رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


| المقالات والدراسات < رؤية تركية

تحول الإعلام في تركيا إلى النظام الديمقراطي

يناقش هذا البحث حرية الإعلام في تركيا والعلاقات بين الإعلام والسياسة، من خلال التركيز على تحوّل وسائل الإعلام إلى النظام الديمقراطي، من دون إقصاء منظور إبعاد الإعلام عن الضغوطات كافة، التي تمارسها الجهات العسكرية والمدنية التي تتحكم بالسلطة.

تحول الإعلام في تركيا إلى النظام الديمقراطي

 ملخص عند النظر إلى مشكلات حرية الإعلام في تركيا، نلاحظ بروز الضغوط الممارسة على الإعلام بشكل مباشر وملموس من قبل القوى العسكرية أو المدنية التي تمتلك آليات السلطة، تُشكّل هذه الضغوط المعنوية وغير المباشرة الأطراف الأيديولوجية التي تحيط بتلك السلطة.

وعند النظر إلى تاريخ الإعلام في تركيا، نرى أن العنصر الأساسي الذي يقيد الحريات ليس المؤسسة السياسية فقط، بل الأيديولوجية الرسمية التي تحيط بهذه المؤسسة أيضًا، وفي هذا الإطار يجب تناول مسألة الحرية الإعلامية في تركيا من منظور.

يناقش هذا البحث حرية الإعلام في تركيا والعلاقات بين الإعلام والسياسة، من خلال التركيز على تحوّل وسائل الإعلام إلى النظام الديمقراطي، من دون إقصاء منظور إبعاد الإعلام عن الضغوطات كافة، التي تمارسها الجهات العسكرية والمدنية التي تتحكم بالسلطة.

عند مراعاة العلاقات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والقانونية لوسائل الإعلام- نجد أن الوضع الذي عليه الإعلام في يومنا الحالي، يختلف بشكل كبير عن الوضع الذي كان عليه حين كان البحّارة يسيرون من ميناء إلى آخر لنقل الخبر والمعلومة، أو حينما كان الإعلاميون المثاليون -الذين لا يفكرون في شيء سوى المصلحة العامة- يكافحون تحت شتى أنواع الضغوط والظروف الصعبة، من أجل حق الناس في الحصول على الخبر.

وإذا نظرنا في العالم على الصعيد الفردي نجد نماذج من إعلاميين مثاليين، يسعون وراء الخبر بدوافع أكبر بكثير من الاحترافيّة، ويسهمون في تأمين حق الناس في الحصول على الخبر والمعلومة، ومن ثَمّ يسهمون في مسيرة الديمقراطية.

لكن من ناحية أخرى وبموازاة زيادة وسائل الإعلام نجد أن علاقاتها مع السياسة والاقتصاد قد تغيّرت أيضًا، لكن للأسف، انحرفت وجهة هذا التغيير عن النقاط المثالية التي بدأت بها.

ولهذا السبب فإن الجزء الأهم من الدراسات الإعلامية وآدابها في الوقت الحالي يتناول علاقات الإعلام بالاقتصاد والسياسة، وكلما تعمّقت هذه العلاقة، تظهر مقاربات سياسية واقتصادية تشكل أمثلة نظرية وتجريبية عن ابتعاد الإعلام عن وظيفته المثالية.

والمسار العام لوسائل الإعلام في تركيا يوازي أيضًا الوجهة المذكورة أعلاه، إذ إن حرية الصحافة في تركيا سواء بمصادرها أم تأثيراتها ليست حالة أو مرحلة مستقلّة عن الساحة السياسية أبدًا.

إن الشرط الأساسي لتأمين حريّة الإعلام هو عدم تعرضه للضغوط من السلطة الحاكمة، وهناك طرق عدة ومختلفة للضغوط التي تمارسها السلطة على الإعلام.

وعند النظر إلى المسار العام لوسائل الإعلام في تركيا نلاحظ وجود طرق مختلفة ومتعددة، لضغوط مباشرة وملموسة تمارسها القوى العسكرية والسياسية، التي تمتلك السيطرة على آليات السلطة، وضغوط مجردة وغير مباشرة، تمارسها الأطراف الأيديولوجية التي تحيط بهذه السلطة.

وفيما يتعلق بالنقاشات الدائرة حول حرية الإعلام في تركيا، هناك أعمال كثيرة تناولت الطريقة الأولى من أشكال ممارسة الضغوط، أي الطريقة المباشرة والملموسة، التي تمارسها القوى العسكرية والسياسية التي تمتلك السيطرة على آليات السلطة.

لكن فيما يخصّ الضغوط المعنوية وغير المباشرة، التي تمارسها أطراف أيديولوجية تحيط بالسلطة -وسنذكر أسبابها لاحقًا- لا نجد لها حيزًا كافيًا بين هذه البحوث، على نحو متعمد.

وتحت هذه الشروط، لا يمكن وضع مسألة حرية الإعلام في تركيا ضمن سياق تحول البلاد إلى النظام الديمقراطي.

بل أكثر من ذلك، فإن مناقشة حرية الإعلام بإهمال كونها لاعبًا مؤسسًا في السياسة، يعني تقسيم المسألة إلى "صحافة مثالية" من جهة، و"سياسيين فاسدين" من جهة أخرى.

هذا البحث الذي ينطلق من النقاط المحددة أعلاه، سيناقش حرية الإعلام في تركيا، والعلاقة بينها وبين السياسة من خلال التركيز على تحوّل وسائل الإعلام إلى النظام الديمقراطي، من دون إقصاء منظور ابتعاد الإعلام عن أنواع الضغوطات كافة، التي تمارسها الجهات العسكرية والسياسية.

وحول هذا الهدف سيتم أوّلًا بناء علاقة بين الظروف التي ظهر فيها "الصحفيون" في تركيا بوصفهم وسيلة وزمرة اجتماعية، وبين الحداثة.

أما في القسم التالي؛ فسنتناول علاقة وسائل الإعلام بالأطراف الأيديولوجية التي تحيط بالسلطة الملموسة والمادية، وبين السلطة المعنوية، وذلك ضمن سياق تحوّل الإعلام إلى النظام الديمقراطي من خلال موضوعات وسمات معينة.

أما في الخاتمة فسيتم تسليط الضوء على النقاشات التي أجريناها، وتقديم الاستدلالات عن الوضع الحالي لمسألة وسائل الإعلام التي تحوّلت إلى مشكلة بنيويّة في تركيا، والعلاقات بين الإعلام والسياسة، ضمن سياق تحوّل وسائل الإعلام إلى النظام الديمقراطي.

وقبل البدء بالجواب عن المشكلات الرئيسة للبحث يجب إيضاح نقطة حول المنهج الذي سلكناه في هذا البحث.

إن مناقشة الأحداث النموذجية في مراحلها التاريخية ضمن مفهوم متكامل، بالتزامن مع مناقشتها في سياق تحوّل الإعلام إلى النظام الديمقراطي- تشكّل العمود الفقري للمقالة.

وقد أجرينا مقابلات مع عشرة أشخاص ممن ينتسبون إلى وسائل إعلام مختلفة، مثل الصحافة والتلفزة والنشر، وذلك انطلاقًا من فكرة دعم صلب البحث، والأخذ بآراء الخبراء، وقد جرى إسقاط قسم من المقابلات على النص بشكل مباشر، في حين أن القسم الآخر استُخدم في البنية التحتية للنص.

وبسبب المبالغة في تسييس الأرضية التي تجري فيها مناقشة مسألة تحوّل الإعلام إلى النظام الديمقراطي في تركيا، ومن أجل الحصول على آراء سياسية متباينة وحرة- منحنا الضمان للخبراء الذين أجرينا اللقاءات معهم بأننا سننشر آراءهم مجهولة الأصحاب، لذلك لن نكشف في البحث عن أسماء الخبراء الذين اقتبسنا منهم.

الإطار التاريخي للتحوّل إلى النظام الديمقراطي، وحريةُ الصحافة في تركيا

عندما يوضّح لنا كتَاب -يُذكر بقوّة ضمن مصادر الأدب الإعلامي التركي- سير الصحافة التركية في السنوات الأولى من العهد الجمهوري، فإنه يذكر محاولات النظام الحاكم آنذاك لتحقيق أهدافه، مثل؛ السيطرة على طرق نشر الخبر كافة، وتشكيل صحافة تحت مراقبته وسيطرته بالكامل، على أن ذلك خطوات مشروعة ووحيدة، لتوجيه المجتمع وفق الوجهة والاستقامة التي يريدها النظام الحاكم.

وعند التمعّن في سير النقاشات التي تدور حول تاريخ الصحافة وحريتها في تركيا، فإن هذا الوضع لا يعدّ وللأسف هامشيًّا أو مبالغًا فيه، فقد اتخذت حرية الصحافة طابعًا يمكن التخلي عنه بسهولة حين تتطلب الحاجة ذلك أمام فكرة "بقاء الدولة"، التي حدّد مضمونها أيديولوجية التغرّب الكمالي.

وفي الحالة المعاكسة، أي عند البدء بمساءلة المبادئ الأساسية للنظام الكمالي، سيتم تقييم حرية الصحافة بوصفها جزءًا متمّمًا للمستوى الذي تسعى تركيا إلى الوصول إليه، وهو "مستوى المدنيات المعاصرة".

على سبيل المثال؛ في رسالة دكتوراه أُعِدّت خلال عام 2011 في جامعة إسطنبول سرد فيها الباحث أولًا القوانين القمعيّة التي أصدرها بين أعوام 1923– 1946 نظام الحزب الواحد الكمالي، كقانون تقرير السكون (تأمين الاستقرار في البلاد)، وقانون المطبوعات، وكان الهدف من هذه القوانين وضع الصحافة تحت الضغط، وفيما بعد شُرعت هذه القوانين من خلال تأكيد أن هذا أمر لا مفرّ منه بسبب متطلبات "الفترة الحالية" في زمن "يستمر فيه حكم الأنظمة السلطوية الشاملة والاستبدادية في أوروبا".

والرسالة نفسها تنتقد عند الكشف عن ممارسات الضغط على الصحافة من قبل الحزب الديمقراطي الذي أنهى عام 1946 عهد سلطة الحزب الكمالي الواحد- ممارسات الحزب الديمقراطي بالقول: "ليس من وظيفة الصحافة أن تكون إلى جانب السلطة، بل يجب عليها أن تنتقد السلطة الحاكمة، وتنوّر الشعب إن تطلب الأمر"، وإن سبب سهولة تحريف مفهوم ومصطلح حرية الصحافة في السياق التركي والذي اتّفُق على تعريفه منذ زمن بعيد، يتعلق بجذور الصحافة السائدة في تركيا التي تتمتع بالطبقية.

وبحسب "شريف ماردين" فإن المراكز الاجتماعية في تركيا بامتدادها التاريخي، كانت تُحدَّد بحسب العملية السياسية المرتبطة بالدولة غير المنضوية تحتها، لا كما هو الحال في أوروبا بحسب العمليات الاقتصادية المرتبطة بالإنتاج والتوزيع، وكان الصحفيون تاريخيًّا يقفون مع نخب الشعب، ومع أصحاب الحداثة ضمن الفصل الاجتماعي، وضد الكتل التقليدية التي يقابلها في الطرف الآخر كتلة نخب الشعب والحداثة2.

وإذا راعينا تأثّر الصحفيين أيضًا بالأقطاب التاريخية، والثقافية والأيديولوجية كباقي كتل المجتمع الذين هم جزء منها، فإننا نستطيع القول إنهم نظروا إلى مسألة حرية الصحافة من منظور "التغرّب" الذي يعدّ من المبادئ الأساسية للحداثة الكمالية.

وعندما يكون الحال كذلك، فإنه عندما تتم "شرعنة" الضغوط التي تُمارس على الصحافة من قبل سلطة الحزب الكمالي الواحد بذريعة "شروط المرحلة الراهنة"، فإنه من الممكن اعتبار ممارسات الحزب الديمقراطي الذي يمثل النخبة التقليدية، مقابل سلطة الحزب الواحد التي تمثّل النخبة الحديثة والعصرية، على أنها الأيام الحالكة والسوداء بالنسبة لحرية الصحافة.

وقد حمّلت الأيديولوجية الكمالية منذ البداية، النخبة المثقفة ومن ضمنها الصحفيون، مهمّتين أساسيتين متممتين لبعضهما بعضًا: المهمّة الأولى هي مهام المثقفين تجاه الدولة، وبناءً عليها فإن المثقفين يحملون مسؤولية تجاه الدولة في ترسيخ الإصلاحات الكمالية والوصول بالبلاد إلى مستوى الحضارات المعاصرة، أما المهمة الثانية فهي التي تجاه الشعب.

إن انتقادات الحزب الديمقراطي الذي أنهى عهد نظام الحزب الواحد للسياسات الإعلامية في تلك الحقبة من خلال عبارة "ليس من وظيفة الصحافة أن تكون بجانب السلطة، بل على العكس يجب عليها أن تنتقد السلطة الحاكمة وتنوّر الشعب إن تطلب الأمر"- تشكّل المهمة الثانية للمثقفين الذين من ضمنهم الصحفيون.

وبحسب هاتين المهمتين اللتين تنفذان معًا، فإن المثقفين سيقفون إلى جانب الدولة في تحقيق هدف التغرّب، وسيحدّثون الشعب الذي لم يرتق بعد إلى المستوى الذي يفهم فيه فضائل النظام الجديد وأيديولوجية الحداثة- عن فضائل النظام الكمالي.

وإن كلمة "تنوير" في الجملة المقتبسة لم تأتِ على سبيل المصادفة، بل اختيرت لتتضمن مرجعية لأيديولوجية التنوير والتثقيف الملائمة لروح أيديولجية التغرّب الكمالية.

إلى جانب مثاليةٍ فاضلة وراقية كالتنوير الممثل من النخبة الثرية التي يشكّل الصحفيون جزءًا منها- تأخذ حرية الصحافة وكما رأينا في الأمثلة السابقة شكلًا لتفصيل تافه يسهل تحريفه. بل أكثر من ذلك فإن مثالية التنوير الفاضلة والراقية هذه تقوم إلى جانب الإعلام، بتحديد حدود السياسة أيضًا، وإن طرح مناقشة حول طبيعة السلطة في تركيا، يهيئ الأرضية السليمة لمناقشة مشكلات حرية الصحافة.

إن علاقات السلطة في تركيا لا تشبه علاقات السلطة التقليدية التي أُنشئت ضمن نظام ديمقراطي، وإن الانعكاسات السياسية والعلاقات السلطوية التي تكونت خلال عهد الحزب الواحد (1923- 1946) استمر وجودها بعد الانتقال إلى نظام التعدد الحزبي، وشكلت القوى المسلحة ومؤسسة القضاء العليا في هذه المرحلة عقبات فعلية أمام تكوين نظام ديمقراطي.

فقد تعرّضت الأحزاب السياسية التي تشكّل المكوّن الأهم لأي نظام ديمقراطي إلى محاولات من قبل مؤسسة القضاء العليا لإغلاقها، بينما كانت الحكومات التي وصلت إلى السلطة بالانتخابات منذ الستينات وإلى يومنا هذا عرضة في العديد من المرات للتدخلات العسكرية (الانقلابات والتهديدات).

وإن الوصاية العسكرية والبيروقراطية التي تُمارس على النظام السياسي في تركيا تتسبب في تضييق المجال أمام السياسة، وهذا يعني تضييقه أمام الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني والإعلام أيضًا.

إن البيروقراطية العسكرية والمدنية -بعد محاولاتها منذ السنوات الأولى من إعلان الجمهورية لتكوين رأسمال وطني- التي نتج عنها تكوين نخبة مثقفة وطبقة رأسمالية تحمل صفة راعي الثورة الكمالية- هيمنت من خلال النخبة التي أُطلق عليها صفة "كتلة الهيمنة التاريخية" بحسب تعبير أنطونيو غرامسجي، على مجال السلطة في تركيا.

وبينما كانت مثالية التغرّب الكمالية تشكّل أيديولوجية الكتلة المهيمنة، كان الصحفيون يتولون وظيفة "القيادة الفكرية والمعنوية".

ويعرّف غرامسجي المفكرين على أساس إسهاماتهم في تأسيس الهيمنة واستمرارها لا على أساس نجاحاتهم في التفكير والوصول إلى نتائج تحليلية، وإذا نظرنا من هذه الناحية فإن وظيفة الصحفيين في تركيا المعاصرة تتفق مع تعريف غرامسجي للمفكرين.

ومِن ثَمّ فإن مجال تمركز السلطة في تاريخ تركيا المعاصر ليس مجال الحكومات والأحزاب السياسية، بل مجال الأقليات الأوليغارشية التي تتكون من البيروقراطيين، والرأسماليين، والمثقفين.

إن أغلب الذين يقومون بتضييق مجال الصحافة في تركيا، وأصحاب السلطة الذين يرسمون الخطوط الحمر لها- ليسوا من أولئك الذين يأتون للحكم بطرق ديمقراطية بانتخابهم من قبل الشعب، بل هم من الأقلية البيروقراطية أو "كتلة الهيمنة التاريخية" الذين يرون أنفسهم أنهم يعلون على السياسة، وأنهم ضمان للنظام.

في مقابل هذا، ووفق مهمة "القيادة الفكرية والأخلاقية" ووظيفتها لم يخرج جزء كبير من الصحافة خارج الخطوط الحمر هذه، ولم ير بأسًا في استمرار قيامه بالنشر في مسار الوضع الراهن.

ومن هذا الجانب، فإنه من الصعب القول إن الإعلام في تركيا سلك منهجًا معارضًا للوضع الراهن آنذاك، والذي كانت تمثله القوى المسلحة ومؤسسة القضاء العليا.

بل إن الإعلام، لما تواجهت القوى الداعمة للحفاظ على الوضع الراهن والأحزاب السياسية المؤيدة للتغيير- وقف في صف قوى الوضع الراهن ودعمتها، كما دعم الانقلابات الحاصلة.

وفي هذا الإطار وعند وصوله إلى نقطة يتواجه فيها مع الحكومات الموجودة، فإنه كان يتوجه بالنداء إلى القوى المسلحة وإلى مؤسسة القضاء العليا بالتدخل في الأمر.

في هذا الجانب فضّل الإعلام في تركيا تقديم المعيّنين على المُنتخَبين، وفضّل البيروقراطية العسكرية على السياسية، كما استطاع أن يُدخل هذه الممارسات ضمن نطاق "المعارضة الإعلامية" و"حرية الصحافة".

وعلى سبيل المثال كان من بين أواخر ممارساته في هذا الصدد، تشكيله جبهة إعلامية معلنة ضد حكومة الائتلاف المنتخبة، وذلك خلال فترة الثامن والعشرين من شباط/ فبراير التي كانت من بين سلسلة التدخلات العسكرية، وأيضًا خلال فترة المذكّرة الإلكترونية (التهديد بالانقلاب) بتاريخ 27 نيسان 2007، وبذلك اختارت الوقوف مع العسكر ضد السياسة بحجة حماية الخصائص الأساسية للنظام الجمهوري ورعايتها.

هذا وقد تطورت هذه العلاقة بين الصحفيين والعسكر حتى وصلت إلى مرحلة كان فيه الأخير يوجّه الصحفيين في مقّر رئاسة الأركان حول السياق الذي ينبغي عليهم أن يقوموا بالنشر فيه.

وحصة الإعلام بموقفه هذا كانت كبيرة، نتيجة الانعكاسات التي اكتسبها خلال مراحله التاريخية.

في إطار العلاقات بين الإعلام والسلطة خلال عهد الحزب الواحد، وكون الأول في موقع الجهة المُحدَّدَة والثانية في موقع الجهة المحدِّدة، وإدراك أنه يجب أن تكون الصحافة كيانًا داعمًا لأيديولوجية النظام، وسيطرة الدولة على وسائل الإعلام الرئيسة وممارسة الرقابة على فعالياتها بكثافة من قبل المؤسسات الرسمية ضمن إطار غير شرعي- تسبب ذلك على المدى البعيد في اصطحاب فكرة عدم انتقاد ومعارضة الإعلام أيديولوجية الدولة الرسمية، أو من تظن أنها تمثلها من اللاعبين، كما أنه خلال نقاط التحول في التاريخ السياسي التركي (27 أيار 1960، 12 آذار 1971، 12 أيلول 1980، 28 شباط 1997) كان موقفه لصالح "الدولة" بدلًا من أن يكون لصالح "المجتمع".

أصبح أداء الصحافة الذي وضعه صناع وسائل الإعلام الرئيسة الداعمة لنظام الوصاية في تركيا امتدادًا للمتطلبات الأيديولوجية للدولة.

وواجهت الصحافة التركية خلال عهود الانقلاب التضييق والمراقبة الصارمة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، حيث صممت الأخبار والتحليلات وفق شروط تلك الفترة.

ولم تكن المراقبة الرسمية على الصحافة محدودة بفترات الحزب الواحد أو العسكر، فعلى سبيل المثال في زمن الحرب الباردة ظهرت هذه الضغوط بمظهر "المعادي للشيوعية"، وفي الفترة نفسها وضمن وسط السياسة المعادية للشيوعية، مارست الدولة ضغوطًا ملموسة على الإعلام بحجة "الترويج للشيوعية".

وضمن هذا العمل البحثي كان اللقاء مع أحد الصحفيين الذي صور لنا هذا الوضع بأسلوبه الخاص على الشكل الآتي: "في بعض الأحيان امتدت تحليلات القضاة والنواب العامين، إلى حد كانت فيه عبارة أن "صناعة الفولاذ في الاتحاد السوفييتي ارتفعت بنسبة 10%" تعدّ ترويجًا للشيوعية!

"إنّ تركيا شهدت مثل هذه الممارسات، فعندما نقلوا الحدود من المجال الموضوعي إلى اللاموضوعي شهدنا ممارسات كهذه، فمثلًا كنا لا تستطيع القول إن الفقر في ازدياد، لأن ذلك كان يعدّ ترويجًا للشيوعية".

من الموضوعات التي أُهمِلت في أثناء مناقشات حرية الصحافة موضوع التضييقات التي مورِست على "نشر الكتب" على مدى سنين طويلة، فقد عُدَّ الكتاب ضمن الثقافة السياسية التركية بيئة اتصال يمكن أن تحمل "أفكارًا ضارة"، ولهذا السبب حاولت الدولة باستمرار أن تمارس الرقابة على نشر الكتب، ففي فترات التدخلات السياسية الطارئة كانت سياسة "حرق الكتب" من بين أكثر أعمال الدولة تطرفًا لعرقلة انتشار "الأفكار الضارة".

يقول صاحب دار نشر تركية في لقاء أُجرِي معه: "إن مسألة حرق الكتب ليست أمرًا خاصًّا بهتلر في ألمانيا النازية فحسب، فقد أُحرِق ما لا يُحصى من الكتب في تركيا أيضًا بحجة عدم توافقها مع الأيديولوجيا الرسمية للدولة"، فعلى سبيل المثال لم يُرفع الحظر الذي كان مفروضًا على 453 كتابًا من بينها كتب لأسماء معروفة في تركيا والعالَم كـماركس، ولينين، وسعيد النورسي وناظم حكمت- إلا في عام 2012.

وقد حُمّل الناشرون مسؤولية إيصال الكتب التي كانوا يطبعونها إلى النيابات التي يتبعون لها لتفقد "محتويات الكتب لمعرفة ما إذا  كانت تحوي على محتويات تضر بمصلحة وحدة الدولة والشعب أم لا"، وإن فكرة الخوف من "المنشورات الضارة" التي في ذاكرة الدولة، تكشف عن فلسفة الشخص في الدعاية لتلك المنشورات، ووفق هذه الفلسفة، عند وصول فكرة ما من خلال وسائل التواصل الجماهيرية إلى الرأي العام فإنها لا بد من أن تؤثر فيها، ولهذا السبب يجب عرقلة تداول المنشورات التي تُعدّ ضارة من منظور الأيديولوجيا الرسمية، وقد تحول هذا الأمر على المدى البعيد إلى انعكاس لا إرادي، بحيث إن القوانين التي أُصدرت أسهمت في خدمة الغاية المذكورة في عرقلة المنشورات الضارة.

وعلى الرغم من التضييقات التي مورست على فعاليات الصحافة -ولربما بسببها لم تستطع وسائل الإعلام الرئيسة في تركيا اتخاذ موقف سياسي معاد للانقلاب حتى بعد عهد الانقلابات- استطاعت صرف الأنظار بكثافة إلى الجانب المنقذ للتدخلات العسكرية، واستمرت بالإسهام في نقل صورة العسكر على أنه "حامي النظام"، وعلى أنه "المؤسسة الأكثر أمانًا وثقة من قبل الشعب"، و"أنه أحد أكبر جيوش العالم والأكثر تأثيرًا" وأنه "محتَرِمٌ للديمقراطية".

يصف لنا أحد الصحفيين الذين أجرينا معهم لقاء هذه الفترة على الشكل الآتي: "لم تستطع الصحافة أن تنتقد مخططًا واحدًا من مخططات الجيش على مدى سنين عديدة، بالإضافة إلى ذلك فقد كان تنفيذ الصحافة والإعلام المهيمن تعليمات الجيش أمرًا إجباريًّا، ومن أقرب الأمثلة على ذلك وأغربها حادثة 28 من شباط  (1997 انقلاب ما بعد الحداثة)، كانت هذه الحادثة عملية إعلامية إلى حد كبير، وأمرًا مخزيًا ومخجلًا بالنسبة للإعلام، وعلى الرغم من أنه لم يكن من واجباتها، أطلعت رئاسة الأركان الجامعات والإعلام على الوضع، إنه شيء مخز للغاية، كان الجيش يعطي إنذارًا للحكومة، وكان الإعلام بدوره يساند الجيش في ذلك، وأعطى الجيش تعليمات لممثلي الإعلام أيضًا".

إن جريدة حريّت التي كانت تعدّ بمثابة "رائدة" الصحافة التركية آنذاك، وبسبب منشوراتها في فترة الانقلابات- كانت تنشر الشكر الذي تلقاه من الجيش على لسان رئيس أركانه آنذاك إسماعيل حقي قارادايي، بكل فخر واعتزاز: "أهنئكم جميعًا، وإنني فخور بكم... إنكم تقدمون خدمة عظيمة، وأعمالًا رائعة، وإني أعلن هذا بكل إخلاص، إنكم تتابعون وتحكمون بشكل جيد".

إن الأيديولجيا الرسمية التي سيطرت على الثقافة السياسية التركية منذ عهد تأسيس الجمهورية من أكبر العقبات التي تقف في وجه حرية الصحافة.

لم يخرج الإعلام في تركيا عند مزاولته أعماله خارج النطاق الذي رسمته الأيديولوجيا الرسمية له، كما أنه تحمل دورًا في نشر الأيديولجيا الرسمية، ومارست الصحافة مقتضى وظيفتها هذه من خلال إعادة إنتاج الموضوعات التي أصبحت بمثابة العمود الفقري لعملية تعميم الأيديولوجيا الرسمية.

ومن بين الموضوعات التي تمثل أحد أهم العراقيل أمام حرية الصحافة في تركيا "ثقافة الخوف" التي تكونت خلال مراحلها التاريخية.

إن ثقافة الخوف التي تشكلت بموازاة الأيديولوجيا الرسمية أثرت في محتوى ولغة الأخبار التي نُشرت في الصحافة، كما انعكس إبقاء الخوف حيًّا على الكثير من الفعاليات الإعلامية، وواجهت المنشورات التي لم تراع قواعد الخوف الكثير من الصعوبات، هذا وبعد أن نُشِرت اضطر أصحابها لمواجهة المحاكمات.

وإن تاريخ الصحافة التركية مليء بمثل هذه الأمثلة، فقد أفادنا أحد الصحفيين الذين طلبنا منه معرفة رأيه حول هذا الموضوع قائلًا: "إن إسماعيل بيشيكجي طُرِد من إحدى الجامعات التي كان يُدرّس فيها بسبب تأليفه كتابًا يحمل اسم "نظام شرقي الأناضول"، كما حوكم ببلاغات تطالب بسجنه عشرات السنين، مع أن الشيء الوحيد الذي كتبه هو وجود الأكراد في شرق تركيا، وأن لهم حق العيش كباقي الشعوب. كما أن المتدينين كانوا في محنة أيضًا، فقد اتُّهم الذين عاشوا دينهم ومعتقداتهم على الشكل الذي يعرفونه بأنهم رجعيون ومتعصبون، وجرت محاولة قمعهم، وهذا ظهر في الصحافة".

وكان على رأس قائمة المخاوف التي أُنتِجت ضمن الثقافة السياسية التركية الخوف المتعلق بـ"الانفصال"، وفي هذه النقطة فإن أهم مشكلة واجهتنا في الساحة النقاشية هي مشكلة الأكراد التي كانت تسمى بـ"مشكلة الجنوب الشرقي".

يوضح لنا أحد الصحفيين الذين سُجنوا بسبب ذكر كلمة الكرد في إحدى كتاباته عام 1970، تأكيد وجود فترات كان من غير الممكن فيها مصادفة مصطلح "كردي" في الصحافة إلا في ألفاظ الإهانة والتوبيخ، وفي حال ذكر كلمة الكردي في جملة ما، تفتح الجهات العدلية والقضائية التحقيقات بحق أصحاب تلك الجمل والكتابات.

وبحسب الصحفي نفسه: "إن نظام العدالة في تركيا لا يعمل بشكل مستقل، وهو ليس سلطة منفصلة. فهو يتصرف ويتحرك وفقًا لسياسة الدولة. وكان الحديث عن "وجود مشكلة كردية"، و"وجود تفاوتات اقتصادية ثقيلة"، و"إن الدين يتعرض للإهمال" يُعدّ سببًا للمحاكمة، بل دعك من ذكر المشكلة، فمجرد ذكر كلمة "كردي" كانت مشكلة بحد ذاتها، وكان الذين في العراق يسمون بـ"البشمركة" لتجنب ذكر كلمة "الكردي".

إن ثقافة الخوف التي تُعد إحدى العراقيل في وجه حرية الصحافة والتي أنتجت من خلال الحذر من الرجعية والانفصالية، قد تم إبقاؤها على جدول الأعمال من خلال منشورات الإعلام أيضاً.

وبحسب صحفي آخر من منشأ أكاديمي فإن مصدر المشكلات التي تخص حرية الصحافة في تركيا هو دستور 12 أيلول ونظام الانقلاب.

عاشت تركيا -وإن لم يكن في المجال القانوني- فترة راحة فعلية خلال العهد الأول من حكومة حزب الوطن الأم (1983- 1987)، إلا أنه خلال فترة قصيرة من الصراع مع بي كا كا (حزب العمال الكردستاني)، وُضِعت خطوط حمراء جديدة أمام الصحافة، وسُجّلت "الجرائم الإرهابية" عقبة جديدة أخرى أمام حرية الصحافة.

واعتبارًا من عام 1992 الذي شهد إلغاء المواد الدستورية 141و142 و163 التي تسببت في فتح الطريق في الماضي أمام العديد من الانتهاكات الكبيرة حول حرية التعبير- أُخرِجت تهمة "الترويج للشيوعية" من كونها جرائم وتهمًا صحافية.

واعتبارًا من هذا التاريخ أصبحت الأولوية تتوجه نحو المشكلة الكردية من بين المشكلات الأخرى، وأخذ الإعلام يتصرف في هذا الموضوع بحساسية ودقة، بل أُريد منذ تلك الفترة، دعم سياسة الدولة في تحقيق الأمن وحصر المشكلة الكردية بمسألة الأمن العام وقضية الإرهاب.

وأما الخوف الآخر الذي استمر طوال سنوات العهد الجمهوري إلى جانب المخاوف الانفصالية، فهو الخوف من "خطر الرجعية".

وتحديدًا خلال التسعينيات ومع وصول حزب محافظ إلى الحكم من خلال الانتخابات- ازداد تأثير ضغط "خطر الرجعية" على المجتمع بشكل عام وعلى الإعلام بشكل خاص.

ففي هذه الفترة ولأول مرة في تاريخ الجمهورية تولى حزب عُرِف بخلفيته الإسلامية مهمة تشكيل الحكومة من خلال انتخابات ديمقراطية.

وفي عام 1996 أُعلنت قوى الوضع الراهن التي تمثّل الأيديولوجيا الرسمية أن حزب الرفاه الذي شكل حكومة ائتلافية مع حزب الطريق القويم حزب غير شرعي، وتدخل العسكر في الأمر.

بدأت الأطراف الموالية للأيديولوجيا الرسمية خلال هذه الفترة والتي تُسمى بفترة 28 من شباط بحملة من خلال مفهوم ومصطلح "الرجعية"، وأصبحت الصحافة العنصر الأهم لهذه الفترة، حيث أدّى الإعلام من خلال الإسهام في تأسيس فريق الرجعية دورًا عمليًّا في عملية انقلاب قوى الوضع الراهن على حكومة وصلت إلى السلطة بالانتخابات، وبهذا الوضع أُسقِطت حكومة الرفاه والطريق القويم، أُغلِق عقبه حزب الرفاه، ثم حزب الفضيلة الذي أُسّس بعده.

إلا أن تسارع الإصلاحات التي تخص الصحافة أسهم -مع وصول حزب سياسي جديد منفصل عن السياسة التقليدية إلى الحكم عام 2002- في مرونة حملة التضييقات التي كانت مفروضة على الصحافة، إلا أنه لم يلغها تمامًا.

وفي لقاء مع أحد الصحفيين حول هذه النقطة أوضح أن مجال حرية الصحافة في تركيا خلال السنوات العشر الأخيرة تتجه نحو منحى إيجابي بعد الصراع الذي قام به الأكراد والمسلمون السُّنّة في تركيا ضد الكمالية، إلا أن هذا الأمر لم ينعكس على الإعلام بشكل كافٍ.

لاشك أن حرية الصحافة تستطيع أن تجد لها مكانًا ضمن مجتمع ديمقراطي ونظام سياسي، وفي إطار ذلك فإن إمكانية استمرار الصحافة بفعالياتها بشكل حر، من أهم الشروط التي تواجهنا ضمن عملية التحول إلى النظام الديمقراطي في تركيا.

إلى جانب ما يقابل معنى حرية الصحافة بشكل فعلي يجب ألا يُهمل معناها الرمزي، وفي هذا الجانب، فإن "حرية الصحافة" من أهم المؤشرات التي تدل على التحوّل إلى النظام الديمقراطي، كما أن حرية الصحافة لا تتحقق دون وجود حرية الدين والوجدان، وحرية التعبير والتنظيم.

وإن المنظمات الدولية كمحكمة حقوق الإنسان الأوروبية والمجالس النيابية للبرلمان الأوروبي أيضًا تؤكّد أن حرية الصحافة واستقلاليتها مؤشر وحيد على المجتمعات الديمقراطية.

عند الوقوف على البعد السياسي لحرية الصحافة في تركيا يجب أيضًا تأكيد وجود "ثقافة التهديد" التي تطال الصحفيين. وتوصف ثقافة التهديد هذه، بأنها محاولة للترهيب والتخويف غير الشرعي، وبسبب تعرض الإعلاميين "لمحاولات الترعيب والتخويف" ضمن ثقافة سياسة التهديد المؤسَّسَة في تركيا، فإن ذلك يُعدّ من أهم العناصر التي توجب على السلطة مراقبتها.

إن مجلة "نقطة" بإدارة ألبر غورموش التي أثّرت بنشرها "اليوميات" الخاصة بمحاولات الانقلاب على حكومات حزب العدالة والتنمية- في تغيير سير الحياة السياسية التركية، أُغلِقت بعد أن أصدرت النيابة العامة العسكرية أمرًا بتفتيش مقر المجلة، وإثر تصريح صاحبها أن "المجلة فقدت قدرتها على استمرار الصدور بسبب حملة التشويه ضدها".

ويتعرض العديد من الصحفيين للتهديد من قبل أشخاص يدّعون أنهم يحملون صفة وهوية رسمية، وهذا الأمر يفتح الطريق أمام الصحفيين للذهاب إلى الرقابة الذاتية في منشوراتهم.

ويفترض الأشخاص الذين ليس لديهم معلومات كافية عن التوتر السياسي وبيئة الصراع في تركيا، وعن مواقع الممثلين السياسيين، أن هذه التهديدات تأتي من قبل الحكومات السابقة، و من النخب التي نظمّت محاولات انقلاب على الحكومات بعد عام 2002 مما يجعلهم يتغاضون عن دورهم الريادي في تلك الفترة.

ومن بين الموضوعات والأمور التي ينبغي ألا تُهمل خلال الحديث عن حرية الصحافة في تركيا- موضوع حظر الدخول إلى شبكة الإنترنت، وكان أول ظهور لهذا الأمر على جدول الأعمال في تركيا عام 2007 إثر حظر الدخول إلى موقع اليوتيوب بقرار من المحكمة لوجود مقاطع فيديو تحوي على إساءات لأتاتورك، واستمر اليوتيوب محظورًا حوالي سنتين ونصف، وانتهى الحظر عقب قيام شركة بشراء حقوق النشر لمقاطع الفيديو السابقة وحذفها من موقع اليوتيوب.

في هذه الفترة كان الحظر يشمل أولًا الصفحة الإلكترونية التي تضم اسم يوتيوب أو عنوان الـ IP، ثم حُظِر -ومن خلال التحسينات القانونية والتقنية- الدخول إلى محتويات معينة وتأمين استمرار الدخول إلى الصفحة الإلكترونية.

إلى جانب ذلك، ووفق القانون رقم 5651 ومن خلال التعريف بالجرائم التي تضم الاستغلال الجنسي، والتشويق لتعاطي المواد المخدرة، وتأمين المواد الضارة والخطيرة بالصحة والقمار- أُلغي تطبيق الحظر التعسفي في هذا المجال.

إن مسار النقاشات حول قرارات حظر الدخول تشكل أهمية كبيرة من حيث إظهارها الممثلين، والعادات، والعقليات التي تقوم بتقييد حرية الصحافة في تركيا.

في الوقت الذي كانت الأطراف الإعلامية والأطراف المعنية الأخرى تقوم بانتقادات تصنيفيّة، في إطار حرية الصحافة، لعمليات حظر الدخول للمواقع والمنشورات التي حُظِرت خلال عامي 2014 و2015 بناء على قرارات المحاكم، بسبب كونها داعمة للإرهاب- وُجِّهت انتقادات هزيلة إلى حظر اليوتيوب خلال عام 2007، والذي استمر لمدة عامين ونصف، وذلك لأن ذلك كان بسبب احتواء هذه المواقع على محتويات مسيئة لأتاتورك.

ويوضح لنا ما ذكره بعض من قابلناهم ضمن إطار هذا البحث أو ما ذكره أحد مديري قطاع الوصول إلى نظام الإنترنت في تركيا، وأيضًا ما ذكره محامي تكنولوجيا المعلومات الذي هو أحد أعضاء الهيئة الإدارية في النظام- أن الوصايا البيروقراطية من أكبر العقبات التي واجهت حرية الصحافة في تركيا خلال عام 2015.

"على عكس ما هو معتقد، يظهر أن أكثر المبررات انتشارًا لحظر الدخول إلى الانترنت في تركيا، ليس هو الإساءة إلى أتاتورك أو إلى رئيس الجمهورية، بل الإساءة إلى فتح الله كولن، إذ يفتح فتح الله كولن من خلال محاميه الكُثُر دعاوى لحظر الدخول على الأخبار الإلكترونية التي تنتقده، وبعد رد المحكمة لطلب القضية، والعثور على قاضٍ منسوب لجماعة كولن تُنقَل القضية إلى محكمة في محافظة أخرى".

على الرغم من التحسينات التي جرت في الآونة الأخيرة، فإن لنظام الدخول إلى الإنترنت في تركيا جوانب من شأنها تقييد حرية الصحافة، إلا أنه وكما رأينا في الأمثلة الأخيرة، فإن العناصر التي تشكّل التهديد الأوسع على حرية الصحافة، هي من قبل مجموعات أيديولوجية رسمية، ومن التنظيمات المتكونة داخل الدولة، أكثر من أن تكون من السياسيين المنتخبين.

الخاتمة

إن حرية الصحافة بالنسبة لإدارة دولة ديمقراطية وللمجتمع، وبالقياس مع الكثير من العناصر الأخرى- مساحة لها ثقلها النوعي وأهميتها الرمزية، وستكون السياسة التي تمتلك القوى التشريعية والتنفيذية، من خلال القوانين التي تصدرها وسيطرتها على أجهزة الدولة، أكثر البؤر التي لها إمكانية تقييد حرية الصحافة.

ومِن ثَمّ فإن السياسة بوصفها قوة والسياسيين بوصفهم ممثلين أولى الوجهات التي تتجه الأنظار إليها عندما يكون يتعلق الأمر بحرية الصحافة، لذلك إذا نظرنا إلى حرية الصحافة في تركيا من هذا المنظور، فإننا نجد استمرار العديد من القيود الشبيهة بعقلية الممنوعات بحق الصحفيين، وعلى الرغم من الإصلاحات القانونية التي نُفِّذت لا تزال هناك قضايا حقوقية تتسبب بثقل مادي ومعنوي للصحفيين، وإن لم تنته بالعقوبات الجزائية.

وقد رأينا في الانتخابات العامة التي جرت في السابع من حزيران 2015، كيف أن ناخب حزب العدالة والتنمية الذي اتّهمه معارضوه بتأسيس نظام حزب واحد سلطوي استبدادي ومحاولة ممارسة الضغوط على الصحافة- استطاع أن يحدد القوة السياسية لحزبه عند تطلب الحاجة.

إلا أن المشكلات البنيوية فيما يخص حرية الصحافة في تركيا لا تزال مستمرة إلى الآن، وكما رأينا في المثال السابق فإن من الممكن تغيير استخدام السياسيين للقوة بالطرق والسبل الديمقراطية، ويمكن أيضًا تحديد قواهم أو سحبها من أيديهم بشكل كامل.

إلا أن تحديد ومراقبة بؤر القوى التي تحيط حتى بالسياسيين المنتخبين بشكل مباشر أو غير مباشر أمر صعب إلى درجة لا تُقاس بالتي عند السياسيين، ولهذا السبب من الخطأ النظر إلى مسألة حرية الصحافة في النموذج التركي من منظور علاقة القوة بين السياسيين والإعلام فقط، ففي تركيا هناك قوى مهيمنة تضيّق حتى على سلطات السياسيين المنتخبين، وإن كون الإعلام الرئيس جزءًا من الكتلة المهيمنة على المستويات الثقافية، والأيديولوجية، والاقتصادية المختلفة، يشكل مجال أزمة أكبر وأعمق بالنسبة لحرية الصحافة.

ولهذا السبب، فإن المناقشات حول حرية الصحافة في تركيا من منظور التحول الديمقراطي في القطّاع الذي يتضمن الإعلام الحيادي، والمستقل، والمحمي تجاه الكتلة المهيمنة والأيديولوجيا الرسمية التي تشكّل مصدرًا لها، وإلى جانب منظور وجوب كون القطاع حياديًّا ومحميًّا تجاه القوة السياسية- ستكون أكثر صوابًا.

 

 

الهوامش والمراجع:

[1]Ekonomi-politik yaklaşımın örnekleri için bakınız: E. S.  Herman & N. Chomsk, Manufacturing Consent: The Political Economy of the Media (New York: Pantheon Books, 1988)  A. R. Kaya, İktidar Yumağı: Medya, Sermaye, Devlet (Ankara: İmge Kitabevi, 2009).

للاطلاع على أمثلة المبادرة الاقتصادية– السياسية انظر: E. S.  Herman & N. Chomsk, Manufacturing Consent: The Political Economy of the Media (New York: Pantheon Books, 1988)  . أحمد رشيد قايا، كرة السُلطة: الإعلام، الرأسمال، الدولة (أنقرة: مكتبة إيمغا، 2009).

 

[1]Tartışmanın bu yönü için bakınız: H. Topuz, II. Mahmut’tan Holdinglere Türk Basın Tarihi (İstanbul: Remzi Kitabevi, 2003).

للاطلاع على وجهة هذا النقاش انظر: حفظي طوبوز، تاريخ الصحافة التركية من محمود الثاني إلى الشركات القابضة (إسطنبول: مكتبة رمزي، 2003)

[1]O. Koloğlu, Osmanlı’dan 21. Yüzyıla Basın Tarihi (İstanbul: Pozitif Yayınları), s. 114.

أورهان كول أوغلو، تاريخ الصحافة من العثمانيين وحتى القرن الحادي والعشرين (إسطنبول: دار بوزيتيف للنشر) ص114.

 

[1]Z. B. Vardal, “Türkiye’de Basın Özgürlüğü ve 2003 Yılı Sonrası Uygulamalar”, yayımlanmamış doktora tezi, İstanbul Üniversitesi, Sosyal Bilimler Enstitüsü, 2014, s.116-118.

زينب بورجو واردال ‘‘حرية الصحافة في تركيا والممارسات التي بعد عام 2013’’، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة إسطنبول، معهد العلوم الاجتماعية، 2014، ص. 116– 118.

[1]A.g.e., s. 123.

 

[1]A.g.e., s. 118.

 

[1]A.g.e., s. 129.

 

[1]Ş. Mardin, “Center-Periphery Relations: A Key to Turkish Politics?” Daedalus: Journal of American Academy of Arts and Sciences, Vol. 102, No. 1 (1973), s. 169-190.

ماردين، " Center-Periphery Relations: A Key to Turkish Politics?” Daedalus: Journal of American Academy of Arts and Sciences, Vol. 102,". رقم. 1 (1973)، ص169– 190.

 

[1] N. Gürkan, Türkiye’de Demokrasiye Geçişte Basın (1945-1950) (İstanbul: İletişim Yayınları, 1998), s. 67.

نيلغون غوركان، الصحافة في الانتقال إلى الديمقراطية في تركيا (1945 – 1950) (إسطنبول: دار إلتيشيم للنشر، 1998)، ص 67.

[1]A.g.e.

 

[1]Z. B. Vardal, “Türkiye’de Basın Özgürlüğü ve 2003 Yılı Sonrası Uygulamalar”, yayımlanmamış doktora tezi, İstanbul Üniversitesi, Sosyal Bilimler Enstitüsü, 2014, s. 129.

زينب بورجو واردال. ‘‘حرية الصحافة في تركيا والممارسات التي بعد عام 2013’’، رسالة دكتوراه غير منشورة، جامعة إسطنبول، معهد العلوم الاجتماعية، 2014، ص129.

 

[1]Aydınların cumhuriyetle kurduğu ilişkinin bu yönü için bakınız: A. İ. Demir, Cumhuriyet Dönemi Aydınlarının İslam’a Bakışı (İstanbul: Ensar Neşriyat, 2004), s. 49-58.

للاطلاع على وجهة العلاقة التي أنشأها المثقفون مع الجمهورية انظر:  أحمد إسحاق دمير، نظرة المثقفين إلى الإسلام في العهد الجمهوري (إسطنبول: دار أنصار للنشر، 2004)، ص49– 58.

 

[1]A. Gramsci, Selections from the Prison Notebooks (London: Lawrence and Wishart, 2005), s.57-58.

 

  1. Gramsci, Selections from the Prison Notebooks (London: Lawrence and Wishart, 2005), ص. 57 – 58.

 

 

[1] A.g.e., p.9.

 

 

 

 

 

 

 

[1]Basının darbe dönemlerindeki performansını, gazetelerin içerikleri üzerinden okumak mümkündür. Bu çerçevede bakınız: H. Tek, Darbeler ve Türk Basını. (Ankara: Elips Kitap, 2007).

 

يمكن قراءة أداء الصحافة في أثناء عهود الانقلاب من خلال محتويات الجرائد آنذاك. في هذا الإطار يمكن الاطلاع على: حياتي تاك، الانقلابات والصحافة التركية. (أنقرة: دار أليبس، 2007).

 

[1]İ. Çağlar, “Good and Bad Muslims, Real and Fake Seculars: Center-periphery Relations and Hegemony in Turkey through the February 28 and April 27 Processes”, Unpublished PhD thesis, Leiden University, Department of Turkish Studies, 2013, s. 60.

 

إسماعيل جاغلار، Good and Bad Muslims, Real and Fake Seculars: Center-periphery Relations and Hegemony in Turkey through the February 28 and April 27 Processes”, Unpublished PhD thesis, Leiden University, Department of Turkish Studies, 2013,، ص. 60.

 

[1]“453 Kitap Artık Yasak Değil”, Sabah, 6 Aralık 2012, http://www.sabah.com.tr/kultur_sanat/2012/12/06/453-kitap-artik-yasak-degil

 

"لم يعد الـ 453 كتابًا ممنوعًا بعد الآن"، جريدة الصباح، 6 كانون الأول 2012، http://www.sabah.com.tr/kultur_sanat/2012/12/06/453-kitap-artik-yasak-degil

 

 

[1]Basının bu tutumu için bakınız: L. D. Tılıç, Utanıyorum ama Gazeteciyim: Türkiye’de ve Yunanistan’da Gazetecilik (İstanbul: İletişim Yayınları, 2009), s. 313-319.

 

للاطلاع على موقف الصحافة انظر: دوغان طيليج، أستحي لكنني صحفي: الصحافة في تركيا وفي اليونان (إسطنبول: دار إلتيشيم للنشر، 2009)، ص313–319.

 

[1]A. Görmüş, Büyük Medyada Ergenekon Haberciliği (İstanbul: Etkileşim Yayınları, 2011), s. 218-219.

ألبر غورموش، العمل الإخباري الأرغنيكوني في الإعلام الكبير (إسطنبول: إيتكيلاشيم للنشر، 2011)، ص218–219.

 

[1]D. Horozgil, “İfade ve Basın özgürlüğü Çerçevesinde Soruşturma Evresinde Yayın Yasakları Üzerine Bazı Tespit ve Değerlendirmeler,” Hacettepe Hukuk Fakültesi Dergisi, Vol. 2, No. 2 (2012), s. 149.

 

دنيزهان هوروزغيل. ‘‘تقييم لبعض التثبيتات حول ممنوعات النشر التي تكون طور البحث في إطار حرية التعبير والصحافة’’، مجلة كلية الحقوق في حاجت تبه، رقم2 (2012)، ص149.

 

[1]Alper Görmüş yönetimindeki Nokta Dergisi ve “darbe günlükleri”nin hikayesi için bakınız: A. Görmüş, Büyük Medyada Ergenekon Haberciliği (İstanbul: Etkileşim Yayınları, 2011), s. 63-112.

مجلة نقطة بإدارة ألبر غورموش، وللاطلاع على حكاية ‘‘يوميات الانقلاب’’ انظر: ألبر غورموش، العمل الإخباري الأرغنيكوني في الإعلام الكبير، (إسطنبول: أتكيلشيم للنشر، 2011)، ص63– 112.

 

[1]M. Tumay, “Denetim ve Özgürlük İkileminde İnternet Erişimi,” SETA Analiz, No. 113 (2015), s. 12.

مراد طوماي، ‘‘الوصول إلى الإنترنت ضمن ثنائية المراقبة والحرية’’، تحليل مركز البحوث السياسية والاقتصادية والاجتماعية (SETA)، رقم113 (2015)، ص12.


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...