تتأثر سياسات التعليم بشكل مباشر بالبنية الاجتماعية والاقتصادية للبلد. شهدت تركيا خلال العشرين عامًا الماضية تحولات اجتماعية واقتصادية وسياسية مهمّة، وهذا أدّى إلى إعادة تشكيل سياسات التعليم. تؤثر العوامل الاقتصادية مثل النمو الاقتصادي والأزمات والعولمة وتوزيع الدخل، والعوامل الاجتماعية مثل التغيرات الديموغرافية وتغير هيكل الأسرة والتحضر والهجرة، بشكل مباشر- في نطاق سياسات التعليم وطرق تطبيقها.
التعليم هو أحد أهم مؤسسات البنية الاجتماعية، وأحد أهم أدوات السياسة في تشكيله؛ وإنّ أيّ تجديد في التعليم يؤثر في البنية الاجتماعية، كما أن أي تغيير في البنية الاجتماعية يمكن أن يؤثر في التعليم. بعبارة أخرى، هناك علاقة تفاعلية قوية بين التعليم والبنية الاجتماعية. يُنظَر إلى التعليم على أنه عنصر يتأثر بالتغيرات الاجتماعية ويؤثر فيها. لكن من الصعب تحديد درجة هذا التفاعل المتبادل والعلاقة السببية بينهما بشكل واضح. تركز هذه الدراسة بشكل أكبر على تأثير التغيرات الاجتماعية في التعليم.
تؤدّي التغيرات الاجتماعية والثقافية دورًا مهمًّا في تشكيل سياسات التعليم. تتطلب التغيرات في القيم الأخلاقية وأنماط الحياة والبنية الاجتماعية للمجتمع تجديد محتوى وأساليب نظام التعليم. على سبيل المثال، تؤدي عوامل مثل التحضر والتطورات التكنولوجية والعولمة إلى تغيير احتياجات الأفراد والتوقعات، وهذا يؤدي إلى إيلاء مزيد من الاهتمام لمهارات مختلفة ومجالات معرفية جديدة في برامج التعليم. كما أن قضايا مثل التنوع الثقافي والمساواة بين الجنسين تهيئ الأرضية لإدراج نُهج أكثر شمولًا في سياسات التعليم. ومن هنا، أصبحت الديناميات الاجتماعية والثقافية عناصر أساسية تؤثر بشكل مباشر في أهداف سياسات التعليم وأشكال تطبيقها.
هناك تفاعل متبادل وقوي بين التعليم والاقتصاد. على مدار التاريخ، جرى توفير الموارد البشرية التي احتاج إليها الاقتصاد بفضل التعليم. في المجتمعات البدوية، كان التعليم يركز على اكتساب مهارات الصيد والرعي، بينما كان يستخدم في المجتمعات الزراعية المستقرة لتطوير مهارات الزراعة والحِرف. أما اليوم، فإن أحد الأهداف الأساسية للتعليم في المجتمعات الصناعية هو توفير قوة عاملة مؤهلة. ويهدف نظام التعليم التركي إلى تنمية الأفراد وفقًا لقدراتهم، وتأهيلهم لممارسة المهن، وتربية أفراد يسهمون في التنمية الاقتصادية. ومن ناحية أخرى، تؤثر الموارد الاقتصادية لبلد ما والخصائص الهيكلية لاقتصاده بشكل كبير في اتجاه التعليم ومدى تطوره. ولهذه الأسباب، كثيرًا ما يعبر الفاعلون الاقتصاديون عن مطالبهم المتعلقة بنظام التعليم في الرأي العام.