بعد انتخاب دونالد ترامب مجددًا رئيسًا للولايات المتحدة في يناير 2025، دخلت العلاقات الأمريكية- الروسية، التي وصلت في عهد جو بايدن إلى نقطة الانقطاع، مرحلة جديدة أكثر تعقيدًا وتشعبًا. وفي هذا الإطار، فإن المسألة الأكثر نقاشًا هي التحول الذي يُعتقد أنه حدث في العلاقات الثنائية مع تولي ترامب الرئاسة. فمنذ أن بدأت روسيا حربها على أوكرانيا عام 2022، جرى لأول مرة لقاء مباشر بين زعيمي البلدين، وبدأت العلاقات الثنائية في مسار نحو التطبيع، كما ازدادت الاتصالات الدبلوماسية. وفي هذا السياق، تُعَدّ مفاوضات السلام التي جرت في كل من إسطنبول والمملكة العربية السعودية تطورات جديرة بالاهتمام. بالإضافة إلى ذلك، فإن تعيين ترامب لستيف ويتكوف مبعوثًا خاصًّا وإرساله إلى موسكو لإجراء مفاوضات مباشرة مع بوتين يحمل أهمية في سياق الحال وآفاق العلاقات الثنائية. ويمكن تأطير بنية العلاقات التي جرت مؤخرًا بين ترامب وبوتين ضمن محور البراغماتية والمصالح الإستراتيجية.
قبل تحليل العلاقات في الفترة الأخيرة، من الضروري التطرق بإيجاز إلى المرحلة السابقة. إذ إن الفترة الممتدة بين عامي 2017 و2021 كانت أكثر إثارة وجذبًا للانتباه مقارنة باليوم. إذ عكست مزاعم تدخل روسيا في الانتخابات الأمريكية من خلال عمليات سيبرانية، وادعاءات قيامها بعمليات علنية وسرية تهدف إلى تعزيز نفوذها في واشنطن- صدى واسعًا في الرأي العام. وفي تلك المرحلة، بدأت تظهر شكوك عميقة تجاه موسكو، سواء في السياسة الداخلية الأمريكية أم على مستوى الرأي العام العالمي. وقد طغى شبح التدخل الروسي على فترة ترامب الرئاسية الأولى، وأصبحت العلاقات الثنائية تُنتَقد دائمًا ضمن هذا الإطار. وبعد تولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة، شهدت السياسة الأمريكية تجاه أوكرانيا عام 2021 تحولًا كبيرًا؛ وهذا أثّر بشكل بالغ السلبية في العلاقات الروسية- الأمريكية. وفي نهاية المطاف، وبعد عام من هذا التحول، اندلعت الحرب وتوقفت العلاقات. في هذه المرحلة، أدى تلاحم الغرب في مواجهة موسكو، والدعم السياسي والعسكري المقدَّم لأوكرانيا، وتعزيز الوجود المادي والمعنوي لحلف الناتو في المنطقة- إلى ترك إرث من العلاقات الثنائية المعقدة والصعبة في وجه إدارة ترامب الجديدة.
خلال حملته في الانتخابات الرئاسية عام 2024، صرّح ترامب بأنه سينهي حرب أوكرانيا بشكل عاجل، ووجّه انتقادات حادّة إلى إدارة بايدن والدول الأخرى التي تتحرك معها. في الواقع، كانت ملامح وسلوكيات السياسة التي سيتبعها ترامب بعد توليه الرئاسة واضحة في خطاباته، وكذلك في نهج فريقه.
في هذا السياق، كان من المعروف أن نهج ترامب القائم على "إعادة أمريكا عظيمة مجددًا" سيركز على الصين، وأن الخصم والهدف الأساسيين له سيكونان الصين وسياساتها. وقد كان يُعتقد أن التهديد المتصوَّر من روسيا سيبقى في الخلفية وسيُعتبر ثانويًّا في هذه المرحلة. ومع ذلك، فإن محاولة استقطاب روسيا واستهداف محور الصين، وروسيا، وإيران، وكوريا الشمالية- تُعدّ مقاربة غير متوقعة. فضلًا عن كونها غير متوقعة، فإن واقعيتها واحتمال قبولها من قبل روسيا أيضًا يُعدّان ضعيفين للغاية. وبجانب ذلك، هناك من يرى أن ترامب في الحقيقة لن يغيّر السياسة الأمريكية الراسخة من جذورها، أو أنه لن يكون قادرًا على ذلك. ففي هذا التوجه، هناك من يرى أن المؤسسة الحاكمة ستقف ضد إدارة ترامب، ومن جهة أخرى هناك من يقول إن تغيير إستراتيجية التعامل مع روسيا لا يُعَدّ منطقيًّا من حيث المصالح القومية، ومن ثَمّ فإن ترامب لا يسعى إلى إحداث قطيعة عميقة في هذا السياق. ويُلاحَظ في تقرير التهديدات السنوي الذي تنشره جماعة الاستخبارات الأمريكية أن روسيا لا تزال تُعَدّ من بين التهديدات الأساسية في عام 2025، وبعبارة أخرى فهي تحافظ على موقعها. وفي هذا السياق، يمكن القول: إن سياسة ترامب قد لا تسعى إلى تغيير جذري في النموذج القائم، بل تقوم على البراغماتية والمصالح الإستراتيجية، وأن الصورة الذهنية تجاه روسيا قد تستمر إلى فترة أخرى.