في خضم الحديث الجدل الدائر حول إنشاء منطقة آمنة شرقي نهر الفرات شمالي سوريا، من المتوقع أن يستمر النقاش حول هذه القضية بكافة أبعادها خلال الفترة القادمة. توجد خطط عديدة تنافس بعضها بعضًا بخصوص هذا الشأن، في حين تواصل أنقرة مفاوضاتها مع واشنطن وموسكو في آنٍ واحد. فالولايات المتحدة تبحث مقترح الرئيس ترامب بخصوص إنشاء منطقة آمنة بعمق 20 ميلًا، المقترح المتوقع مشاركة تفاصيله الأولية مع أنقرة عن طريق جيمس جيفري، المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى سوريا، خلال زيارته المرتقبة لأنقرة. قد يتضمن المقترح بعذ التغيرات بخصوص عمق المنطقة الآمنة بشكل يحافظ على مستوى تواجد القوات الأمريكية على الأرض، سيما أن إدراة ترامب أكدت مواصلتها السيطرة على المجال الجوي السوري هناك.
مع العلم بأن حماية مقاتلي وحدات حماية الشعب (YPG) ومراعاة اعتبارات تركيا الأمنية ليس بالأمر الهين على الإطلاق. تؤكد أنقرة بدورها قدرتها على فرض منطقة خالية من الإرهاب بنفسها؛ وعلى الرغم من معارضة الأتراك لحل شبيه بذلك الذي في شمال العراق، يبدو أنهم منفتحين للعمل مع الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا.
قدم الروس خطتهم خلال زيارة الرئيس رجب طيب أردوغان إلى روسيا الأربعاء الماضي. صرح بوتين خلال الزيارة لنظيره التركي بأن اتفاقية أضنة الموقعة بين تركيا وسوريا عام 1998 مازلت سارية ومفعلة، والتي من شأنها أن تكون أساسًا لجهود تركيا في حماية حدودها ومواجهة الإرهاب.
أشار أردوغان في كلمة له في الأكاديمية العسكرية التركية الخميس الماضي إلى أن المقترح الروسي من الممكن أن يفعل وأن "اتفاقية أضنة نصت على استسلام المنظمات الإرهابية الانفصالية لنا، وقد تم ذكر هذه الاتفاقية أثناء محادثتنا مع الرئيس فلاديمير بوتين مما ساعدنا على أهمية إعادة طرحها من جديد على الطاولة". ما يهدف إليه الرئيس الروسي هو حث تركيا على التعاون مع النظام السوري، بحيث يسيطر بشار الأسد على كل المناطق التي كانت مملوكة من قبل وحدات حماية الشعب، بعد انسحاب القوات الأمريكية من سوريا. في نفس الوقت، أشار بوتين إلى معاهدة أضنة من أجل ضمان أن تتمحور المنطقة الآمنة حول تأمين الحدود. وأخيرًا، أرسل القائد الروسي رسالة لمقاتلي وحدات حماية الشعب يشجعهم على الاستمرار في الحوار مع النظام.
يمكن القول أن الجدل حول معاهدة أضنة كان بداية مباحثات تركيا مع موسكو حول إنشاء المنطقة الآمنة، وكان تأكيد أردوغان على استسلام وحدات حماية الشعب، وذراعها السوري (YPG) لتركيا من الأهمية بمكان. في إشارة واضحة إلى أن الاتفاقية لا تنص فقط على تسليم قائد وحدات حماية الشعب فقط إلى تركيا، ولكنها تلزم سوريا بمعاملة وحدات حماية الشعب على أنهم منظمة إرهابية مما يستلزم حظر أنشطتها ومحاكمة أفرادها.
ويبقى السؤال هو هل بإمكان نظام الأسد أن يحظر وحدات حماية الشعب وأن يسلم مقاتليهم إلى تركيا؟ على موسكو أن تفهم أن ضم مقاتلي وحدات حماية الشعب إلى قوات النظام لن يطمئن اعتبارات تركيا الأمنية، كما أن حلًا كهذا لن يمكن الروس من استميال ودعم وحدات الحماية الشعب بدلًاعن الولايات المتحدة. على النقيض، يحب أن يكون هدف روسيا الأساسي هو الحفاظ على شراكتها مع تركيا، والتي توثقت على المسرح السوري، خاصة وأنه طالما واصلت الولايات المتحدة سيطرتها على المجال الجوي، فإن موسكو مضطرة إلة تقديم مقترح أفضل من ذلك.
وفي المقابل فإن أنقرة تبحث كل المقترحات المقدمة إليها بحسن نية لتؤكد للعالم حقيقة ما قاله الرئيس أردوغان أننا " لا نطمع لاحتلال أراضي في سوريا. يكفينا أراضي بلادنا. تركيا هي البلد الوحيد الذي يتواجد في سوريا لغايات إنسانية".
هذا المقال مترجم خصيصًا عن موقع سيتا.