رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


| المقالات والدراسات < رؤية تركية

الثورة اللبنانية الثانية: تحدّيات التغيير الجذري في لبنان

في ١٧ تشرين الأول/أكتوبر من عام ٢٠١٩، اندلعت انتفاضة شعبية واسعة في لبنان، وذلك على خلفية إعلان السلطات اللبنانية عن نيّتها فرض ضريبة على استخدام تطبيق التواصل الاجتماعي عبر الهاتف (الواتس أب). كان هذا الإجراء بمثابة القشّة التي قصمت ظهر البعير، فقد تسبّب في موجة واسعة من الاحتجاجات التي بدأت تكبر في حجمها وتتوسع في مطالبها وصولًا إلى مطلب إسقاط السلطة الحاكمة في لبنان بجميع رموزها السياسية من خلال الشعار الشهير "كلّن يعني كلّن". تناقش هذه الورقة الانتفاضة اللبنانية: ظروفها، وأسبابها، ومطالبها، وكيفية تعامل الفاعلين السياسيين في لبنان مع هذه الانتفاضة، إضافة إلى مآلاتها واحتمالات نجاحها.

الثورة اللبنانية الثانية: تحدّيات التغيير الجذري في لبنان

ليست هذه المرّة الأولى التي تندلع فيها انتفاضة شعبية في لبنان. إذ تسبب اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري في عام ٢٠٠٥ في إطلاق موجة من الاحتجاجات التي تطورت إلى انتفاضة شعبية عُرَفت فيما بعد باسم "ثورة الأرز". شهدت هذه الثورة آنذاك تلاقيًا إسلاميًّا- مسيحيًّا واسعًا في الشارع اللبناني، كان من نتيجته إجبار النظام السوري على سحب قواته الموجودة في لبنان، والخروج من البلاد. عمليًّا. اندفع حزب الله بصفته اللاعب الأقوى حينها سياسيًّا وعسكريًّا إلى ملئ الفراغ الذي تركه الانسحاب السوري، وقبل أن تنجح هذه الانتفاضة في استكمال مسارها التغييري، قضى حزب الله على آمال هذه الثورة من خلال تكتيكات متعددة، من بينها دفع أنصاره ومواليه إلى الشارع؛ لمنع إحداث تغيير يطيح بنفوذه المتزايد في لبنان. أدى هذا الانقسام حينها إلى ولادة ما يُعرَف باسم تيّار ١٤ آذار الذي يضم حزب المستقبل وحلفاءه، وتيارّ ٨ آذار الذي يضم حزب الله وحلفاءه.

 

ما يميّز تلك الثورة عن الانتفاضة التي اندلعت في تشرين الأول/أكتوبر من عام ٢٠١٩، هو أنّ الطابع السياسي كان يغلب في الأساس على دوافع الأولى، فيما غلب الطابع الاقتصادي- الاجتماعي على دوافع الثانية، ولعلّ هذا ما ساعد الانتفاضة الأخيرة على تجاوز الانقسامات الطائفية والطبقيّة والمناطقية السائدة عادةً لتوسّع من قاعدتها الشعبية بحيث تشمل أناسًا من أعمار مختلفة وخلفيات متنوعة وانتماءات سياسية وطائفية ومناطقيّة متعددة.  

 

الأسباب الاقتصادية في صلب اندلاع هذه الانتفاضة الشعبية، فلبنان يعاني من تراكم للديون بلغت حوالي ٨٦ مليار دولار، أو ما يزيد على حوالي ١٥٠٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يضعه في المرتبة الثالثة عالميًّا من ناحية حجم الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي. والنمو في البلاد منخفض، ومن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد اللبناني في ٢٠١٩ إلى حوالي ٠.٢٪. والتضخم مرتفع ومعدّلات البطالة عالية جدًّا.

 

إضافة على ذلك، فإنّ الفساد ينخر في البلاد بشكل مهول منذ سنوات، مترافقًا مع نهب الإقطاعيين السياسيين للمال العام. والبنية التحتيّة مهترئة، ولم تشهد البلاد أعمالًا جديّة في البنى التحتيّة منذ ما يزيد عن عقد ونصف تقريبًا. الكهرباء مقطوعة في غالب الأحيان، مع أنّها كلّفت الدولة حوالي ٣٦ مليار دولار منذ عام ١٩٩٢ وحتى عام ٢٠١٨. الوضع البيئي للبلاد آسن، حيث يغرق لبنان فعليًّا في النفايات، وهو ما يولّد أمراضًا لا متناهيّة للبنانيين، ويرفع من فاتورة التكلفة الصحيّة. وبخلاف الفساد الذي يشترك به جميع السياسيين في لبنان، فإنّ ما يُسمَّى بـ"اقتصاد الممانعة" الذي يقوده حزب الله كان له أثر كبير أيضًا في تدمير بنية الاقتصاد اللبناني، فضلًا عن الدولة اللبنانية.

 

 

 


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...