رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


| المقالات والدراسات < رؤية تركية

دروس من كارثة الزلزال

إن الناظر إلى التعامل الأولي لكارثة من هذا النوع، يمكن أن يقف على الكثير من الدروس التي ينبغي تعلمها خاصة أنه بات معلوما أن المنطقة تقع فوق خطوط صدع زلزالية يمكن أن تتحرك مرة أخرى متسببة في زلازل وفق ما يقول خبراء الجيولوجيا.

دروس من كارثة الزلزال

لا زالت النتائج النهائية لفاجعة الزلزال الذي ضرب جنوب شرق تركيا وشمال سوريا لم تتضح بعد حتى مع الإعلان عن تجاوز عدد الضحايا إلى أكثر من 5000 في تركيا وحدها ولا تزال فرق الإنقاذ وإدارة الطواريء والكوارث تقوم بالعمل في المناطق المنكوبة. وفي شمال سوريا ارتفع العدد إلى أكثر من 1000 مع وجود آلاف الجرحى وفي ظل بنية تحتية صحية ضعيفة جدا.
ومع انهيار آلاف المباني وتأثر ملايين من المواطنين الذين يسكنون المدن التركية والسورية التي أصابها الزلزال فإنه لا شك أننا أمام كارثة حقيقية في كل من تركيا وسوريا، وخاصة في المدن السورية التي تفتقر إلى وجود منظومة عمل حقيقية للإنقاذ والإيواء والتي عانت خلال السنوات الماضية من معاناة شديدة بسبب الحرب.
إن الناظر إلى التعامل الأولي لكارثة من هذا النوع، يمكن أن يقف على الكثير من الدروس التي ينبغي تعلمها خاصة أنه بات معلوما أن المنطقة تقع فوق خطوط صدع زلزالية يمكن أن تتحرك مرة أخرى متسببة في زلازل وفق ما يقول خبراء الجيولوجيا.
إن أول ما يتبادر للذهن هو ضرورة تدريب المواطنين تدريبا فاعلا على كيفية التعامل والتحرك لحظة الزلزال والاجراءات الواجب اتخاذها وقائيا قبل وقوع الزلزال ولذلك لتوفير الحماية الذاتية وتقليل مساحة وحجم الكارثة التي قد يصعب على أي طواقم التعامل معها مهما كان عددها.
أما الأمر الثاني وبالنظر إلى عدد العاملين مع هيئة إدارة الكوارث التركية في مناطق الكارثة قليل بالرغم من وجود عدد من قوات الدرك والجندرمة في تركيا أو الخوذ البيضاء في سوريا، فإنه لابد من تدريب عشرات آلاف المتطوعين على عمليات ومهارات الإنقاذ والإيواء والاتصال والتحرك من وإلى أماكن الكوارث من أجل القدرة على استنفارهم بشكل منظم في أوقات الكوارث.
وفي حالة تركيا يمكن الإشارة أن هذا الواقع موجود إن كان ليس كافيا، لكن بالنسبة للوضع في شمال سوريا فهو غير موجود ولذلك ينبغي على الجهات الممولة والداعمة أن تولي هذا الملف اهتماما أكبر.

ثالثا، يجدر أن تكون هناك مخازن كبيرة مجهزة بكافة أدوات الإيواء والأطعمة التي يمكن توزيعها بسهولة في لحظات الكوارث. وتكون هذه المخازن موزعة جغرافيا بحيث يمكن نقل المواد منها إلى الأماكن المنكوبة أو أماكن الإيواء.
رابعا، ترافقت مع كارثة الزلزال أجواء عاصفة ثلجية باردة صعبت عمليات البحث والإنقاذ وجعلت الناس العالقين تحت الأنقاض في حالات صعبة، ولهذا لابد من العمل على استحضار سيناريوهات الأجواء الباردة وتوفير ما يلزم لمواجهتها بأفضل شكل ممكن.
خامسا، يترافق مع الكوارث والأزمات انتشار معلومات مضللة بعضها يمكن أن يؤثر في الرأي العام سلبا وينشر الإحباط واليأس، ولهذا لابد من وجود آليات مكافحة للإشاعات والمعلومات المضللة، والعمل بدلا من ذلك على حملات تعبئة وطنية توجه المواطنين بالتعليمات الواضحة والدقيقة وتحث على التضامن والتعاضد في أوقات الأزمات وتنشر نماذج التعاون والتضحية والعطاء.
سادسا، إن وقت الكوارث هو وقت ينبغي أن يتم تجنيبه التنافس السياسي، حيث يجب تأجيل أي حالة من حالات التنافس السياسي بين الأحزاب والتيارات السياسية إلى ما بعد انتهاء الأزمة.
سابعا، ينبغي متابعة كافة الجهات الانتهازية غير الموثوقة التي تحاول استغلال الموقف لجمع الأموال والتبرعات لصالح المنكوبين، والتحذير منها، وهنا يقع على الجهات الرسمية ووسائل الإعلام دور مهم في مواجهة هذه الظاهرة.
ثامنا، مع توسع رقعة الكارثة يتم الوقوع في بعض الأحيان في خطأ الاهتمام ببعض الأماكن على حساب الأماكن الأخرى وأحيانا يكون ذلك لسهولة الوصول لهذه الأماكن أو لدور الإعلام في التركيز عليها، وهذا يجعل من الضروري توزيع الطواقم والإمكانيات بشكل متوازن على كافة أماكن الكارثة.
تاسعا، من المهم خلال أوقات الأزمات توجيه المتضامنين والمتبرعين نحو الاحتياجات الحقيقية اللازمة في الكارثة وتثبيت نقاط وأماكن سهلة لاستقبال الدعم المطلوب.
عاشرا، ينطبق الأمر السابق على الجهات الخارجية حيث من المهم أن يكون لدى الحكومة أو الجهات التي تدير المناطق المنكوبة خطط معدة مسبقا تشمل ما الذي يمكن للجهات الخارجية تقديمه في لحظة الأزمة وبالتالي التواصل مع هذه الجهات لتأمين أدوات وإمكانات الدعم المطلوبة.

نتمنى أن لا تكون الخسائر كبيرة وأن لا نفجع بأخبار صادمة، وفي الحقيقة مرة أخرى إن الكارثة كبيرة ومفجعة ولكن أمام هذا النوع من الكوارث لابد من عدم الاهتزاز أكثر من لحظة الزلزال والتحكم في المشاعر والعواطف من أجل التعامل معها بشكل صحيح ومنع تفاقم آثارها وتداعياتها. إنه وقت التعاضد والتعاون والوحدة والوقوف يدا واحدة.


ملصقات
 »  

نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...