رؤية تركية

دورية محكمة في
الشئون التركية والدولية


| المقالات والدراسات < رؤية تركية

فهم الحرب الأهلية السودانية 2023: الجذور التاريخية والديناميات الحالية والآفاق المستقبلية

مرّ نحو سنة ونصف على الحرب الأهلية في السودان الذي يُعَدّ الجسر الرابط بين إفريقيا والشرق الأوسط، وهي من أكثر الحروب الأهلية تدميرًا في تاريخ البلاد؛ بسبب أثرها المدمّر، وتهديدها المستمر للمدنيين ومؤسسات الدولة. ولحجم هذه الحرب الأهلية وتكلفتها آثار بعيدة المدى لا على السودان فقط، بل على المنطقة والمجتمع الدولي أيضًا، فقد شردت ملايين الأشخاص، وتسببت في أزمة إنسانية كبيرة، وتهدّد الاستقرار الإقليمي؛ كما أنّ خطر انتشار الحرب الأهلية في السودان قد يؤثر في البلدان المجاورة، ويتسبب في موجة أوسع من عدم الاستقرار في المنطقة.

فهم الحرب الأهلية السودانية 2023: الجذور التاريخية والديناميات الحالية والآفاق المستقبلية

يمتلك السودان حدودًا برية مع كل من مصر وليبيا وتشاد وجمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان وإثيوبيا وإريتريا في القارة الإفريقية، ويمتلك ساحلًا على البحر الأحمر شرقًا. وفي هذا الإطار، يقع السودان على طريق عبور مهمّ ضمن طرق التجارة العالمية عبر البحر الأحمر. بالإضافة إلى ذلك، يتميز السودان بموقع مهمّ بالنسبة للمملكة العربية السعودية التي تقع على الشاطئ المقابل للبحر الأحمر في السودان. من ناحية أخرى، يُعَدّ السودان بلدًا متميزًا في القارة الإفريقية بتعداد سكانه البالغ 51 مليون نسمة قبل الحرب الأهلية، ومساحته الكبيرة، وموارده الجوفية والباطنية. علاوة على ذلك، فإن مرور جزء كبير من نهر النيل عبر أراضيه يزيد من الأهمية الجيوسياسية للسودان.

و لِمَا سبق ذِكرُه يُعَدّ السودان ساحة صراع مهمّة في إفريقيا؛ بسبب موقعه الإستراتيجي وموارده، وبالإضافة إلى خطر تأثير السودان بشكل كبير في الصراعات الإقليمية في جواره، نجد أنه يواجه دائمًا خطر التأثر بالصراعات والمشكلات داخل المنطقة. وفي سياق نهر النيل، فإن مشكلات مصر مع إثيوبيا حول المياه العابرة للحدود قد تؤدي إلى تحديات في مناطق مختلفة داخل القارة. وفي هذا الصدد، فإن التطورات في شمال إفريقيا، والمستجدات في منطقة الخليج ببُعدها الخاص بالبحر الأحمر والمملكة العربية السعودية وبخاصة التطورات في شرق إفريقيا ومحور الساحل الإفريقي- توسِّع من دائرة تأثير الأزمة، لذلك فإن كل التطورات التي تحدث في السودان وما حوله تضعه في قلب صراع القوى الإقليمي والعالمي.

ومن الجدير بالذكر أن السودان واجه انقلابات وصراعات داخلية منذ خمسينيات القرن الماضي حتى يومنا هذا، وفي الوقت الحاضر تظهر مرة أخرى أحداث مشابهة لأوضاع الماضي. في عام 2011 انفصل جنوب السودان عن السودان، وبدأ الجنوب مستقلًّا يُعامَل بوصفه دولة جديدة ضمن النظام الدولي. وكان السودان قبل انفصال جنوب السودان عنه أكبر دولة في القارة الإفريقية من حيث المساحة.

بدأت الحرب الأهلية الحالية في السودان بتاريخ 15 أبريل/نيسان 2023، وبذلك يكون قد مرّ نحو سنة ونصف على اندلاع القتال في العاصمة السودانية الخرطوم، ثم امتدّ إلى مدن أخرى في وسط البلاد، وعلى الرغم من أن السودان واجه حروبًا أهلية أكثر من مرة من قبل إلا أن بيئة الحرب الأهلية الحالية تبرز كأكثر البيئات تدميرًًا؛ بسبب تهديدها المدنيين ومؤسسات الدولة.

استنادًا إلى ما سبق، يظهر أن الجذور التاريخية والديناميكيات الحالية والعواقب المستقبلية المحتملة للحرب الأهلية في السودان- ذات أهمية حاسمة، لا بالنسبة للسودان فقط، بل بالنسبة لاستقرار شرق إفريقيا والشرق الأوسط أيضًا، ويشكل هذا الخطاب الحجة الرئيسة لهذه الدراسة؛ إذ تتمثل منهجية الدراسة في تحليل العملية، وتحليل البيانات التي تحقق الحصول عليها من المنظمات الدولية لتحليل السياسات الإقليمية والدولية. ومما لا شك فيه أنّه يمكن وضع حدّ لهذه الحرب الأهلية ووقفها من خلال التعاون الدولي، ومشاركة الفاعلين الإقليميين.

بعد مرور أكثر من عام على الحرب الأهلية التي بدأت في 15 أبريل 2023 في السودان يناقش هذا البحث ما يأتي: من أين أتت الأزمة في السودان؟ تكلفة الأزمة، الجهات الفاعلة في الأزمة، سياسات وأهداف القوى الدولية في السودان، الخطوات والمبادرات المتخذة لحل المشكلة؛ مع تحليل ما إذا كانت هناك أزمة دارفور جديدة محتملة في المستقبل، وأخيرًا اقتراحات لحل الأزمة.


نحن نستخدم ملفات تعريف الارتباط بطريقة محدودة ومقيدة لأغراض محددة. لمزيد من التفاصيل ، يمكنك الاطلاع على "سياسة البيانات الخاصة بنا". أكثر...