نظرنا إلى الشرق الأوسط على أنه نظام إقليمي، نجد أن مصر وإيران و"إسرائيل" والسعودية لديها قوى اقتصادية وديموغرافية وعسكرية قابلة للمقارنة بقوة تركيا، ويكاد يكون من المستحيل لتركيا أن تمارس سيطرة مهيمنة على "المنطقة الحيوية العربية" أو الطرق البحرية التي تربط الدول العربية الغنية بالنفط بالعالم الخارجي عبر عمان أو اليمن أو قناة السويس في مصر. ولكن على أي حال، في مقدرة تركيا احتواء نفوذ الكتلة السعودية-الإماراتية-البحرينية من خلال حضورها العسكري في قطر والصومال، بالإضافة إلى مكانتها لدى جيبوتي، وإريتريا، والسودان، وغيرها.[36] ومن ثم سيكون من الممكن التوفيق بين الإستراتيجيات الكبرى لتركيا والولايات المتحدة، إذا استوعبت الولايات المتحدة صعود تركيا الموجودة في منطقة مع لاعبين إقليميين أقوياء آخرين مثل مصر، وإيران، و"إسرائيل" والسعودية.

بعيدًا عن سؤال الصين، فإن السؤال الثانوي المهمّ للغاية هو ما إذا كانت الولايات المتحدة ستسعى أيضًا إلى كبح ودحر التوسع والنفوذ الروسي في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط والقوقاز. بغض النظر عما إذا كان الهدف هو احتواء الصين فقط أو روسيا أيضًا، يمكن النظر إلى إستراتيجية كبرى كهذه تقوم على الاحتواء على أنها تحول من "الأولوية" و"الأمن التعاوني" إلى "الانخراط الانتقائي". ولما كانت الموارد في العموم تتسم بالندرة، فإن مثل هذا التحول الصيني المركز سينطوي بالتأكيد على خفض أولوية الشرق الأوسط والانسحاب منه، وربما أيضًا من أوروبا الشرقية وحتى أوروبا الغربية، ويتوقف ذلك على ما إذا كان احتواء روسيا أيضًا يمثل أولوية للولايات المتحدة. في السيناريو الأخير، تتوافق الإستراتيجية التركية الكبرى بشكل كامل تقريبًا مع الإستراتيجية الأمريكية الكبرى، لأن تركيا تسعى بالفعل إلى الحد من وكلاء روسيا ونفوذها في سوريا (أي إدارة الأسد في جنوب غرب سوريا) وفي ليبيا (أي حكومة حفتر في شرق ليبيا)، وفي القوقاز (أي الاحتلال الأرمني لإقليم قرة باغ)، وفي أوكرانيا (أي الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم والتمرد المدعوم من روسيا في دونباس). ومن هنا، فإن الدعم الأمريكي لتركيا في النزاعات الإقليمية لمواجهة النفوذ الروسي والإيراني والحد منه يمكن أن ينجح ويشير إلى التوافق المتأصل بين الإستراتيجية الأمريكية الكبرى الجديدة للانسحاب، والإستراتيجية التركية الكبرى لتشكيل بيئة إقليمية خالية من جيوش القوى العظمى.

إن سوريا هي الاختبار الاصعب لتوافق الإستراتيجيات الكبرى لتركيا والولايات المتحدة؛ فإذا انسحبت القوات الأمريكية من شمال شرق سوريا بالاتفاق مع القوات السورية المدعومة من تركيا (الجيش السوري الحر أو الجيش الوطني السوري) فإن هذا من شأنه أن يفي بالاحتياج الأساسي للإستراتيجية التركي الكبرى القائم على عدم وجود قوات تابعة لأي قوى عظمى أو تمركزها في أراضي جيران تركيا المباشرين. أما إذا قام الجيش الأمريكي بتسليم شمال شرق سوريا إلى نظام الأسد المدعوم من روسيا ليكون ذلك جزءًا من عملية الانسحاب، فسيكون قد وضع قوة عظمى معادية للغاية (روسيا) ووكيلها المحلي مباشرة على الجانب الآخر من حدود تركيا. علاوة على ذلك، إذا انسحبت الولايات المتحدة تاركة خلفها تنظيمي بي يا دي ويا بي جي تحت حماية نظام الأسد وروسيا في شمال سوريا فإن هذا سيعزّز الانطباع بأن الولايات المتحدة تسعى إلى "احتواء" تركيا، وهذا لن يكون منطقيًّا إلا إذا كانت الولايات المتحدة تعدّ تركيا دولة خصم معادية لها. ومن ثم فإن الطريقة التي ستنسحب بها الولايات المتحدة من سوريا ستكون على الأرجح الاختبار الأساسي لتوافق الأولويات الإستراتيجية الكبرى لتركيا والولايات المتحدة.

 بإيجاز؛ تتداخل الأولويات التركية والأمريكية في الشرق الأوسط والقوقاز وأوروبا الشرقية على نطاق واسع في مصلحتهما المشتركة لاحتواء ووقف توسع النفوذ الإيراني والروسي وتوطيده، ومنع أي منهما من أن يصبح قوة مهيمنة إقليمية. ولما كانت تركيا يقيم بها أكبر جالية من الإيغور في العالم، فقد نشأ توافق بين الإستراتيجية التركية الكبرى وإستراتيجية الولايات المتحدة الكبرى في احتواء الصين. إن الشركاء الاقتصاديين والإستراتيجيين الأساسيين للصين في الشرق الأوسط وأوراسيا، مثل إيران وروسيا والشركاء الاقتصاديين فقط، مثل الإمارات العربية المتحدة- بينها وبين تركيا خصومة، وبهذا المعنى أيضًا فإن الأولويات التركية ليست متعارضة مع احتواء التوسع الصيني ودحره.

الإستراتيجية الروسية الكبرى وأولويات تركيا

شهدت السياسة الخارجية الروسية في مرحلة ما بعد الاتحاد السوفيتي حالة من التغير المتواصل في بدايات التسعينيات، ولكن بحلول منتصف التسعينيات، شهدت السياسة الخارجية الروسية تغيرًا مهمًّا. إذ كان أندريه كوزيريف، الذي شغل منصب وزير خارجية روسيا الاتحادية بين عامي 1992 و1996، يمثل بشكل عام توجهًا أوروبيًّا أطلنطيًّا وغربيًّا، إلا أن نهج كوزيريف نال نصيبه من الانتقادات بأنه يمثّل استسلامًا للغرب، وبحلول عام 1996 حل يفغيني بريماكوف الذي مثل توجهًا أوراسيًّا ومناهضًا للغرب في السياسة الخارجية محل كوزيريف. كان بريماكوف أحد الخلفاء المحتملين لبوريس يلتسين، وقد تفوق عليه خليفة يلتسين المختار بعناية، وهو ضابط بجهاز الأمن الفيدرالي غير المعروف نسبيًّا في هذا الوقت في روسيا يُدعى فلاديمير بوتين الذي كان يلتسين قد عيّنه رئيسًا للوزراء. ومع استقالة يلتسين غير المتوقعة في 31 ديسمبر 1999، أصبح بوتين رئيس روسيا بالنيابة. وقد مثلت السياسة الخارجية الروسية في عهد بوتين امتدادًا لسياسة بريماكوف؛ حيث واصلت روسيا سياسة التوازن ضد الولايات المتحدة والتحالف الغربي (أي الناتو) بشكل عام، بدلًًا من السعي إلى العضوية في التحالف الغربي أو العمل معه.

هناك العديد من الأنماط التي يمكن ملاحظتها للسياسة الخارجية الروسية منذ أواخر التسعينيات والتي تزودنا بنقاط مرجعية كافية لتمييز الملامح الرئيسة للإستراتيجية الروسية الكبرى. أوّلًا، هناك معارضة روسية لتوسع حلف شمال الأطلسي الذي يُنظَر إليه على أنه منظمة مناهضة لروسيا.[37] لذا فقد تسبب قبول عضوية العديد من دول أوروبا الشرقية الشيوعية السابقة خصوصًا دول البلطيق في حلف الناتو في أزمات كبرى بين روسيا والتحالف الغربي. ثانيًا، تعارض روسيا قيام الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بنشر صواريخ في دول أوروبا الشرقية. وبشكل أكثر تحديدًا، كان لدى الولايات المتحدة خطة لإقامة "درع صاروخي" في أوروبا الشرقية مع وجود صواريخ اعتراضية في بولندا ورادارات في جمهورية التشيك، ولكن الموقع الأرضي للدفاع الصاروخي جرى بناؤه في نهاية المطاف في رومانيا.[38] ثالثًا، تسعى روسيا إلى الحفاظ على نفوذها على جميع دول الاتحاد السوفيتي السابق التي يشار إليها أحيانًا في روسيا باسم "الخارج القريب".  قد تكون روسيا قد خسرت دول البلطيق بشكل دائم عندما انضمت تلك الدول إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، بينما تحتفظ بنفوذ كبير على ما تبقى من دول الاتحاد السوفيتي السابقة. وتدعم روسيا "الجمهوريات" الانفصالية في أذربيجان (ناغورنو كاراباخ) وجورجيا (أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية) ومولدوفا (ترانسنيستريا) وأوكرانيا (دونيتسك ولوهانسك)، حيث تستخدم هذه الجمهوريات الانفصالية بوصفها أداة ضغط وتهديد، لإجبار الحكومات المركزية على اتباع سياسة موالية أكثر لروسيا.

رابعًا، تسعى روسيا إلى الحفاظ على مكانتها بوصفها المزود الأساسي لأوروبا بالطاقة، فضلًا عن كونها الممر الأساسي لطاقة آسيا الوسطى المتجهة إلى أوروبا. ومن المعروف أن روسيا تستخدم الغاز الطبيعي لمعاقبة ومكافأة الدول التي تعدّها ضمن نطاق نفوذها، مثل بيلاروسيا وأوكرانيا. ولفترة طويلة جدًّا، عارضت روسيا إنشاء خط أنابيب النفط باكو- تبيليسي- جيهان؛ لأنه سيخلق طريقًا بديلًا لنقل النفط الأذربيجاني، وربما جميع نفط بحر قزوين إلى الأسواق التركية والأوروبية.

خامسًا، ترغب روسيا في الحفاظ على حصتها من السوق العالمية بكونها ثاني أكبر مصدر للأسلحة بعد الولايات المتحدة، حيث تشكل مبيعات الأسلحة أهم فئة من الصادرات الروسية بعد النفط والغاز الطبيعي. وتعدّ الصين والهند أكبر عملاء الأسلحة الروسية، لكن العديد من الدول الأخرى بما في ذلك أعضاء في حلف الناتو كاليونان وتركيا تشتري أيضًا أسلحة روسية. سادسًا، تعارض روسيا النظام العالمي أحادي القطب؛ فقد أكد خطاب بوتين في ميونيخ عام 2007 هذه النقطة منذ أكثر من عقد، وتكرر الخطاب نفسه مع خطاب الرئيس ميدفيديف في برلين عام 2008.

عارضت روسيا حرب العراق عام 2003 التي كانت على الأرجح أكثر أعراض النظام الأحادي القطب الأمريكي دلالة وتدميرًا، وفي معارضتها حرب العراق وجدت روسيا أرضية مشتركة ودعمًا من مجموعة واسعة من أعضاء الناتو مثل فرنسا وألمانيا وتركيا. وقد أسست روسيا، جنبًا إلى جنب مع الصين وعدد قليل من دول آسيا الوسطى، منظمة شنغهاي للتعاون لتشكل ثقل موازن للتحالفات الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة.

سابعًا، تعارض روسيا أي جهد أو لاعب أو أي دولة تسعى إلى تعزيز أو استعادة استقلال الشيشان. فقد قُتل المنشقون الشيشان في المنفى في برلين[39] ودبي[40]، وإسطنبول[41] والسويد[42] وفيينا.[43] ثامنًًا، عارضت روسيا كلًّا مما يُسمّى بـ"الثورات الملونة" وثورات "الربيع العربي"، كما أنها تدخلت عسكريًّا بفعالية في العديد من الحالات لقمع وهزيمة هذه الانتفاضات الثورية.

إلى أيّ مدى تتوافق إستراتيجية تركيا الكبرى مع إستراتيجية روسيا الكبرى؟

إن روسيا هي القوة العظمى التي توجد لها قوات عسكرية في ثلاث من الدول الجارة المباشرة لتركيا، وهي سوريا وجورجيا وإقليم قرة باغ في أذربيجان. علاوة على ذلك، يمكن إضافة شبه جزيرة القرم شديدة التسليح التي تحتلها روسيا بوصفها حالة رابعة ذات أهمية؛ لكونها جارًا بحريًّا لتركيا. لا يقتصر الأمر على وجود قوات روسية في هذه البلدان الأربعة، ولكن في جميع الحالات الأربع يقاتل الجيش الروسي ضد جهات فاعلة تعترف بها تركيا سلطات شرعية في هذه المناطق، وهي حكومات أذربيجان وجورجيا وأوكرانيا والحكومة السورية المؤقتة في الشمال السوري، ومن هنا، يتعارض الوجود العسكري الروسي مع الضرورة الرئيسة للإستراتيجية التركية الكبرى، وهي ألا يقوم أي جيش من جيوش القوى العظمى باحتلال أو التمركز في أراضي جيران تركيا المباشرين.

ومن باب الحدّ الأدنى، سيكون انسحاب القوات الروسية من أذربيجان وجورجيا وسوريا ويفضل أيضًا من أوكرانيا الخطوة الأولى الضرورية للتوفيق بين الإستراتيجيات التركية والروسية الكبرى، وهو ما يبدو غير ممكن في المستقبل القريب. ولكن حالات عدم التوافق هذه لا تمنع روسيا وتركيا من السعي إلى تعاون محدود في مجالات مختلفة،[44] ولكن كما جادلت سابقًا في هذه الصفحات فإن الاحتلال العسكري الروسي لجيران تركيا يمثل عقبة أساسية يكاد يكون من المستحيل التغلب عليها أمام تشكيل "محور تركي-روسي".[45]

الإستراتيجية الفرنسية الكبرى وأولويات تركيا

مرت الإستراتيجية الفرنسية الكبرى بتحول مهمّ خلال القرن الواحد والعشرين، كانت العلامة الفارقة فيه هو العودة إلى هيكل القيادة العسكرية لحلف شمال الأطلسي خلال عهد الرئيس ساركوزي عام 2009،[46] عودة فسرها محلل بارز للإستراتيجية الفرنسية الكبرى على أنها تحول من إستراتيجية "العظمة" الكبرى التي سادت منذ عهد ديغول إلى إستراتيجية كبرى محورها "الانخراط الليبرالي".[47] كان الرئيس الفرنسي ديغول قد أخرج فرنسا من القيادة العسكرية للناتو قبل 43 عام في 1966، وأخلى القواعد العسكرية الأمريكية من الأراضي الفرنسية.[48] جرى الحفاظ على إستراتيجية "العظمة" الكبرى الديغولية رغمًا عن الخلاف الأيديولوجي والحزبي العميق في السياسة الفرنسية، فمثلًا، أشرف الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران على التوسع الهائل في الترسانة النووية الفرنسية من 80 رأس نووي في 1983 إلى 592 عام 1994 وذلك على الرغم من شنه حملة على التسلح النووي خلال الستينيات والسبعينيات.[49] كان الهدف المشترك الذي تبناه ميتران أيضًا هو الإبقاء على فرنسا مستقلة جيوسياسيًّا، بوصفها "القوة العسكرية الثالثة" في العالم.[50] العودة إلى الانخراط الليبرالي من خلال الناتو لم تتبناها كل التيارات السياسية الفرنسية، وتعرضت للانتقاد من شخصيات سياسية بارزة من اليمين واليسار،[51] وقد أطلق على داعمي هذه الإستراتيجية الكبرى الجديدة اسم "المحافظين الجدد" أو "المستغرِبين Occidentalists".[52] بالأخذ في الاعتبار هذه الخلافات العميقة حول الإستراتيجية الفرنسية الكبرى بين الإستراتيجية الديغولية وتيار "الانخراط الليبرالي" المحافظ الجديد-الاستغرابي الأحدث- لا يزال بالإمكان فحص التوافق بين الإستراتيجية الفرنسية الكبرى والأولويات التركية.

إلى أيّ مدى تتوافق الإستراتيجية التركية الكبرى مع الإستراتيجية الفرنسية الكبرى؟

فرنسا، وبصورة شبيهة بالولايات المتحدة، تحتفظ بعدد ضئيل من القوات (حوالي 200) شمالي سوريا لدعم قوات تنظيمي "بي يا دي" و"يا بي جي"، وهو ما يمثل انتهاكًا للمبدأ الأول من الإستراتيجية التركية الكبرى الذي يتعلق بعدم جواز التدخل العسكري أو احتلال الدول الكبرى البلاد ذات الجوار المباشر لتركيا.[53] ما زاد الطين بلة أن هذه القوات تتمركز في الشمال السوري دعمًا للتنظيمين سالفي الذكر، وهما الفرع السوري لتنظيم بي كا كا الإرهابي الذي قتل آلاف المدنيين وعناصر الأمن في تركيا. علاوة على ذلك، بقيت تلك القوات الفرنسية في ظل الانسحاب الأمريكي،[54] وذلك بوصفه جزءًا من الجهود الفرنسية للحصول على "موطأ قدم في الشمال السوري".[55] التعارض بين الإستراتيجية الفرنسية الكبرى والأولويات التركية لا يقتصر على الملف السوري فحسب، ففي ليبيا كانت فرنسا الداعم الرئيس والأوضح لخليفة حفتر الذي شن تمردًا على حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها أمميًّا في طرابلس، وارتكب جرائم حرب، وتسبب في خسائر مدنية فادحة. ثالثًا كانت فرنسا واضحة في دعمها للاحتلال المدعوم روسيًّا لقرة باغ الأذربيجانية. ومن ثم، كانت فرنسا متحالفة فعليًّا مع روسيا في الصراع الأذري-الأرمني وفي الصراع الليبي، هذا بالإضافة إلى التواطؤ مع الهجمات الروسية-الإيرانية على الحكومة السورية المؤقتة شمالي سوريا عبر دعم تنظيمي يا بي جي وبي يا دي.

رابعًا، العلاقة الحميمية بين الحكومة الفرنسية والديكتاتورية العسكرية المصرية والإمارات، إذ تورطت الأخيرة في تمويل الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا في يوليو 2016، فضلًا عن مواصلة تمويل المتآمرين الانقلابيين من أتباع كولن في المنفى، كل ذلك يجري تفسيره على أنه هجمات فرنسية على الديموقراطيات ذات الأغلبية المسلمة، سواء في تركيا أم في مصر أم أي مكان آخر. خامسًا وفي سياق متصل، النزاعات الفرنسية مع الجزائر، حليفة تركيا ذات الأهمية المتزايدة، إضافة إلى الإجراءات الجائرة القمعية ضد الأقلية الفرنسية المسلمة، الأقلية المسلمة الأكبر في العالم الغربي، تسببت في توتر كبير في العلاقات التركية الفرنسية. من ناحية أخرى، في أواخر عهد الرئيس فرانسوا أولاند تبنت تركيا وفرنسا خطابًا مناهضًا للسلطوية تجاه سوريا، وكانتا ملتزمتين بالإطاحة بنظام الأسد عبر تدخل عسكري مباشر، إذا لزم الأمر. وعلى سبيل المثال، جرى الكشف عن أن الرئيس الأمريكي أوباما كان قد منع الرئيس الفرنسي أولاند من الشروع في تدخل عسكري وشيك على نظام الأسد في أعقاب الهجوم المشين بالأسلحة الكيماوية خلال صيف عام 2013.[56] بعبارة أخرى، بينما بدت فرنسا تحت قيادة الرئيس اولاند ملتزمة بالإطاحة بنظام الأسد وشن هجوم على قواته في أغسطس من عام 2013، دعمت فرنسا ماكرون بكل نشاط كيانًا أضحى بحلول عام 2019 متواطئًا (على أقل تقدير) مع نظام الأسد.

كان للبروفيسور الراحل بريل ديده أوغلو الذي شغل منصب وزير الخارجية التركي لفترة قصيرة ادعاء في عام 2015 يدعو للتفكر، مفاده أن داعش استهدفت متعمدة تركيا وفرنسا الدولتين اللتين كانتا ملتزمتين بكل صراحة بإسقاط نظام الأسد.[57] خلال الفترة من 2013-2015 كانت هناك احتمالية لتدخل عسكري مشترك بين تركيا وفرنسا للإطاحة بنظام الأسد في سوريا، والبرهنة على توافق كبير بين الأهداف الإستراتيجية التركية-الفرنسية، على الأقل خلال رئاسة أولاند وقبل هجمات داعش المدمرة التي أجبرت كل من الحكومة التركية والفرنسية على التركيز على إرهاب داعش بدلًا من الإطاحة بنظام الأسد.

ختامًا، على الرغم من وجود مئات من القوات الفرنسية شمالي سوريا والدعم الدبلوماسي والعسكري الذي تقدمه فرنسا لخليفة حفتر في ليبيا والاحتلال الأرمني لقرة باغ- فإنّ التناقضات بين الأهداف الإستراتيجية الكبرى لتركيا وفرنسا لا تبدو هائلة كما هو الحال بين تركيا وروسيا.

الإستراتيجية الكبرى لبريطانيا وأولويات تركيا

مرت الإستراتيجية البريطانية الكبرى بتحولات كبرى كانت في أغلب الأحيان ضرورية، وكما في الحالة الفرنسية، وضعت التغيرات القارية والعالمية في توزيع القوة في موقف أضعف على نحو متزايد. الأهم من ذلك هو أن صانعي السياسات البريطانيين "انتقلوا من موضع كان يمكنهم من خلاله تشكيل البيئة الإستراتيجية إلى موضع آخر يوجب عليهم التأقلم معه، والعمل عن كثب مع الأحلاف والحلفاء للحفاظ على النفوذ البريطاني.[58] تلقي دروس التاريخ بثقلها على التفكير الإستراتيجي البريطاني، وفي هذا السياق؛ شعر ليديل هارت بأن الإستراتيجية البريطانية الكبرى أخفقت رغم الانتصارات العسكرية في عامي 1918 و1945، فمكانة بريطانيا في 1919 و1950 كانت أضعف بكثير مما كانت عليه مطلع القرن العشرين.[59] في واقع الأمر، اعتمدت بريطانيا على الولايات المتحدة على نحو واضح بعد عام 1945، فقد كان من المستحيل بالنسبة لها إعادة تشكيل عالم ما بعد الحرب، وهو ما بدا جليًّا في الضربة القوية التي تلقتها خلال أزمة السويس عام 1956.[60] كان لـ"صدمة" السويس أثر عميق في بريطانيا، فقد أُجبِرت على الانسحاب من السويس على الرغم من الانتصار العسكري، إذ أغضبت الأزمة الولايات المتحدة، وأرعبت الحليف الفرنسي، وأدانت دول الكومونويلث، باستثناء أستراليا، الأعمال البريطانية.[61] إذن فخسارة لعبة الإستراتيجية بالرغم من الانتصار عسكريًّا، قد تكون قضية متكررة عززت المقاربة الحذرة التي يتبناها صناع السياسات البريطانيون في الوقت الحاضر. درس آخر من التاريخ مماثل اشتمل على التكاليف الخاصة بالإمبراطورية البريطانية، إذ أُجبِرت بريطانيا على تفكيك امبراطوريتها مترامية الأطراف الكُبرى في التاريخ، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى التكاليف المتزايدة للحفاظ عليها.

طالما كانت لبريطانيا علاقات مشروطة وهشة مع السوق الأوروبية المشتركة (ولاحقًا الاتحاد الأوروبي)، وقد قُطِعت على المستوى الرسمي والمؤسسي مع الخروج البريطاني من الاتحاد عام 2016. في المقابل، تظهر علاقات بريطانيا الخاصة مع الولايات المتحدة وحلفائها من الكومنولث كأستراليا بعدًا مختلفًا وأكثر عالمية للإستراتيجية البريطانية الكبرى. تتيح شبكة متنوعة كهذه تقوم بشكل كبير على العلاقات الثنائية براغماتية أكبر لتحقيق أهداف محدودة بدلًا من الانضمام لتحالفات مزعجة لم تكن خيارًا مفضلًا للحكومات البريطانية حتى الحرب الباردة، بسبب وجود مخاوف لديها حول فقدان حرية الحركة.[62] على سبيل المثال، القرار البريطاني بضم قوات لها إلى الولايات المتحدة وأستراليا لتأسيس الحلف الأمني "أوكوس" بهدف احتواء الصين الذي لم يثر غضب الصين فحسب، بل وفرنسا أيضًا- كان من الممكن أن يصعب تنفيذه أو تسويغه لو كانت المملكة المتحدة بقيت في الاتحاد الأوروبي.

 إلى أي مدى تتوافق الإستراتيجية التركية الكبرى مع الإستراتيجية الكبرى للمملكة المتحدة؟

سحبت المملكة المتحدة قواتها من العراق بالفعل عام 2009، وعلى الرغم من أن قواتها قد أسهمت في القوة متعددة الجنسيات التي حاربت داعش في سوريا إلا أنه لا توجد قوات بريطانية منتشرة بشكل دائم في سوريا. ومن ثم، فإنه على عكس كل من روسيا وفرنسا والولايات المتحدة، ليس لدى بريطانيا قوات عسكرية شبه-دائمة تحتل أراضي الجيران المباشرين لتركيا. علاوة على ذلك، تبرز المملكة المتحدة بوصفها أكثر الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي دعمًا وتعاطفًا مع المعارضة السورية المدعومة بشكل رئيس من جانب تركيا، كما أنها كانت تؤيد الإطاحة بنظام الأسد. أيضًا من الأمور غير الاعتيادية بين الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، أن كانت المملكة المتحدة قلقة بشكل خاص من تنظيمي يا بي جي وبي يا دي وكان هناك قضايا حوكم فيها مواطنون بريطانيون حاربوا في صفوف التنظيمين سالفي الذكر لدى عودتهم إلى المملكة المتحدة[63]، وإن كانت التهم قد أُسقِطت[64]، ولم تجرِ إدانتهم.[65] فوق كل ذلك، فُسّر الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي على أنه فتح لأفاق جديدة للتعاون الثنائي بين تركيا وبريطانيا.[66] فكما يجادل جوناثان فينتون-هارفي "المملكة المتحدة بكل وضوح هي الحليف الأكثر انفتاحًا والأقرب لتركيا مقارنة بالدول الأوروبية القوية الأخرى، وهو ما يخلق الإطار اللازم لهما لتأسيس تحالف أقوى.[67] من الدوافع المهمّة للتعاون التركي البريطاني تاريخيًّا وفي الوقت الحالي احتواء التوسع الروسي في الشرق الأوسط والقوقاز وأوروبا الغربية.

الإستراتيجية الصينية الكبرى وأولويات تركيا

يلفت وانغ جيسي، الباحث الصيني البارز في الإستراتيجية الكبرى الانتباه إلى "ثنائي الانتفاضة الداخلية والغزو الخارجي" بوصفه نمطًا تاريخيًّا متكررًا وخوفًا دائمًا لدى القيادة الصينية في الوقت الحاضر.[68] فما هي إذن تلك التهديدات "الداخلية" الرئيسة للمصالح الصينية التي تدعمها القوى الأجنبية؟

 يذكر جيسي ثلاثة أمور بارزة ومعروفة بشكل خاص على الساحة الدولية: دعم انفصال تايوان، والتعاطف مع الزعيم التبتي الدالاي لاما، ودعم الانفصاليين الأويغور.[69] وتجدر الإشارة إلى أن "قضية تايوان التي تعدّها بكين جزءًا لا يتجزأ من أراضي الصين هي قضية السياسة الخارجية الوحيدة التي جرى تحديدها رسميًّا باعتبارها واحدة من المصالح الأساسية للبلاد".[70]   يجادل المتشددون الصينيون بأن المقاربة الصينية الحالية إزاء العلاقات الخارجية ناعمة للغاية، حيث يجري تسويق نهج ماو "العين بالعين" باعتباره نموذجًا أفضل، وأن على الصين أن تحاول أن تجد حلفاء إستراتيجيين بين الدول التي تبدو متحدّية للغرب، مثل إيران وكوريا الشمالية وروسيا.[71] في عام 2011 كتب وانغ جيسي ملخصًا نقطتي قصور رئيستين في وجهة النظر المتشددة هذه، مؤكدًا أن "قلة من الدول، إن وجدت، قد ترغب في الانضمام إلى الصين في تحالف معاد للولايات المتحدة. كما أن الخصومة مع الشريك التجاري الأكبر للبلاد قد يعرقل التنمية الاقتصادية للصين بصورة بالغة."[72] في المقابل، تفضل مدرسة فكرية بديلة أفكار دينغ المتمثلة في الإبقاء على مكانة منخفضة في الشؤون الدولية.[73]

إلا أنه في السنوات العشر التي انقضت منذ نشر مقال جيسي المشهور حول الإستراتيجية الصينية الكبرى، تخلت الصين عن "مكانتها المنخفضة في الشؤون الدولية" واضطرت إلى تولي دور أكثر حزمًا وبروزًا ويبدو عدوانيًّا للعديد من البلدان المجاورة لها وحول العالم. قد يكون تغيير القيادة من هو جينتاو إلى تشي جين بينغ عرضًا أو سببًا جزئيًّا لهذا التحول. على المستوى المحلي فإن القمع الصادم والمتصاعد لأقلية الأويغور المسلمة التركية التي تشكل أكبر مجموعة عرقية-دينية تعرضت للاعتقال الجماعي منذ يهود أوروبا في ظل النظام النازي- يمكن عدّه مؤشرًا على صعود التيار المتشدد.[74] أما في السياسة الخارجية، فقد تصدرت مبادرة الحزام والطريق الصينية عناوين الصحف، وكان يُنظَر إليها عالميًّا على أنها مسار الصين السياسي والاقتصادي لتطويق العالم وتشكيله وفقًا لطموحاتها العالمية. كما أكد باحث أمريكي يحلل الصين في عهد شي جين بينغ، فإن "البيانات الأخيرة الصادرة عن القيادة الصينية وسياساتها وربطها الواضح بالأنماط التاريخية تشير إلى أن الصين قد تكون لديها الإستراتيجية الكبرى الأكثر صراحة لأي قوة عظمى اليوم".[75] أعلن شي جين بينغ أنه سيتم تحقيق "إعادة التوحيد الكامل للصين" عن طريق "حل القضية التايوانية" بحلول عام 2049 الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية، وذلك هدف ضمن مجموعة أهداف.[76] بالنسبة للصين تُعَدّ "البلدان الأربعة عشر المتاخمة بريًّا للصين" "مهمّة بشكل لا يمكن الاستغناء عنه"، وتشكل "الحلقة الداخلية" ذات الأولوية القصوى للأمن القومي، وتشير هذه التطورات إلى أن آسيا الوسطى وغرب آسيا أيضًا قد يكونان الهدف الرئيس التالي للصين في توسيع نفوذها.[77]

ما مدى توافق إستراتيجية تركيا الكبرى مع إستراتيجية الصين الكبرى؟

 من الصعب إلى حد ما تحديد مدى توافق الإستراتيجية الصينية الكبرى مع الأولويات التركية؛ لأن التفاعلات والتفضيلات الجيوسياسية والعسكرية للصين في الجوار المباشر لتركيا قد لا تكون واضحة للوهلة الأولى. علاوة على ذلك، قد تخضع تفضيلات الصين في جوار تركيا لتغييرات جذرية؛ حيث إن نفوذ الصين يتوسع بسرعة أكبر من أي عضو دائم آخر في مجلس الأمن الدولي. وعلى الرغم من أوجه القصور هذه، يبدو أن جانبين من جوانب الإستراتيجية الصينية الكبرى يتعارضان مع مصالح تركيا؛ أولًا، لا يغطي التوسع الغربي لنطاق نفوذ الصين آسيا الوسطى فحسب، وهي منطقة مهمة بالطبع وإن كانت ثانوية للإستراتيجية التركية الكبرى، ولكنه يشمل أيضًا إيران والوكلاء الإيرانيين، والتهديدات السابقة للإستراتيجية التركية الكبرى، داخل الشبكة الجيوسياسية الصينية الناشئة في غرب آسيا. وما موقف الصين الثابت في مجلس الأمن الدولي من دعم نظام الأسد في سوريا إلا أحد مظاهر هذا الاصطفاف. ثانيًا، القمع الشديد الذي تمارسه الصين على أقلية الأويغور التركية المسلمة يثير قلق تركيا؛ نظرًا لأن العنصر الحاسم في القوة الناعمة لتركيا، وهو عنصر ثانوي لكنه لا يزال مهمًّا في إستراتيجيتها الكبرى- هو أن تكون الحامي والمتحدث للأقليات المسلمة التي تواجه الاضطهاد في جميع أنحاء العالم.[78] إنّ تقارب تركيا مع منظمة شنغهاي للتعاون جذب اهتمامًا كبيرًا، خصوصًا بعد عام 2016، لكن المحللين تقريبًا أجمعوا على استنتاج أن الصين من غير المرجح أن تعدّ تركيا حليفًا محتملًا جديرًا بالثقة، خاصة في ضوء خلافاتهما حول محنة الإيغور.[79] علاوة على ذلك، في حين أن هناك مجموعة أوروبية آسيوية تركية مؤيدة لروسيا تُعرّف نفسها على هذا النحو، فإنّه لا توجد مجموعة مؤيدة للصين ذات أهمية مماثلة.[80] باختصار، يبدو أن الإستراتيجيات الكبرى التركية والصينية غير متوافقة في الغالب مع العديد من الصراعات التي تمتد من شينجيانغ إلى سوريا، حيث يتبنى البلدان وجهات نظر متعارضة.

ملاحظات ختامية: الرؤى المتوافقة والمتنافسة للإستراتيجية الكبرى بين تركيا والقوى العظمى

ينتج عن هذه التحليلات المقارنة المختصرة للإستراتيجيات الكبرى وسلوك السياسة الخارجية البريطانية والصينية والفرنسية والروسية والأمريكية والتركية تصنيفًا أوليًا لـ"التوافق الإستراتيجي الكبير" كما هو موضح في الجدول1؛ حيث تبدو الإستراتيجية التركية الكبرى غير متوافقة بشكل خاص مع الإستراتيجية الروسية الكبرى في ضوء النزاعات العسكرية الجارية حول أذربيجان وجورجيا وليبيا وسوريا وأوكرانيا، حيث تدعم تركيا وروسيا أطرافًا متصارعة بشكل صريح. ويمكن إضافة العديد من الصراعات السياسية الأخرى المستعرة، (مثل الصراع في البوسنة والهرسك) إلى هذه القائمة الطويلة. والأهم من ذلك، أن وجود الجيش الروسي بوصفه قوة احتلال شبه دائمة في أراضي العديد من جيران تركيا المباشرين هو المسبب الرئيس لعدم التوافق التركي الروسي. بالمثل، تحتفظ كلّ من الولايات المتحدة وفرنسا بقوات عسكرية على طول الحدود التركية السورية لدعم تنظيمي يا بي جي وبي يا دي، الأمر الذي يقف حجر عثرة أساسي أمام إقامة علاقة إستراتيجية بين تركيا وهاتين الدولتين. ومن ناحية أخرى، تشاطر تركيا الولايات المتحدة في هدفها في الحد من التوسع الروسي الإيراني الصيني في أوراسيا والشرق الأوسط، ومن ثم تتوافق الإستراتيجية الأمريكية الكبرى مع نظيرتها التركية عمومًا من حيث موازنة التهديدات على الصعيد العالمي.

الجدول 1: التوافق بين الإستراتيجيات الكبرى لتركيا والقوى العظمى

 

غير متوافقة جدًّا

غير متوافقة في الغالب

متوافقة في الغالب

متوافقة جدًّا

الولايات المتحدة

 

 

X

 

روسيا

X

 

 

 

فرنسا

 

X

 

 

المملكة المتحدة

 

 

 

X

الصين

 

X

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصدر: من تجميع المؤلف

الإستراتيجية الفرنسية الكبرى أكثر تعارضًا مع الأولويات التركية؛ لأن سلوك السياسة الخارجية الفرنسية لا يظهر التزامًا حقيقيًّا باحتواء النفوذ الروسي في القوقاز وأوروبا الغربية والشرق الأوسط أو شمال إفريقيا. على النقيض، تُعَدّ فرنسا حليفًا فعليًّا لروسيا في القوقاز (مثلًا في الصراع الأرمني-الأذري)، وفي ليبيا، كما أن وكيلها الأثير في سوريا هو تنظيما يا بي جي وبي يا دي وهما يدعمان اعتداءات نظام الأسد على الجيش الوطني السوري المدعوم تركيًّا، والتفاوض مع نظام الأسد على المدى الطويل. وقد أثبت تحالف أوكوس أن فرنسا قد لا تكون ملتزمة باحتواء توسع النفوذ الصيني أيضًا. باختصار، هناك تناقضات على مستويات عدة بين الأهداف الإستراتيجية التركية والفرنسية الكبرى.

من بين الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن الدولي محل الدراسة، يبدو أن الأهداف الإستراتيجية الكبرى وسلوك السياسة الخارجية للمملكة المتحدة هما الأكثر توافقًا مع الأولويات والأهداف الإستراتيجية الكبرى لتركيا، فالمملكة المتحدة لا تحتل بشكل دائم أراضي أي من الجيران المباشرين لتركيا في الوقت الحاضر، كما أنها لا تدعم التنظيمات الإرهابية المعادية لتركيا، بل وتوجّه لها انتقادات، وتبدو داعمة ومتعاطفة مع المعارضة السورية المدعومة تركيًّا. وقد فتح الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي آفاقًا جديدة للتعاون التركي-البريطاني. فوق ذلك، على الرغم من أن كل الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن متهمين بارتكاب جرائم حرب ضد بعض المجموعات المسلمة بالإضافة إلى صور أخرى لاضطهاد المسلمين في الداخل، وتنسب الجرائم الأكثر فظاعة إلى روسيا في الشيشان، والولايات المتحدة في أفغانستان، وفرنسا في غرب إفريقيا، وفي الداخل والصين في إقليم شينغيانغ، في حين أن بريطانيا لا تواجه تهمًا يمكن مقارنتها بالتهم السابقة. وعلى المستوى الممنهج، من بين أعضاء التحالف الغربي تبدو بريطانيا العضو الأكثر التزامًا باحتواء روسيا في القوقاز والشرق الأوسط وشرق المتوسط وأوروبا الشرقية، ومن هنا فهي تبرهن على توافق عام مع المصالح الإستراتيجية التركية الكبرى.

هل نحن إذن متجهون نحو تحالف تركي-بريطاني أو حتى إعادة تأليف لتحالف إنكلو-أمريكي-تركي أوسع وأكثر صرامة؟

إذا حصرنا تركيزنا على القوى الخمس الكبرى الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، تبدو التحالفات أو التقاربات البريطانية-التركية والإنكلو-أمريكية-التركية أكثر قابلية للتحقق بكثير من تشكيل تحالف صيني-تركي أو فرنسي-تركي، ناهيك عن تشكيل تحالف روسي-تركي. ومع ذلك، يمكن تلخيص الرؤية التنافسية لتحالفات تركيا في الشعار: "العالم أكبر من خمسة" الذي صاغته تركيا، ونشرته على نطاق واسع، بكونه تحدّيًا صريحًا للأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي.[81] ويشير ذلك إلى التطلعات التركية لتشكيل شبكة بديلة من التحالفات المستقلة والمتحدية للقوى العظمى الخمس المذكورة في هذا المقال بشكل شبيه بالتطلعات المماثلة لحركة عدم الانحياز ومجموعة الـ77 خلال الحرب الباردة على وجه الخصوص.[82] تدعم علاقات تركيا الودية مع العديد من القوى المتوسطة والصغيرة عبر إفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا اللاتينية مثل هذه الرؤية. قد تسعى تركيا أيضًا إلى متابعة كلتا الرؤيتين بشكل متواز، وربط واحدة أو أكثر من القوى العظمى القديمة بعدد من القوى العظمى الناشئة والقوى المتوسطة.

المراجع:

 

[1] Special Issue on “Debating Turkey’s Grand Strategy,” Perceptions: Journal of International Affairs, Vol.

25, No. 2 (2020), pp. 151-283.

[2] “Power and Paradox: Understanding Grand Strategy in the 21st Century,” TRT World Forum, (October

2021), retrieved from https://www.trtworldforum.com/trt-world-forum-2021/.

[3] “Five Faces of Russia’s Soft Power,” PONARS Eurasia Policy Memo, (November 2019), retrieved from

https://www.ponarseurasia.org/wp-content/uploads/attachments/Pepm623_Akturk_Nov2019_1-8.pdf, pp. 1-6.

[4] Şener Aktürk, “Turkey’s Grand Strategy as the Third Power: A Realist Proposal,” Perceptions: Journal of

International Affairs, Vol. 25, No. 2 (2020), pp. 152-174.

[5] كان الناتج القومي الإجمالي لإيران في أوائل عام 2020 يمثل ما يقرب من ثلاثة أرباع الناتج القومي الإجمالي لتركيا (بلغ الناتج المحلي لإيران 1640 مليار دولار مقارنة ب2186 مليار دولار لتركيا في القوة الشرائية). وبالمثل بلغت ميزانية الدفاع الإيرانية ثلاثة أرباع الميزانية التركية (بلغت ميزانية الدفاع الإيرانية 13.2 مليار دولار مقارنة بميزانية تركيا التي بلغت 18.9 مليار دولار وفقاً لقاعدة بيانات SIPRI  الخاصة بالإنفاق العسكري (جرى الوصول إليه في 12 يناير 2020) وكما ورد في مقال آق ترك "إستراتيجية تركيا بوصفها القوة الثالثة" ص.175 الجدول.1 تقلص الناتج المحلي الإجمالي لإيران إلى 1044 مليار دولار بحلول أواخر 2021 فيما بلغ الناتج المحلي الإجمالي لتركيا 2393 مليار دولار في مؤشر القوة الشرائية، وهذا يجعل الاقتصاد التركي أكبر بمرتين من نظيره الإيراني. انظر:

 https://www.cia.gov/the-world-factbook/countries/iran/#economy  

https://www.cia.gov/the-world-factbook/countries/turkey/#economy

باختصار، تتراوح القوة العسكرية والاقتصادية لإيران بين نصف وثلاثة أرباع القوة الكامنة والفعلية لتركيا، وذلك بناءً على أي معيار من معايير القوة يتبنى المرء. إن أيًّا من جيران تركيا لا يقترب حتى من نصف قوتها الاقتصادية والعسكرية. ومن حيث القوة الديموغرافية ممثلة في عدد السكان فإيران هي الجار الوحيد لتركيا الذي يمكن مقارنته معها من حيث عدد السكان، وفي الحقيقة أكبر بفارق بسيط عن تركيا، غبر أن عدد سكان العراق أيضا نصف عدد سكان تركيا.

[6] Aktürk, “Turkey’s Grand Strategy as the Third Power,” p. 1

[7] Diego Lopes da Silva, Nan Tian, and Alexandra Marksteiner, “Trends in World Military Expenditure

2020,” Stockholm International Peace Research Institute, (April 2021), retrieved from https://www.sipri.

org/sites/default/files/2021-04/fs_2104_milex_0.pdf.

[8] Barry R. Posen and Andrew L. Ross, “Competing Visions for U.S. Grand Strategy,” International Security,

Vol. 2, No. 3 (Winter 1996-1997), pp. 5-53.

[9] Posen and Ross, “Competing Visions for U.S. Grand Strategy,” pp. 5-53.

[10] Michael Mastanduno, “Preserving the Unipolar Moment: Realist Theories and U.S. Grand Strategy,”

International Security, Vol. 21, No. 4 (Spring 1997), pp. 49-88.

[11] Mastanduno, “Preserving the Unipolar Moment,” p. 88.

[12] Nuno P. Monteiro, Theory of Unipolar Politics, (New York: Cambridge University Press, 2014), pp. 4-6.

[13] John J. Mearsheimer, The Tragedy of Great Power Politics, (New York: W. W. Norton, 2001).

[14] Stephen Van Evera, “Why Europe Matters, Why the Third World Doesn’t: American Grand Strategy

after the Cold War,” Journal of Strategic Studies, Vol. 13, No. 2 (1990), pp. 1-51.

[15] Silva et al., “Trends in World Military Expenditure 2020."

[16].“Real GDP (Purchasing Power Parity),” The World Factbook, retrieved from https://www.cia.gov/theworld-factbook/field/real-gdp-purchasing-power-parity/country-comparison.

 

[17] “Country Comparisons-Population,” The World Factbook, retrieved from https://www.cia.gov/theworld-factbook/field/population/country-comparison.

[18] Silva et al., “Trends in World Military Expenditure 2020.”

[19] “2021 Military Strength Ranking,” Global Firepower, (2021), retrieved from https://www.globalfirepower.com/countries-listing.php.

[20] . “GDP, Current Prices,” IMF, (2021), retrieved from https://www.imf.org/external/datamapper/NGDPD@WEO/OEMDC/ADVEC/WEOWORLD.

[21] Aktürk, “Five Faces of Russia’s Soft Power.”

[22] “2021 Military Strength Ranking,” Global Firepower, (2021), retrieved from https://www.globalfirepower.com/countries-listing.php. “GDP, Current Prices,” IMF, (2021), retrieved from

[23] . John J. Mearsheimer and Stephen M. Walt, “Unnecessary War,” Foreign Policy, (January/February 2003), retrieved from https://www.mearsheimer.com/wp-content/uploads/2019/07/A0032.pdf.

[24] John J. Mearsheimer and Stephen M. Walt, The Israel Lobby and U.S. Foreign Policy, (New York: Farrar, Straus, Giroux, 2007).

[25] Emile Hokayem, “Obama’s Disastrous Betrayal of the Syrian Rebels,” Foreign Policy, (February 2016), retrieved from https://foreignpolicy.com/2016/02/05/obamas-disastrous-betrayal-of-the-syrian-rebels/.

[26] John J. Mearsheimer, “Bound to Fail: The Rise and Fall of the Liberal International Order,” International Security, Vol. 43, No. 4 (Spring 2019), pp. 7-50.

[27] John Ford, “The Pivot to Asia Was Obama’s Biggest Mistake,” The Diplomat, (January 21, 2017), retrieved from https://thediplomat.com/2017/01/the-pivot-to-asia-was-obamas-biggest-mistake/

[28] “Aukus: UK, US, and Australia Launch Pact To Counter China,” BBC, (September 16, 2021), retrieved from https://www.bbc.com/news/world-58564837.

[29] “AUKUS Row: Macron Says Australian PM Lied about Submarine Deal,” Al Jazeera, (November 1, 2021), retrieved from https://www.aljazeera.com/news/2021/11/1/frances-macron-says-australian-pmlied-over-aukus-submarine-deal.

[30] John J. Mearsheimer, “The Inevitable Rivalry: America, China, and the Tragedy of Great-Power Politics,” Foreign Affairs, Vol. 100, No. 6 (November/December 2021), pp. 48-58.

[31] Hal Brands and John Lewis Gaddis, “The New Cold War: America, China, and the Echoes of History,” Foreign Affairs, (November/December 2021), retrieved from https://www.foreignaffairs.com/articles/ united-states/2021-10-19/new-cold-war.

[32] Mearsheimer, “The Inevitable Rivalry.”

[33] Michael Robert Hickok, “Hegemon Rising: The Gap between Turkish Strategy and Military Modernization,” Parameters, Vol. 30, No. 2 (2000), pp. 105-19. 

[34] Edward J. Erickson, “Turkey as Regional Hegemon 2014: Strategic Implications for the U.S.,” Turkish Studies, Vol. 5, No. 3 (2004), pp. 25-45.

[35] . Şener Aktürk, “Turkey’s Civil Rights Movement and the Reactionary Coup: Segregation, Emancipation, and the Western Reaction,” Insight Turkey, Vol. 18, No. 3 (2016), pp. 141-167.

[36] Ceyhun Çiçekçi, “İbrahim Anlaşmaları Sonrası Arap Yarımadasının Jeopolitik Analizi ve Türk Büyük Stratejisinin İmkânları/Kısıtları,” Güvenlik Stratejileri Dergisi, Vol. 17, No. 39 (2021), pp. 489-519.

[37] Şener Aktürk, “NATO Neden Genişledi? Uluslararası İlişkiler Kuramları Işığında NATO’nun Genişlemesi ve ABD-Rusya İç Siyaseti,” Uluslararası İlişkiler Dergisi, Vol. 9, No. 34 (2012), pp. 73-97.

[38] “After Long Wait, U.S. to Unveil European Missile Shield,” Reuters, (May 11, 2016), retrieved from https://www.reuters.com/article/us-nato-shield-timeline-idUSKCN0Y217P.

[39] . Roman Goncharenko and Julia Lasica, “Did Russian Intelligence Hire a Crimianl to Execute a Chechen Dissident in Berlin?” Deutsche Welle, (September 4, 2019), retrieved from https://www.dw.com/en/ did-russian-intelligence-hire-a-criminal-to-execute-a-chechen-dissident-in-berlin/a-50288786.

[40] Megan K. Stack, “Chechen Dissident Yamadayev Assassinated in Dubai,” Los Angeles Times, (March 31, 2009), retrieved from https://www.latimes.com/archives/la-xpm-2009-mar-31-fg-chechen31-story. html.

[41] . Shaun Walker, “Murder in İstanbul: Kremlin’s Hand Suspected in Shooting of Chechen,” The Guardian, (January 10, 2016), retrieved from https://www.theguardian.com/world/2016/jan/10/murder-istanbul-chechen-kremlin-russia-abdulvakhid-edelgireyev.

[42] “Two Charged in Sweden with Attempted Murder over Chechen Blogger Assault,” Radio Free Europe Radio Liberty, (October 30, 2020), retrieved from https://www.rferl.org/a/two-charged-in-sweden-withattempted-murder-over-chechen-blogger-assault/30921152.html.

[43] “Austria: Chechen Dissident Murdered in Vienna,” Deutsche Welle, (July 10, 2020), retrieved from https://www.dw.com/en/austria-chechen-dissident-murdered-in-vienna/a-54124497.

[44] Seçkin Köstem, “Russian-Turkish Cooperation in Syria: Geopolitical Alignment with Limits,”  Cambridge Review of International Affairs, (February 2020), pp. 1-23.

[45] Şener Aktürk, “Toward a Turkish-Russian Axis? Conflicts in Georgia, Syria, and Ukraine, and Cooperation over Nuclear Energy,” Insight Turkey, Vol. 16, No. 4 (2014), pp. 13-22.

[46] . Angelique Chrisafis, “Sarkozy to Announce French Return to NATO Military Command,” The Guardian, (March 11, 2009), retrieved from https://www.theguardian.com/world/2009/mar/11/sarkozy-france-nato-military

[47] . Thierry Balzacq, “France,” in Thierry Balzacq, Peter Dombrowski, and Simon Reich (eds.), Comparative Grand Strategy: A Framework and Cases, (New York: Oxford University Press, 2019), p. 99.

[48] “France to Rejoin NATO Military Command after 43 Years,” Deutsche Welle, (March 11, 2009), retrieved from https://www.dw.com/en/france-to-rejoin-nato-military-command-after-43-years/a-4090430.

[49] Balzacq, “France,” p. 103.

[50] . Balzacq, “France,” p. 103.

[51] Jean-Pierre Chevenement (translated by Clemence Sebag), “France’s ‘Return’ to NATO: An Inopportune Decision,” Politique Etrangere, No. 5 (2009), retrieved from https://www.cairn.info/revue-politique-etrangere-2009-5-page-151.htm.

[52] . Balzacq, “France,” p. 99.

[53] “French Soldiers only Remain in Syria with US Help,” Anadolu Agency, (November 19, 2019), retrieved from https://www.aa.com.tr/en/europe/french-soldiers-only-remain-in-syria-with-us-help/1650137.

[54] “France Says Securing Military in Syria as U.S. Begins Withdrawal,” Reuters, (October 14, 2019), retrieved from https://www.reuters.com/article/us-syria-security-france-troops-idUSKBN1WS0TN.

[55] “France Seeks Foothold in Northeast Syria,” Al Monitor, (April 27, 2021), retrieved from https://www. al-monitor.com/originals/2021/04/france-seeks-foothold-northeast-syria.

[56] “France Was Ready For Syria Strike When Obama Decided to Seek Congress Approval,” Jerusalem Post, (September 29, 2013), retrieved from https://www.jpost.com/middle-east/france-was-ready-forsyria-strike-when-obama-decided-to-seek-congresss-approval-327421.

[57] . Beril Dedeoğlu, “IŞİD Bir Şeyler Söylüyor,” Star, (July 1, 2015), retrieved from https://www.star.com.tr/ yazar/isid-bir-seyler-soyluyor-yazi-1040523/.

[58] Robert Johnson, “United Kingdom,” in Thierry Balzacq, Peter Dombrowski, and Simon Reich (eds.), p. 142.

[59] Johnson, “United Kingdom,” p. 131.

[60] Johnson, “United Kingdom,” p. 143.

[61] Johnson, “United Kingdom,” p. 133.

[62] Johnson, “United Kingdom,” p. 125.

[63] . Handan Kazancı, “UK: Man Who Joined PYD/PKK Faces Trial for Terrorism,” Anadolu Agency, (February 2, 2018), retrieved from https://www.aa.com.tr/en/europe/uk-man-who-joined-pyd-pkk-faces-trial-forterrorism/1057235.

[64] Mattha Busby, “British Man Who Fought ISIS in Syria Has Terror Charges Dropped,” The Guardian, (July 31, 2018), retrieved from https://www.theguardian.com/uk-news/2018/jul/31/james-matthewswho-joined-kurdish-forces-to-fight-isis-not-guilty

[65] Dan Sabbagh, “Trial Collapses of Three Britons Accused of Aiding Man to Go to Fight in Syria,” The Guardian, (July 3, 2020), retrieved from https://www.theguardian.com/uk-news/2020/jul/03/trial-collapses-of-three-britons-accused-of-aiding-man-to-go-to-fight-in-syria.

[66] Eralp Yarar, “Post-Brexit Turkey-UK Ties Show Signs of New Strategic Partnership,” Daily Sabah, (February 21, 2021), retrieved from https://www.dailysabah.com/politics/news-analysis/post-brexit-turkeyuk-ties-show-signs-of-new-strategic-partnership.

[67] Jonathan Fenton-Harvey, “Why the UK Sees Turkey as a Crucial Post-Brexit Ally,” Anadolu Agency, (January 13, 2021), retrieved from https://www.aa.com.tr/en/analysis/analysis-why-the-uk-sees-turkeyas-a-crucial-post-brexit-ally/2108631.

[68] . Wang Jisi, “China’s Search for a Grand Strategy: A Rising Great Power Finds Its Way,” Foreign Affairs, Vol. 9, No. 2 (2011), p. 68.

[69] Jisi, “China’s Search for a Grand Strategy,” p. 72.

[70] Jisi, “China’s Search for a Grand Strategy,” p. 71.

[71] Jisi, “China’s Search for a Grand Strategy,” p. 72.

[72] Jisi, “China’s Search for a Grand Strategy,” p. 72.

[73] Jisi, “China’s Search for a Grand Strategy,” p. 73.

[74] The scholarly and popular publications on the repression of the Uyghurs are volumnious. See, among others, Sean R. Roberts, The War on the Uyghurs: China’s Internal Campaign Against a Muslim Minority, (Princeton: Princeton University Press, 2020). As a rich multimedia news reporting, also see “Inside Xinjiang’s Prison State,” New Yorker, (April 2021), retrieved from https://www.newyorker.com/ news/a-reporter-at-large/china-xinjiang-prison-state-uighur-detention-camps-prisoner-testimony.

[75] Andrew S. Erickson, “China,” in Thierry Balzacq, Peter Dombrowski, and Simon Reich (eds.), p. 74.

[76] . Erickson, “China,” p. 75.

[77] Erickson, “China,” pp. 85-86.

[78] . Ziya Öniş and Maimati Yalikun, “Emerging Partnership in a Post-Western World? The Political Economy of China-Turkey Relations,” Southeast European and Black Sea Studies, (September 2021), retrieved from https://doi.org/10.1080/14683857.2021.1981624.

[79] Nicola P. Contessi, “Turkey and the Shanghai Cooperation Organization: Common Values, Economics or Pure Geopolitics?” in Emre Erşen and Seçkin Köstem (eds.), Turkey’s Pivot to Eurasia: Geopolitics and Foreign Policy in a Changing World Order, (London: Routledge, 2019), pp. 91-110.

[80] Şener Aktürk, “The Fourth Style of Politics: Eurasianism as a Pro-Russian Rethinking of Turkey’s Geopolitical Identity,” Turkish Studies, Vol. 16, No. 1 (2015), pp. 54-79.

[81] . Berdal Aral, “The World Is Bigger than Five: A Salutary Manifesto of Turkey’s New International Outlook,” Insight Turkey, Vol. 21, No. 4 (2019), pp. 71-95.

[82] Şener Aktürk, “The Search for a Third Way: The Non-Aligned Movement, G77, and NIEO,” Politics Today, (November 17, 2021), retrieved from https://politicstoday.org/the-search-for-a-third-way-the-nonaligned-movement-g77-and-nieo/.


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...