أصبحت الحرب الأهلية السورية، التي اندلعت في عام 2011 تحت تأثير الربيع العربي، منطقة صراع طويلة الأمد اختُبِرت فيها على أرض الواقع الحسابات الإستراتيجية للعديد من الأطراف الخارجية، ليس على الصعيد الإقليمي فقط، بل على الصعيد العالمي أيضًا. في البداية، طور البيت الأبيض معارضة خطابية لنظام الأسد، لكنه لم يتبع إستراتيجية لتغيير النظام في سورية بشكل مباشر؛ بسبب عوامل مثل أمن "إسرائيل"، والوضع الإقليمي، وطبيعة المعارضة السورية المتشرذمة، وانتشار الجماعات المتطرفة.و مع ظهور تهديد داعش في عام 2014، أعادت الولايات المتحدة تشكيل أولوياتها في سورية تحت شعار محاربة داعش، وأقامت شراكة إستراتيجية قائمة على التعاون مع حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب خلال هذه العملية.
وقد استمرت هذه الشراكة على الرغم من كل اعتراضات تركيا، وجرت محاولات لإسياغ الشرعية على هيكل حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب الكردية من خلال إنشاء قوات سورية الديمقراطية في عام 2015. استمر هذا التعاون، الذي بدأ في عهد أوباما، واستمر على مستويات مختلفة في عهد ترامب تحت إشراف بيروقراطي- في عهد بايدن، وتطور إلى نهج دبلوماسي يهدف إلى دمج نظام الأسد مع حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب الكردية. ومع ذلك، فإن انهيار نظام الأسد في نهاية عام 2024 جعل هذا التوجه الإستراتيجي في سورية عديم الجدوى، ودفع هذا التطور واشنطن إلى السعي للتنسيق مع أنقرة في السياسة التي شكلتها منذ فترة طويلة "على الرغم من تركيا".
يبحث هذا التحليل بشكل منهجي النقاط الفاصلة الرئيسة في سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية منذ عام 2011، وإستراتيجياتها العسكرية، والتوترات مع تركيا، والعلاقات مع حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب، والنهج الجديد الذي طورته فترة ما بعد النظام. يتناول التحليل بشكل خاص سياسات واشنطن التي تهدف إلى الانسحاب من الميدان في الفترة الجديدة بعد عام 2024، ونهج تل أبيب الأمني تجاه سورية، وعدم ارتياح "إسرائيل" للشراكة التي أقامتها الولايات المتحدة بين تركيا وسورية ودول الخليج بعد 8 ديسمبر. ويتناول كذلك مستقبل قوات حماية الشعب/قوات سورية الديمقراطية، وأهداف "إسرائيل" في إنشاء سورية لامركزية، تضم قوات حماية الشعب/قوات سورية الديمقراطية، استنادًا إلى أزمة السويداء.
